الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا قُبَيْل انتخابات 14/05/2023

الطاهر المعز

2023 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


تجري الإنتخابات العامة التركية (نيابية ورئاسية) يوم 14 أيار/مايو 2023، في ذكرى مائوية الجمهورية التركية، بعد انهيار الدولة العثمانية، ويُفترض مشاركة حوالي 64 مليون ناخب، في عملية تجديد أعضاء المجلس النيابي ورئيس الجمهورية لفترة خمس سنوات، وترمز شخصيتان إلى التنافس بين تيارَيْن شوفينِيّيْن رجْعِيّيْن، يمثل أحدهما التيار العلماني الحضري المتأثر بأوروبا التي هزمت الدّولة العثمانية، ويرمز له "كمال كيليشدار أوغلو" (حزب الشعب الجمهوري) والثاني الرئيس الحالي، رمز الدّين السياسي (الإخوان المسلمون) رجب طيب أردوغان الذي بدأ مشواره السياسي في "حزب الرفاه"، حزب الدّين السياسي الذي أسّسه نجم الدين أربكان (1926 – 2011)، رئيس الحكومة التركية ( حزيران/يونيو 1996 – 1997) والذي أطاح به الجيش، وهو امتداد لتيار "الحزب الديموقراطي" وزعيمه عدنان مندريس (1879 – 1961 )، الذي أصبح رئيساً للوزراء من 1950 إلى 1960، وأطاح به الجيش كذلك وتم إعدامه في السّجن...
ترشح أردوغان باسم حزب الرفاه ليصبح أردوغان رئيسًا لبلدية إسطنبول سنة 1994، وهناك احتكّ برجال الأعمال والمُقاولين ومن بينهم بن علي يلدرين الذي ساعده في الحصول على تأييد البرجوازية المَحلّية، مقابل حصول شركته على مجمل عُروض البنية التحتية والإنشاء بمدينة إسطنبول، وكافأه أردوغان فيما بتعيينه رئيسًا للحكومة، وبعد اضطهاد قيادات حزب "الرفاه" كان أردوغان من مؤسسي حزب العدالة والتنمية سنة 2001، وترشّح باسمه وقضى عِقْدَيْنِ على رأس السلطة، كرئيس حكومة ثمّ كرئيس للجمهورية بسلطات واسعة جدًّا بعد تغيير الدّستور،خصوصًا بعد محاولة الإنقلاب المَشْبُوه سنة 2016...
يُمثّل "كمال كيليشدار أوغلو" التيار القومي الشوفيني التركي الذي يريد إزالة آثار الدّولة العثمانية، وكذلك كل ما يتصل بمشرق وآسيا الغربية والوطن العربي، واعتبار تركيا جزءًا من أوروبا و"الغرب"، فيما يعمل تيار الإخوان المسلمين على اكتساب القوة، من خلال الهيمنة على الوطن العربي وعلى مناطق آسيا الوسطى التي ينحدر منها الأتراك، وذلك بعدما يَئِسَ أردوغان من انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، مع الإشارة إلى احتلال تركيا الجزء الشمالي من قبرص، منذ 1974، وأراضي سورِيّة وعراقيّة، وعدم إدراج المُرشحين هذه القضايا في برامجهم، فضلاً عن انتماء تركيا لحلف شمال الأطلسي، وعن علاقاتها العسكرية والتجارية والسياحية المتطورة مع الكيان الصهيوني، سواء باسم الإسلام السياسي أو "العلمانية" الأوروبية الأطلسية.
تزامنت فترة حكم "حزب العدالة والتنمية"، بداية من سنة 2002، مع أزمة اقتصادية حادّة وارتفاع حجم قُروض ضندوق النقد الدّولي إلى 16 مليار دولارا، عالجتها الحكومة بضخ المال العام في مؤسسات القطاع الخاص وتنمية قطاع السياحة ما أدى إلى استقرار العُمْلَة (اللِّيرة) وخفض نسبة التضخم التي كانت مرتفعة في تركيا منذ عقود، وارتفاع قيمة الصادرات واحتياطي العملات الأجنبية والناتج المحلي الإجمالي، ولكن بدأت النتائج السلبية تظهر، منذ سنة 2014، لما أردوغان رئيسًا للجمهورية، بصلاحيات واسعة جدّا مكنته من تحوير الدّستور، ومن تطويع وسائل الإعلام وبرامج التعليم، وتحقيق الشرطة مع نحو 200 ألف مُعارض، ومن إثْراء أبنائه وصهره، زوج ابنته (وزير المالية السابق) والموالين له، وإقصاء ذوي الخبرة والكفاءة، ودخل الإقتصاد التركي في حالة ركود مع ارتفاع نسبة التضخم السنوي إلى 50% حاليا (بلغت 90% سابقًا)، وعلى سبيل المقارنة فإن ممارسات حكومات الإخوان المسلمين بمصر وتونس والمغرب كانت مُطابقة لأشكال الحُكْم الزّبائني التّركي...
نجح الرئيس رجب طيب أردوغان في السيطرة على كافة دواليب الحكم، وإقصاء رفاقه السابقين الذين مكّنوه من الفوز في الإنتخابات بين 2002 و 2014، وأهمهم الرئيس الأسبق عبدالله غُول، ورئيس الحكومة السابق أحمد داود أوغلو، وبالخصوص مُعلّمه وداعمه الأول، الداعية "فتح الله غولين" بعدما استخدم أردوغان شبكات وعلاقات هذا الحليف العقائدي الثّريّ، حتى تم اتهام فتح الله غولين بتدبير محاولة الإنقلاب المشبوه والفاشل، منتصف تموز/يوليو 2016، وبذلك تَحَوَّلَ التحالفُ إلى عداءٍ تناحريٍّ، كما نجح أردوغان في إعلان دعاية إعلامية متناقضة مع ممارساته في باب العلاقات الخارجية، ومنها علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ومع الكيان الصهيوني وروسيا وإيران، فيما بقي العداء ثابتًا لكل ما هو عربي، وهذه ميزة معظم الأحزاب والحركات السياسية التّركية (وكذلك الإيرانية بشكل أقل حِدّة)، وكذلك حركات الدّين السياسي التي يدعمها نظام تركيا، من الإخوان المسلمين إلى داعش مرورًا بالقاعدة والنّصرة وما شابهها...
الوضع الإقتصادي
استفاد إردوغان وحزبه، عندما سيطروا على السلطة، من عوامل عديدة، منها تراجع حدة تدابير التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي، سنتَيْ 2001 و2002، والتدفقات المالية الأوروبية التي مكنت الإقتصاد من التعافي وانخفاض نسبة الفقر والبطالة، كما ازدهر الإقتصاد التّركي بفضل العديد من العوامل، من بينها العلاقات المتطورة مع سوريا، قبل 2011 ونهب مواردها، خصوصًا منطقة حلب، بعد 2011، بواسطة المنظمات الإرهابية واستغلال اللاجئين السوريين في مجالات الفلاحة والصناعات التحويلية والخدمات، فضلا عن تحويل أراضي تركيا إلى منطقة عُبُور الإرهابيين القادمين من كل أنحاء العالم، ومنطقة عُبُور المهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا، ونهب موارد الجزء المحتل من قبرض، حيث تم توطين عشرات الآلاف من الأتراك...
بعد عقدٍ من النمو المتواصل، بفعل اعتماد الإقتصاد التركي على الإستثمارات الخارجية، وخصوصًا الأوروبية، ولما شَحّت هذه التّدفُّقات بفعل تحسن ظروف الإستثمار في أوروبا وأمريكا الشمالية، بدأ الإقتصاد التركي بالتراجع منذ سنة 2013، فانخفض سعر صرف العملة المَحلّيّة (اللِّيرة) وارتفعت الأسعار ونسبة التّضخّم التي بلغت 85% سنة 2022، قبل أن تنخفض إلى 50% على أساس سنوي (نيسان/ابريل 2023)، وارتفعت نسبة البطالة إلى 14% من القادرين على العمل، وتعمقت الفجوة بين الأثرياء والفُقراءوأصبح أردوغان وحزبه غير قادرين على شراء السلم الإجتماعي ورشوة الأنصار، ما خفض شعبية حزب العدالة والتنمية وزعيمه المُتَسَلِّط لدى جزء من الدّاعمين التقليديين، من المُحافظين وسكّان الرّيف والفئات الأكثر رجعيةً من القوميين، وانطلقت احتجاجات عديدة، سنة 2013، منها حديقة جيزي في إسطنبول التي قمعتها السّلطة بشدّة، بالتزامن مع بداية الأزمة الإقتصادية وخروج الإستثمارات من تركيا، ما شكّل نقطة تحول تجسدت في انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع قيمة الليرة، وكانت محاولة الإنقلاب المشبوهة والفاشلة منتصف تموز/يوليو 2016 فرصة لِفرض حالة الطوارئ والقمع وإقصاء حوالي سبعين ألف موظف مدني من وظائفهم، كردّ وحيد على تراجع الأداء الإقتصادي، وبذلك بدأت شعبية الإخوان المسلمين وزعيمهم بالتراجع المُستمر، وفق تحليل نشرته وكالة رويترز/تومسون في الثامن من أيار/مايو 2023...
يتوقّع البنك العالمي أن يَصِل حجم الاقتصاد التركي إلى أكثر من 905 مليارات دولار، بنهاية سنة2023، لكن النمو اعتمد على جهود الحكومة في تحفيز الطّلب وائتمان الإستثمارات، فيما تتوقع منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي التركي من 5,3% سنة 2022 إلى حوالى 3% سنة 2023 وأن تتراوح نسبة التضخم بين 40% و 50% ما يُبْقي على ارتفاع الأسعار وعلى إعاقة الإستثمار، رغم ارتفاع حجم الصادرات واستثمارات وسائحي دُوَيْلات الخليج وروسيا وألمانيا وشراء العقارات في تركيا، كما تتوقّع منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، عدم انخفاض نسبة البطالة إلى ما دُون 10% سنة 2023، مع ارتفاع الإحتياجات التمويلية، في ظل انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي، وعدم الإستقرار المالي وتفاقم ديون القطاع الخاص وارتفاع عجز الحساب الجاري والتضخم ( 44% ) والبطالة، ويُعَدّ الدين الخارجي أحد أهم عوائق الإقتصاد التركي، بفعل زيادة نسبة خدمة الديون السيادية من الناتج المحلي، وتُظْهِرُ بيانات المصرف المركزي التركي ارتفاع حجم الدّيُون الخارجية قصيرة الأجل خلال شهر شباط/فيراير 2023 إلى 153,1 مليار دولار بزيادة بنسبة 3,1% عن نهاية كانون الأول/ديسمبر 2022، بالتوازي مع انخفاض الودائع بالعملات الأجنبية لغير المقيمين بنسبة 2,6%، وبذلك تُمثل الأزمة الإقتصادية تحدّيًا للقوى السياسية التي سوف تفوز بانتخابات 14 أيار/مايو 2023... تمثلت وُعُود تحالف المعارضة في تحرير الاقتصاد والأسواق المالية من قيود الدولة وإعادة الاستقلال للمصرف المركزي، ورَفْع أسعار الفائدة بهدف خفض نسبة التضخم، خلافًا لحزب العدالة والتنمية الذي وَعَدَ بالإستمرار في خفض أسعار الفائدة وزيادة النمو، لكن تبقى المسالة الاقتصادية أهم نقطة ضعف حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، فضلا عن نزعة الإستبداد والتّسلّط...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يشعل حزب الله جبهة الشمال بعد الغارة التي استهدفت مدنيين


.. الاحتلال يغتال مقاومين من كتيبة جنين ويعدم شابا ثالثا في قبا




.. بايدن يقول إنه لا يمكن التوصل لاتفاق قريب بين حماس وإسرائيل.


.. عقوبات على أكثر من 300 فرد وكيان بسبب توفير سلع وخدمات لروسي




.. ارتفاع عدد الشهداء جراء القصف الإسرائيلي المستمر على مدينة غ