الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَاتيلدْ دُو لَامُولْ تطبعُ قبلةً على شفاهنا ثم نموت

عبد الله خطوري

2023 / 5 / 10
الادب والفن


قبل الثالثة والعشرين يغير الإنسان العالم أو يموت .. كذلك تكلم جوليان .. كان أول عهد لي بهونري الهبيل أو صَنْدَال(هو هونري بيل سْتَاندال لكن هكذا كنا نتندر بيننا في نطق آسميْه محرفَيْن على سبيل الدعابة لا غير) زمن الرابعة إعدادي الكاتريام النسخة القديمة(التاسعة حاليا، وشهادة البروفي قديما شحال هادي)، في إحدى إعداديات مدينة وجدة "عقبة بن نافع" بداية تدشينها وآنطلاقتها، كنا نطلق عليها نعت "الشاربون" ههه نسبة الى الفحم الحجري الذي كان يحاذيها، وتلك حكاية جيرمينالية أخرى".. مع أستاذ الفرنسية الفذ (سي المنتوسي) رحمه الله حيا وميتا، الذي جعل بطريقته الخاصة يحفزنا لمتابعة قراءة (الأحمر والأسود) في نسختها المختصرة، في آنتظار إتمام قراءتها كاملة آنتيغرال، راسمًا لنا بالحروف والكلمات والإيماءات صورا فنطاسمية وردية لجوليان سوريل وهو يصعد درجات عشق منحوس حابل بمطبات المحال، كدنكيشوت خائب يروم آرتقاء ما لا يمكن من فضاءات ومقامات بسرعة ضوء قبل يصل عمره مرحلة مشيب الأعمار، ليلقى حتفه دون تحقيق أحلام ليست توجد إلا في دماغه التواق الى امتطاء صهوة مجد بونبارت .. كانت فرنسا في عهد الفتى (سوريل) إقطاعية بآمتياز بمجتمع طبقي صارم في طبقيته يبدأ بقمة العائلة المالكة بأمرائها المختلفين تقفوها طبقة الدوقات ثم الماركيزات والكونتنات والفيكونتات والبارونات تتقاسم سلطها مع سلطة الكنيسة وسلطة الجيش .. لتبقى البقية متروكة لحالها بين رعية رعاع تتخبط في معيشها اليومي مسلمة مصائرها لسلط عالية لا قبل لها الا لمن خالجت نفسه خاطرة آختراق هذا التوزيع الصارم للسلط، وهو ما رامه (سوريل) وهو آبن نحار قروي بالأحواز قرر في سريرته أن يثبت ذاته في هذا المجتمع الثابت الجامد الصلب، فدرس وتثقف وتعلم اللاتينية وغدا كنسيا ضمن سدنة الكنيسة على أمل تسلل وشيك سريع في حاشية النبلاء؛ لكن مشكلة (سوريل) أنه أحدث كثيرا من الجلبة حوله مما لفت إليه الأنظار ل ... لَمْ نك لنعجب، ونحن في سن الغرارة، بمصير المقصلة، وجدناها صعبة عسيرة الهضم على قلوبنا الرهيفة التي اعتادت على دغدغات النهايات السعيدة في أفلام الهند ذاك الزمن؛ ولأنه أحس، ربما، بما يموج في حواسنا، راح مُدرسنا يفتح مآقينا المغلقة على إمكانات أخر لنهايات مفترضة محتملة تكتبها مخيلاتنا الناشئة؛ كانت حيلة تربوية جيدة، ألقت بالهوس الذي كان يتلبسنا الى غيابات محاولات التحبير بلغة العم "صندال" .. وأذنك ما تسمع غير النور ههه .. رحنا في تمريننا التعبيري التخيلي، نكتب نمزق نخربش نخرق نعيد المحاولة تلو المحاولة باحثين جاهدين على آفاق رحيبة غير صفاقة حدة شفرة المقصلة. كانت رأسنا على المحك، جعلنا نهرب بها نتحسسها حينا حينا لتظل فوق أكتافنا لا تبرحها دون نفقد الأمل ولو للحظة واحدة في زَمَّة مبتسرة من فم النبيلة (ماتيلد دو لامول) أو السيدة (مادام دورينال) تطبع شفتاهما على شفاهنا قُبلة الأحلام قبل حلول مقاصل الأعمار نغمض أثناءها أعيننا تالفين هائمين غير مبالين ننجح أو نسقط بعدها، نموت أو نحيا لا يهم لا يهم لا يهم ...

_ ستندال (1783-1842) روائي فرنسي.اسمه الحقيقي ماري هنري بيل Marie Henri Beyle يُعتبر أحد أبرز وجوه الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر.اتسمت آثاره، بطابع تمتزج فيه الواقعية بطابع رومنطيقي، بسخرية بارعة، بنفاذ نادر إلى أعماق النفس البشرية، وبنزوع واضح إلى النقد الاجتماعي.أشهر رواياته (الأحمر والأسود le Rouge et le noir) عام 1830 و(صومعة بارم) .. لقد وُصِفَ بكونه كان مربوع القامة أميل إلى القصر منتفخ الوجنتين بشعر أجعد وأسنان قبيحة كان بدينا ممتلئ الجسم معتزا بنفسه الى درجة الغرور محبا للمغامرات والسياسة وعلوم الرياضيات.كان يحس بالغبن اتجاه الصدى الذي قوبلتْ به رواياته في عصره (قد أكتبُ شيئا يمكن أن يتماشى مع ذوقي فقط ويمكن أن يعترف به كعمل في عام 2000) يعتبر علامة بارزة في أدب فرنسا القرن التاسع عشر، قرن الثورة الصناعية والثقافية معا، خاصة في روايتيه الشهيرتين "الأحمر والأسود" و"دير بارم" وتأتي أهمية أدب ستندال خصوصا في التحليل النفسي الواقعي للشخصيات ...
استوحى موضوع (الأحمر والأسود) من حادثة وقعت فعلا في فرنسا.لذلك أعطاها عنوانا فرعيا هو:"وقائع عام 1830" .. يعبّر عنوان الرواية "الأحمر والأسود"، عن الصراع بين روح الثورة العسكرية (التي يرمز إليها اللون الأحمر) وروح التقوى الدينية (التي يرمز إليها اللون الأسود) .. الشخصية الرئيسة (جوليان سوريل) ابن نشار خشب، شاب نشأ في وسط فقير جدا، ولكنه استطاع أن يفرض نفسه في الأوساط الاجتماعية العالية بفضل ذكائه وثقافته وطموحه. يحاول الدخول في السلك الكهنوتي كما يحاول الدخول في الحياة العسكرية. يعمل كمرب للأولاد عند عائلات ميسرة، في الريف أولا ثم في باريس، حيث يقع في غرام زوجة رب المنزل في فيريار (المحاولة الأولى للتسلق الاجتماعي) ثم في غرام آبنة رب المنزل في باريس المحاولة الثانية) .. وهنا، يحقق طموحه بأن يصبح ضابطا في الجيش فيقرر الزواج ليحسم الأمور ويحقق غايته، لكن طموحاته تتحطم على صخرة غيرة السيدة المحبوبة الأولى التي تتآمر عليه وتشي به إلى حبيبته الثانية وتسر لها بما كان بينها وبينه، فيفقد أعصابه ويطلق النار على الحبيبة الواشية، فيحكم عليه بالموت لتفصلَ رأسَه المقصلةُ ...
(مَنْ كان يمكنه أن يتنبّأ بأنّ ذلك الوجه الشاحب والناعم كوجه فتاة كان يخفي تصميما راسخا بأن يجازفَ بالموت ألف مرّة لكي يحصل على الثروة) .. عبارة يصفُ بها ستندال نفسية فتاه"جوليان سوريل" المُرَكَّبة، بين انطواء واقدام، بين نكوص واقبال، بين حياء وبسالة لحد التهور، بين خنوع وجسارة، بين رضوخ ومواجهة، بين خلسة واختلاس ومناورة ومواجهة ... ابن نجار بسيط في القرية يحلم بتقمص شخصية بونابارت، ينشأ في وسط فقير جدّا ويستطيع بفضل ذكائه ودهائه وثقافته وسِعة حيلته أن يفرضَ نفسَه على الأوساط الراقية في المجتمع الفرنسيّ .. ثقافتُه ونزوعاته الشخصيّة تتوزع بين محاولته ولوج السلك الكهنوتي، واستلابه من قِبَلِ الحياة العسكريّة التي كان معجبا بقائدها الأول آنذاك النبيل الاقطاعي السيد العسكري"نابليون بونبارت"..
تبدأ علاقتنا هنا عند التحاق "جوليان سوريل" بالعمل كمربّ للأولاد عند عائلة ميسورة في باريس "السيد والسيدة رينال" لِنَلِجَ الى دائرة "الثلاثية المقدسة: الزوج المحترم والزوجة العشيقة والمغامر" في العلاقات الانسانية غير المتكافئة .. فسرعان ما تُعْجَبُ السيدة (رينال) بحداثة سنه ووسامته وإتقانه اللاتينية وطريقة معاملته أبناءها وتعليمه اياهم الثقافة والفنون، في الوقت الذي كان فيه الزوج يلعب دور شخصية ما يصفه دوستويفسكي"زوجا أبديا" لا غير .. "دار غفلون ههه" بتعبير لساننا الدارج كما هو الشأن مع السيد بوفاري في رواية غوستاف فلوبير (مدام بوفاري وزوج (آنا كارنينا) لتولستوي ) .. تتطور علاقة العشيقين وتلتبس، لكن طموح الشاب كان أكبر من ارتباطه ب"مدام دو رينال"ومن عواطفها .. يسافر ليحققَ أحلامه ويصبح ضابطا في الجيش، ويعتزم الزواج بأخرى تحسن وضعيته الاجتماعية وتمكنه من طبقة الماركيزات؛ لكنّ مُشَغِّلَتَهُ وحبيبته الأولى تتدخّل بدافع الغيرة تحطم هذه الأحلام، فيفقد أعصابه، وفي لحظة ثورة عارمة من الغضب يطلق عليها النار، لتنتهي الرواية بإدانته والحكم عليه بالموت .. موتٌ مقصود تفرضه طبقة النبلاء على من لا طبقة له من الرعاع درسا لكل من تسول له نفسه منهم أن يفكر ولو مجرد تفكير في آختلاس قدم يطأها ضمن منظومة نظام مجتمع النبلاء الصارم المنيع .. موت يذكرنا بموت الآخرين والأخريات .. أنا كرنينا .. مدام بوفاري ووو... وأخريات بدون أسماء .. وكل الحالمين وجميع الحالمات .. وتسمرُّ الحكايةُ...

_متون من الرواية :
الف_(يطلق صيّاد رصاصة من بندقيّته، تسقط طريدةٌ، فيهرعُ لالتقاطها.يصطدمُ حِذاؤُه بقرية نمل بارتفاع قدمين، فيدمّرُ مساكنَ النمل وينثرُ بيوضَها بعيدا عنها .. لا تتوصّل أشدّ النملات فلسفة إلى فهم ماهية ذلك الجسم الأسود الضخم الرهيب، حذاءُ الصّيّاد الذي دخل مسكنَها فجأة وبسرعة البرق الذي يسبقه ضجيجٌ صحبتْهُ شراراتُ نارٍ حمراء)_صفحة 604 من رواية "الأحمر والأسود" لستندال ..

باء_لنلاحظ الاستعارة التي يوحي بها "جوليان سوريل" عن حالته الوجودية التي عاشها ويعايشها بطريقة تجعلنا نستحضر كتابة كافكا وألبير كامو في غريبه والوجوديين الذين ظهروا في القرن العشرين .. يقول قبيل تنفيذ حكم الاعدام في حقه: (لا معنى لليلٍ .. تولدُ ذبابةٌ عابرةٌ عند السّاعة التّاسعة صباحا في أيّام الصّيف الحارّة، وتموتُ عند الخامسة من بعد ظهر نفس اليوم، فكيف يمكنها أن تفهمَ كلمةَ ”ليل”؟ امْنَحْهَا خمس ساعات إضافيّة من الوجود، فتفهم عندها ما هو الليل).
_جوليان سوريل قبيل تنفيذ الاعدام.. رواية "الأحمر والأسود"ستندال صفحة 604

جيم_(وهكذا الموت والحياة والخلود، إنّها أمور بالغة البساطة لدى من يمتلك الأعضاء الكافية لفهمها.)
_جوليان سوريل قبيل تنفيذ الاعدام
رواية "الأحمر والأسود" ستندال
صفحة 604

_دال :
« Un roman est un miroir qui se promène sur une grande route. Tantôt il reflète à vos yeux l azur des cieux, tantôt la fange des bourbiers de la route. Et l homme qui porte le miroir dans sa hotte sera par vous accusé d être immoral ! Son miroir montre la fange, et vous accusez le miroir ! Accusez bien plutôt le grand chemin où est le bourbier, et plus encore l inspecteur des routes qui laisse l eau croupir et le bourbier se former ».

_هاء :
Avec la vivacité et la grâce qui lui étaient naturelles quand elle était loin des regards des hommes, Mme de Rênal sortait par la porte-fenêtre du salon qui donnait sur le jardin, quand elle aperçut près de la porte d entrée la figure d un jeune paysan presque encore enfant, extrêmement pâle et qui venait de pleurer. Il était en chemise bien blanche, et avait sous le bras une veste fort propre de ratine violette.
Le teint de ce petit paysan était si blanc, ses yeux si doux, que l esprit un peu romanesque de Mme de Rênal eut d abord l idée que ce pouvait être une jeune fille deguisée, qui venait demander quelque grâce à M. le maire. Elle eut pitié de cette pauvre créature, arrêtée à la porte d entrée, et qui évidemment n osait pas lever la main jusqu à la sonnette. Mme de Rênal s approcha, distraite un instant de l amer chagrin que lui donnait l arrivée du précepteur. Julien tourné vers la porte, ne la voyait pas s avancer. Il tressaillit quand une voix douce lui dit tout près de l oreille : – Que voulez-vous ici, mon enfant ?
Julien se tourna vivement, et frappé du regard si rempli de grâce de Mme de Rênal, il oublia une partie de sa timidité. Bientôt, étonné de sa beauté, il oublia tout, même ce qu il venait faire. Mme de Rénal avait répété sa question.
– Je viens pour être précepteur, madame, lui dit-il enfin, tout honteux de ses larmes qu il essuyait de son mieux.
Mme de Rênal resta interdite ils étaient fort près l un de l autre à se regarder. Julien n avait jamais vu un être aussi bien vêtu et surtout une femme avec un teint si éblouissant, lui parler d un air doux. Mme de Rênal regardait les grosses larmes, qui s étaient arrêtées sur les joues si pâles d abord et maintenant si roses de ce jeune paysan. Bientôt elle se mit à rire, avec toute la gaieté folle d une jeune fille elle se moquait d elle-même et ne pouvait se figurer tout son bonheur. Quoi, c était là ce précepteur qu elle s était figuré comme un prêtre sale et mal vêtu, qui viendrait gronder et fouetter ses enfants !
– Quoi, monsieur, lui dit-elle enfin, vous savez le latin ?

_Début du chapitre 6
_Le Rouge et le noir
_ Stendhal


_عود على بدء :
والآن، ماذا بقي لنا من أحلام جوليان سوريل .. لم نغامر لم نجازف لم نركب صهوة طموح أو طمع أو سيان .. ظللنا في مواقعنا كجندي مرابط بقلعة صحراء التيتار يرنو يرتقب .. لا نحن غادرنا حصوننا ولا التيتار وصلوا لنواجه حربنا ونخلص كما فعلها سوريل وآنتهى في الوقت الحاسم منهيا معضلته ومعضلة المسحوقين المهمشين .. بعد ٢٠٠٠ ستُقرأ مؤلفاتي .. هكذا صرح ستاندال في زمنه .. ونحن تحت وطأة براثن هذه الألفية نهمس له .. نَم مطمئنا .. لم ندق خزانا، لم نخترق نظاما، لم نخرق طبقات، لم نختزلها ثورة أو تمردا أو نهضة فردية أو جماعية لم نحول خريفا السرمدي ربيعا لم ننجح لم نفلح في أمكنتنا ظللنا لم نبرحها تقصل جأش هامات أرواحنا مقاصل الأعمار من عُمْر لعمر نُرَحَّلُ بالرغم منا حتى إذا حان حيننا شهقناها زفرة مغتصَبَة حانقة .. مِيييردْ تبا .. لَمْ نحض بخاتمة جوليان تطبعُ قبلةً على شفاهنا مَاتيلدْ دُو لَامُولْ ثم نموت ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR