الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يستاء (ابو الغيط) من محاكمة صدام حسين

شاكر الناصري

2006 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


بلا شك أن الانتكاسات التي واجهها التيار القومي العربي الحاكم ، كثيرة وشديدة جداً، اوصلته الى مرحلة انعدام الافق وعدم القدرة على مواجهة الاوضاع والتحولات السياسية التي شهدها ويشهدها العالم الذي نعيش فيه، فمسيرة هذا التيار، ورغم الاثار التي تركها على حياة المجتمعات العربية على الصعيد السياسي والثقافي والفكري، كانت مسيرة حافلة بالانتكاسات والهزائم السياسية التي جعلت من وجوده كتيار وحركة سياسية واجتماعية عرضة للكثير من الاسئلة الهامة والمصيرية عن مستقبله ووجوده وافقه لمواجهة ما يحدث في العالم ومواجهة الحركات المطلبية المتصاعدة المطالبة بالحقوق والحريات واحترام كرامة وارادة الانسان أومواجهة الضغوط الدولية الامريكية خصوصا من اجل الاصلاحات السياسية واحداث تغييرات ديمقراطية في انظمة الحكم وسياساتها وممارساتها.
أن حالة الهياج التي تصيب التيار القومي العروبي ورموزه السياسية والفكرية والاعلامية بعد كل انتكاسة يتعرضون لها، لهي دليل على حالة الضياع وأنعدام الافق التي تواجه التيار المذكور وتدفعه غالبا للارتهان بمؤامرات الاخر الخارجي او الغربي المتربص بالأمة العربية والمتآمر عليها. ولعل حالة الهياج والارباك والحملات الاعلامية والخطابية التي طغت على معظم الدول العربية بعد القبض على مجرم فاشي ودموي كصدام حسين تشكل تجسيدا عمليا للمأزق الذي يعيشه التيار المذكور وزعاماته ورموزه. فصدام حسين كان التجسيد الواقعي لكل الارث القومي العروبي في السياسة والحكم والنزعة الفاشية والتعالي القومي وما يجب أن تكون عليه الممارسة السياسية والعملية لهذا التيار حين يكون في السلطة والحكم. سقوط نظام صدام حسين وأعتقاله وتقديمه كمجرم ضد الانسانية قد وسع من مساحات الجرح النرجسي للقوميين العرب وجعلهم في حالة دفاع عن النفس أو الدفاع عن ما تبقى من رموز وحكام وحكومات وليس غريبا ان يتقاطر هؤلاء عبر وسائل الاعلام المختلفة ليمجدوا رمزهم أو ليذرفوا الدموع على صدام حسين وأمجاده (جرائمه بالنسبة للعراقيين) وأن يكيلوا الاتهامات والشتائم للعراقيين الذين يُراد لهم ان يكونوا دائما ضحايا حكم طاغية قومي و مجرم كصدام حسين.
على الرغم من ان (أحمد أبو الغيط) وزير الخارجية المصري، قد تحدث أخيرا عن محاكمة صدام حسين لكنه لن يكون الاخير الذي يدافع عنه، الا أن (أبو الغيط) هذا وبقدر ما دافع عن رئيس عربي لايصح أن يتم التعامل معه بهذا الاسلوب كما يقول، فأنه قد تعرض للشعب العراقي وحمله المزيد من الاتهامات، غير انه ومع كل الاتهامات التي وجهها للشعب العراقي قد فضح نفسه وحكوماته الحالية والسابقة ، عن جهل أو دراية، كونها كانت شريك أساسي في الجرائم التي أرتكبت ضد الشعب العراقي وراح ضحيتها الكثير. ففي الوقت الذي يعرب فيه أبو الغيط عن استيائه من الاسلوب الذي يتم التعامل به مع صدام حسين فأنه يقول خلال لقاء مع التلفزيون المصري خلال الايام الماضية(اذا كان الشعب العراقي هو الذي يقرر ذلك، فهذا امر يتعلق بالعراقيين انفسهم الذين تعودنا منهم على ذلك، من عبد الكريم قاسم وغيره) ليعبر عن مدى استخفافه بالعراقيين وذاكرتهم الموشومة بجرائم حكومات التيار القومي العروبي فها هو وبكل بساطة يحمل الشعب العراقي جرائم تاريخية كبيرة تركت آثارها الدامية على حياة هذا الشعب منذ وقوعها وحتى الان وما رافقها من سحق وانتهاك لكرامته وحولت حياته الى جحيم .
(أبو الغيط) يسعى لان يكون جاهلا بالاحداث التاريخية التي شهدها العراق المعاصر لعله يتمكن من تبرئة نظام عبد الناصر من الجرائم التي اقترفت في العراق برعايته ودعمه وبتنفيذ بارع من قبل صدام حسين وحزب البعث، لم يتعامل العراقيون مع عبد الكريم قاسم كما يتعاملون الان مع صدام حسين، لم ينفذوا أنقلابا دمويا وارهابيا ضد عبد الكريم قاسم كما يريد ان يقول ابو الغيط، بل ان صدام حسين وحزبه وعصابته القومية الارهابية المدعومة من جمال عبد الناصر ونظام حكمه، هي من نفذ أنقلاب الثامن من شباط 1963 واطلقوا العنان لمليشياتهم الارهابية المعروفة بالحرس القومي لتستبيح كل شيء، هذا الانقلاب الاسود الذي جعل من
من صدام حسين وحزب البعث وقياداته يطبعون هذه الحقبة من تاريخ العراق المعاصر بطابعهم الفاشي والدموي.
جمال عبد الناصر لم يكتف بدعم انقلاب شباط الاسود 1963 ، رغم سقوط الحكومة المنبثقة عنه ، بل سعى لان يوغل في مواقفه المعادية للشعب العراقي بأن جعل من مصير الحزب الشيوعي العراقي وأنهاء وجوده واستبداله بتنظيم آخر (الاتحاد الاشتراكي) شرطا لاكمال المفاوضات مع الاتحاد السوفيتي آنذاك وخلال اشتداد الحرب الباردة ما بين الاتحاد السوفيتي من جهة وأمريكا من جهة آخرى وهو ما عرف حينها بصفقة المقايضة.
وعلى الرغم من ضجيج أبو الغيط ومن هم على شاكلته من حكام ووزراء وساسة وأعلاميين وتباكيهم على الامل القومي المنشود، فأن واقعهم يقول عكس ذلك تماما. فما يعني الحكومات المستبدة والدكتاتورية في العالم العربي اليوم، ليس المصالح والاهداف القومية التي طالما تغنوا بها، بل مصالح الحكومات والحكام والوزراء والاحزاب الحاكمة، مصالح بقائها في السلطة وكراسي الحكم والثروات التي غالبا ما تتحقق عبر فرض مزيد من الاستبداد والقمع وخنق الحريات السياسية وفرض قوانين الطوارىء وتهميش الانسان وسحق كرامته وارادته ورهن مصير مجتمعات بأمكلها بيد الحكام وممارساتهم ورغباتهم ولعل حكومة يكون أبو الغيط رمز سياستها الخارجية هي المثال الاقرب في حاضرنا اليوم.
أن محاكمة مجرم معاد للبشرية ولكل ما هو أنساني مثل صدام حسين، هو خطر حقيقي يهدد حكام الدول العربية قاطبة . محاكمة مجرم كصدام حسين دفعت بالكثير من المقهورين والمقموعين في الدول العربية لتصعيد صرخات أحتجاجهم ومطالباتهم بالحقوق المستلبة والحريات السياسية المقموعة. كذلك فأن المصير الذي آل اليه صدام حسين بكل جبروته وغطرسته وأجرامه، أثبت أن الهالة المرعبة والمخيفة التي تحيط بالحكام العرب ما هي الا هالة هشة وما هم الا نمور من ورق سيء الصنع.
استياء أبو الغيط من محاكمة صدام حسين لايختلف كثيرا عن مساعي المحامي المصري( أمين علي الديب)الذي يدافع عن مجرم الحرب هذا ، حين أعطى لصدام حسين الحق في ممارسة القتل والاعدامات وتشريد العراقيين كونه كان رئيسا للعراق ويتمتع بحصانة دستورية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار