الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيد إمام.. الناقد والمترجم التنويري

فهد المضحكي

2023 / 5 / 13
سيرة ذاتية


يُعد الناقد والمترجم المصري السيد إمام الذي حارب الظلام والظلاميين بضراوة أحد رموز الترجمة وحركة التنويرالمعاصرين بعد مشوار من العطاء استمر قرابة النصف قرن، قدم خلالها عشرات الكتب والترجمات الحافلة بالقيم التنويرية. كان «إمام» المولود في عام 1945 رمزًا من رموز اليسار ومن بين المؤسسيين لحزب التجمع المصري في منتصف سبعينيات القرن الماضي وواحد من المخلصين في الدفاع عن قيم الاستنارة. وبحسب ما كتبه التقدمي محمود دوير، فإن «إمام» قضى عمره منشغلاً بقضايا الفكر والأدب وحمل في قلبه هموم البسطاء وأوجاعهم.. ظل مدافعًا عنهم بمحبة غامرة تتسم في بعض الأحيان بقسوة المحب الغيور وهو يواجههم بقصورهم وعيوبهم ونقاط ضعفهم التي كان يرى أن أخطرها «تغييب العقل والبعد عن العلم». كانت رؤيته واختياراته في الترجمة توضح جهده في إضافة شيء مميز إلى الثقافة المصرية. ووفقًا لما ذكرته الكاتبة سماح عادل في أحد المواقع، ترجم عشرات الكتب النقدية في النظرية الأدبية، ومن كتبه المترجمة: «الميتافكشن» للباحثة باتريشيا ووه، وموسوعة «ألف ليلة وليلة أو الليالي العربية» لأورليش مارزوف - ريتشارد فان ليفن وكتاب «العولمة نص أساس» للمفكر جورج ريتز، «قاموس السرديات» من تأليف جيرالد برنس، «فكرة ما بعد الحداثة» لكريستوفر باتلر و«أقنعة بارت» لجوناثان كلر، ومن كتب الفيلسوف المصري الأمريكي إيهاب حسن، كتاب «تحولات الخطاب النقدي لما بعد الحداثة»، وكتاب «النقد النظير.. سبعة تأملات في العصر»، كما أن الرجل له مئات المقالات والدراسات المنشورة في أماكنها المتخصصة المعتبرة. فإذا كان كما تقول بعض الأطراف الثقافية أن الأدباء مبدعي الكلمة، فإن المترجمين هم رُسُلها. ينشرون الأدب ويوّزعونه متجاوزين كل حدود اللغات والثقافات والجغرافيات المتعددة. ورغم أهمية الترجمة في مدّ جسور التواصل بين القراء أينما كانوا، قد لا يأخذ كثير من المترجمين حقهم جراء عملهم الشاق. وبعضهم يرحل عن عالمنا من دون أن يجد من يذكر أثره ودوره المهم في تعزيز قيم المعرفة والتنوير والانفتاح على الآخر. ومع ذلك، هناك بعض المترجمين الذين سطعوا عبر أعمالهم المترجمة، وارتبطت أسماؤهم بآداب هذه الدول أو تلك، كالمترجم سامي الدروبي الذي رسخ اسمه في الذاكرة العربية على أنه مُترجم ديستويفسكي، وصالح عالماني المُعادل العربي للنوبليّ غابرييل غارسيا ماركيز وأهم من ترجم عن الأدب اللاتيني.

تذكر الكاتبة المصرية سمية أحمد: في كتاب «موسوعة ألف ليلة وليلة أو الليالي العربية» لـ «أورليش مارزوف - ريتشارد فان ليفن»، ترجمة السيد إمام، وإصدار المركز القومي للترجمة في مجلدين، يجيب على عدة تساؤلات لعل أهمها مالذي تريد أن تعرفه عن «ألف ليلة وليلة» أو «ليالي عربية» كما يطلق عليها الأوروبيون؟ أصلها وفصلها؟ هندية أم فارسية أم عربية؟ مخطوطاتها؟ تواريخ ظهورها؟ مؤلفها أو مؤلفيها، نساخها أو جامعيها؟ أطوارها؟ الأثر الذي خلفته على جمهور المستمعين أو القراء في كل مكان وزمان، وعلى المبدعين من شعراء وروائيين، ورسامين وموسيقيين وكتاب مسرح في الشرق والغرب على حد سواء؟. كل تلك التساؤلات التي أثارها المترجم سيد إمام حاول الإحابة عنها خلال ما كتبه في مقدمة المجلدين قائلاً: «كل هذه الأسئلة وغيرها تجيب عنها (موسوعة الليالي العربية) التي ألفها وجمع مادتها اثنان من أبرز المتخصصين في الدراسات العربية وتاريخ الحكي العربي، على وجه الخصوص، هما أورليش مارزوف، و ريتشارد فان ليفن». يعمل الأول استاذًا للدراسات الإسلامية بجامعة أوجست، بجوتنجن بألمانيا وهو أحد الأعضاء البارزين بلجنة تحرير موسوعة الخرافات، ويعمل الثاني استاذا في قسم الدراسات الدينية بجامعة أمستردام بهولندا، وتضم أعماله المنشورة الترجمة الهولنديه لـ«اللياليي العربية»، بإلإضافة إلى العديد من المقالات حول نفس العمل. ويتابع إمام: «يكفي القول إن نص الليالي تبوأ مكانة متميزة بين روائع الأدب العالمي، وحقق شهرة عالمية منقطعة النظير، منذ قدمه أنطوان جالان إلى الغرب لأول مرة مترجما إلى اللغة الفرنسية ما بين عامي 1704-1717، وحققت ترجمة جالان نجاحًا جماهيريًا باهرًا في فرنسا أولاً، ثم في باقي أنحاء أوروبا بعد ذلك، وأقبل المترجمون على نقلها إلى شتى اللغات الأوروبية، وتراوحت طبعاتها بين طبعات مهذبة، وأخرى صريحة مكشوفة تضرب عرض الحائط بالمعايير الأخلاقية السائدة في أوروبا وقتذاك».

في حوار أجرته معه جريدة الأهالي المصرية أشار فيه إلى ان تجربته في منتهى الثراء، تجربة تشارك ولو بقدر ضئيل في فتح نافذة ولو صغيرة بعض الشيء لكي يطل منها القارئ على المشهد العالمي على الآخر المختلف، في النظرية الأدبية والنقدية والتطبيق، والتعرف على أدوات جديدة للكشف عن أبعاد النصوص الأدبية لم يكن بالإمكان الوصول أليها بالأدوات القديمة التي تآكلت من فرط الاستعمال والتكرار. في حين يرى أن التعرف على الآخر يساعد على معرفة النفس ويحدد موقعها وينبهها على أي أرض تقف، لأن محاولة التقوقع على الذات أو التحصن داخل أسوارها (بدافع الحفاظ على الهوية وما إلى ذلك من دوافع وأسباب) هو آفة العالم العربي، واختراق هذه الصدفة الخارجية أو تكسيرها هو مهمة الناقد والمفكر والمترجم والأديب. التقوقع داخل صدفة الذات يختفي عجزًا عن المواجهة والقبول بالحقائق التي يكشف عنها تيار الحياة المتجدد على الدوام. لن تفيدنا هذه الحيلة الدفاعية في شيء بقدر ما تفاقم من تخلفنا وتوسيع الفجوة الحضارية التي تفصلنا عن الآخر الغربي مئات السنين، شرط أن لا تقتصر علاقتنا بالآخر على مجرد المحاكاة والاجترار، وإلا نكون قد انتقلنا من محاكاة إلى محاكاة ومن الاجترار إلى اجترار. وبالتالي ينبغي أن نبني علاقتنا بالآخر الغربي على التفاعل الحر والتبادل الخلاق، وأن تكون قراءتنا له قراءة واعية مستبصرة ناقدة تقوم على التدبر والتأمل والتفكير حتى لا نكون في النهاية صورة مستنسخة من أحد. العالم يقدر الاصول ويرفض المستنسخات، ينسحب هذا على الفنون والنقد والأدب على حد سواء، كيف تطوع النظريات والأفكار الجديدة لاحتياجاتك أنت، أن تكون الأفكار والنظريات عونا لك على مراجعة وتأمل أساليب حياتك الراهنة حتى يمكنك إعادة اكتشاف نفسك من جديد، أن تعبر عن روحك الفريدة أنت دون الشعور بالدونية تجاه الآخر أو الاستعلاء عليه.

الترجمة في مصر، كما يراها سيد إمام خلال السنوات الأخيرة في حالة انحسار، عدا الجهود التي يقوم بها المركز القومي للترجمة، والهيئة العامة للكتاب، فضلاً عن الدور الذي تقوم به الهيئة العامة لقصور الثقافة. ومن ملاحظاته النقدية أن العالم في حالة انفجار معرفي في كل المجالات والتخصصات، ومؤسسة أو مؤسستان غير كافيتان لملاحقة هذا السيل الجارف من المعارف في شتى فروع المعرفة، وبالتالي لابد أن يلحق بكل كلية مركز متخصص تكون مهمته ترجمة الأعمال التابعة لتخصصه. والمشكلة برأيه أن الترجمة في مصر تقوم على جهود أفراد والجهود الفردية وحدها لا تكفي. والأعمال الكبيرة لا تلقى تشجيعًا لدى دور النشر الخاصة التي تهدف إلى الربح وسرعة دوران رأس المال. أما عن المترجم، فحدث ولا حرج. إنه لا يتلقى الحافز المادي الذي يليق بعطائه. ولذا انصرف الكثيرون من المترجمين إلى أنشطة أخرى تعينهم على تحمل أعباء الحياة. ومع ذلك، ثمة طفرة واسعة في هذا المجال في الوطن العربي تنهض بها مؤسسات وأفراد على حد سواء. في المغرب العربي، والكويت، ولبنان والعراق وسوريا على الرغم مما يعاني منه العالم العربي من عثرات. ويعني بذلك، لا نعاني من قلة الأعمال النقدية المترجمة. أما عن تأثير الأعمال النقدية على الحركة الإبداعية فالتأثير كما يقول، متبادل بكل تأكيد مع ملاحظة أن المبدع عادة يسبق التنظير ولا يكتب في الغالب تحت تأثير نظرية ما. أما الأدب على وجه العموم متجاوز النظريات ورؤية النقاد، والكاتب الروائي أو الشاعر الذي ينطلق في كتابته من هذه النظرية أو تلك، ومن رؤية هذا الناقد أو ذاك، فإنه كاتب مزيف وفاشل بكل المقاييس. في العقد الأخير من حياته اختار «إمام» أن ينشغل بمشروعه الفكري والثقافي الذي تأثر لسنوات طويلة بفعل انشغاله بدور فكري طليعي وعمل ثقافي عضوي كان خلاله مقدامًا مشتبكًا منحازًا لكل ما هو حداثي وجاد ومعادٍ دون تردد لكل ما هو ظلامي ولم تثنهِ عن موقفه ولم تقلل من صلابته كل محاولات انصار الظلامية ورعاة الظلم. في السنوات الأخيرة قدم «إمام» للمكتبة العربية عشرات الأعمال معظمها في الترجمة ليحفر أسمه بحروف مضيئة في مسيرة الترجمة العربية ويصبح أحد أهم رموز هذا المجال الصعب والمؤثر. رحيل السيد إمام في مارس الماضي عن عمر ناهز الـ78 عامًا خسارة كبيرة لحركة الترجمة وللثقافة عامة؛ لأنه يُعد أحد المثقفين المعدودين في مضماره بتاريخنا الأدبي المعاصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة