الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر واصدقاؤه

كمال سبتي

2006 / 10 / 27
الادب والفن


يستيقظ الشاعرُ في الصباح ، فيقول في نفسه : العالمُ هذا اليوم أفضلُ من البارحة.
يفتح نافذته المطلّة على الشارع : لم يحنْ وقتُ عبور التلاميذ الأطفال ،إلى الجهة الأخرى من الشارع ، بعدُ. وينظر إلى السماء فيناديها : كوني شمساً.
يستحمّ مُغنياً أغنيةً من طفولته ، ويهمّ بسْلقِ بيضةٍ فيتذكر أنَّ أنشتاين هَمَّ مرةً بأخْذِ بيضته المسلوقة من قِدْرٍ على النار، فلم يجدها فيه بل وجد ساعتَه اليدويّة مسلوقةً مكانَها.لن أسهو مثلَ أنشتاين ، يقول !
ويبدأ بإعدادِ حقيبةِ السفر.
إنه يعيش وحده.يتكلم لغته الأمّ عبر الهاتف حسْبَ ، وأمّا الكلامُ بها وجهاً لوجه فأمرٌ لا يتمُّ إلاّ بعد أن يسافرَ إلى مدنٍ أخرى ليرى أصدقاءَ له.
وقد مرّت عليه أربعةُ أشهر ، بلا لغةٍ أمٍّ وجهاً لوجه.
يستقلّ القطارَ الصاعدَ إلى العاصمة، وهو غيرُ قطاره الصاعدِ ذاك ، أيّامَ كان يأتي إلى العاصمة من مدينته الجنوبية متكدِّساً معَ المئاتِ من الجنود أمثاله.
في يده كتابٌ يؤثرُه عادةً باللغة الإسبانية ، في قطارٍ لا ينطقُها.
وأمامه يجلسُ آخَرُ : رجلٌ أو اِمرأةٌ أو لا أحد.
هو منشغلٌ بقراءتِهِ كتاباً ، والآخَرُ (هو أو هي أو لا أحد) منشغلٌ بقراءةِ وجهِهِ العربيّ أو الشرقيّ.
ليسَ ثمة حوارٌ ، أو بالأحرى ثمة حوارٌ شائكٌ وصعب ، ولكن بلا لغةٍ أمٍّ أو مُتعَلَّمة.
يُبقي عينيه في الكتاب حتى لا يشتركَ في الحوار أو بالأحرى حتى يشتركَ فيه رغماً عنه.
هي ورطة يقول في نفسه.لكنها ورطة غير مؤذية إن هو لا يذهب بها بعيداً.
يصل إلى أصدقائه. هذه هي العاصمة ، وهذا هو الكلامُ بلغةٍ أمٍّ وجهاً لوجه.
وفي الكلام باللغة الأمّ يُخبرُهُ أصدقاؤه بأنَّ فلاناً(قد كتب شتائمَ وأن فلاناً قد فعلَ كذا وأنَّ فلاناً قد..)
يرى أنَّ الحوارَ في القطار كان حوارَ تشككٍ واتّهام(على الهوية) كما يقول الصحافيّون.
ويرى أن الحوارَ بلغةٍ أمٍّ كان حوارَ تشككٍ واتهام (على الهوية ) كما يقول الصحافيّون، أيضاً.
يفكِّر في سفره فيغتمُّ فقد كان سفراً إلى أصدقاء فمن أين ظهر الأعداء ؟
والشاعر كائنٌ مسالمٌ منعزلٌ وأعزلُ فلماذا يعاديه أولئك الناس ؟
لأنه لا يُشبهُهم ، يقول في نفسه.
وأعداء الشاعر في الحياة عليلونَ، كمثل أولئك الذين أرادوا له إعداماً من قِبَلِ السلطة بعدَ قراءتِهِ قصيدتَهُ { القصيدةُ الجبليّة} في منتصف الثمانينيات بأربيل أيّامَ مهرجانِ الشّعر الكرديّ فاتَّهموه بتمجيد الثورة الكردية ، وكاد أمرُهم أنْ يُقضى لولا تَدخُّلُ عددٍ من الأصدقاء وتفسيرُهُ القصيدة بغير ما كانوا يفسِّرون.
وأعداء الشاعر عليلونَ،كمثلِ أولئك الذين جاءوا من الموصل ليتَّهموه بصوتٍ عالٍ أيّامَ مؤتمرٍ للأدباء العراقيينَ في الصالة الأرضية بفندق المنصور ميليا بأنه عدوٌ وبأنَّه كان معارضاً للحرب على إيران فلم يكتب عنها قصيدةً واحدة ، وكارهاً للدكتاتور ولم يكتبْ عنه حرفاً واحداً ، وماكان له من نصيرٍ في الصالة غير صديقه الراحل محمود جنداري وبضعة أصدقاء آخرين.
وأعداء الشاعر عليلونَ ، كمثل أولئك الذين تسبَّبوا بزجِّه في سجن (الرقم واحد) فتدخَّلَ أناسٌ طيبونَ (من غير الأدباء!) ليطلقوا سراحَه وليربّتَ القاصّ الراحل موسى كريدي على كتفه والدمع يترقرق في عينيه ويؤاسيه القاص أحمد خلف : اخزنْ تلك الأيام في الذاكرة أيّها الشاعر.
وأعداء الشاعر عليلونَ، كمثل أولئك الذين جنَّدوا أقلامهم ضدَّه في صحافة النظام وصحافة من والاهُ ، بعد هربه من بلاده ليؤلبوا النظامَ على عائلته في الناصرية.
وأعداء الشاعر عليلون..في أمثلة أخرى عديدة.
لكنه نجا من الموت ، وحين هربَ من البلاد أهدى أوَّلَ ما كتبه في المنفى: قصيدته (آخِرُ المدنِ المقدَّسة) إلى أصدقائه في بلاده ( إلى من بقيَ منّا يتذكَّرُ تلكَ المعجزة : حياتنا هناك.)
قالَ فيها :
(شُعوبٌ شَتّى تَنامُ قُرْبي ، أَقولُ : قَرِّبي الآنَ كُلَّ سُلالَةٍ مِنّي . وامْنَحيني مَحْوَها إِنْ شِئتُ ، سَوْفَ اَمْحو التَّسْمِيَةَ. أَخْرَسَ ، اَنْتَقِلُ مِنْ شَعْبٍ إِ لى آخَرَ بالضّادِ اليَتيمِ وبالشَّتيمَةِ .أَدرْنا الظَّهْرَ - مَعاً - لِسُؤالٍ يُرَدَّدُ في البيوتِ : مَتى نُقْتَلُ ؟ أَدرْنا الظَّهْرَ للنّار العَتيقَةِ ،لإِلهٍ يُميتُ ولا يُحيي ، لِشُعَراءَ كَذّابينَ ما قالوا يَوْماً : مِن الجِهَةِ الغَرْبِيَّةِ يَأْتي القَتْلُ ، أَعْني : نَعْتَ الدَّمِ بالماءِ..)
وأعداء الشاعر عليلونَ.. ولاذنبَ له في ما هم عليه منه ، إلاّ لأنه لا يُشبهُهم.
يتذكَّرُ الحلاجَ عند قبر الإمام أحمد بن حنبل ، قائماً مستقبلاً القبلة ، يبكي ويقول قوله الشهير:
يا من أسكرَني بحبِّهِ ، وحيَّرَني في ميادين قربِهِ.. حتى يصلَ إلى قوله: ( أسألُكَ بحرمةِ هذه التُربِ المقبولةِ والمراتبِ المسؤولةِ ، ألاّ تردَّني إليَّ بعد ما اختَطَفْتَني مني ، ولا تُرني نفسي بعدَ ما حجبتَها عني ، وأكثِرْ أعدائي في بلادِك ، والقائمينَ لقتلي من عبادِك.)
فيقول: أكثِرْ أعدائي في بلادِكَ ، أقولها كما قالها الحسينُ بن منصور الحلاّج..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى