الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقلنة النص الميثولوجي والايديولوجي .

واثق الحسناوي

2023 / 5 / 15
الادب والفن


فيما يتعلق او يخصّ النص الميثولوجي نشعر بالخجل امام الباحث والقارئ العربي؛ ونحن لا نقدّم لهما شيئا إزاء ما يجري من تجاوزات نصية ميثولوجيه وايديولوجية، تبنتها مؤسسات تعموية حتى صارت مسلمّات ابستمولوجية قارّة ومدرَّسة ضمن هذه المؤسسات، وبالتالي فقدنا الكثير مما كان يفترض على العقل العربي والإسلامي انتاجه وتبنيه من علوم ومعارف.. منذ بدء التفكير البشري لطفولة الشعوب الا ان ما انمازت به طفولة الشعوب هو تبنيها للعلوم والمعارف وتصديرها الى الشرق والغرب بخلاف الحضارات والحكومات، التي تلتها وتبنت تحريم تلك العلوم والحضارات وبالتالي تسربت تلك العلوم والنصوص الى مجتمعات وبلدان أخرى وتبنتها وتشربت فيها ، اما ما خيب امالنا تلك الدوكَما المقدّسة التي لم ولن تسمح لانعتاق العقل وتحرر الفكر وتحليق الخيال الا ضمن مساحتها وسلطتها وسطوتها وتابوهاتها، على الرغم من ان كل الكتب الرسالية الدينية وغير الدينية، تحثُّ على العلم وطلب العلم والتأمل والتدبّر والتفكّر في خلق هذا الكون العجيب، لذا نستطيع القول إن معظم -ان لم يكن جميع- ما تبنته النصوص الميثولوجية والايديولوجية نتاج عقل لا واعي تنميطي دوغمائي احادي سلطوي، وبالتالي خلق لنا نصا اما ميثولوجيا راديكاليا او أيديولوجيا منحرفا او مفرط جماليا ضمن دائرته الضيقة .وما ينماز به فكر ونقد الاخر انه وضع حدودا لتلك النصوص الميثولوجية او الأيديولوجية؛ كونه تقصّى وتقفّى مقاصدها وكشف عوراتها ونسف ادواتها وحجّم تحركاتها وحدّد مساحاتها، ما سمح لعقلنة النصوص وانعتاق العقول وتحرر الأفكار، وزيادة التعبير وسعة التطوير ونوعية وغزارة الإنتاج .وهذا لا يتم الا مِن خلال نقد العقل وعقلنه النص . اما على صعيد النّص الأيديولوجي، ونحن اليوم نأسف شديد الأسف لِما نراه اليوم من بون شاسع بين نقد الامس، ونقد اليوم، فالنقدُ العربي التراثي كان نقدا شموليا مختلطا يهتم في صياغة وتركيب الجملة والمحسنات اللفظية والمرسل والقيم الجمالية والمراكز السلطوية ..، لكنه على الرّغم من ذلك، يشكّل مائدة دسمة لكلّ باحث او قارئ، اذ يجد فيه مُختلف العلوم في كتاب واحد، فمثلا كتاب البيان والتبيين للجاحظ ،لمسنا فيه معظم جذور النقد الغربية الحديثة، ولكن عتبنا على الناقد العربي الحداثوي او المعاصر، الذي تأخر في كشف هذه البذور والجذور المبثوثة في امّات الكتب التراثية، وراح يتبع النقد الغربي دون محذور او كاشف فاحص، وبالتالي وقع في كمّاشة التقليد الأعمى للأسف، فصار ينهل ويجتر ويكرر ما قاله الاخرون، وهذا عيب فاحش للأسف . وبعد اطلاعنا على نقاد عرب كبار –مبكرا- توسّمنا فيهم خيرا، ولكن بعد اطلاعنا على نقاد غربيين كبار، وجدنا التلاقح والتمازج الكبير الى درجة الاجترار، وهذا ما نعدّه عيبا كبيرا، فليس العيب في انّك تطّلع على الاخر وتنهل من تجاربه، بل العيب في انّك تؤدلَج وتجتر ما اطلعت عليه اجترارا اعمى الى درجة السخف والمج، باستثناء بعض التجارب النقدية لنقاد كبار، أمثال : ( نصر حامد أبو زيد ، وعلي حرب ، ومحمد عابد الجابري ، وادونيس ، وعبدالله العروي ، وعبد الله إبراهيم ، ومصطفى حجازي ، ومحمد شحرور ،وخزعل الماجدي وفراس السواح ،عبد الله الغذامي ، يوسف زيدان ،ادوارد سعيد..) وان أتت متأثّرة ومتأخرة، لكننا نعدّها حجرا يحرّك المياه الراكدة ،وانزياحا مهما ومقبولا في مجال النص الأيديولوجي، بعد اطلاعهم وافادتهم من نقاد وفلاسفة غربيين كبار أمثال ( هيغل ،كانط ، لاكان، كونت ، سوسير وبورب ودريدا وفوكو وبارت وجاكبسون وشتراوس، غريماس، وبيرس وايكو، وموريس، وكريستيفا، وياوس، وايزر، وهابر ماس، وتشومسكي، وباولو فرير، شيلر ، ليفيناس، واسبينوزا / مرسيا الياد ،فرويد، يونغ ، ماكس فيبر، باشلار ، هايدغر، هوسلر، غادامير، نيتشه، سارتر ،...)، فقد نقلوا المتلقي من حالة الخمول والخنوع والجمود الكلاسيكية، والتنميط البنكَي الببغاوي الايديولوجي، الى حالة المفتاحية والانكشاف والتفكير والعقلنة والكشف والتقصي والابتداع والمحاكمة، وتحريك الفكر والعقل العربي، وتنشيط خلايا التفاعل والانتاج..لذا نرى ضرورة الاطلاع على الاخر أولا، والتنقيب في النصوص والمتون التراثية العربية والإسلامية، وإعادة قراءتها قراءة معرفية ثقافية علمية موضوعية حداثوية عقلانية ثانيا، دون أيِّ تحفظ ،وان نبتعد عن التقليد الأيديولوجي الاعمى والتسليم الى كلّ شيء ومقارنتها مع الاخر وانتاجها انتاجا يليق بالفكر والعقل العربي، كذلك اعداد قراءات جديدة لنصوص جديدة لم تطأها قدمُ ناقد عربي من قَبل ثالثا ، مثلا : (نصوص الضوء، والصوت ، واللون ، واللوغرتمية ، الزي ، الطعام ، الشرب ، التصميم ، الجسد ، الرياضة الفن بمختلف انواعه ،الموضا، الاقتصاد، السياحة ، الصناعة ،الاثار، الاعلام ، التسويق،...)،فجميعها خطابات تصلح للقراءة بوصفها خطابات مستجدة ومسلّمة، ندعو لفكّ الحظر عنها ،و التعامل مع كلّ شيء في هذا الكون على انّه نصٌ متشكل بدءً من دال ومدلول وقصد وسياق، ومن ثم الحفر في المداليل الخفية والعميقة، وإعادة تشكيلها بعد تفكيكها وتشريحها ان صح التعبير .إن مشكلة النقاد العرب تكمن في عقدة الدوكَما المركزية لسلطوية المفروضة على النقد العربي منذ قرون في ثنائية الصراع ما بين( العلم والدين)، هذه الدوكَما التي لا تريد ان تغادر ما انتجه الاقدمون بطريقتهم الخاصة او حتى قراءته قراءة موضوعية علمية عقلانية. فالسلطوية النقدية الكلاسيكية الأحادية المغلقة ، لا تريد مغادرة التنميط البنكَي الكلاسيكي الايديولوجي، وبذلك خسرنا الكثير ومنها : موضوعية التاريخ ومصداقيته، وحقيقة النص ومقصدية المرسل ،وزيادة المعرفة، واثراء الفكر، وإقامة التغيير والتطوير والاطلاع على الاخر والتحرر من قيود التخلف وراديكالية التطرف، لذلك ان مَن نادى بعقلنة النصوص تعرّض الى القتل او الاغتيال الجسدي والمعنوي، والنفي واتهامه بالكفر والزندقة والخروج ...وهناك خللٌ اخر يكمن في صعوبة الخروج عن التنميط الفكري والمعرفي والنقدي العقدي مِن قبل النّقاد انفسهم، لوجود مؤسسات حكومية وغير حكومية تتبنى التعليم التنميطي البنكَي الكلاسيكي الببغاوي دون السماح للانزياح عنه كالمؤسسات التعليمية والدينية وحتى الثقافية والأدبية، التي وضعت تابوهات معينة على المبدع او الناقد في معظم القرون والعقود والحكومات، كما ان هناك سبب اخر هو عقم وجهل الجمع اللاواعي / المتلقي وكلاسيكيتيه، الجموع التي لا تريد مغادرة مناطق العتمة والجهل والسلطة والتخلف والدوكما والفردانية والانا والايديولوجية؛ مكتفية بما لديها من تراث شمولي مختلط كلاسيكي احادي قهري صنمي، دون ان تنظر الى تغير وتبدل وتنوع وتطور وتجدد الخطابات والمتون والنصوص اليوم، اذ اصبح العالم مفتوحا امام النقد بكلّ ما فيه، فلا مجال للتقيد في أداة او منهج او نظرية نقدية سلطوية تفرض تابوهات معينة على المبدع او القارئ الفاحص ، كما لا مجال للتحفظ على، فكل خطاب عبارة عن نص مفتوح لدينا وقابل للدراسة والتحري والتقفي والنقد والتشريح وإعادة الإنتاج لكشف ادواته وهويته ومقصديته وايديولوجيته ومعرفة حمولاته ومراجعه وسياقاته ، اذ صار بإمكاننا أن ندرس كلَّ شيء كنص قابل للقراءة والتفسير والتأويل، بأكثر من صيغة ومنهج ونظرية ،وربما نبتدع له نحن الطريقة النقدية المناسبة، التي تناسبه وهو ما دعونا له فعلا في كتبنا السابقة بخاصة اننا اليوم امام اختبار حقيقي وخطر وهو تعدد وتنوع النصوص بحسب التطور العلمي والمعرفي والفني والثقافي والتكنولوجي والتقاني ..، التي ذكرناها سابقا . اننا نعاني اليوم من دوكَما الراديكاليين المحافظين المتطرفين المغالين الاحاديين ،من أصحاب الأبراج
العالية والمتعالية ، الذين يشكّلون حجرعثرة حقيقة امام تقدم وتطور وتحرر الفكر والعلم ، حينما يشككون في نوايانا –مسبقا- ويضفون طابع القداسة لِما تحفظوا عليه مسبقا. نحن بحاجة الى حرّية فكر وتعبير ونشر، ووعي ابستمولوجي ودعم مادي ،لتحرير المؤسسات الجامعية والدينية ( الفقهية) من عبودية وصنمية التنميط والكلاسيكية والتقديس الزائف، التي اكل الدهر عليها وشرب للأسف .فليس من المعقول ان العالم اليوم يتسابق على غزو واستعمار واستغلال القمر والمريخ وصناعة البشر الالي ، ونحن نتسابق في المؤسسات التعليمية على قراءة وحفظ وتعليم نظريات وعلوم واحداث تاريخية، اثبت العلمُ الحديث فشلها او بطلانها او تحريفها وزيفها ؟! او نتسابق على الاقتتال فيما بيننا حول مسالة النكاح او الوضوء او الاختلاف حول من أولى بالخلافة ومواعيد الأعياد والمناسبات الدينية ؟!! الم يكن كل هذا بسب النصوص الميثولوجية او الأيديولوجية التي خلقت جيوشا لاواعية عاطلة عن العمل والتفكير ؟!علينا تقفي ثنائية ( التشويش / العقلنة ) بشكل حَلقَي في جميع النصوص الميثولوجية والايديولوجية، اذ نبحث عن الثنائية وتمثلاتها وحمولاتها وادواتها وسياقاتها ومقاصدها ومراجعها وتشريحها وإعادة انتاجها وكشف انساقها في كلّ متن، ونوسّع من مدارك دلالاتها تداوليا؛ بحثا وراء القصد الأيديولوجي للمرِسل، وبهذا نكسَّر رتابة التنميط ومركزية السلطة وعقدية التقديس للنص الأيديولوجي ( السرديات العالمية نموذجا )،كشفا لهذه السرديات والمؤسساتية السلطوية الراديكالية. فمهمتنا اليوم، اكتشاف متون وخطابات لم يطأها احدٌ من قبل بنقد عقلي موضوعي، والتأسيس لنقد يلاحق الخطابات الأيديولوجية، ليحرر العقول ويطلق العنان للأفكار الحرة ان تبدع وتمارس كلَّ حواسها تجاه كل النصوص وابتداع نصوص جديدة قابلة للقراءة والنقد . لتكون قارّة في المساحة النقدية، التي نتبناها اليوم، وتصبح فيما بعد مسلّمة ، على الرّغم من الانتقادات التي تتعرض لها من قبل العقول الراديكالية، ولكن لا نستغرب من ذلك اذا كان الرسل والانبياء والاوصياء والصالحين والمؤمنين والمعلمين والواعظين والعلماء قد تعرضوا انفسهم لمثل هكذا أصوات رخيصة وعقول عقيمة، فلا غرابة من ذلك ، لانهم عاجلا ام اجلا سيقرّون ويسلمون للحقائق الدامغة التي سنقدمها لهم على طبق من ذهب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب