الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلامي الأردني...رهين الخمسة محابس!

باتر محمد علي وردم

2006 / 10 / 28
الصحافة والاعلام


إذا كان الشاعر العربي المعروف أبو العلاء المعري كان يسمى "رهين المحبسين" بسبب إصابته بالعمى وتعرضه للسجن، فإن الإعلامي الأردني تفوق عليه في المحاذير والمعيقات، حيث يمكن أن نصف الإعلامي الأردني بأنه رهين الخمسة محابس!

ما بين الحكومة ومجلس النواب تقع الصحافة رهينة أول محبسين. الحكومة قد لا تكون معنية بتعزيز الحريات الإعلامية ولكنها على الأقل قدمت قانونا جيدا للمطبوعات والنشر ربما لأغراض الدعاية الخارجية، والالتزام ببعض بنود الأجندة الوطنية التي تطالب بمبادئ غاية في التقدم والحداثة تساهم في تعزيز حرية الإعلام. ولكن الحكومة وفي غياب بند واضح في القانون يمنع توقيف وحبس الصحافيين ويمنع من محاكمتهم بناء على أي قانون آخر يمكنها في أية لحظة أن تلجأ لقانون العقوبات الصارم والذي يضع الصحافيين فريسة لتفسير قاضي المحكمة لمعنى "حرية التعبير" أو "إطالة اللسان" بعد أن يكون الصحافي قد تعرض للاعتقال والإهانة وربما الضرب أيضا.

أما مجلس النواب فهو ضيق الصدر بالإعلام، وهذا ما ظهر بوضوح في خطابات وردود أفعال من الكثير من النواب تحت القبة والتي وجهت انتقادات لاذعة وغير موضوعية للإعلام الأردني الذي دأب على انتقاد أداء المجلس انتقادا مبررا. وكان الانتقاد المباشر لرئيس مجلس النواب الباشا عبد الهادي المجالي الأكثر وضوحا في هذا السياق، وهو هدد الصحفيين مباشرة بأن انتقاداتهم للنواب سوف تتسبب في "أن يقوم النواب بإقرار قانون متشدد للصحافة والنشر!".

وفي مقابل هذين المحبسين الخارجيين، يعاني الصحافي الأردني من محبسين داخليين أيضا هما سلطة الرقيب الذاتي ومحدودية دور المؤسسات الناظمة للعمل الإعلامي. الرقيب الذاتي للصحافة يلعب دورا هاما في تقليص حرية التعبير بل ويعطي انطباعا بأن هناك "حبسا فعليا" لحرية الإعلام. وتتباين شدة تأثير الرقيب الذاتي حسب اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية العامة، وطبيعة مزاج الحكومة والسلطة التشريعية والنقابات والأحزاب والتيارات السياسية والعلاقات مع الدول الأخرى وكذلك القطاع الخاص الذي بات يمارس دورا تسلطيا على الصحافة الأردنية قد يبدو أشد تأثيرا من تسلط الحكومات. وقد شعر معظم الصحافيين والكتاب بهذه التأثيرات الرقابية الذاتية حسب الاستطلاعات المختلفة للحريات الإعلامية وأهمها ما نشر من قبل مركز حماية وحرية الصحافيين.

أما المحبس الرابع فهو تواضع الدور السياسي والاقتصادي والثقافي والمهني للمؤسسات المعنية بالمجال الصحافي. أن المجلس الأعلى للإعلام والذي يفترض أن ينظم إطار العمل الإعلامي ابتعد عن التأثير السياسي والتشريعي وتحول إلى مركز للأبحاث والدراسات فقط. أن الأبحاث والدراسات جزء أساسي في عملية صنع القرار ولكن لا يمكن أن تكون بديلا عن الضغط السياسي المؤثر لتحقيق مطالب ومصالح القطاع الإعلامي. ولكن التراجع الأخطر هو في دور نقابة الصحافيين والتي تبدو أحيانا وكأنها نقابة نخبوية ذات عضوية حصرية ولا تتناسب مع التطورات الهائلة في مجالات الإعلام والاتصال الدولي. كما أن النقابة تلعب دورا سلبيا في سياق الحريات والتنمية السياسية في بعض الحالات، فهي التي قادت حراكا جريئا وغير مسبوق ضد الأجندة الوطنية بسبب توصية واحدة بإلغاء إلزامية العضوية من نقابة الصحافيين ونسيت 18 توصية أخرى في مجال الحريات الإعلامية ظهرت في الأجندة الوطنية وتشكل مجمل الطموحات التي ناضلت من أجلها أجيال من الصحافيين الأردنيين. ولكن النقابة ودفاعا عن حصرية العضوية فيها دمرت منجزا ديمقراطيا هاما في الأجندة الوطنية بل وساهمت في ترسيخ الكثير من الأفكار والقناعات المسبقة السلبية حول الأجندة ولعبت في أحيان كثيرة دور أفضل أداة تم توظيفها لمصلحة التيار المحافظ في حربه ضد التوجهات المتعلقة بالتنمية السياسية في الأجندة الوطنية.

المحبس الخامس هو بطبيعة الحال الرأي العام السائد في البلاد وهو ضيق الأفق تماما بأي رأي مخالف. الرأي العام في الأردن تقليدي وينحاز إلى تنظيمات المقاومة مثل حماس وحزب الله وحتى بعض التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وفي حال قام اي صحافي بكتابة مقال أو تحقيق فيه انتقاد لهذه التنظيمات سيتم اتهامه فورا بالعمالة لإسرائيل والولايات المتحدة وكذلك الأمر في حال قيام الصحافي بالتعليق الانتقادي على بعض الطروحات الدينية والثقافية والاجتماعية السائدة فالرأي العام لا يقبل ابدا باختلاف الرأي وأسهل ما يمكن للإعلامي الأردني أن يقوم به هو مجاراة الرأي العام والكتابة باللهجة التي يريد الناس سماعها أما في حال الكتابة بطريقة مختلفة وتعتمد على الحقائق أكثر من التهييج العاطفي فهذا يعني تعرض الكاتب لتهم العمالة والخيانة وربما يكون هذا الرقيب في الواقع اشد خطرا على الحقيقة من كل العوامل السابقة.

ليس قانون المطبوعات والنشر هو العنصر الوحيد في تضييق الحريات الإعلامية ولكن هناك مجالات من الجهد الذي ينبغي بذله للخروج من المحابس الخمسة التي يجد الصحافي الأردني نفسه رهينا لها، وهذه ليست مهمة سهلة وتتطلب رؤية واضحة وحديثة للمستقبل المنشود للإعلام الأردني الذي يتخلص من أسر الأطر التشريعية والفكرية والمؤسسية التقليدية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا