الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دردشة على عَتبة الدار .. ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2023 / 5 / 15
الادب والفن


في عصر يوم خريفي ناعم ..
اجتمعت ( زهرة ) بجارتها الجديدة ، وجلستا عند عَتبة الدار .. تلتف كل واحدة بعبائتها لا يبدو منها سوى الوجه .. تتسليان في تتبع حركة المارة في الطريق الذي غسلته أمطار الخريف الحزينة هذا الصباح ، وتتناجيان أحوالهما ، وتتعرفان على بعض ..
والطفلة ( زينب ) منهمكة بملاعبة قطة بيضاء صغيرة .
سألت الجارة جارتها :
— كيف الحال ، أخيتي .. ؟
— الحمد لله .. زوجي ( كريم ) رجل طيب .. لا يقرب الخمر أبداً ، ونحن نحب بعضنا ، وسعيدان معاً ( ثم بامتعاض .. ) .. لكنه ضعيف الشخصية .. مستسلم أبداً .. حقه دوماً ضائع ..
— قولي الحمد لله ، أخيتي ..
— كيف أقول الحمد لله ، ونحن مظلوميّن .. أخوه الكبير ( محمد ) هو المسيطر على كل شيء .. محل العطارية والبيت وتركة الأب ، وحتى على مصائرنا .. لا يعطينا سوى الفتات .. أناني لا يرى أبعد من نفسه .. بخيل يقدس الفلس .. يشغل هو وزوجته غرفة كبيرة في صدر البيت ، ولابنهما غرفة خاصة ، وغرفة الجد والجدة مقفلة .. أما نحن فحصتنا غرفة واحدة .. انا وزوجي وابنتي زينب التي كبرت وبدأت تفهم .. تصدقين بالله أخيتي .. في المساء يقتلني الشوق والحنين لزوجي ، وأرى اللهفة تتوهج في وميض عينيه لكننا لا نستطيع ان نتواصل مع بعضنا .. علينا أن نصبر ، وننتظر ساعات وساعات تسحقنا الرغبة سحقاً بانتظار أن تنام زينب ، وتثقل نومتها ، والله أعلم متى ، وعندها نفعلها تحت الأغطية بصمت وخوف كأننا لصوص .. وعندما تشتد به الرغبة يفلت منه أحياناً أنين مكتوم .. يتحول في سكون الليل وكأنه صراخ .. أفز مرعوبة وأقطع نشوتي .. أميل على أذنه بسرعة ، وأهمس به أن يصمت ، وأن يتمالك نفسه حتى لايوقظ البنت .. هذا هو حالنا يا أخيتي ..
نحن نتعذب .. !
( تتنهد بأسى .. وتواصل .. )
أحياناً يلقي كريم برأسه على الوسادة في اعياء بانتظار أن تنام زينب لكن النوم يغلبه هو ، فينام المسكين ، وزينب الله يحفظها لا تزال تتحرك في فراشها .. الشغل أخيتي يمتص كل طاقته ، فهو يقف النهار كله على رجليه في المحل يلبي طلبات الزبائن .. لا يتوقف ابداً عن الحركة ، ولا حتى لالتقاط أنفاسه مثل الناعور في الساقية ..
( تأخذ نفسها .. )
أقول له : كريم .. طالب بتعبك في المحل ، وحقك في تركة أبيك ، وبغرفة أخرى لأطفالنا .. غداً سيرزقنا الله بطفل آخر .. ماذا نحن فاعلون .. ؟ أنا تعبت ولم أعد أتحمل المزيد .. الدنيا ، يا حبيبي باتت لأصحاب العيون الصلفة ، والأصوات العالية ، والضمائر الميتة .. لا مكان فيها للخيرين ، وأصحاب القلوب الطرية الطيبة أمثالك .. يُصغي في صمت وسكون .. غارقاً في ضعفه ، ولا يتفوه بحرف واحد .. ! ماذا أفعل أكثر من ذلك لكي أحرك جبل الجليد هذا .. ؟
( تُكمل .. )
أما أخوه محمد ، فقد بات يكرهني ، ويقول بأني أحرض كريم عليه ، ويصفني بالأفعى التي تسعى الى الوقيعة بينهما .. قالها مباشرةً ، وهو يزمجر في وجهي : لا تسكبي الزيت على النار ، يا زهرة ، فالنار لا تمزح أبداً .. ستحرق الأخضر واليابس ، وتُحيل كل شيء تطاله الى رماد أسود .. ولن تسلمي لا أنت ولا أسرتك من لهيبها .. تذكري ذلك ! .. يدّعي بأني أحسده وزوجته على حياتهم ، ويسميه حسد المتسولين الجياع .. صفعتني كلماته بقسوة .. آه ، يا ربي .. هل أصبحت متسولة ، وجائعة ، وشيطانة أيضاً .. ؟ ما ذنبي أنا أتحمل كل هذه الإساءات .. ؟ الأني أدافع عن حقوق زوجي وبنتي .. ؟ بينما لنا .. أنا وزوجي وابنتي ما لهم من الحقوق تماماً ، لا فرق .. ! وعندما نقلت هذه الاهانات ، ومراراتها الموجعة الى كريم توقعت انها ستهزه ، وسينتفض ليأخذ حقي من هذا الظالم .. أبداً .. أذن من طين وأخرى من عجين .. كأنه مسحور ، وأكثر من ذلك .. سمعت بأنه بات يضغط على كريم بشتى الطرق لكي يدفعه ليطلقني متعللاً بأني أصبحت خطراً على أخوتهم المتماسكة أبداً ، ونحس وشؤم على البيت وأهله .. بمجرد دخولي اليه ماتت الأم ، وبعدها الأب ، وهو ما يخشاه على نفسه ، وعلى عائلته ، وعلى تجارته .. !
ترد جارتها محتجة :
— وما ذنبك انتِ .. الأعمار بيد الله ..
— أنا أعرف لماذا يفعل ذلك .. من غيرته وحسده ، فزوجته لم تعد تنفع للحمل الثاني .. ويراني عندي زينب ، وحامل بمولود جديد ، فطار عقله .. رغم مرور سنوات طويلة على زواجهما لم ينجبا غير وصووص واحد ، وهو .. عليل .. ذابل .. ممصوص كأنه لا يأكل .. يقول الناس - والقول على ذمتهم - انها لن تستطيع الحمل ابداً .. والله أعلم .. !
تهتف الجارة بحنان كأنها تريد أن تحول دفة الحديث ناحية أخرى :
— يوو .. أخيتي .. دعينا من هذا الموال الحزين .. اني أعرف الوجع الذي يعتصر قلبك .. لكني لا أحب الأحاديث المؤلمة .. ( تبتسم بلطف ، وهي تلكز جارتها برقة على فخذها .. ) جاء دوري الآن .. دعيني أكلمك عن نفسي .. أما أنا أخيتي ، فقد ابتلاني الله بزوج لا يصحو من سكره أبداً ، وإن صحا يتصرف كالسكران ها ها ها .. أقول له : ( جبار ) .. هل شربت السم اليوم .. ؟ يقول : لا .. أقول له : لكنك تبدو سكران كأنك شربته .. يضحك ويقول : لقد نسيت ، يا رسمية .. بت لا أعرف هل أنا صاحٍ أم سكران ..
( تضحك الجارتان )
— اضحكي أخيتي .. اضحكي .. الدنيا ما تسوى .. بكرة تصير سوالف ..
تقول زهرة بصوت فيه نبرة الحسرة والألم :
— لكنكما على الاقل أخيتي تملكان بيتاً واسعاً لوحدكما تمارسان فيه حريتكما على راحتكما .. !
— ما الفائدة أخيتي ، وهو لا يستطيع أن يفعلها إلا بطلوع الروح ، وإن فعلها فهي فاسدة مثل طلقة الصوت .. تفرقع ولكنها لا تصيب ، والعمر يجري والزمن لا يرحم .. تصوري أخيتي .. أكون كل ليلة في كامل زينتي وأتعطر ، وألبس له ثوب خليع شفاف يكشف أكثر مما يستر .. أرقص له وأقوم بكل حركات الاغراء التي تقوم بها ( الآرتيستات ) في الملاهي التي يرتادها ، وأتحمل رائحة العرق المقززة التي تفوح منه ، ولا فائدة .. الهمة ضعيفة لا تفي بالغرض .. جبار .. أخيتي يبدو ما شاء الله عليه .. طول في عرض .. قوياً .. متين البنيان ، ولا هرقل في زمانة ، والذي يراه يقول بس هو هذا وبس .. ذكر من ظهر ذكر .. لكن في ساعة الجد التي يُكرم فيها المرء أو يُهان .. يظهر على حقيقته .. ولا شي .. بخ .. أقول له جبار : شد حيلك شوية .. يقول : هذا كل الذي عندي ، ماذا افعل .. ؟ أقول له :
لم لا تترك العرق وتعود لي .. كل عجزك من هذا البلاء الاسود .. أتدرين ماذا كان رده .. قال وهو يحرك اصبعه في وجهي ، وعيناه يتطاير منهما الشرار : اسمعي ، يا بنت الناس .. أتخلى عنكِ ، وأشرب ورائك قدح ماء ، ولا أتخلى عن العرق ، وهذه السيرة ما أحب أسمعها مرة ثانية .. ( يصرخ في وجهي ) .. مفهوم .. ؟ ترتعد فرائصي وأجمد في مكاني ، فأنا أعرفه يعملها يعملها .. انكتم ولا أتفوه بحرف .. أنا أخيتي لا تهمني المعاشرة ولا أي شيء آخر.. أنا أريد أحبل وبس .. هل هذا كثير ، يا ناس .. ؟ كل أملي ومناي في الدنيا .. طفل يملأ علي حياتي الفارغة ، ويربطني بزوجي حتى آخر العمر .. أما علاقتنا الآن فتبدو لي وكأنها سطحية باهتة لا حياة فيها .. جبار يقضي معظم يومه في العمل والتسكع في الحانات ، وانا وحيدة يمر علي اليوم ببطء لا يُحتمل .. اناجي فيه الجدران الخاوية الصامتة .. أكاد أُجن .. ( تدمع عيناها .. )
تقول زهرة بصوت صادق عذب :
— خلي أملك بالله ، أخيتي .. انت مازلت صبية ، وحلوة .. انشاء الله سترزقان باولاد حتى تزهقا منهم .. !
— ونعم بالله .. من فمك الى باب السماء ..
تتأهب زهرة للمغادرة :
— هه .. آن لنا أن نعود الى البيت ، فإعداد العشاء بانتظاري ، والخاتون لا تفعل شيئاً سوى تلطيخ وجهها ، وجسدها بالأصباغ والحناء ..
يتقدم في تلك الأثناء كلب أجرب بحذر شديد ، وهو ينبح بصوت خشن متعب يحاول مهاجمة القطة .. تسمعان صراخ زينب مرتاعة .. تلتفت الجارة .. تتناول حجراً ، وتقذف به الكلب فتصيبه .. يعوي ويولي هارباً ..
تعدو زينب بإتجاه أمها مذعورة ، وهي تحاول أن تجد لها ملاذاً آمناً خلف عبائتها .. تضمها أمها الى صدرها ، وتداعبها لتهدء من روعها ، ثم تأخذ بيدها وتغادران معاً :
— وداعت الله ، أخيتي .. !
— مع السلامة.. حبيبتي .. !!

( تمت )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟