الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل النظام السياسي المغربي قابل للإصلاح

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


" نظرا لان مدير البوليس السياسي قطع عن منزلي الكونكسيون قبل السادسة صباحا ، سأنتقل الى Cyber لإرسالها .. جلاد Tortionnaire et Bourreau " .
ثلاثة وستون سنة مرت ، والجميع يتحدث مرة عن الإصلاح ، ومرة عن التغيير . وكان وراء مروجي أطروحة الإصلاح ، بعض أحزاب ( برجوازية الدولة ) ، التي هي جزء من النظام الذي كانوا يريدون إصلاحه ، حيث تنشد من دعواتها المتكررة الى الإصلاح ، الحفاظ على امتيازاتها المختلفة التي ترى انها مهددة في كل وقت وحين ، في غياب اصلاح النظام حفاظا على النموذج الحاكم ، أي حفاظا على بقاء الدولة خوفا من سقوطها الذي سيكون مدويا ، او اسقاطها من قبل التغييريين الجذريين الذين لا يثقون في الوعود المقدمة من قبل الرسميين ، القابضين بيد من حديد على كل الدولة ، وليس فقط على مفصل من مفاصلها .
لذا ومنذ استقلال Aix les Bains ، والى اليوم ، تكون قد مرت على دعوات اصلاح الدولة لبقائها ، اكثر من ستين سنة كانت عجافا ، ودعوات الإصلاح بقيت واستمرت كذلك ، دون ان يحصل تغيير ولو طفيف يستجيب لدعوات المنادين بالإصلاح ، حتى بلغ الامر اليوم في الساحة السياسية ، الى درجة التغاضي عن الاستمرار في دعوات الإصلاح ، التي لن تكون ابدا مع شكل نظام ، ليس كغيره من الأنظمة السياسية السائدة في العالم . نظام تركيبته من حيث الشكل ومن حيث المضمون ، ترفض قطعا اية دعوة الى الإصلاح ، عندما تتحجج بالخصوصية ، وبالحق في التمايز ، ولو بالاستناد على الطقوس والأعراف ، بدعوى الحق في الاختلاف . وعندما يتم التركيز على جانب الحق في الاختلاف ، فمن المفروض ان يكون اصل الاختلاف ، التسابق نحو الأفضل في الممارسة السياسية ، في جوانبها المتعددة ، وابرز هذه الجوانب ، التماهي والغلو في خدمة حقوق الانسان ، وفي التأصيل للنظام الديمقراطي الذي وحده يمهد الاندماج مع الأنظمة الديمقراطية ، لا مع غيرها من الأنظمة الفاشية التي توارت الى الوراء منذ بداية العشرية الأولى من الالفية الثالثة ..
الى جانب الداعون الى الإصلاح من اجل بقاء الدولة التي تحافظ على مصالحهم ، خرجت جماعات أخرى تنادي بالإصلاح . لكن من خلال طرق الدعوة الى الإصلاح ، لم يكن الامر هو فعلا الإصلاح ، لخدمة التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، بل كان مشروعا تركيبيا لخلافة النظام الحاكم الغارق في الثقافة الفاشية الطقوسية ، باسم الدين وباسم القرآن ، بنظام آخر لن يكون أحسن من النظام الداعون الى إصلاحه / الى اسقاطه ، لان ما كان يختمر كان هو الاستيلاء على النظام ، لخلافته في الاستفراد بالدولة ليس الهرم ، بل في الأصل ، اي في الجاه ، والنفود ، وحب السيطرة ، ومراكمة الثروة ، ثروة الرعايا المفقرين ، أي الخروج من نظام فاشي ، طقوسي ، ثيوقراطي يستعمل الدين للسيطرة والتفرد لوحده بالحكم ، والدخول الى نظام آخر دكتاتوري عكست فشله البيّن ، التجربة التي قادتها الأحزاب التي نجحت في السيطرة على الدولة ، وكانت النتيجة هو ما يجري به الوضع اليوم في دول الشرق الأوسط ، التي تحولت من دول واحدية قوية ، الى دول رخوة تحكم بالعنوان ، في حين أنّ مساحات كبيرة من الجغرافية ، لا تخضع الى تلك السلطة الدكتاتورية التي مارست البطش والقتل باسم الدفاع عن فلسطين ، وسجون تلك الدول كانت تعج بالفلسطينيين الذي رفضوا الوصاية التي تجعل من وضعهم الحقيقي ، لا يتعدى دور الجدرمة الحارسة لل ( حدود ) ، التي خدمت كثيرا الدولة العبرية ، ولم تؤْديها في شيء .
فإسرائيل وبعد نجاحها في تثبيت الدولة اليهودية ، باسم لائيكية مزيفة ، لان أساس قوة الدولة العبرية هو الديانة اليهودية التي تبشر بارض الميعاد ، وليس الدولة العبرية المدنية اللائيكية ، التي ستكون شرا على بقاء الدولة التي تُنظّر الى الأرض الغير معروف جيرانها ، والغير معروفة حدودها ، مما يعني انتظار وتوقع نكبة جديدة ونكسة أجدّ. فارض الميعاد هي ارض الله ، وما دام الامر كذلك ، فتشبث الدولة العبرية بالدولة اليهودية الغارقة في الرجعية الدينية ، هو أساس قوتها بعد ان استعملت مفهوم وعنوان إسرائيل المدنية منذ مدريد في سنة 1982 ، وحتى Oslo في سنة 1993 ، دون نسيان لقاء " وايْ ريفيرِ " الذي حضره " باراك " مع " ياسر عرفات " ، تحت مظلة " بيل كلينتون " .
ان الدولة اليهودية التي تطمح ، ولا تزال تشتغل على مشروع ارض إسرائيل الكبرى ، هي أبعد من إسرائيل من البحر الى النهر ، إضافة الى ديمقراطية الدولة التي هي ديمقراطية يهودية ، تخص اليهود دون غيرهم من الأقليات الغير يهودية ، التي تعيش فوق الأرض اليهودية ، هو ما جعل الارباك يكون سيد الفشل العربي ، الذي لم يحارب لا باللائيكية ، ولا حارب بالدين ، لإضفاء حرب الحضارة المتناقضة مع الأقليات الاثنية ، والدينية من يهودية ومسيحية بالشرق الأوسط الكبير ، وشمال افريقيا التي تنتظر نصيبها من المشروع " سايكس بيكو " بالمنطقة " Sykes-Picot " .
فالدعوة الى اصلاح الأنظمة جغرافيا ، لم يكن هو أساس الدعوة الى الإصلاح مشرقيا . وطبعا الاختلاف سيكون في نوع المشاريع التي فشلت من حيث الشكل ، ومن حيث الجوهر ..
القضية الفلسطينية استعملت لشرعنة الدكتاتورية بالشرق ( الشرق الأوسط ) ، واستعملت في الغرب ( شمال افريقيا ) ، لحسم الصراع بين اقطاب ودعاة الارتباط بالقضية الفلسطينية ، التي أضحت كالسلع الاستهلاكية بين الزبون وبين البقال ، وبين الأنظمة التي تتصارع في الداخل ، او تتصارع خارج الحدود .. وما انْ لاح المخرج النهائي للصراع في الشرق الأوسط ، وتيقن الجميع بحقيقة نهاية القضية الفلسطينية ، بحصول الاجماع على التخلص من القضية ، حتى هرع الجميع يستنجد القوة ، من خلال التسابق ليس للاعتراف بإسرائيل ، بل لإقامة علاقات دبلوماسية معها . بل ان بعض الأنظمة في ادعاءها التشبث بالقضية الفلسطينية ، فذلك للحفاظ على شعرة معاوية مع مواطنيها المرتبطين بالقضية الفلسطينية ، كحسم تاريخي يستحيل الرجوع عنه .
اذن . هل لا تزال هناك قوى سياسية في الساحة الآن ، تناشد إصلاح الدولة ، كما كان الحال في سبعينات القرن الماضي ، وحتى وفاة الحسن الثاني .. وهل لا تزال هناك قوى سياسية مثل نوع سابقاتها ، تنشد التغيير الجذري ، باعتماد استراتيجية معينة عند الاشتغال على هذا المطلب ؟ .
الملاحظ والمتأمل في الوضع الحالي ، الذي عليه الحكم ، أي النظام ، او النظام كمخاطب بهذه الدعوات ، والوضع الذي توجد فيه القوى السياسية التي ترفع رايات الإصلاح ، او ترفع رايات التغيير الجذري .. ، قد يصاب بالغثيان وبالدوخة ، لان الساحة فارغة من الجماعات التي تنادي الى الإصلاح ، ولو في الهرم والشكل دون الأصل ، وفارغ من الجماعات التي تنادي بالتغيير الجذري . فحتى محمد الساسي الذي كان نوعيا يساند الدعوات الى الجمهورية ، تخلى عن هذه الدعوات بالمرة ، مرة عندما دخل يفاوض مستشار وصديق الملك المكلف بالأمن وبالشؤون السياسية فؤاد الهمة ، الاستحقاقات السياسية التي كانت على الأبواب ، وحينها كان فؤاد الهمة يفرش الأرضية بالورود لمحمد الساسي ضمن التحولات التي ستحصل باسم التغيير ، وللأسف إمّا ان الساسي لم يفهم الخطاب ، ولم يستوعب إشارات مستشار الملك ، او انه أراد ان ( يدفع كبيرا ) فوق حجم طاقته ، ضمن " الاشتراكي الموحد " الذي كان وضعه محسوما عند الدولة ، وهو ما نعتبره اعترافا ولو شكليا ، لان القوة الفارضة للاختيار غير موجودة ، خاصة عندما صرح وأمام الملء ، بتخليه عن الاختيار الجمهوري الذي فشل ، وتشبثه بالملكية كنظام يجب ان يتفق المغاربة حول أسسه ، وعلى فعاليته السياسية في خدمة الوحدة المهددة لكل المغرب ، لا المهددة لفريق من فرق النضال التي تنشد النظام الديمقراطي تحت اية مظلة كانت ، ملكية ( وأيّ نوع من الملكية ) ، أو كانت جمهورية ( وأيّ شكل من الجمهورية ) ..
ان تراجع محمد الساسي عن دعوة الجمهورية التي فشل في الوصول اليها ، لأسباب كثيرة ليس هنا محل بحثها ، واعلانه المكشوف وبالواضح ، الوقوف وراء الملكية ، دون انْ يحدد مجال نفوذ النظام الملكي ، الذي يبقى وحده الطرف الذي يقرر في الشأن العام المغربي ، سيجعل من محمد الساسي الذي كان ينتمي الى " اليسار الاشتراكي الموحد " ، يحدد سقف مطالب الحزب الضعيف البنية ، وتقوده نبيلة منيب بعد ان تمردت ، ولاحت أحزاب الفدرالية ، ( المؤتمر الوطني الاتحادي ) ، و ( حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ) ، مقابل مقعد يتيم بالبرلمان ، دون قطعها الترجي والامل ، في انتظار مكافئة من قبل القصر ، ربما قد يكون فؤاد الهمة قد أشار اليها بالغمز او الهمس ، كوزيرة لوزارة الخارجية المغربية ، وكأن هذا الحلم ، هو اقصى ما تفكر فيه نبيلة منيب .. لذا فإعراب محمد الساسي عن قناعته الأخيرة باستحالة الجمهورية ، وبإمكانية الملكية الإصلاحية ، من جهة اعطي لنبيلة منيب فرصة العمر التي لن تعوض في الدخول الى البرلمان ، وإمكانية انتظار منصب موظفة سامية بإدارة الملك ، ومن جهة فتعبير محمد الساسي ، كان نداء يقر بالتصحيح في مواقف المطالبين بالجمهورية ، ولم يعودوا كذلك ، واعتراف بالقطع النهائي مع التجارب الانقلابية المختلفة التي فشلت الفشل الذريع .
اذن . بعد التحول الجذري في مواقف أحزاب ( الفدرالية ) الانتخابوية ، وهي الأحزاب التي كانت تمثل نوعا ما الخطاب الكلاسيكي الذي يرمز الى الدولة الواحدية ، والاعراب عن تأييد الملكية دون تحديد اية ملكية يريدون ، لان الملكية في المغرب ليست كباقي الملكيات الاوربية ، خاصة الاسبانية التي يحتفظ فيها الملك بدور أساسي للحفاظ على وحدة الاتحاد ، وبما ان محمد الساسي ، من دعاة المنادين بإصلاح الملكية ، وهو قد يكون جاهلا لأصل الحكم الملكي المخزني ، المبني على التقليدانية المفرطة ، والطقوس الموغلة في التقوقع ، لنا ان نتساءل . هل حقا ان مجموعة ( الوفاء للديمقراطية ) التي كانت جزءا مع حزب الاشتراكي الموحد ، وبتنسيقها مع حزب الطليعة ذا الجذور الراديكالية ، التي قطع معها عندما شارك مرتين في الانتخابات التشريعية ، وللأسف لم يتمكن من الحصول على نائب واحد بالبرلمان كالحزب الاشتراكي الموحد ( نبيلة منيب ) ، او حزب المؤتمر الوطني الاتحادي ( امرأة واحدة ) ، هم حقا اصلاحيون ، ينشدون المشاركة السياسية من خلال اصلاح الملكية كنظام ، خاصة من حيث الاستيلاء وبالمجان على السلطات التي يعطيها دستور الملك الممنوح له ، كمحور النظام الملكي التقليدي داخل الدولة التي هي دولته ؟ .
فباستثناء أحزاب ( الفدرالية ) التي لم تعد فدرالية ، وباستثناء حزب " النهج الديمقراطي العمالي " ، لم يعد احد ومن جميع التنظيمات السياسية ، سواء التي تنشط بترخيص من وزارة الداخلية ، او تلك الشبه او النصف سرية ، او تلك التي تنشط في الحقل الطلابي كقطاع انتقالي ، لن يصل ابدا الى مركز القرار، الذي يبقى قرارا ملكيا أميريا ، يجسد لوحده الدولة في مختلف فصائلها التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية ، دون نسيان ترأس الجيش ، ولعب دور الرئيس في القطاعات القريبة من الجيش ، كالدرك ، القوات المساعدة ، والامن بمفهومه العام .
اذن . امام هذه الحقيقة التي لا يجب ان تخفي ( القوة ) الحقيقية لأحزاب ( الفدرالية ) .. ونظرا لفراغ الساحة السياسية من أحزاب الستينات والسبعينات ، وحتى النصف الأول من الثمانينات . هل فعلا ان أحزاب ( الفدرالية ) الانتخابوية التي تتحرك كعنوان فقط ، وكأنها لم تكن يوما ، تنشد حقيقة الإصلاح السياسي والدستوري حتى تتضح صورة النظام جليا ، لأنه في اعتقادهم ان صورة النظام تبدو بالمقلوب ، أيّ انّ النظام يمشي على رأسه ، فيكفي إصلاحه بقلبه ليمشي على قدميه ، وتكون له صورة واضحة المعالم ..
امام هذا الاختلال في التوازن ، بين مختلف فرقاء الصف المشتغلين بالشأن العام ، لا نكاد نصادف تنظيما من التنظيمات ، او حزبا من الأحزاب الحقيقية ، يناشد فعلا الإصلاح ، ويرفع الدعوة له لخدمة الجماهير الشعبية التي يا ما تغنى بها السابقون من نفس المدرسة ، وعنما وصلوا ، انقلبوا على الجماهير التي باسمها المغيب ، اصبحوا موظفين سامين بإدارة الملك ، وقد سمحت لهم المناصب العليا ( وزراء ، ولاة ، عمال ، سفراء ... ) ، بتغيير وضعهم الاجتماعي والمالي الاهم ، والانتقال من طبقة الى أخرى ، وبكل سهولة ، في حين ظلت الجماهير التي كانت تقف وراءهم ، في نفس الوضع والحال ، بل و الأخطر ، انحدار مستوى عيشها الى ما دون البرجوازية الصغرى ، والبرجوازية المتوسطة التي لم تعد كذلك ، ليعمها هي الأخرى الفقر وقلة الحاجة .. وهنا . ألم يخصخص فتح الله ولعلو ، قطاعات وشركات الشعب ، باسم الحاجة للسيولة ، وباسم الليبرالية المشوهة ، المبنية على نهب ثروة الشعب المفقر ، وتسليمها للكمبرادور باسم الخوصصة المفتري عليها .. ؟
اما عن جماعات الإصلاح الراديكالي ، التي منها من آمن بالعنف الثوري الجماهيري ، ضمن استراتيجية الثورة الوطنية ، ومنها من آمن بالبلانكية للسيطرة على الحكم والنظام ، فمثل هذه الجماعات ، انقرضت من الساحة بالكل ، ولم يعد أحد يفكر في الثورة الوطنية ، لان مادتها غائبة ، والغياب تسببت فيه هذه الجماعات نفسها ، عندما ركزت على السرية والحلقية ، التي نمى ضمنها كريزمة القائد الهمام ، المحنك ، والذي وحده يفقه في جميع علوم الثورة ، ولو بالحلم والتنظير في العاج العالي .
وبما ان لا احد من القوى السياسية ، ومنها " حزب النهج الديمقراطي العمالي " ، أيام الماوية ( القواعد الحمراء الثابتة ، والقواعد الحمراء المتحركة ، حتى سنة 1979 ) ، لا زال يؤمن بالبلانكية للانقضاض على الحكم ، لان هذا النموذج فقد بريقه بنهاية حركات التحرير في القارة الافريقية ، وبأمريكا اللاتينية والجنوبية .. ، فان اقصى ما تتفتق عنه هذه الدعوات المثيرة ، هو الاجتهاد باستعمال جميع الوسائل لإيجاد منصب سام بإدارة الملك ، عندما تدعو الضرورة الى ذلك ، او عندما يتمكنوا من الفوز في الانتخابات البرلمانية ، ويدعوهم الملك للمشاركة في الحكومة التي هي حكومته ، حتى يحصل لهم شرف تنزيل برنامج الملك ، لا برنامجهم الذي دخلوا من اجله الجذبة الانتخابية .
ان الدعوة الى اصلاح النظام السياسي المغربي ، وفي غياب الأداة الفعالة التي هي التنظيم السياسي ، وضمن اطار عام للاشتغال ككتلة او جبهة ، تبقى مجرد دعوة من دون مجيب .. وهنا ، وبالنظر الى نوع النظام الذي يحكم البلد منذ اكثر من 350 سنة ، ونظرا لبناء الدولة المخزنية ، الثيوقراطية ، البتريمونيالية ، الكمبرادورية ، الرعوية ، البطريركية ، الطقوسية ، والغارقة حتى الاذنين في التقاليد المرعية ، فان اية محاولة للإصلاح ، ستكون عديمة الجدوى والفائدة ، إنْ هي أهملت التوسع في البحث ، وفي المساس بما يسمى الحكم في المغرب .. لان بالرجوع الى معرفة واستيعاب نوع الخطاب التقليداني الذي يزكي قرارات الدولة المخزنية ، كدولة منفلتة من المسائلة والعقاب .. ، تبقى تلك الدعوات كصيحة في واد فقط ، دون ان تستطيع لمس حقيقة النظام السياسي المغربي ، في جانبه الديني ، إمارة أمير المؤمنين ، الراعي الأول ، والامام الأول ، قبل الوصول لبحث إشكالية المسألة الدستورية المفتوحة للاجتهاد ، خاصة في جانب السلطات التي يحتكرها الملك لوحده ، في دستوره المشرع من قبله ، لا من العامة التي باركت ما جاء في التعديل الدستوري في سنة 2011 ، عندما استفتت حوله .. فدستور الملك اذا كان يركز ويختزل كل الدولة وليس فقط السلط في شخص الملك .. ، فانّ مشروعية نظام الحكم في المغرب ، تبقى عقد البيعة الذي ينتقل بالنظام السياسي ، من الدولة العصرية التي تعتمد دستورا مستفتى عليه من قبل الرعايا ، الى دولة ثيوقراطية ، بطريركية ، رعوية ، بتريمونيالية ، طقوسية ، وتقليدانية ، تحكم باسم اقطاعية الحق الإلهي ، لا باسم الدستور المستفتى عليه . وهنا . منْ هي القوى الإصلاحية ، او الاصلاحوية التي تجرأ على المطالبة بإعادة النظر في المشروعية اللاّهوتية لأمير المؤمنين ، وهي المشروعية الاسمى من دستور الملك الممنوح . لان ما تتضمنه من سلطات استثنائية وخارقة ، تجسد الفاشية الدينية ، ولو بضرر اقل من الضرر المرتقب عند تسلم الإسلام السياسي دفة الحكم في المغرب ؟
النظام المغربي كنظام طقوسي ، في مجتمع محافظ ولو نفاقا ، هل سيستمع لدعوات الإصلاح السياسية ، ومن خلال تعديل دستور الملك الممنوح ، حتى يصبح الأخذ من رئيس الدولة كأمير وامام في منتهى السهولة ، ويصبح من ثم المرور او الانتقال من دولة ثيوقراطية ، رعوية ، بطريركية ، بتريمونيالية ، الى دولة سياسية شكلا ، دولة مدنية في منتهى السهولة ؟ .
فهنا اذن ، وبالنسبة لدعاة الإصلاح الاصلاحوي ، وعلى رغم علتهم وضيق افقهم في مواجهة نظام ثيوقراطي ، ركائزه الأساسية في السماء ، وأرجله فوق الأرض ، وهي التي تعطيه القوة والمناعة ، وتشرعن له الساحة ، بحيث مرة يهدد بالجيش ، ومرة بالقوانين ، ومرة بالانتساب الجغرافي التي تجعل الرعايا حوله لا حول غيره ، رغم ادعائهم الدفاع عن الرعية التي تعيش من دون حقوق .. هل من تنظيم او حزب الآن ، يجرأ على الدعوة لنفض سلطات الأمير التعجيزية والمُفرْملة لأي تطور ، في اتجاه الانتقال من الامارة الى الدولة ، مع ما يستتبع ذلك من تحول في أسس مشروعية النظام السياسي ، ليصبح الأمير ضعيفا بعد ان كان قويا ، ويصبح سهل الاختراق ، بعد ان كان يخاطب الرعية كراعي ، وامير ، وامام ، وليس مملك ..
وهنا . هل النظام الذي يبني مشروعية حكمه على عقد البيعة الغير مكتوب ، وعلى التقاليد المرعية ، والتقليدانية الرجعية في نصها الديني ، سيقبل بالإنصات الى هذه الدعوات ، فأحرى النزول درجات من سلم عالي الى سلم متدني ، ويصبح وضعه ووضع هؤلاء في نفس الميزان ..
ودائما وفي افق معالجتنا لأصل الدولة المخزنية ، الطقوسية ، البتريمونيالية ، الرعوية ، البطريركية ... الخ ، .. هل سيخضع رئيس الدولة كإمام ، وراعي ، وأمير ، لدعوات لن يجيبها أحد من الطبقات التي من المفروض ان تكون المخاطب بالدعوة الى الإصلاح ، الذي لن يكون ابدا ؟
ومن اية جهة يجب ان يبدأ ( الإصلاح ) . هل يجب مراجعة دستور الملك الممنوح الذي يختزل في شخصه كل الدول ؟ ام يجب الانكباب على تحديد الموقف من السند المعرقل لأيّ مشروع ديمقراطي حقيقي قد يفكر فيه مستقبلا ، ألا وهو عقد البيعة ؟
فإيهما جدير بأولوية ( الإصلاح ) ( الاصلاحوي ) ؟
اذا كان المقصود بالإصلاح ، هو تغيير الدستور بان يكون من اختصاص جمعية تأسيسية ، وضعه ، وتحريره ، والانتهاء منه بطرحه للاستفتاء الشعبي ، طبعا بالتوافق مع " دار المخزن " ، فالمسألة تبقى مقبولة لأنها سهلة . ولأنها تخضع انشاءً وتطوراً للعقل البشري ، لكن يجب ان يباركها المخزن في درجات مقبولة ومعقولة ، دون ان تصبح خطرا عليه ..
اما اذا كان الهدف من دعوات الإصلاح ، أصل مشروعية النظام السياسي المغربي ، أي عقد البيعة الذي يعطي للملك سلطات استثنائية غير محددة الزمان والمكان ، فان أي دعوة للنظر في هذا الشق الغامض والمختلط من حيث مجال التخصص ، ومجال التصرف للأمير ، والراعي ، والامام ، سوف يتم اقباره في الحال ، وإلاّ ستصبح وضعية الأمير ، الراعي ، البتريمونيالي ، البطريركي .. في نفس مستوى الدعاة المطالبين بالإصلاح . أي سيصبح وضع الملك في نفس وضع ( الخصوم ) .. وهنا وفي هذا الحال ، ستتحول الدولة من دولة أحادية وقوية ، الى دولة رخوية ضعيفة ، يمكن العصف بها بسهولة ، اذا توافرت وتلاقت هذه الدعوات مع رضاء و قبول الجيش ...
انطلاقا اذن من هذه الصورة ، العاكسة لأصل مشروعية النظام السياسي ، وهي مصدر قوته .. ، ونظرا لفراغ الساحة الوطنية من نماذج أحزاب الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، فان دعوات أحزاب ( الفدرالية ) التي تشتت بخروج " الاشتراكي الموحد " ، وحتى " جماعة العدل والإحسان " ، و حزب " النهج الديمقراطي العمالي " ، لن تفي المقصود ، ولن تؤثر على مصدر القرار في الدولة ، بسبب الضعف التنظيمي البائن ، وبسبب الاختلاف في صفوف هؤلاء ، " حزب الطليعة " في مواجهة " جماعة العدل والإحسان " ، والجماعة في مواجهة الجميع لتركيزها على نظام الخلافة المتعارض مع أيديولوجية " الطليعة " ، و " النهج " ..
فمن هي القوة التنظيمية القوية النافدة وسط الرعايا ووسط ( المثقفين ) ، تستطيع رفع الدعوة الى اصلاح النظام السياسي ، بتبني نظام يغايره في الشكل ، كما يغايره في الأصل ، والجوهر ، والمضمون ؟
الساحة مشلولة ، بل فارغة من دعاة الإصلاح السياسي ، وغائبة من دعاة الانقلاب من فوق ( الخط البلانكي ) ، ومن دعاة " الثورة الوطنية الديمقراطية " . وبما ان الساحة يشغلها وحده القصر بعد ان نجح في افراغ أحزاب ( برجوازية الدولة ) من مضامينها وجوهرها ، التي عجزت عن تنزيل نفس دعوة ( الإصلاح ) طيلة السبعينات الثمانينات ، فان أي اصلاح اذا فُتح مجال التفكير فيه ، سيكون من القصر لا من غيره .. وهنا هل القصر المسيطر على كل الدولة ، سيقبل بما يسمى ( اصلاحا ) ، الشروع في مناقشة سلطاته مع اشخاص ضعيفة ، فأحرى ان يقبل التنازل عنها اليوم ، لدعاة لا يمثلون أي قيمة في مجتمع تقليداني ، ربط مصيره بالملك ، الأمير ، الراعي ، والامام الكبير ؟ .
ان الدولة المخزنية تتحرك تحت الضغط ، والقوى السياسية التي تستطيع وحدها الضغط على النظام ، غير موجودة على الاطلاق .. فحتى أحزاب ( الفدرالية ) التي تشتت ، والتي تتظاهر بالمطالبة بالإصلاح ، لا تمثل شيئا من حيث القوة لفرض مطالب ( الإصلاح ) المجهضة ، في وقتها الذي كان يستجيب للإصلاح ، لو لا غدر وتآمر قيادات داخل التنظيم ، اجهضت جميع الدعوات الى الإصلاح ، ولو من خلال فرضه بالقوة ، بإنزال الجماهير الى الشارع .. فهل من قوة الآن ، تستطيع إنزال الجماهير الى الشارع للمطالبة بإصلاح النظام ، وهي ضعيفة اكثر من عش العنكبوت ؟
ومن خلال الرجوع لمقارنة الحاضر بالماضي السحيق ، نكاد نجزم ، ان مصطلح الدعوة الى اصلاح الدولة ، استعمل من قبل مردديه بنوع من الميكافيلية التي لم تكن تعني شيئا من الإصلاح .. فهل الإصلاح السياسي للدولة ، يجب ان يكون ديمقراطيتها ، وهنا يكون التعديل الجذري للدستور ، والفرز عن طريق صناديق الاقتراع والانتخابات ، هو المجسد للدولة الديمقراطية التي تعطي اصل القرار للشعب كمصدر للسلط وللحكم ، ام ان المقصود بالإصلاح السياسي للنظام ، ليس هو الدستور الديمقراطي ، كما ليس هو اضعاف الدولة المخزنية لصالح الدولة الحلم ، واضعاف رئيس الدولة كملك لصالح الوزير الأول الذي يجب ان ينوب عن الملك في امتلاك السلطات الجوهرية المميزة بالسيادة ؟
اعتقد ان المقصود بالإصلاح السياسي ، ليس هو اضعاف الملك وسط النظام ، واضعاف الدولة بعد تجريدها من صلاحياتها خاصة التاريخية ..
ان المقصود بالإصلاح السياسي في منظور وفهم المشتغلين بالشأن العام ، ومنذ بداية السبعينات ، كانت من جهة الاحتفاظ بالسلطات القوية للملك ، والاحتفاظ بشكل الدولة كما هي الآن ، لكن الجديد من الدعوة الى الإصلاح ، هو تمكين الحزب الذي فاز بأكثرية المقاعد البرلمانية ، بتنزيل برنامج الملك ، لا برنامج الحزب او الأحزاب التي تفوقت في الانتخابات ، والتي تم رميها عرض الحائط بمجرد اعلان نتائج الانتخابات ، وهو ما سماه الاتحاد الاشتراكي في بداية السبعينات ب " المنهجية الديمقراطية " التي تعني ، تولي الحزب الذي فاز في الانتخابات ، مسؤولية الحكومة التي ستشرف على تنزيل برنامجها ، لا غيره من البرامج التي تنافست في المعركة الانتخابية ..
فحين تتنافس وتتصارع الأحزاب فقط على " المنهجية الديمقراطية " ، ومن دون تعديل الدستور تعديلا جذريا ، لينقل سلطات واختصاصات الملك الى الحكومة ، يكون المعنى من مصطلح الإصلاح السياسي في فكر ( النخبة ) كما هو ملاحظ الآن ، هو التسابق لمن يحظى بشرف تنزيل برنامج الملك الساقط بالمظلة من فوق ، ورمي البرامج الحزبية التي خِيضت على أساسها الأحزاب المعركة الانتخابية ، عرض الحائط .. فتكون جميع الأحزاب قد شاركت في انتخابات الملك ، لتدخل الى برلمانه ، ووزارته كموظفين سامين بإدارته ، وليس هو انتزاع سلطات الملك في دولة لا تزال مخزنية من خلال الدستور وعقد البيعة ، فحق تسمية كل المشتغلين بالشأن العام ، بالمخزنيين السلطانيين .. الذين لا علاقة تجمعه بالديمقراطية ..
فقوة القصر وصلت الى تحديد واختيار من سينتمي الى حكومة الملك ، ومن سيكون برلماني الملك .. والصراع وباسم " المنهجية الديمقراطية " ، ظل حبيسا لهذا التصور العاكس الذي يجسد قوة الدولة وقوة محورها الذي هو مرة الملك ، ومرات امير ، امام ، وراعي كبير ..
فعن أي اصلاح تتحدثون ، وطرقه معروفة ، وشروطه أعْرَف ؟
ليس القصر من يرفض الإصلاح ، بل ان من يرفض الإصلاح الدستوري والسياسي ، هم أصحاب " المنهجية الديمقراطية " ، وأصحاب " " الديمقراطية الحسنية " ، وأصحاب " الديمقراطية المحمدية " ، فلا تحملوا النظام وعلى رأسه الملك ما هو غير مسؤول عنه .
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال الرئيس الفرنسي ماكرون عن اعتراف بلاده بالدولة الفلس


.. الجزائر ستقدم مشروع قرار صارم لوقف -القتل في رفح-




.. مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب رفع العلم الفلسطيني خلال


.. واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في سياستنا ودعمنا العسكري لإسرائيل




.. ذا غارديان.. رئيس الموساد السابق هدد المدعية العامة السابقة