الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


46 عاما على الغدر

نبيل تومي
(Nabil Tomi)

2023 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


في الذكرى السادسة والأربعين لرحيل المفاجئ لوالدي الغالي مغدورا بأيادي ازلام حزب السلطة الفاشي .
في صباح الرابع عشر من أيار من عام 1977 وبالضبط كانت الساعة السادسة و45 دقيقة كان أبي على أهبة مغادرة المنزل متوجهـا إلى العمله المعتاد وخرجت لألقاء التحية ، والغريب في الأمر بأنه توقف وتمعن النظر لي قائلا :- أبني الحبيب نبيل أوصيك على أمك لان صحتهـا تعبانة وتحتاج ألى دواء أهتم بهـا وبأخوتك .
أستغربت منه هذه التوصية ، ولكني وعدته خيرا وركب سيارته الفوگسواگن وغادرنا . ما كان يخطر ببالي بأنه لن يعود أبدا .
وردني أتصال من أبن عمتي بعد ساعتين وأنا في العمل مفاده بأن أبي تعرض لحادث أصطدام وهو في طريقه للعمل ، حيث يسلك ذات الطريق يوميا وهو طريق زراعي يختصر المسافة بين حي الميكانيك في الدورة مخترقا هور رجب بأتجاه المحمودية ثم اللطيفية ليصل منطقة حسوة وبعدها يصل مفرق الذاهب الى الأسكندرية . توجهت كالمجنون نحو مكان الحادث لم أرى الفاعل ولا سيارته ، سوى أني شاهدت سيارة أبي وهو ما زال في داخلهـا وقد لفض أنفاسه وبعض الرجال من الفلاحين بأنتظار سيارة الأسعاف لنقله للمشفي حيث أعلن عن وفاته بحادث مروري .
لم يكن الحادث محض مصادفة ولكن جميع مؤشرات الجريمة المفتعلة كانت موجوده لتخلص منه ، وهي أن عربة النقل الكبيرة ( لوري بالعراقي ) لم تكن موجوده ولم يكن الفاعل قد ألقي القبض عليه ، وتأخرت النجدة والأسعاف بالأضافة ألى التهديد والوعود بالتصفية الجسدية التي وجهت لأبي قبلهـا بأسبوعين أو أكثر حين دعي ألى فرقة المنطقة والتي كانت تقوم بأعمال أمنية ومخابراتية ضد جميع المواطنين المعارضين أو من كان مرتبطا بأحزاب أو منظمات عدى حزب السلطة الحاكم ومنظماته البوليسية ، وما كان يقوم به أعضاء حزب السلطة الفاشي بترغيب وترهيب المواطنين وأبي كان واحدا منهم والذي رفض بالمطلق التعاون أو الأنتماء لهم أو تغير فكره الذي ينتمي للكادحين والفقراء وكما ذكر لي بأنهم في آخر تحقيق معه سأله مسؤل الشعبة عن أبنائة وبناته ولماذا يرفضون الانتماء للبعث وحصلت مشادة كلامية بينه وبينهم وصرح لهم بأنه يفضل أن يصبح كلبا وأن لا يصبح بعثي . وكانت تلك الكلمات هي القشة التي كسرت ظهرنـا بتدبير حادث ينهي حياته بأغتياله بهذه الطريقة البشعة والتي كانت شائعة تلك الأيام حيث تخلص البعث من أغلب معارضي الجبهة الوطنية السوداء التي قامت بين القاتل والمقتول بين الغادر والمغدور بين الأنقياء والخبثاء بين قيادات هذا الحزب وذاك ، حيث التنازلات وصلت حد فقدان الهوية الوطنية وأهدائهـا لسلطة البعث الفاشي . ولكن ما الجدوى ذلك فنحن كأسرة حرمنـّا من رب عائلتنـا ومعيلنـا الوحيد والذي ناضل طوال حياته وكافح من أجل أتمام مهمته في الحياة ليرى بأنه قد نجح في أنجاز رسالته في رفع شأن أبنائه وأن يعطيهم ما قد حرم هو منه .
يـتّمٌ أطفاله التسعة بحادث مفتعل نتيجة أصراره على عدم التهاون والتنازل عن مبادئه الوطنية ونضاله في تحقيق العدالة الأجتماعية والمساواة . أستشهد أبي وهو لم يبلغ الخمسين عاما . ولم تتوقف السلطات بهذا الفعل بل زادت التشديد والأمعان في ملاحقاتهـا لنـا نحن من يحمل أسمه وإرثه ولم يمضي يوما ألا ونحن في مختلف دوائر أجهزة التحقيقات والسجون وأمن العامة ، محاربين في كل مجالات الحياة اليومية وغيرهـا مما أضطررنـا ترك الوطن واحدا تلو الآخر حتى عام 1991 كان عام أجتثاث عائلتنـا من جذورهـا الأصيلة بعد أن أستشهد أكثر من سبعة منهـا على أيادي الجلادين والقتلة .
أبي الحبيب تصور 46 سنة وما زلت أنتظر وأعمل من أجل تحقيق جزءا من ما حلمت به أنت ورفاقك ولكن أقول صـّدقا بأننـا فشلنـا وكنتم أنتم الأفضل منـا لقد أٌجّبرنـا على الهرب وهجرة الوطن وتركه بيد العصابات لتفعل به ما يحلو لهـا من سلبا ونهبا وقتل جماعي وأضطهاد وتهجير وتنفيذ أبشع أساليب الغدر والتعذيب والتصفيات الجسدية يشيب لهـا رأس الرضيع .... أضطررنـا للنجاة بروحنـا ليس حبا بترك الوطن بل حفاضا على حياتنـا ، وما زال أغلبنـا يعيش حلاوة اوربا وآمنهـا ، وبقي الوطن مستباح لدرجة السقوط .
أبي أقول لك صراحة بأننـا جبناء لأننـا لم نجابه ونرتقي ألى ما كنتم عليه أنت ورفاقك وما تحملون من شجاعة وإيمان بمبادئ قضية الأنسان وحريته وكرامته أبي صدقني كنتم افضل منا بكل شيئ بالنزاهة والغيرة والثقافة والتضحية والتفاني والأخلاص للمبادئ حزب الشهداء الحزب الشيوعي العراقي .
مازلت أنت يا أبي المنار الهادئ لطريقي رغم صعوبته ووعورة دروبه الشائكة ولقد تحملت الكثير من أجل أن تبقى هامتك مرفوعة فخرا بما أنجبت ، لم أتنازل أنـا أو أخوتي مطلقا عن سلوك ذات الطريق رغم مساوئ الزمن وغدر رجالاته ، وما زلت آؤمن بأن ما قدمتوه لن ولم يصل أليه احد ، أنتم قد وحدتم الشعب العراقي بكل قومياته ومذاهبه وأطيافة ، أنتم جمعتم كل المختلفين والأحزاب وصهرتموهـا في بودقة واحدة أسمهـا عشق العراق بوطنية صادقة رفعتم الشعارات ولم تتنازلوا عنها من أجل منصب أو جاه أو راتب مقابل تضحياتكم ... كنتم مؤمنين بأن حرية الأوطان والأنسان لا تآتي سوى بالعمل والتضحيات الحقيقية .
أبي أنت حيا في قلبي وما زلت معي لم تغادرني طوال 46 سنة وما زلت أنتظرك عله أنـا القادم أليك وداعا أيهـا الأب الخالد ولروحك السلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بابُ الشهادة خير باب يُقرع
حسين علوان حسين ( 2023 / 5 / 12 - 12:34 )
حزن عميق
وأسف أليم
وأكبار جليل
لروح حرة شجاعة
آثرت الحتف
على الذلة

أنحني اجلالً للروح الشامخة لوالدكم الشهيد، و تعازي الحارة لجنابكم الكريم ولعائلته الكريمة بهذا المصاب الجلل.
لم يخلف البعث الفاشي قوماً لم يغدر بخير رجالهم من أشرف و انقى المناضلين ليخلف في قلوب أحبائهم حرقة ، وفي النفوس غصة
حسبك انت حي معافى لتخلد ذكراه الزكية
وَسَعَيْتَ للأَمجادِ تَطْرُقُ بابَها بابُ الشَّهادةِ خير بابٍ يُقْرَعُ
وإذا الكرامةُ والنَّبالةُ والفِدا إكليلُ غارٍ فوقَ هامِكَ يُوضَعُ
كل الحب و التقدير والاعجاب


2 - البعث الفاشي كان يتخير أشرف العراقيين لغدره
حسين علوان حسين ( 2023 / 5 / 12 - 13:28 )
الأستاذ الفاضل نبيل تومي المحترم
لقد أثرتم في نفسي المواجع
سرحت ذاكرتي للوراء لأعدد رفاقي وأصدقائي الذين غدرت بهم أيادي البعث الجبانة، وهم بالمئات .. وعجبت للمنهجية الفاشية المتبعة في الغدر على نحو طرائقي من سبق الاصرار والترصد لكل شخصية اجتماعية نادرة المثال في النجاح العملي أو العلمي أو الأكاديمي أو الاجتماعي من المحبوبين الشجعان المشهود لهم بسمو الأخلاق وحب الخير للجميع. لقد كانوا يتصيدون خيرة أبناء وبنات شعبنا بكل خسة ونذالة لتصفيتهم جسدياً، بلا أدنى وازع من ضمير ولا رادع من ذرة شرف. والأنكى من هذا كله، أنهم كانوا يتفاخرون بكون خستهم هذه في الغدر بالناس الطيبين المسالمين العزل والغافلين هي الشجاعة التي ما بعدها شجاعة؛ والنضال الرفيع الذي ما بعده رفعة .
خاطبني أحد ضباط التحقيق الأمني يوماً - فيما كنت معلقا من ساعديَّ الى الخلف في السقف - بأن العراقيين كلهم ليسوا سوى أسماكاً في شباك البعث، وأن بوسع رجال الأمن الواعين اخراجهم من الشبكة ليفطسوا متى شاؤوا عند أدنى حركة. وإن القيادة البعثية الحكيمة تقدر زين نضالات النشامى المصفين للمناوئين للثورة والحزب، وتصرِف لهم المكرمات المجزية!

اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي