الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرقة الكتابة/ فتنة الكلمة

الطايع الهراغي

2023 / 5 / 12
الادب والفن


"لا شيء يثبت أنّي أحبّك غيرُ الكتابة" (محمود درويش.)
"ما الذي أبقاك حيّا؟؟ الكتابة" (تشارلز بوكوفسكي)
"الإنسان الذي لم يعد له وطن يتّخذ من الكتابة وطنا يقيم فيه (أدونيس)"
" لم يبق لي إلاّ القلم لأعبّر عن مأساة الفقراء والنّساء والعبيد، ولأقول للنّاس إنّني أكره الظّلم وأحبّ العدل وأحترم الإنسان،ولا أنحني للسّلطان مهما كان.ولا أقول:نعم.
ولا أشترك في الاستفتاءات ولا أسمع الإذاعات ولا الخرافات.وأغلق بابي دون موظّفي البلاط".
(نوّال السّعداوي)

01/ترحال الكلمة ووهجها
كيف يكفّ الألم - في لحظة ما- عن أن يكون فاجعيّا ويكتسي كلّ سمات الجمال؟؟لا تتعجّل الإجابة، دع السّؤال يصطلي بحرقة السّؤال.كيف يفجّر البعض من الألم ضروبا من الأمل؟؟كيف يكون التّنطّع والتّفنّن في خرق الاصطفاف قمّة الانتظام؟؟كيف تكون مساويا لنفسك أبدا، مزهوّا بها حدّ الغرور؟؟أن تكون كما اخترت أن تكون دون أن تتجرّد من آدميّتك،هي نصيرك في مجابهة من اغتصب حقّك في أن تتعشّق نبض الحياة،في أن لا تنتصب لحساب الغير؟؟ كيف؟؟
في البدء،منذ الأزل كان للبيان نصيبه من السّحر وللكلمة نصيبها من الافتتان.إبحار في ملكوت الكشف وعالم الاستكشاف.
أجمل استعارة دراميّة منذ اهتدى آدم ونسله وخليلته حوّاء إلى جماليّة أن يخطّوا في تاريخهم ما يراوغ مكر التّاريخ.نبش في الذّاكرة وحفر في أدغالها لكي لا يعلوها الصّدأ. محاربة آفة النّسيان ومقارعتها بلوعة التّناسي.حرب ضدّ شبح التّلاشي.الصّوت الوحيد الجميل لمّا يتعالى على تعاليم السّماء ويهتك تعاليم من احترف الاعتقاد في أنّه حقّا كان وسيظلّ خليفة الله في الأرض.
اكتسبت رونقها واحتفلت بروعتها منذ خطرلإبليس أن يجرّب متعة تطليق الانضباط ويمتشق العناد رهان الرّهانات.
أن يتطاول على ما بدا لغيره مألوفا،أن يخضع لأعسر امتحان ويكتوي بتبعاته:أن يكون بطلا مأساويّا يخرق الإجماع ويكفر بمن اعتنقه وبات له أسيرا.
مأساة إبليس،فاجعته،محنته،ابتلاؤه،كبرياؤه وغروره في آن،يوم قرّر أن يقول"لا"وأبى أن يكون رقما منتظما في طوابير القطعان. بين مشيئة خالقه(في أن لا يسجد لآدم) بما هي تأسيس لتجربة البلاء والابتلاء والأمر الإلهيّ بما هو طلب الإذعان لأمر قدريّ قهريّ كانت مأساة إبليس وملهاته.فدلّل على أنّ ضريبة الرّفض أبعد من أن تكون فظيعة وأجمل من أن تكون جميلة. جمالها في فظاعتها، تنحت من الرّفض وبالتّمرّد مدخلا وسبيلا لإرساء ثنائيّة القبول والامتناع ،المبايعة والممانعة،الخضوع والتّنطّع. هرطقة إبليس. بدعته؟؟ عذاباته؟؟ جحوده؟؟ملحمته؟؟ تجربة خلاصه ممّا فُرِض عليه من محنة الامتحان. موقفه الدّراميّ الملتبس؟؟خطيئته الأزليّة؟؟.تلك اللّعنة التي لبسته وستلاحقه إلى يوم الدّين. لعلّ ذلك بالضّبط ما يجسّد أعظم وفاء للتّحايل على معضلة:كيف ينزّه الذّات الإلهيّة ويقدسّها على أنّها الواحد الأحد بالخضوع لمشيئتها وجحود أمرها؟؟كيف؟؟.
أعتقد جازما أنّ الشّيطان- هذا الذي أٌلبِس تهمة الوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور النّاس- لا يمكن بأيّة حال إلاّ أن يكون ملاكا على وسامة أخّاذة وذكاء وقّاد .
أليس يقال عن كلّ فكرة خارقة للمألوف أنّها فكرة شيطانيّة؟؟ وماذا عن شيطان الشّعر وتوابع الشّعراء وزوابعهم؟؟.

02/فتنة الكتابة /صخب السّؤال
الكتابة؟؟إمّا أن تكون مساويّة دوما لذاتها أو لا تكون. على أبواب السّلاطين والملوك يصيبها الإغماء، ينهكها ويدميها،وفي خيام العشّاق تسكنها ارتعاشة الحياة.سؤال الأسئلة، فتنتها ومحنتها،حرقة السّؤال وتمرّده،كأن تجد نفسك(مثلا ومثلا فقط) تتساءل عمّا يجعلك مضطرّا إلى أن تفني عمرا في بذل ما يفوق طاقتك من مجهودات لتدفع الأمور إلى نهايتها علّ شيئا ما يقع.أن لا تجد بدّا من أن تظنّ في المشكوك فيه كلّ الظّنّ،وأنت تدري أنّ الشّكّ وإن كان يعتقك من جحيم الحيرة والتّردّد فإنّه يعجز أن يشحنك ببرد اليقين.أن تشتهي نفسك أن تراودك على نفسك فتهمّ بها بما يكفي لحرمان"الإخوة الأعداء"من فرصة الاستفراد بلحظة من لحظات الانتشاء،إن حصلت تكون لهم قارب نجاة ولك سبيل هلاك.أن تهب الحرف من الحبّ الآسر ما يقمع ظمأ الكلمة وظمأك للارتواء. أن تجعل من الحرف نسرا محلّقا، ومن الكلمة غيمة تغطّي سفرك،ومن الجملة مطرا يطهّرك ممّا علق بك من أدران.أن تحول دون جنوح النّصّ لأن يكتمل، فيكون النّصّ سفرا في سفر،سفرا يحرّرك من كوابيس التّوجّس وينتشلك من عذابات الانتظار.يرحل الحنين عنك إليك ومنك فيك.يحلّق في البعيد الذي يأتي وفي البال أن لا يأتي. يرقب تسلّل زوّار اللّيل إلى الخيمة التي عنها الحنين ارتحل،وفي الأصل ما برح المكان وما عنه رحل.
الكتابة؟؟كما الحسناء لمّا يركبها العناد ويعتليها غرور-هي به جديرة-ويعنّ لها أن تكون حرونا.ومادام الكلّ يغازلها والكلّ بها يهيم،كن مطمئنّا فلا أحد يظفر بها .تكابر وتزيد، وتأبى أن تذوب فيك إلاّ متى أدركتَ كيف ومتى يتوجّب عليك أن تتعشّقها بجنون وتعشقها بخجل، وإذا خدشت كبرياءها فبما يلزم من لطف بكلّ ما في شبق المحبّ من الصّدق.بين الضّلوع يكون مستقرّها حين لا أحد يدرك روعة شرودها الجنونيّ. فليس لها إلاّ أن تصطفيه ليكون لقلعة عرشها حارسها الأمين.لوعة الاكتواء بحبّ دراميّ خالص من كلّ شائبة.مقاومة أبديّة لسقوط يتربّص بك في كلّ آن وحين،متعة مطاردة اللّحظات الخاطفة بها تتّقي فظائع إغراءات العهر العاري.رسم بالكلمات لولادة يجب أن تكون من أجمل ما يكون لأنّها كانت من أعسر ما يكون.عروس تأبى أن تزوّج حرقة ابتساماتها لمن لم يكن يوما منها.
الكلمات تورق أيّا كان الفصل وأيّا كانت تقلّباته،خريفا غاضبا،شتاء عاصفا،
ربيعا مزهرا من الحسن يختال ضاحكا حتّى يكاد بالشّدو ينطق،صيفا بالقحط كالحا.
الكتابة توأمها الغزال الشّرود، كلّ المتعة في مغازلته ومسابقته لا في مطاردته ولا في ترويعه بالبحث عن سبل اصطياده.عندما يتأكّد أنّك به بتّ مفتونا يسلَم ولا يستسلم.
الكلمة؟؟ بسحرها افتتن كلّ فرعون وكلّ أمير وما عرف التّاريخ من خلفاء ورؤساء.وعلى أنغامها انشغل الكلّ بتلاوة سحر الكلام والبحث في تلاوين البيان، تعتعهم السّكر حتّى لا فرق بين زمن ليس فيه إلاّ الغياب وزمن فيه بعض الصّحو. فباتوا عن صلاتهم ساهين.وكان أن تسلّلت أسراب الكلمات إلى مخادع الزّوجات وما ملكت الأيمان وفعلت بهنّ الأفاعيل،وهم بذلك في قمّة الانتشاء .
اختصم فيها الشّعراء فألّفت بين قلوبهم فائتلفت، وأبت إلاّ أن تكون لهم إلفا وعلى أعدائها وخصومهم خصما خصيما.
عندما يداهمك اليأس، تسكنك الرّيبة ويحاصرك الظنّ تنتشلك الكتابة بأن تصير جنونا يتشكّل في اللّغة،جنونا ينحت لزوم ما لا يلزم .يحفر في الهوامش ما لا تتّسع إليه المتون، وبه تضيق وتتبرّم. يقتحم الأفق ليسخر من بهرج الدّولة وعفونة الدّولة ونكبة المنتصر للدّولة وخيبة عماد الدّولة. عندما تتوزّع بك الدّروب تنتفض الكتابة وتنتصب لدرب خلاصك رقيبا. تفلت من سلطان الكآبة وعجرفة الرّقابة لتحيا الكتابة وعلى تخومها تنتحب مهزلة الرّقابة.
الكلمة كحكايا الجسر لحظة التيّه والضّياع،الجسر الذي بدا لك - سويعات قبل الفاجعة- مستقيما في محال، في لحظة كان وفي لحظة حلّت عليه اللّعنة فتوجّب أن لا يكون.لا رفيق له إلاّ من يتطوّع لنسفه في السّاعة القاتلة لمّا يتأكّد أنْ ليس من الموت بدّ إذا هو عن حمايته بات عاجزا،وبات هو عن حمايته أعجز. فيترجّاه أن يغالب الحنين الذي يشدّه إليه،وبلا رحمة يفجّره ليرتاح إلى أنّ حكاية الجسر ستظلّ المأساة التي ما كان يمكن إلاّ أن تكون.

03/كتابة عن كتابة تفرق
الكتابة والرقابة؟؟.البقاء والعدم،الخلود والتّذرّر،الولادة العسيرة والانبعاث الميّت،الوجود والفناء. ينهما ما بين خطوط الطّول وخطوط العرض من تباعد،ما بين تعاليم السّماء وتعاليم الأرض من تنافر، ما بين عربدة الحلم ودلاله وقبح الوهم وعجرفته من تناحر. ما بين الضّرائر من تنكيد ونكد. تشويش دائم على ما في رادارات الرّصد من ضروب الوشاية وأفانينها .داؤك ودواؤك. تكتوي بها في اللّحظة الفاصلة فتكون لك بلسما.كالصّديق، لمّا يهجرك الكلّ وعليك الحصار يضيق وقتها فقط يكون لك عزّ الرّفيق.التّهمة التي ما ينفكّ مقترفها يتلذذ الاعتراف بها ويجد كلّ المتعة في إعلان ذلك على الملإ. ويصرّ على أن يكون النّطق بحكم الإدانة في جلسة علنيّة.
كيف تؤجّل موتك حتّى ترتّب احتفاليّة الرّحيل؟؟ كيف تفلسف رحلة العبور إلى اللّغة الأخرى؟؟
كتابة عن كتابة تفرق. كتابة غامضة استباحها الغموض فطلّقت الوضوح،وكتابة واضحة حد الالتباس. كتابة أقصى اجتهادها أن تحتفل بأقوال الزّور المسطّرة على مرّ التّاريخ "كذب يقال على المنابر دائما // أفلا يميد لما يقال المنبر؟"[المعرّي].تجميل للقبح واحتفال بالمآسي بتحويلها إلى مدائح وأذكار. متاجرة في ما تراكم من الآلام وادّخار في ما انتعش من الأوهام.
وكتابة تغطّي رحيلك لتقلّل من حجم أحزانك إلى أن ينتظم النّشاز .توغل بك في مجاهل النّسيان. تبحر بك في وعر المسالك،في تشعّب الثّنايا. وفي أوّل منعرج تنتظرك ، تروم أن تحرّرك لعلّها بك تتحرّر.
حذار. دروب الحقّ والحقيقة مفروشة دوما بالأشواك والدّروب السّالكة لا تقود ضرورةً إلى برّ الأمان.
الكتابة، طلقة الرّحمة الوحيدة التي تحيي ولا تميت إلاّ ما كان بطبعه آيلا للفناء.الهذيان الوحيد الذي تبهرك فوضاه ولا يجفل منك، ومنه تتمنّى أن لا تجفل، فيعود إليك صحوك وينبعث فيك كما تمنّيت أن يكون.أنيسك في وحدتك ونديمك لحظة يداهمك الضّيق. يعرف آداب السّمر وطقوسه،ويدرك غُـنْم أن يتعتعك سكر الشّكّ وغُبن أن تظلّ صاحيا على وهم.
الكتابة وظيفيّة أو لا تكون،من ذاتها لا من غيرها تؤسّس مشروعيّة سلطتها وتشيد عرشها،تعويذة استشفاء ترتق جروح الذّات الفرديّة والجماعيّة،استبسال في مقاومة لحظات الضّعف التي تداهمك وتغزوك في لحظات شرودك. ترجمان الضّمير الجمعيّ،محامي الشّيطان،قدرها ولعنتها على خصومها من عبدة القحط الفكريّ أن تستميت في الدّفاع عمّا هو مستهدف من قيم،أن تطارد الأحلام المستحيلة في مسابقة يائسة وظافرة بأن تخلق من ومضة أفقا،أن تلاحق غيمة شاردة منفلتة لتبصر أين تحطّ رحالها وأين يستقرّ بها القرار.أن تهجّن الرّذالة وتنتقم من النّذالة،أن تشرّع الأبواب الموصدة،أن تقتحم الغرف المغلقة،أن لا تكون يوما للسّلطان نصيرا.
هل خطر أن تجرّب يوما متعة أن ترسم بالكلمات وطنا؟؟هل أصابك داء تشكيله كيفما يحلو لك وعلى غير مثال جاهز طلبوا منك أن تستنسخه؟؟وطنا يفتّش عن وطن، يواعده،وكلّما به التقى يخون الموعد ويتفلّت منه ليكون اللّقاء أبهى وأحلى.
هل جرّبت أن ترصّف بالحروف ما تركه لك الوالد من جميل الحكايا؟؟ وصيّته ووديعته ساعة الغيب الأخير،هي كلّ نصيبه من الدّنيا،حكايا هي أنيسك في مسامرات تبدّد بها وحشة الظّلمة وشبح المآسي.
الكتابة،ما الكتابة؟؟يميتها بليد الأجوبة ويحييها شجن الأسئلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر : المسرح جزء من الثقافة المصرية ونعمل على إعادة جم


.. إيمان رجائي: النسخة السابعة من مهرجان نقابة المهن التمثيلية




.. لقاء سويدان : خشبة المسرح الدافع الأول للتألق والإبداع الفني


.. نرمين زعزع : رعاية المتحدة للمهرجانات الفنية والثقافية يزيد




.. استعدوا للقائهم في كل مكان! تماثيل -بادينغتون- تزين المملكة