الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعريف : النائب سعيد إسحق - من النضال الوطني في سورية - 4

مريم نجمه

2023 / 5 / 11
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


ما زلنا نُبحر في تاريخ بلادنا ورجالات الوطن بعد مرحلة الإستعمار الفرنسي وبداية عهد الإستقلال , ربما نأخذ صورة عن وضع بلادنا في تلك المرحلة المفصلية الإنتقالية والكثير من الملاحظات والأفكار والدروس والمقارنة بين الأمس واليوم
-----------------------------------------

.. ( ....بعد يومين من استقبال المهنئين والإستراحة قررت العودة إلى الجزيرة فتوجهت مع أفراد أسرتي إلى حلب في طريقي إلى الجزيرة , ونزلت في فندق الحمراء , وبعد وصولي بنصف ساعة أتى مدير الأمن الفرنسي وبلغني قرار المفوض السامي بمنعي من دخول محافظة الجزيرة والفرات .
ولما زارني أصدقائي وأقاربي الموجودون في حلب أطلعتهم على الأمر , فاستأجروا لي داراً في حي السليمانية وسكنت فيها , وفي هذه الأثناء توافد عليّ رجال الكتلة الوطنية بحلب وأبدوا استعدادهم لأي خدمة , لأنني وضِعت تحت المراقبة بصورة دائمة سواء في داري أم عند تنقلي في المدينة , ولن تكتفِ السلطة الفرنسية في ذلك , بل أبعدت أكثر الوطنيين عن مناطقهم إلى الجزيرة وغيرها , وفرّ قسم آخر منهم إلى العراق .
في شباط 1940 وصلتني برقية بوفاة إبن عمي عبد الاحد يعقوب في عامودة , فذهبت إلى محطة بغداد في حلب لأستقل قطار الشرق السريع , وكان يغادر حلب الساعة الثامنة مساء ويصل محطة ( حمدوني ) في عامودة الساعة السابعة صباحاً , وكان يرافقني صهري يوسف صباغ . وعند وصولنا أبلغني قاطع التذاكر أن القطار سيتأخر ثلاث ساعات ريثما يصل من تركيا , فتوجهنا إلى منزل الرئيس خليل الحلو قرب المحطة . وسهرنا عنده إلى الوقت المحدد , ثم عدنا إلى المحطة لقطع التذكرة والسفر إلى عاموده .فوجدت رجال الأمن العام في انتظاري ليبلغوني أمر المفوض السامي بمنعي من السفر , , ثم أخذوني موجوداً إلى مخفر ( باب الفرج ) ووضعوني في غرفة منفردة مهجورة مملؤة بالمياه , وأغلقوا عليّ الباب للنظر في أمري صباح اليوم التالي.
طلب صهري أن يسمحوا له بإحضار سرير وفراش من أحد الفنادق القريبة فرفضوا , فعاد إلى بيته وأوصيته ألا يخبر عائلتي بالأمر . بقيت طوال الليل واقفاً أنتظر طلوع الفجر , وفي الساعة الثامنة صباحاً فتحوا عليّ الباب وأخذوني إلى مدير الأمن العام الفرنسي , وكان برتبة كابتن , فسألني عن سبب سفري إلى الجزيرة , فأجبته أنني استلمت برقية من عامودة بوفاة ابن عمي ,وأنني أريد السفر للإشتراك في مأتمه ولما طلب البرهان على ذلك قدمت له البرقية ,وكانت البرقيات يومئذٍ باللغة الفرنسية , وبعد قراءتها تغيرت ملامحه وقال : سأقابل مندوب المفوض السامي وأطلعه على البرقية , فذهب بسيارته وعاد بعد برهة ليبلغني بأنني طليق لكنني ممنوع من الذهاب إلى الجزيرة . ثم أفرج عني , وكان ينتظرني
قرب المخفر بعض المواطنين منهم المجاهد الأخ عبد الباقي نظام الدين وشقيقه الملازم توفيق , وصهري يوسف صباغ , وعبد الأحد خاجو , وعدد من الوطنيين , فذهبنا جميعاً إلى داري , وأبرقت إلى عاموده معزياً بوفاة الفقيد .
- 15
نشبت الحرب العالمية الثانية بين هتلر والحلفاء فاحتل الألمان فرنسا , وشكلت حكومة فرنسية جديدة برئاسة الماريشال بيتان في مدينة فيشي وعرفت بحكومة فيشي , ولما تأزمت الأوضاع فرّ الجنرال ديغول إلى بريطانيا وشكل مقاومة فرنسية مع الحلفاء , وأخيراً انتصر الحلفاء وانهزم الألمان واحتل الجيش الديغولي سورية ولبنان , فغادرهما الضباط الفيشيون , وعين الجنرال كولي مندوباً للمفوض السامي في سورية , واعترف ديغول في استقلال سوريا , وعيّن الشيخ تاج الدين الحسني رئيساً للجمهورية .
أطلق سراح المبعدين , فعادوا إلى بيوتهم , وسمح لي بأن أسافر إلى عامودة بمفردي , وهكذا سارت الأمور على هذه الحال .
16 -
أصيبت سورية سنة 1942 بقحط شديد بسبب الجفاف فاحتاجت إلى القمح , وكان بعض التجار يهربون الحبوب إلى تركيا بقصد الأرباح , ولما دخل الجيش البريطاني سورية مع الديغولييين تشكل مكتب لشراء الحبوب وتوزيع الطحين على المخابز لتلافي المجاعة , وكان يشرف على هذا المكتب ممثلون عن فرنسا ويريطانيا وسورية .
باشرت المكاتب بجمع الحبوب من جميع المحافظات وفي مقدمتها محافظة الجزيرة , فدعي وجوه الجزيرة إلى بلدية القامشلي للتشاور , وبعد الأجتماع بحضور ممثلين عن الجيش البريطاني والفرنسي برئاسة محافظ الحسكة , طلب من المجتمعين فرض كميات من الحبوب على المناطق والنواحي والقرى , فأجابوا بأن السلطة تفتش القرى وتجمع الحبوب , فلا حاجة لفرض كميات على المواطنين لأن أكثر المزارعين لم يجنوا محصولاً في تلك السنة , ولم يستردوا مؤونتهم , أما السلطة فيمكنها جمع الحبوب من المواطنين القادرين على تأديتها , فاعتبروا هذا الجواب تمرداً على السلطة .
في اليوم التالي , استُدعيت مع الأخ عبد الباقي نظام الدين إلى مكتب ضابط الإستخبارات , فأبلغنا وجوب السفر إلى دمشق لمقابلة الجنرال ( كولي ) قائد الجيش الفرنسي , ومندوب المفوض السامي , كما بلغ ضابط العشائر الشيخ دهام الهادي بضرورة الذهاب إلى دمشق أيضاً لمقابلة رئيس مصلحة العشائر , وكانت الغاية من هذا التدبير القضاء على المقاومة الوطنية في محافظة الجزيرة , فسافرنا بالقطار , أما الشيخ دهام فأخذه جنود مصلحة العشائر إلى دمشق بالسيارة , وبعد وصولنا استدعينا لمقابلة الجنرال كولي , أما الشيخ دهام فسلمه ضباط العشائر إلى الجيش البريطاني الذي كان يستقبل المرسلين من جميع المحافظات لإبعادهم عن سوريا . في اليوم الثاني ذهبنا إلى المندوبية وقابلنا الجنرال كولي الذي استقبلني , وسألني عن قضية الحبوب . قال إنكم تحرضون المواطنين على إخفاء ‘
حبوبهم وعدم بيعها إلى مكتب الحبوب وهذا يسبب مجاعة ونحن في حالة حرب ....فأجبته بأن الجفاف في تلك السنة قد سبّب قحطاً شديداً في الجزيرة , والسلطة قائمة في التفتيش عن الحبوب بشكل دقيق , ومن المؤسف أن تتهم بتحريض الناس على عدم تسليم حبوبهم إلى مكتب الحبوب , في حين أن هذا المكتب يقوم بخدمات إنسانية جليلة , إذ يستلم الحبوب ويقدمها إلى المطاحن , ومن ثم إلى الأفران لتقديم الخبز إلى المواطنين , وهذه الوشاية ضدنا ما هي إلا محض افتراء ولذلك نرجو أن ترسل محققاً أميناً إلى الجزيرة ليحقق في هذه التهمة الشائنة , فإذا صحّت فنحن نرضى بإعدامنا , وإذا تبين أنها مجرد وشاية - وهذا هو الواقع - فيجب أن تنزل العقاب بمن اتهمنا هذه التهمة .... ففكر بالأمر ثم تحدث بالهاتف مع ممثل الجيش البريطاني , مبيناً أن لا بد من إجراء تحقيق معنا , وهذا يتطلب بعض الوقت , لذلك أجّل سوقي وسَوق عبد الباقي نظام إلى إشعار آخر .
أبعد الأشخاص الموقوفون إلى فلسطين , ومنها نقلوا إلى جزيرة " قمرات " في البحر الأحمر ومعهم دهام الهادي , أما نحن فبقينا في فندق أمية بدمشق تحت المراقبة , نثبت وجودنا في مكتب المندوبية مساء كل يوم , طوال خمسة أشهر تقريباً .
أرسل الجنرال كولي الكولونيل فالوي - مدير مكتب الحبوب العام - إلى الجزيرة للتحقيق في قضيتنا , فعاد بتقرير يثبت عدم علاقتنا بقضية الحبوب , لذلك أطلق سراحنا وعدنا إلى الجزيرة , أما بقية المبعدين فظلوا في المنفى حتى نهاية الحرب .) يتبع ....

17 -
المصدر : مذكرات النائب سعيد إسحق .
أعدها وقدّم لها الأستاذ عيسى فتوح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|