الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة ما بين السطور حول إتفاق جدة للسودان و القانوني الإنساني

عبير سويكت

2023 / 5 / 14
دراسات وابحاث قانونية


‎عبير المجمر(سويكت)

‎إعلان جدة تم التوقيع عليه يوم الخميس الموافق 11 مايو 2023، بين الجيش السودانى و مليشيا الدعم السريع المتهمة بالتمرد، برعاية سعودية أمريكية، للتأكيد ‎على الالتزام بأساسيات القانون الإنساني الدولي لتسهيل العمل الإنساني لتلبية احتياجات المدنيين.
‎إدراكًا من جميع الأطراف الراعية للمبادرة و الموقع عليها، و على رأسهم الجيش السودانى ‎بالحاجة الماسة لتخفيف معاناة الشعب السودانى الناجمة عن القتال المستمر منذ 15 أبريل 2023 ، خاصةً في العاصمة الخرطوم ، من خلال تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لمواطنين المدنيين.

‎و عليه فقد وجد التوقيع على هذا الإعلان الترحاب الشديد من جانب، و الترحاب بتحفظ و حذر من جانب آخر، في الوقت الذى تنظر له بعض الفئات السودانية بشئ من التوجس نسبةً لتجارب سابقة للسودان خلال الحروبات الماضية. و تلك المخاوف تتعلق ببعض النقاط و البنود على سبيل المثال لا الحظر :
‎- ترى بعض الفئات السودانية المتحفظة على إعلان جدة على انه ساوى بين الطرفين الجيش السودانى الذى ينظر السودانيون له بانه يقوم بواجبه الدستورى فى حماية الوطن والمواطن من حالة التمرد التى أعلنها الدعم السريع ، و لا يجوز المساواة بين مليشيا قبلية متمردة و جيش وطنى قومى يقوم بواجبه الدستورى و هو فى حالة دفاع لن يتوقف إلا فى حالة إعلان قوات التمرد وقف الحرب و الاستسلام. و قد تكاد تكون تخوفات السودانيين و تحفظاتهم تلك مشروعة و مفهومة، و عليه حسب معرفتنا المتواضعة بالقانون الإنساني، الذى من مبادئه الأساسية ‎" ‎المعاملة بالمثل" ، هو على عكس القانون الدولى لا ‎يطرح القانون الإنساني سؤالاً حول " من هو على صواب ومن هو مخطئ"، ولكنه حسب تعريفه" يضع قواعد صالحة للجميع". كذلك، ‎حسب القانون الدولي لا تلعب الأسباب التي أدت إلى النزاع أي دور في تطبيق القانون الدولي الإنساني، بل تخضع جميع أطراف النزاع لأحكامه بغض النظر عن مسؤوليتهم عن أصل النزاع.
‎- اما فيما يتعلق بموضوع ان الجيش السودانى فى حالة دفاع و ليس هجوم ، فهذا مفهوم، ‎و حسب ميثاق الأمم المتحدة فهو يحظر أستخدام القوة مع استثناءين: الحق في الدفاع عن النفس، والحالات التي يصرح فيها مجلس الأمن بهذا الإجراء من أجل الحفاظ على السلام العالمي.

‎- يشير البعض الى ان حوار الجيش السودانى مع ميلشيات متمردة، و خارجة عن الدولة يعطيها شرعية، فالمعروف ان هناك مليشيات تحارب لتصبح دولة داخل دولة.
‎- هناك من يرى انه بناء على سير العمليات العسكرية، و تقدم الجيش السودانى عسكريًا ، فان اى جلوس مع مليشيات التمرد يفرغ تقدم الجيش عسكريًا من محتواه، و المطلوب حاليًا هو مواصلة مكافحة التمرد و حسمه داخليًا، الى ان يعلن استسلامه، و عندها يتم تأمين مخرج آمن له، من دون تدخل خارجى من شأنه ان يؤجل من عملية الحسم، و يسمح لقوات التمرد من التقاط أنفاسها، و إعادت ترتيب أوضاعها، و ينفخ فيها النفس ليعيدها لأرض المعركة بصورة أقوى.
‎- هناك أيضاً تحفظ سوداني شعبى، رصدته من خلال متابعتى المهنية يتمثل فى البند رقم 2 الفقرة ب، الذى ينص على الآتى:
("‎الامتناع عن أي هجوم قد يُتوقع أن يتسبب في إلحاق ضرر عرضي بالمدنيين يكون مفرطًا فيما يتعلق بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة")، حيث يرون ان فى ذلك تتدخل سافر فى كيفية إدارة العمليات العسكرية، و بما فى ذلك استخدام الطائرات التى ما يميزها هو تحديد الهدف و هو مناطق تجمعات قوات التمرد و ضربها بصفة محددة، بالرغم من ان هناك أضرار يمكن ان تنتج من استخدام بعض الآليات العسكرية و قد تتسبب فى خسائر مدنية وإصابات، إلا انه يمكن كذلك النظر الى ان الضرر متناسبًا مع أهمية الهدف العسكرى بناءًا على (مبدأ الضرورة)، الذى ينص قانونيًا على ان يظل الضرر محدودًا قدر الإمكان (مبدأ التناسب). إلى أساليب و وسائل القتال، و حتى الأسلحة المستخدمة، لحماية المدنيين عن طريق تجنب كل ما فى شأنه التسبب في معاناة وخسائر لا داعي لها من أجل تحقيق أهداف عسكرية. و اسلحة قد تسبب معاناة لا داعي لها وتلحق أضرارًا جسيمة ودائمة بالبيئة، لذلك تكون الدعوة التوعوية دائما لتجنب القصف العشوائي الذى لا يميز بين الأشخاص الذين يشاركون في الأعمال العدائية والذين لا يشاركون، من جانبه الجيش السودانى يشرح أستخدامه للطيران بهدف تحديد تجمعات القوات المتمردة، و تجنيب الإضرار بالآخرين. فى ذات الوقت، فى القانون الإنساني ما يسمى بمبدأ (التمايز) الذى يشير الى الآتى : يجب على أطراف النزاع دائمًا التمييز بين السكان والأهداف المدنية من ناحية ، والجنود والمنشآت العسكرية من ناحية أخرى. لا يمكن مهاجمة السكان المدنيين بصفتهم هذه ولا الأفراد المدنيين بشكل مباشر. لا يُسمح بالهجمات إلا عندما تستهدف أهدافًا عسكرية أو جنودًا يشاركون في الأعمال العدائية، و المعلوم ان تلك المناطق التى استهدفت عسكريًا من قبل الجيش السودانى حتى و ان كانت مدنية الصفة إلا ان قوات الدعم السريع كانت متواجدة فيها، بعد ان هددت المتواجدين بها و افرغتها من التواجد المدنى قامت باحتلالها و تجمعت فيها، بما ذلك مستشفيات و منشات حيوية لتوليد الكهرباء و الماء و منشآت النفط، و بيوت المدنيين ، فى الوقت الذى يطلب فيه القانون الإنساني من الطرف المهاجم أن يحمي سكانه المدنيين على أفضل وجه ، لا سيما من خلال إبعادهم عن الأهداف العسكرية.
‎و تظل من اهم ركائز القانون الإنساني تقييد وسائل إيذاء العدو بقانون. معتبرةً بعض الأسلحة وأساليب القتال المعينة قد تكون غير قانونية ويجب ضمان حد أدنى من الإنسانية ، لا سيما فيما يتعلق بالأشخاص الذين لا يشاركون أو توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية.

‎- كذلك لدى السودانيين بعض التحفظات على إعلان جدة حيث ان البعض يرى فيه انه مجرد "إعلان" فيه "تذكير بالمبادئ " من دون "إلزام" أو "إدانة" لقوات التمرد الدعم السريع، و كما سبق و ذكرنا ان القانون الدولي الإنساني لا يطرح سؤالاً حول من هو على صواب ومن هو مخطئ ، ولكنه يضع قواعد صالحة للجميع على حد تعريفه، و هدفه الرئيسي حماية المدنيين و التقليل من معاناتهم و الحد من الأضرار التى قد يتعرضون لها بسبب النزاعات المسلحة و بما فى ذلك النزاعات الدولية و الداخلية. اما فيما يتعلق بالأطراف المتحاربة فيتم استهدافهم للرفع من مستوى الوعي بينهم بخطورة ما يقمون به، و لأخبارهم بأنه يجب عليهم عدم قصف المستشفيات، المدارس، مختلف المنشآت الحيوية ، و عدم قتل المدنيين ، كما ان عليهم معاملة المعتقلين بطريقة إنسانية ، و حثهم على التوقيع على إتفاقيات يعلنون فيها التزامهم بذلك، و من ضمن تلك الاتفاقيات التى تهدف لضمانها الجهات المعنية و جمعيات كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، على سبيل المثال عدم استخدام العنف الجنسي ، بينما مدير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة فى السودان سلمى إسحاق صرحت لسودان تربيون بان هناك تاكيدا لخمس حالات أغتصاب لفتيات، أثنتان منهن فى الخرطوم بحرى و ثلاث فى الديم بالخرطوم أُرتكبت بواسطة عناصر تتبع لقوات الدعم السريع، فى الوقت الذى ينظر فيه دوليًا لاستخدام العنف الجنسى كاستخدام الألغام المضادة للأفراد في الحرب .
‎- كذلك تنظر فئات اخرى من السودانيين بعين التوجس و الخوف من موضوع فتح ممرات آمنه برية و جوية لدخول الإغاثة للسودان، دون آلية رقابة محلية وطنية محايدة ، و ان الاشراف على توزيع الإغاثة يجب ان لا يختصر على جهات أجنبية فقط ، بل يدعون لإشراك الجمعيات الوطنية السودانية ذات الخبرة كالهلال الأحمر…الخ، مشيرين الى ان تخوفهم ليس نتاج لعدم ثقة، او سوء ظن بالطرف الآخر ، و لكن بناءًا على تجربة السودان مع موضوع الإغاثة الانسانية فى فترة الحروبات التاريخية الماضية، و عليه لا يريدون ان يكون هناك استخدام سلبى للممرات الإغاثية لتمويل لوجستي للجيوش المتمردة، و يتوجسون من "مساعدات الإمارات" بالتحديد ، كذلك يتساءلون ما الذي يمنع اشراك الجهات الوطنية المحلية ذات الخبرة فى الاشراف على موضوع الإغاثة جنبًا لجنب مع عمال الإغاثة الأجانب، مما قد يساعد على رفع الوعى السودانى ، و يعزز من روابط الثقة بينهم و الأجنبي ، و يساعد على فتح صفحة تعاون جديدة مع السودان، كما ان من ايجابيات العمل الإنساني الثنائي المشترك انه قد يساعد على تبادل الخبرات و نقلها للجمعيات المحلية الوطنية السودانية حتى تكون قادرة على الوقوف على شأنها الداخلى بصفة مستقلة مع احترام كامل للمبادىء و المعايير الدولية ، فمن المعروف انه كانت و ما زالت التحديات التى تواجه توسع بروتوكول جنيف ليشمل قواعد أساسية لقانون النزاعات المسلحة لتشمل الحروب الداخلية، هو الخوف من ان يؤثر ذلك على سيادة الدولة ، و يمنع الحكومات من الحفاظ بشكل فعال على القانون والنظام داخل حدودها، وأنه قد يتم الاحتجاج بها لتبرير التدخل الخارجي، و لعل تلك المخاوف هى التى أدت إلى قرار المؤتمر الدبلوماسي في دورته الرابعة لتقصير وتبسيط البروتوكول، حيث توصل آنذاك إلى اعتماد 28 مادة فقط بدلاً من المواد الـ 47 التي كانت قد اقترحتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، حيث اعتمد المؤتمر 28 مادة فقط، و الجدير بالذكر انه حينها كان قد تم الحفاظ على الجوهر الأساسي للمشروع بينما تم حذف الجزء الخاص بأساليب ووسائل القتال.
‎و فى ذلك دليل على ان المرونة و الوسطية فى التعامل مع دول العالم الثالث، و تفهم مخاوفهم، و رغباتهم قد يساعد على بناء جسر تواصل يساعد على تنفيذ
‎ المبادىء ‎الأساسية السامية للقانون الإنساني، مع أحترام مبادئ عدم التحيز والحياد والاستقلال، و تحبيب السودانيين فى ثقافة العمل التطوعي والإنساني، و ترغيبهم فى الوحدة العالمية حول مبادىء مشتركة يجد فيها الجميع ذاتهم و لا يتخوفون منها و لا يرون فيها استهدافًا لسيادتهم آو نوعًا من التمييز ، كذلك حتى تتمكن تلك الجهات المعنية من تحقيق أهداف حماية المدنيين و تقديم المساعدة للافراد المدنيين و بما فى ذلك أسر العسكريين المتضررين، عن طريق عمل مشترك تساهم من خلاله بشكل فعال في العمل اليومي على الأرض ، لتحقيق أهدافها الأوسع المتمثلة فى السلام في العالم.

‎فى الوقت الذى عبر فيه السودانيين عن شكرهم و امتنانهم لمجهودات المجتمع الدولي، و جميع المنظمات الاقليمية و الدولية و على رأسهم اللجنة الدولية للصليب الاحمر ‎و الهلال الأحمر و هم يقومون بهذا العمل الانساني التعاونى التكافلى فى كل الحالات و الظروف الصعبة و الخطيرة حتى اثناء الحروبات و النزاعات التى يعرضون فيها حياتهم للخطر ، من أجل هدف إنساني سامى، مشيرين الى انهم محل تقدير السودانيين، و يتقدمون لهم بكامل الامتنان و الشكر.

‎نواصل للحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش




.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر


.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..




.. ما آخر المواقف الإسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى؟