الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنية الصناعة السورية منذ الاستقلال وحتى عشية الوحدة السورية- المصرية

محمد شعباني
باحث دكتوراه في الاقتصاد السياسي والعلاقات الاقتصادية الدولية

(Mohammad Shabani)

2023 / 5 / 16
الادارة و الاقتصاد


شكلت التغيرات البنيوية والهيكلية في الصناعة السورية إبان الانتداب الفرنسي قاعدة للانطلاق بعد الانعتاق من ضغوط نير الاستعمار الفرنسي على البرجوازية الوطنية، فشرعت الأخيرة في تطوير مشاريعها الصناعية كماً ونوعاً مما أدى إلى ارتفاع عدد الشركات الصناعية المساهمة من 5 شركات في عام 1945 إلى 46 شركة في عام 1956 ونمت رؤوس الأموال المدفوعة في هذه الشركات من 22.1 مليون ليرة إلى 170.7 مليون للفترة ذاتها، كما ارتفع عدد الشركات الكبيرة من 9 شركات في عام 1939 إلى 177 شركة في عام 1956، وتركزت العملية الإنتاجية في ميدان الصناعة الاستهلاكية الخفيفة يأتي في مقدمتها صناعات الغزل والنسيج التي ارتفع فيها عدد المغازل من 82000 مغزلاً في عام 1948 إلى 92000 في عام 1958، بنسبة نمو تصل لأكثر من 8.2% كما ارتفع عدد الأنوال الميكانيكية من حوالي 1000 نول إلى نحو 5500 نول بنسبة نمو تصل إلى 450% لنفس الفترة، إلى جانب نمو وتطور صناعات أخرى أهمها عصر الزيتون وصناعة الصابون، والمعلبات والاسمنت والزجاج التي ساعد على تطورها توفر مدخلات الإنتاج محليا وانخفاض تكاليفها، ولتأمين مستلزمات ومدخلات هذه الصناعات من الموالد الأولية نشط العمل على زيادة الأراضي المزروعة عبر استصلاحها فزادت مساحة الأراضي المستصلحة بين عامي 1945 و1956 من 2.5 مليون هكتار إلى 4.1 مليون هكتار وذلك بالتزامن مع زيادة التجهيزات التقنية في الزراعة، فارتفع مثلاً عدد الجرارات من 300 جراراً في عام 1949 إلى 2000 جراراً في عام 1956.
وبسبب من سيطرة البرجوازية الوطنية الكبيرة والمتوسطة على الحكم في حينها اتخذت إجراءات لحماية الصناعة الوطنية عبر تطبيق سياسات حمائية في التجارة الخارجية، وتشكيل احتكارات محلية وتطبيق إعفاءات ضريبية ورفع الأسعار وتخفيض الأجور، وبالتالي تحقيق فائض اقتصادي محلي انعكس توظيفات رأسمالية جديدة وتراكمات رأسمالية انتشرت في مختلف المدن السورية من جهة ومختلف الفروع الصناعية من جهة أخرى، الأمر الذي أدى إلى زيادة أهمية القطاع الصناعي ككل، وهو ما يظهر في ارتفاع عدد العاملين في الصناعة من 100 ألف عامل وعاملة في عام 1954 إلى أكثر من 237 ألف عامل وعاملة حتى عام 1961، وهو ما يمثل 20.4% من إجمالي القوة العاملة في سورية كما يظهر نمو وتطور القطاع الصناعي السوري من خلال نسبة مساهمة هذا القطاع في إجمالي الناتج المحلي التي ارتفعت من حوالي 10% في عام 1950 إلى نحو 16% في عام 1960.
التوزع الجغرافي للقطاع الصناعي السوري
يتضح من التوزع الجغرافي للمنشآت الصناعية عشية الوحدة المصرية- السورية أنها معظمها توطن في محافظتي حلب ودمشق، ومن ثم حمص وحماة مما شكّل محوراً يشمل الشمال والجنوب إلى جانب بعض الصناعات المنتشرة في اللاذقية وإدلب حيث استحوذت مجموعها على أكثر من 80% من المنشآت الصناعية التي توزعت بشكل رئيسي بين الصناعات النسيجية والصناعات الغذائية بالإضافة إلى الصناعة الكيماوية وصناعة الأثاث.
ورغم انتشار المؤسسات الصناعية في مختلف المحافظات والمدن السورية، إلا أنه يُلاَحظ أنَّ أهم هذه المؤسسات وأكثرها بقي مستوطناً بالقرب من المدن الكبرى، وخاصةً العاصمة دمشق وحلب، حيث استحوذت دمشق على أكبر عدد من مؤسسات الصناعات الغذائية بحوالي 1235 مؤسسة يليها حلب التي وجد فيها 1057 مؤسسة، فاللاذقية 757 مؤسسة، وكانت مؤسسات صناعة المشروبات تتركز بشكل رئيسي في دمشق التي استحوذت على حوالي 79 مؤسسة مقابل 27 مؤسسة في اللاذقية و25 مؤسسة في حلب.
بالمقابل صناعة الغزل والنسيج فكانت أكثر توطناً في محافظة حلب، حيث بلغ عدد المؤسسات النسيجية 2455 مؤسسة وفي المرتبة الثانية كانت دمشق 1072 مؤسسة، فحمص 1029 مؤسسة. أي أن عدد المنشآت النسيجية في حلب تفوق مجموع عدد المنشآت النسيجية في دمشق وحمص مجتمعتين، بنحو 455 منشأة.
أما في صناعة الأحذية والالبسة فكانت دمشق في المقدمة بنحو 1409 منشأة، تليها حلب 1099 فحماه 395، وكذلك أيضاً في صناعة الموبيليا والأثاث المنزلي جاءت دمشق في مقدمة المحافظات من حيث عدد المؤسسات بنحو 280 مؤسسة تليها حلب 167 مؤسسة فإدلب 88 مؤسسة، وفي مجال الصناعات الكيماوية ومنتجاتها فوجد في دمشق 72 مؤسسة وفي حلب 45 وفي حماه 10.
البنية الهيكلية للصناعة السورية
شهد القطاع الصناعي السوري غداة الاستقلال تغيرات نوعية في بنيته الهيكلية أولاً: بسبب غلبة آليات السوق الحر الذي اتسمت بها السياسات الاقتصادية السورية، وثانياً: كنتيجة لذلك كان الفائض الاقتصادي المحلي هو المصدر الأول لتمويل التنمية الصناعية التي كانت ثالثاً محكومة بإرث وخبرات تعود إلى نحو قرن من الزمن تمركز القطاع الصناعي خلاله في عدد محدود من الصناعات الاستهلاكية ويأتي في مقدمتها الصناعة النسيجية التي تمركزت فيها قسم كبير من التوظيفات الرأسمالية الصناعية، يليها الصناعة الغذائية بفروعها المتعددة
من ناحية ثانية، شكل فرعا الصناعات النسيجية والصناعات الغذائية ما نسبته 72% من مجموع القيمة المضافة (الناتج المحلي الإجمالي) للقطاع الصناعي السوري عام 1956. أمَّا من حيث إسهامه في الدخل الوطني فقد ارتفع الدخل الصناعي من 90 مليون ليرة عام 1944 أي بنسبة 10% من مجموع الدخل القومي إلى 165 مليون ليرة أي قرابة 13% من مجموع الدخل القومي السوري عام 1945، حيث تجدر الإشارة إلى أنَّ الصناعة السورية نمت للفترة 1950-1956 نمواً سريعاً بمتوسط نمو سنوي بلغ 12% إلا إنَّ الانفاق الاستثماري الصناعي كان محدوداً جداً إذا ما قورن بالإمكانيات الضخمة التي توفرت في سورية من القطع الأجنبي واليد العاملة والموارد الأخرى، فضلاً عن ذلك، فقد تحقق هذا الانفاق في نفس الفروع الصناعة القائمة تقريباً، أي دون تغيير في البنية الهيكلية الصناعية، ومن ثمَّ فقد تضخمت بعض الصناعات وبقي قسم من طاقتها الإنتاجية عاطلاً، مما أثر في عملية النمو الصناعي سلبياً، إذ تفيد الدراسات التي وضعت خلال 1958-1960 تمهيداً لوضع برنامج التنمية الاقتصادية في عهد الوحدة مع مصر أنَّ القيمة الاحتمالية للإنفاق الاستثماري الخاص في الآلات والأجهزة الميكانيكية والصناعة الزراعية كانت قد انخفضت من 57 مليون ليرة في عام 1955 إلى 43 ثم إلى 29 و28 على التوالي في السنوات اللاحقة عشية الوحدة مع مصر.
في سياق التقدم الذي أحرزته البرجوازية الصناعية السورية خلال هذه الحقبة (منذ الاستقلال وحتى عام 1956) نجد وصف الدكتور بدري الدين السباعي لحالة المنشآت الصناعة السورية، فيشير بالقول "مؤسساتها (المنشآت الصناعية) تبقى، إذ قيست بالمؤسسات الحديثة في أوروبا وامريكا، صغيرة ذات مردود ضعيف، وانتاجية ضئيلة، وسعر كلفة عال. ومع هذا فهي قادرة إلى إنتاج سلع جيدة تضاهي السلع الأوروبية وتنافسها في بعض الأسواق" وما يدل على صحة وصف السباعي للصناعة السورية، هو أن الأخيرة لم تكن تشتكي من البضائع المستوردة من دول قليلة الشأن صناعياً، بل كانت شكواها تتركز على المستوردات النسيجية من اليابان وبريطانيا! وكان ذلك خلال فترة الانتداب الفرنسي، أي قبل تمكن البرجوازية من تطبيق سياسات حمائية على صناعتها التي اخذت بالتقدم كيفاً وكماً.

قائمة المصادر والمراجع:
بدر الدين السباعي، أضواء على الرأسمال الأجنبي في سورية 1850- 1950، دار الجماهير، دمشق، سورية، 1967، ص 402.
CHALLAH, Muwaffak Chafik, ECONOMIC DEVELOPMENT AND PLANNING IN SYRIA, 1950-1962.The University of Oklahoma, Ph. D, 1965, Michigan, USA, pp24.
ف. ب. فيكتوروف، اقتصاد سورية الحديثة، ترجمة هشام الدجاني، أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفياتي، دار البعث، التاريخ غير معروف، ص 25-32.
منير الحمش، تطور الاقتصاد السوري الحديث، طبعة أولى، دار النشر غير معروف، عام 1983، ص273.
CHALLAH, Muwaffak Chafik, pp25-26.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق كليبر.. منافسة بين بحارة بولاية واشنطن لجمع تبرعات لمنظ


.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 08 مايو 2024




.. الرئيس الصيني في ضيافة الإيليزيه.. وسط توترات جيوسياسية واق


.. البنك المركزى: ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لـ41 مليار دولار




.. سعر جرام الذهب الآن فى مصر يسجل 3100 جنيه لعيار 21