الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آدم وإيف.. من مجموعتي القصصية

وليد الأسطل

2023 / 5 / 13
الادب والفن


في المرة الأولى التي خنق فيها آدم امرأة، عرف أنه وجد السعادة.
حدث هذا في قرية ريفية صغيرة، على حافة حقل قمح. كانت الشمس تلعب بالغيوم التي تهب عليها الرياح ببطء. رائحة طيبة تغمر المكان، كما منحت أغاني القبرات هالة بطاقة بريدية لهذه الجنة الأرضية الصغيرة. لا شيء يشير إلى أي بذرة عنف ستعطي ثمرة تذكّر بالجحيم وبالدموع.
إلا أن آدم لم يكن مباليا بهذه السمفونية الطبيعية. كانت الألوان الدافئة، والمناخ المعتدل، والأجواء الرقيقة تتزحلق عليه مثل قطرة ماء على جثة ميت. لقد أراد شيئا آخر.
أشياء أخرى.
لكنه لم يستطع معرفة ما كان بحاجة إليه بالضبط.
إلى أن مشى على طول هذا الحقل، والتقى نورما. فتاة في وئام تام مع بيئتها. ساق سنبلة يرتجف في زاوية فمها، وأغنية بطيئة وجميلة تصدع بها حنجرتها. تغني بهدوء. كانت الكلمات التي همهمت بها، وأساءت معاملة ساق السنبلة، تتحدث عن الحب والحنان.
أمامها، سار رجل بخطوات بطيئة. متجول مثلها.
سرعان ما حاذته. توقفت عن الغناء، وحيته بمرح: "مرحبا". توقف، وحدق في عينيها.
وفجأة تغير كل شيء.
كان آدم مليئا برغبة لا تُقهر، لا يستطيع أي شيء أو أحد السيطرة عليها. فجأة، اتخذت حياته معنى لم يكن لها أبدا قبل الآن.
أدركت نورما هذه العاصفة الداخلية المفاجئة. أخذت خطوة إلى الوراء، بينما تقدم آدم ثلاثة، ثم أربعة.
ألقى بنفسه عليها بعنف. سقطت عند حافة حقل القمح الجميل. كان آدم ثقيلا وقويا. ثبت بجسده جسد نورما. وشرع يخنقها بيديه القويتين القاسيتين الجافتين.
لقد ضغط على اللحم الطازج النابض.
أرادت نورما أن تصرخ، لكن بالطبع لم يعد ذلك ممكنا.
عندما انزلقت الشمس بعيدا عنها، واختفت الروائح الريفية، بينما طارت فرحة الطيور بعيدا، باتجاه السحب، شعرت نورما أن جسدها يلين، وأن تنفسها ضعيف. لم تكن تتألم حتى، فلقد بلغت حالة تتجاوز هذا الشعور.
ثم ماتت. خنقا.
شعر آدم بموجة من السعادة المطلقة تخترقه. لا شيء يمكن أن يضاهي تلك المشاعر التي اختبرها. لا متعة جسدية ولا متعة روحية.
لا شيء.

كان آدم سعيدا، وأراد أن يظل كذلك إلى الأبد ...
في المرة الثانية التي خنق فيها امرأة وجد الحب.
لقد مرت أسابيع منذ ذلك اليوم الصيفي. مملة، في بعض الأحيان، مليئة بالملل المميت. ومثيرة أحيانا، عندما تذكر ما فعله. وعندما فكر في المرة القادمة. لأنه كان متأكدا من ذلك. ستكون هناك مرة قادمة.
حدث ذلك ذات ليلة في بلدة مظلمة عند منعطف زقاق مظلم. عرف اسم الضحية من الصحف في اليوم التالي. كاميلا. هذا لطيف، كاميلا ... في الواقع، لم يهتم لذلك كثيرا، تماما مثل عدم اهتمامه بضحيته الأولى.
كان المطر يتساقط، خفيفا وباردا. أمطار خريفية غير متوقعة. انتقل آدم للعيش في هذه القرية مؤخرا، وكان بحاجة إلى القليل من الهواء. سار في الشوارع الرطبة. علاوة على ذلك، لم يكن يهتم بالطقس أو المكان الذي يمر به أكثر من اليوم الذي التقى فيه نورما.
المصابيح البيضاء تلطخ الأرضية الرمادية بالضوء. بين كل عمود إنارة منطقة مظلمة قسمت المدينة. رفع ياقته متسائلا لماذا كان يتجول هنا والآن.
كان سيقتل للمرة الثانية، وما زال لا يريد الإعتراف بذلك بوعي. أوكل أمره للصدفة ...
ممر صغير مفتوح على الجانب الأيمن من الطريق. أشد ظلاما، أشد سوادا.
هذا هو المكان الذي عاشت فيه كاميلا. كانت تمشي مسرعة، بنفاد صبر لكي تعود إلى شقتها الصغيرة. لقد مكثت قليلا عند صديقتها، وعليها الآن أن تسرع. لم تكن تشعر بالطمأنينة في الخارج بعد حلول الظلام.
كانت على حق، بطبيعة الحال.

أصبح آدم مفترسا مرعبا، أسدا من أسود السافانا.
من زاوية عينه، اكتشف المرأة الشابة وهي تقمع الأرض بكعب حذائها الشرس.
لم يكن ينتعل هذا النوع من الأحذية. هذا ما جعله أكثر تكتما وسرعة. تبعها في صمت.
ألقى بنفسه عليها، أمسكها من الخلف، وضع إحدى يديه على فمها، وطوق بالأخرى أسفل صدرها.
كما لو كانتا تتمتعان بحياة مستقلة، اتجهت يداه إلى رقبة كاميلا، وبدأتا رقصتهما الجهنمية. كانت أصابعه عبارة عن عشرة راقصين صغار يركضون برشاقة على الجلد.
ماتت كاميلا بسرعة.
ترك آدم الجثة تسقط على الأرض، مثل حزمة قديمة من الغسيل المتسخ. كاد قلبه أن ينفجر من السعادة.
عندما استدار لمغادرة الزقاق والعودة إلى الشارع الرئيسي، اكتشف أن امرأة تنظر إليه، متكئة على الحائط، غير مبالية بالمطر الناعم البارد. عيناها مثبتتان عليه، تحترقان. كانتا متوهجتين.

في المرة الثالثة التي خنق فيها امرأة، أشركها معه في الجريمة.
كان اسمها إيف.
من الغريب أنه لم يفكر ولو للحظة أنها تستطيع أن تبلغ عنه. قرأ في عيني إيف -بعد قتله للتو كاميلا، في زاوية الزقاق- نفس الجنون الذي يتملكه، نفس نفاد الصبر لملامسة السعادة.
في ذلك المساء عاد معها إلى المنزل، وأخبرها بكل شيء.
نورما، والآن هذه المرأة المجهولة التي سيعلم في اليوم التالي أنها تدعى كاميلا.
لقد استمعت إليه، مفتونة، متمنية أن تفعل مثله.
كان عليه أن يعدلها، أن يعلمها الإنتظار، فهذه السعادة تستحق بعض العناء. من الضروري إذن فهمها، التملق لها، وإثارتها، حتى بلوغ اللحظة العظمى، الفصل الأخير.
رحل، فتبعته إيف. كانت الشقة أكبر قليلا من سابقتها. زينتها بذوقها الرفيع. كان سعيدا، لكن بشكل مقتصد. لم تكن سعادته مطلقة. السعادة المطلقة كانت تفر منه دوما قليلا. لكنه عرف كيف يصل إليها.
يجب أن يباشرا الصيد ليلا.
عرضت إيف إضافة بُعد إلى هذا الفصل الأخير. الصيد.
سمح آدم لنفسه مرتين أن يسترشد بالصدفة. اعتقدت أنه مما يزيد الإثارة، معرفة "الأضاحي" مسبقا. فالضحايا كن بالفعل ذبائح في نظرهما.
لقد رصدا طالبة شابة. كيتي. عاشقة للأدب والركض.
كانت تمارس رياضة الجري كل مساء عند مغادرتها الكلية. مكثا يراقبانها لأسابيع. تعقباها دون أن تشعر بهما، كحيوان غير مدرك للخطر الذي يحوم فوقه.
اختارا نهاية يوم يتنازعها البرد والرطوبة.
لطخت ثلوج متسخة الأرض وروح هذه المدينة الجديدة. كان الناس يشعرون بالبرد، ولم يجرأوا حتى على إخراج أنوفهم من بيوتهم بعد حلول الظلام. فما بالك برقابهم.

سمحا لكيتي بالمضي قدما. تركاها تستمتع قليلا، فكل عداء يعود إلى نقطة البداية. كان يكفي الإنتظار رغم درجة حرارة التجمد. ركضت ما يزيد قليلا عن أربعين دقيقة، ثم عادت مرة أخرى، لاهثة، مسبوقة بعمود بخار.
كان آدم مختبئا في زاوية أحد الأبواب. إيف هي التي اقتربت منها. تصنعت أنها تبحث عن شارع وهمي. أخبرتها كيتي أنها لا تعرفه. كان هذا كافيا لكي يقفز عليها آدم. سقطت متفاجئة. وقفت إيف خلف الطالبة الشابة، وأمسكت ذراعيها بقوة. استقر آدم في المقدمة، دون تسرع، ليرى العينين بشكل أفضل وهما تمتلئان بالدموع. طوق بيديه رقبة كيتي، وطفق يضغط ويضغط. أحس بالغضروف يكسر. ضحكت إيف وضحكت ... ترك آدم اللذة تغزوه كالمعتاد. سعادة. فرح. أما إيف فقد كانت لا تزال تضحك.

في المرة الرابعة التي خنق فيها آدم امرأة، كانا قد تزوجا للتو.
كانا في شهر العسل. في الخارج. الدولة التي اختاراها واحدة من تلك الدول التي لا يوجد فيها شيء باهظ الثمن عندما لا تكون فقيرا للغاية. دولة تغزوها مدن الصفيح. لم يكن هذا مثيرا للإهتمام بالنسبة لهما. إنهما بلا إنسانية.
انغمسا في أفراح الزواج الجديد، كما تمشيا كثيرا وقاما بالصيد. مرة واحدة...
سارا تاركين الوقت يمضي، معنيين بالصيد فقط.
وجدا لؤلؤة جديدة، اسمها مالي. علما أنها تعني "الياسمين". فتاة طيبة الخلق والرائحة. من دواعي السرور رؤيتها وهي تعبر شوارع المدينة. كانا يشاهدانها كل يوم وهي تغادر منزلها، حيث تعيش مع والديها وأشقائها الستة. تبعاها. لم تستطع اكتشافهما، فقد كان الحشد كبيرا، والصراخ عاليا، والفوضى المرورية خانقة. عملت مالي في محل بقالة صغير يديره رجل بدين متملق. جلس على مقعد وُضِع في أحلك ركن من أركان المحل. تحركت مالي برشاقة، ورحبت بالسكان الأصليين، الذين باعت لهم كعك الأرز، وماسامان بالكاري. ثم باعت هذه المنتجات نفسها للسياح، بسعر أعلى قليلا. لم يكن هذا مهما لآدم وإيف، لأن بضاعتهما كانت مالي.

غادرت ذات يوم محل البقالة أبكر بقليل عن المعتاد. كانا يعلمان أن هذا هو الوقت المناسب. تبعاها مرة أخرى، وغرقا في الحشد، اقتربا منها، ثم قاما بتطويقها ودفعها إلى زقاق صغير متسخ ذي رائحة كريهة، خال من أي ساكن. كانت إيف تضحك وهي تمسك بذراعي مالي.
أمسك آدم بسرعة رقبتها، وخنقها بسرعة كبيرة. كانت تفوح منها رائحة الياسمين.
شعر مرة أخرى بالسعادة تخترق بطنه. غمرته تماما.
بعد عودتهما إلى إنجلترا، حاول آدم أن يشرح من جديد لإيف ما يشعر به حين يخنق امرأة. أخبرها أنه من الرائع حقا اختبار مثل هذه السعادة الشديدة، التي تتجاوز بكثير كل النشوات والمتع التي يتمتع بها البشر العاديون. أدركت إيف على الرغم من سعادتها بمرافقة زوجها، أنها لا زالت بعيدة كل البعد عن عيش هذا الشعور.
كانت مستاءة للغاية. لقد أرادت أن تحقق هذا الفرح الأسمى.

بالنسبة لآدم، لم تكن هناك مرة خامسة، لأن زوجته وجدت السعادة أخيرا.
أدركت أن قتل رجل أكثر إثارة وبكثير من قتل امرأة؛ فبدأت بزوجها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال