الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي.. يرثي الشهيدة-شيرين أبوعاقلة-بحبر الروح..ودم القصيدة (شيرين..يمامة توارت خلف الغيوم)

محمد المحسن
كاتب

2023 / 5 / 13
الادب والفن


تصدير : كتبت هذه القصيدة كترنيمة حزينة،تتشبث بالصبر كما تتشبث الشجرة بالأرض، فالجذور التي تمتد عميقاً في التراب تجعل الأغصان تتمدد بالأمل كأنها اكف الرجاء،وهنا سندرك معنى التناغم في أن يتحول هذا الحزن في ذات اللحظة التي وجد فيها الى أمل وهذه هي القيمة الجمالية التي تنطوي على مفهوم رائع للإبداع،وهذاما سوف ينمو و يشع و ينبعث من نفوسنا،ونحن ندرك هذا الجمال،فالكلمات التي مضغت الحزن أخرجته إلى ما يقابله من أمل..ثمة أمل ينبثق من دفقات الدّم ووضوح الموت..
أمل يتمطى في اتجاهنا عبر عطر زياتينك يا فلسطين..


ليس الشعر إلا صياغة ساحرة وعذبة لما يختمر في داخلنا،ويعبر عن تجربة إنسانية ذاتية وشاملة.
هو رؤية عميقة أداتها اللغة،وحصانها الخيال،تسافر وتجنح بدلالة اللغة الحقيقية إلى دلالات مبتكرة غير التي وضعت لها بالأصل،وتكون مليئة بالمعاني الجديدة والإشارات والإيحاءات المدهشة.والشاعر لا يقدر على فهم تجربة الحياة دون الغوص في المشاكل الإنسانية الكبرى.يتأمل ويتنقل في عالم الإنسان والكون الذي يعيش فيه.
‏تؤرق الكتابة الشاعر التونسي القدير د-طاعر مشي،والشعر بالنسبة له فعل حياة،وإبداعه الشعري يلتقط نبض الحياة،ويحاول الإمساك بلحظات فرح غير آبه بالوجع،وبجرأة مندفعة تغوص في الحياة الصاخبة التي لا تهدأ لإعادة اكتشافها من جديد.
إن الآلام التي يعبر عنها الشاعر نابعة من قلبه،وقلبه هو منبع وجعه،وكما يقول الشابي: "إن قلبي..هو مصدر آلام هاته النفس التائهة المعذبة،وهذا الجسد المُعنّى المنهوك.وما دمت أحمل بين أجنحتي مثل هذا القلب الكبير،وما دامت هاته الحياة تهد منه ولا ترحم فإنني أشقى أبنائها"
فحين تشعر بذلك الوميض من النبض في شعر الشاعر التونسي«د-طاهر مشي» تتضح لنا تلك الخافية التي يخفيها عن قرائه في واقعه واسلوبه البلاغي ومعجمه اللغوي اللفظي لتلك المفردات التي تكشف براعة شاعرنا وتألقه في كتابة الشعر،وبذلك برز شاعرنا في هذه القصيدة التي صاغها بحبر الروح،ترحما على "اليمامة الراحلة عبر الغيوم" كما وصفها شاعرنا ونقصد الشهيدة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي اغتالها حفاة الضمير..وشذاذ الآفاق-رحمها الله رحمة واسعة-
لقد تأثرتُ كثيراً بهذه القصيدة على وجه التحديد لأنها نابعة من وجدان مفعم بالإنسانية..
شيرينُ..يمامة توارت خلف الغيوم..
فَكَمْ شيرينُ قد ذاقتْ وَذُقْنا
بساحاتِ الوَغى لا مَا افْتَرقْنا!
تجوبُ الرُّوحُ في كلِّ الدّروبِ
ويبقى في المَدى طيْفاً عَشِقنا
فنامي يا شِرينَ الشّرقِ نامي
فإنْ هبّ الهوى يوماً عُتِقْنا
وإن سالتْ دموعُ العيْن حيناً
فجرحُ الغدْرِ يبقى لوْ رَتَقْنا!
وصوتُ الحقِّ لا ي
علوهُ صوتٌ
رَصاصُ الغَدرِ من ظُلمٍ لَحِقْنا
سلامي لِلّتي في الحرب كانتْ
تُغَطّي في جِنينَ الثّأرَ لَحْنا
كما المَسجون في قفْرِ الصّحارى
نذوقُ المُر َّ ظنَّ الشّهدِ ذُقْنا
هوَى الإعلامِ في الأوْصال يسري
وكم كأسٍ من المُرّ ارْتَشفْنا!
لِتَمضِي شهيدةً مِنْ أجلِ أرضٍ
رصاصُ الغدر شيرينا سرَقْنا
ستبقَى شِرينُ جمْراً في حَشاكُمْ
صهايِنُ جُرْمُكمْ غَطّى وَعَنّى!
ونبقى راصدينَ لكم خَزايا
بإعلامٍ لَنا فَخُذوها رَنّا!
طاهر مشّي
إني أرى هذا الشاعر الفذ يحمل بين طياته الكثير من الحزن والوجع ..وبالرغم من سوداوية الشعور العام هنا ..إلا أن ذلك لم ينتقص شيئاً من جمال هذه القصيدة وعذوبتها التي بالفعل لامست شغافَ قلبي ..
لقد مضى الشاعر في تطريز قصيدته تطريزًا نابعا من صدق الإحساس المفجّر لصور إبداعيّة فيها عمق الألم المولّد لقوة العبارة والاختلاف تجعلنا ندرك الفرق بين حزين وحزين فَحَدَثُ الفَقْد تجد له ألف حزين،بينما تجد حزينا متفرّدًا في حزنه يعبّر عنه بشكل يغوص في أعماق جُرحِهِ فيبدع ويعلو وهو يحلّق بعيدًا خارج السرب.
إن الفقد لا يمثل حالة إنسانية طارئة،ومن خلال الشعر وحده يمكن أن نشعر بالمعنى متجدداً، بالقفز على فجوة الفراغ الذي تخلفه أكثر أحزاننا قتامة،وباللغة التي تنطلق لتعكس هذه السمة الإنسانية الأصيلة في البشرية،فتقدم لنا التجارب الشعرية المختلفة في هذا الاتجاه،كنوع من أنواع الحراك الاجتماعي والثقافي.
وهنا أضيف : إن الفكرة لدى كاتب الشعر لا توجه لغة الخارج، فالشاعر نفسه شبيه بلغة جديدة تبني نفسها،وتبتكر لِنفسها وسائل تعبيرية وتتنوع حسب معناها الخاص.
هنا ما نسمّيه شعراً ليس سوى فرع من الادب الذي تتأكد فيه الاستقلالية في أبهى صورها. فالكثير من المتذوقين للشعر الحديث لا يعتبرون القصيدة شعراً ما لم يكن بها أنين وحكمة أو استغاثة،لذلك واحد من أصعب الأمور في كتابة الشعر هو أن يعرف المرء ما هو موضوعه..!
إن جلّ الناس يعرفون ولا يكتبون الشعر لأنهم واعون جداً للفكرة..وبعبارة أخرى أكثر تحديداً وسيولة،إن القصيدة هي التي تخبر الشاعر عن أفكاره وليس العكس..ولقد أخبرت هذه القصيدة شاعرنا"الطاهر" بكل ما يجول في خاطره..
وختاما نقول إنّ ممارسة فعل التلقي لقصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي تكشف عن رؤى معرفية منبعثة تقود إليها صور الشاعر ولغته الممعنة في بلاغة التصور،وان المضامين الفكرية جاءت بها القصيدة ضاجة بالحسي من المخزون الأدبي،وقد أحدثت تناغماً فكريّاً يمنح قصيدته هذه،كثافة تعبيريّة تبعث على الدهشة وتُضاعف من فاعليتها الجمالية وذلك بانزياحات لغوية تحمل المعنى من دلالة إلى أخرى وتسمح بتعددية دلالية تنسجم مع رؤى الشاعر النازفة، والبنى التركيبية المشكّلة لها باذخة بشمولية بلاغة الصورة،في مرموزاتها لتأخذك إلى مكامن الدهشة في توصيل الرؤيا والتي تعبر عن مدى ارتقاء الشاعر الى لغة شعرية خاصة به، فيطرح عبرها هموم الحياة بصخب آلامها وإرهاصاتها أمام القارئ دون زيف،مهما اشتد وطيس هذه المعاناة ..معاناة شاعر يرى بقلبه..ويرسم بوجدانه في زمن تغتال فيه-الكلمة-على مرآى ومسمع من العالم..
قاصرٌ هو الحرف عن الإمساك بكل خيوط إبداعك أيها الشاعر السامق..وأتمنى أن أكون قد طرقت بعضاً من ملامح الجمال بين ربوع قصيدتك الخلابة..رغم الأسى والحزن..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا


.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ




.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت