الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا: سقوط الإسلام السياسي

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2023 / 5 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


(لو دامت لغيرك ما آلت إليك)
ثمة الكثير من القراءات والدروس والعبر والمعطيات التي تـُستشف من، والتي أفرزتها الانتخابات التركية التي جرت يوم 14 أيـّار/ مايو الحالي، والتي أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك، حالة استقطاب حادة يعيشها هذا البلد، الذي يشهد انقساماً شاقولياً، وصراعاً شرساً، ليس طبقياً ولا ذا صبغة طائفية أو حزبية أو دينية، إنما تكشف طبيعة الانقسام والصراع تجاذباً بينياً قوياً حول هوية ومصير ومستقبل تركيا بين مجتمع ودولة علمانية مثـّلها مرشح حزب الشعب الجمهوري "النصيري" (العلوي)، كمال كليتشدار أوغلو، ويقال أنه من أصول كردية إيرانية، وبين سلفية دينية إخوانية أممية رفع لواءها الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، القومي الطوراني "العثماني" زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ حوالي العقدين من الزمن. ولعل أبرز المعطيات التي أفرزتها الانتخابات هي انتفاء النزعة الطائفية وغيابها عن الصراع والتي كانت، ويا للمفارقة، لصالح أردوغان، وخدمته وهو الذي حاول فرض قيم سلفية ما قبل علمانية سعى العدالة والتنمية الترويج لها والاتجار بها، وأن يظهر نفسه كـ"خليفة" وزعيم ديني و"أسداً للسنة"، (حسب أحد الألقاب المحببة لديه)، فقد نال أردوغان غالبية أصوات إقليم "هاتي" (لواء اسكندرون)، التي تقطنه أغلبية نصيرية حيدرية "علوية" من أصول سورية، فيما صوّت سكان سنة علمانيون ووطنيون قوميون أتراك للعلوي وربما "الكردي" كليتشدار أوغلو، ما ينفي أي بعد ونزعات طائفية ودينية وينزعها عن هذا السباق الرئاسي، وهذا يؤكد على وطنية الانقسام والخلاف فالاستقطاب القائم، كما تبين، هو حول مكانة ودور وهوية وسمعة تركيا كقطب إقليمي، بغض النظر عن السياسات الهوجاء الكارثية التي ارتكبها أردوغان والتي أبرزت هذه المعطيات ودفعتها للواجهة بقوة.
الأمر الآخر، وفي قراءة ما، وربما الأكثر أهمية، وبغض النظر عن مواقف كثيرين من أردوغان ومن الاحتلال والعدوان التركي والعثماني التاريخي (فتوحات قريش الاستعمارية الإجرامية) المرفوضة لسوريا سابقاً ولاحقاٍ وتحت أي شعار، ومبرر، وأيا كان المحتل، حتى لو كان مؤسس الإسلام نفسه فالعدوان والاحتلال واحد، ولا يفقد صفته العدوانية والإجرامية، ومع الوقوف على الحياد التام من جميع مرشحي الانتخابات التركية، أي عدم الاصطفاف مع أي مرشح رئاسي حالي، وحقيقة، وشخصياً، كنت أتمنى وجود مرشح مسيحي أو غير مسلم على الأقل (بوذي، هندوسي، سيخي، ملحد) لأقف معه وأؤيده، وفق معايير محددة طبعاً أخلاقية ووطنية وقانونية، فأي واحد من هؤلاء هو أفضل من أفضل أي مرشح مسلم، فلا يمكن، حقيقة، الائتمان لمسلم سياسي، أو الوقوف مع مرشح مسلم أو تابع لأي فصيل من فصائل وطوائف قريش المتكارهة والمتباغضة، والعنصرية، فكلهم سواء ويحمل وينهل من نفس ثقافة التكفير والإقصاء والاستبداد الصحراوية، ويؤمن بها بنسب متفاوتة، طالما لم يعلن رفضه لها وإلحاده، علناً، ومع ذلك كله، فإنه لا يمكن لي إلا ان أرفع القبعة لما شهدته الانتخابات من نزاهة وعدم قدرة أي من الفرقاء المتصارعين على المضمار الرئاسي، على تزويرها او حسمها وهذا يدلل على نزاهة حقيقية و ديمقراطية راسخة وقانونية وشرعية لا يمكن نكرانها لهذه الانتخابات وبالتالي لا يمكن التشكيك بنتائجها أو مصداقيتها ومهنيتها أبداً، وهي تعبر عن رسوخ العلمانية وتجذر الديمقراطية هناك وبغض النظرة مرة اخرى عمن سيكون الفائز فيها ولا يمكن إغفال التزام أردوغان بالقوانين التركية والدستور التركي وحفاظه على قانونية وحسن سير العملية الانتخابية وهو يعلم علم اليقين أن التشبث بالسلطة والاستكلاب والاستقتال على المنصب ومحاولة البقاء فيه أمر عبثي ولا طائل منه مهما طال الزمن، ومهما عظم وكبر شأن الرجال، واستبد الحكام، مسلـِّماً بقوانين اللعبة وشروط العملية الانتخابية، ومؤكداً، في الوقت نفسه، على على المقولة الخالدة المعروفة: " لو دامت لغيرك لما آلت إليك"، وحسبه هذا الوعي وهذا العرفان، فحتى لو خسر اردوغان، وخرج من المشهد كلياً، فهو فائز ومنتصر لأن الديمقراطية هي من أخرجته وبانتخابات حرة نزيهة ولم يزوّر الانتخابات ولم يتلاعب بها ولم يخرج بانقلاب عسكري أو بدبابة وهذا أمر جدير بالاحترام بغض النظر عن رأينا بالرجل وتاريخه فالقضاء المختص هو من يحاسبه.
يفقد الإسلام السياسي، بقناعه الإخواني، زخمه على نحو مضطرد، فهذه النسبة الانتخابية تشكل تراجعاً كبيراً للإخواني الأممي أردوغاني، وحقيقة هي هزيمة بكل ما للكلمة من معنى، وبذا يتوالى سقوط أنظمة الإسلام السياسي المتأخونة في المنطقة حيث لم تغب الشمس بعد عن السقوط المدوي والمذل لإخوان تونس "النهضة"، والقبض على زعيمه الإرهابي غنوشي، حتى استفاق "التنظيم" على كابوس وضربة قوية وشبه هزيمة جديدة للطيب أردوغان الذي كان يحلم ويأمل بنصر حاسم وسريع على زعيم الحزب الجمهوري...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الحالة الرابعة لنزع حجاب المتظاهرات.. هل تتعمده الشرطة ا


.. استشهاد طفلين وإصابة آخرين إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا




.. طلاب جامعة بيرزيت يطردون السفير الألماني من المتحف الفلسطيني


.. نتنياهو: سنواصل الحرب حتى تحقيق أهدافها كافة بما في ذلك تنفي




.. باتيل: إذا لزم الأمر سنحاسب مرتكبي الجرائم بقطاع غزة