الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو بقي العراق مملكة

سارة سامي
كاتبة وشاعرة عراقية

2023 / 5 / 12
الادب والفن


كثيرةٌ هي الذِّكريات الَّتي نحملُها بحقائبنا من طفولةٍ عراقية وارفة، فمن القفزِ على مربعات التوكي مربعٌ فمربع، الى مِلء سِلال العنب من قمريةِ المنزل، حتى إستراحة الظهيرة في غرفة المعيشة، تتدلى الصور كعناقيدٍ من السُكَّر موشاةٍ بطبقةٍ رقيقةٍ من الغُبار.

كنَّا براعماً تفتَّقت للتو نبحثُ عن معنىٍ لأخضرنا البِكر ومسارٍ لعودنا الغضَّ فكانت الأمُّ قمريةَ أسقُفنا العالية نلتفُ من حولها كأوراقِ العنب. وكانت الخالاتُ وكانت العمَّة أماليدَ شجرةِ الصفصاف، تربو بحُنوِّهُن زقزقةُ عصافير الطفولة، فلكلِّ منهُنَّ دورٌ لا تتبؤهُ غيرها.
إلا إنَّ هناك من تسربْنَ الى غُرفنا الصَّغيرة دون أن نلتقيهُنَّ على أرضيةٍ او حائط، فعبرْنَ إلينا عبر شاشاتِ التلفاز فكان لهُنَّ تلك البصمةُ الجميلة الَّتي لا تُمحى.
من أبلغهُنَّ أثراً كانتا الأيقونتين "هند وهديل كامل" الأكثر شبهاً بتقاسيم أيامنا، فهُنَّ بناتُ الخالة الجامعيات المُتهندمات ووالدتهن السيِّدة فوزية الشِّندي صفصافةُ الفنِّ العراقي.

لعبيرهُنَّ شذا أيامٍ خَلَتْ وأصالةُ هزيعٍ لن يعود.

كُنَّا نفتقرُ الى أمثولةٍ عراقيةٍ حقيقية نستلهمُ منها معنى أن نكون عراقيات، فبناتُ الطبقةِ الحاكمة كُنَّ بعيداتٍ عن الأضواء لا نرى لهُنَّ خيالاً ولا نسمعُ لهُنَّ صوتا. لم يألين جُهداً للتعرُّفِ علينا ولا إهتمَمْنَ بهُمومنا كما تفعلُ أميراتُ اسكندنافيا وبريطانيا او حتى جارتُنا الأردن بشؤون شُعوبِهُن!

فكانت الكُرة بملعبِ أميراتِ الدِّراما العراقية هند وهديل، ولا نبالغ إن إدَّعينا بأنَّهُنَّ قد سددْنَ الهدف بمرماه، وكنَّ رمزاً لكلِّ ماهو عراقيٌ وجميل.

من هند تعلمنا العُنفوان ومن هديل العُذوبة، فهند تلك الغادةُ السَّمراء، أختنا الكُبرى التي تعتَّدُ بقامتها. لها جبروتُ ملكاتِ بابل وجنائِنِها المُعلَّقة، فهي الَّتي وصفها "يحيى الفخراني" بالأميرةِ السومرية في فيلم بابل حبيبتي، وهي التي لطالما مثَّلتنا في المحافل بثيابِ عراقتها وأصالتها المُزركشة.

أما هديل، أميرتُنا الصُّغرى الَّتي تضوعُ عذوبةً وغضارةً ودلال، زهرةُ البابونج التي تتفتَّح في حديقةِ كُلِّ بيت لتزيدهُ حلاوةً وشقار. هي أمنيةُ ضالَّة من بين أصابع الوقت، و"لميعةُ" أقدارهِ الملتهبة، تلك العروس التي تسرقُها الحربُ من ثيابِ عُرسها والتي كان يُهيَّءُ لها أن تكون "ندى" الحُلًم و"بشائِر" أمنياتهِ البيض.

والى أن دار الدُّولاب وأصبح العالمُ قرية، وهُنَّ كما عهدناهُنَّ،
بقُرب القلب، رئةٌ ثالثة لبناتِ جلدتِهُنَّ.
لا يسكُنَّ أبراجاً عاجيَّة ولا يزيدُهُنَّ الكعبُ العالي الا تواضُعاً وجمالا.

س.س.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل