الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (31) --- الفصل التاسع والعشرون --- القصة التاسعة والعشرون: رجاء الباحثين عن الحق

توماس برنابا

2023 / 5 / 16
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


"أيها الإله! كم وددت أن تكون حقيقة لا وهم! بحثت عَنكَ في كل مكان.. نظرت إلى العلاء لأناجيك وتوجهت ببصري صوب مختلف المعابد وصنوفها لعلي أسمع صوتك، فلم أجدك! بحثت عنك في داخلي لعلك تسكن فيَّ، ووجدت قبسًا من ضمير قد رباه وأوجده فيَّ المجتمع الذي ولدت فيه، وحتى هو لا يقتنع بوجودك أيضًا الآن!

أيها الإله! إن كنت موجودًا بالفعل وتسمعني فأنظر إليَّ؛ هل أخلاقي وأفعالي تُغضبك؟ في عرف الأديان جميعها لم أرتكب في حياتي شرًا واحدًا! والأخلاق أحب عندي من نفسي! كم يؤلمني وجود الشر والألم في العالم، وأود بالفعل ومن كل قلبي أن يكون وجودك حقيقيًا حتى اطمئن على هذا العالم بين راحة يدك!

قرأت وبحثت عنك في كل أديان الأرض، قديمها وحديثها، لعل مجموعة بشرية ما تكون قد توصلت إليك بصورة تُرضيك.. ولكنني وجدت أفكار تضاربت أحيانًا، وتشابهت أحيانًا أخرى مع بعضهم البعض في طريقة التعرف إليك أو تقديم العبادة لك..

لكل مجموعة بشرية سواء ما زالت موجودة على الأرض أم انقرضت ديانة مختلفة عن الأخرى وقد عرفتك باسم مختلف عن غيرها.. هناك من عبدوا إله واحد، وهناك من عبدوا الكثير! هناك من عبدوا آلهات إناث مُفضلين الجانب الأنثوي الرحيم فيك، وهناك من عبدوا ألهة ذكور مُفضلين بالأحرى الجانب الذكوري الجبار فيك!

ولكنني بكل صدق، لم أشعر بوجودك! ولم أرد أو أريد أن أخطأ وأتوجه بالعبادة لإله خطأ، أو مفهومًا خاطيء عنك، أو أن أتعبد لوهم لا وجود له...

أَفترحم باحث عن الحق مثلي، وتُعلن لي عن ذاتك بشكل ما!"

كان أمين يتلو ما شابه من أدعية، كُلما ضاقت به الدنيا، أو رأى فيها الظلم البين يسود دون أن يجد حلًا لهذا الشر المُستشري من حوله..

كان يرجو وجود الله، لكن عقله المتشكك لا يُريد إلا اليقين لا الوهم! وفي خلال عشرة سنوات تطور فكره من شاب مُتزمت أصولي إلى مُلحد كامل الإلحاد في سبع مراحل. فمن وجهة نظره، لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يصير الانسان ملحدًا واعيًا في يوم وليلة، ولا حتى في شهر، ولا أشهر، ولا في أقل من سنة.. بل أقل مدة هي سنة كاملة يجتاز فيها كافة المراحل السبعة الأتية كما قد كتب في مقال له:


" 1. مرحلة التمذهب أو الطائفية Denominationalism

هذه المرحلة تكون داخل الدين الواحد.. فأي دين على وجه الأرض ستجد له فرق ومذاهب أو طوائف لاختلاف الفكر والتأويل من مجموعة بشرية لأخري. وينشأ المؤمن داخل مذهب معين ويُربى عليه ويتشرب مبادئه داخل إطار مبادئ الدين الكبرى..


2. مرحلة اللاطائفية أو اللامذهبية Non-Denominationalism

ينمو عقل معظم شباب الدين الواحد نحو الاعتقاد والإيمان التام بأن الانقسام والتشرذم داخل الدين الواحد هو إضعاف له ويحاولون بذل مجهوداتهم الفردية والجمعية لإقناع الناس بنبذ الخلافات وبناء الجسور بينهم وإقامة المؤتمرات لمحاولة جمع الشمل لمواجهة خطر الأديان الاخرى والإلحاد النامي المتصاعد.. ومن حسن نية هؤلاء اللاطائفيين أنهم يبذلون كل غالي ونفيس لتوحيد النفوس من مال وجهد ودراسة وقراءة وإجتهاد ونقد ونقض نصوص الطائفية..



3. مرحلة الليبرالية Liberalism

وتتسم هذه المرحلة بالتحرر المبالغ فيه والمفرط من أمور ثبت تناقضها مع العقيدة الجوهرية للدين فتم التبرأ منها...


4. مرحلة توحيد الأديان العالمية Universalism

وفي هذه المرحلة نجد مجموعات قليلة من الناس بعد قراءتهم للأديان المختلفة واكتشافهم أن هناك خط أخلاقي يجمعهم جميعًا، حيث تُحث كافة الاديان على الأخلاق، وبما أن الله حي للأبد فمن المؤكد أن وحي الله ورسالاته لن تنقطع للأبد وبالتالي سيكون هناك أنبياء ورسل كثيرين في كافة بقاع الارض وفي كافة العصور داخل مختلف الأديان سواء سمعنا عنهم وعرفناهم أم لا! والمؤمن بهذه الديانة أو المرحلة الإيمانية لا يزال متمسكًا بوجوب وجود الله ولكنه استغني عن الطائفية بل وحتى التأدلج داخل دين واحد! وأصبحوا يفسرون ويأولون تأويلاتهم الخاصة بإقتباسهم من نصوص من مختلف الأديان لتأييد أرائهم ولجذب أتـباع هذه الديانات نحوهم..


5. مرحلة الربوبية Deism والحلولية Pantheism أو دمجهما في Pandeism

وهذه المرحلة هي أولى درجات نبذ الفكر الديني وعدم الإيمان بأي دين لاحتواء كتب الأديان، طبقًا لوجهة نظرهم، على ما يناقض المنطق والعقل والعلم ولا يمكن بأن الخالق يخطأ هكذا! وتوصل الربوبيين Deists بأن الله الخالق لم يرسل أي نبي أو أي رسالة حتى الآن! وهو قد خلق الانسان وكافة المخلوقات وانزوى في ركن بعيد في الكون ( وهناك منهم من ينادي بأنه قد مات!)، فهو إله غير شخصي أي أنه لا يستمع لصلوات أو يَرعى البشر أو يَهتم بالفرد فجُل إهتمامه هو الحفاظ على منظومة الحياة الكلية في الكون! وإن مرض أو مات أحدهم فهذا إما خطئه أو خطأ مخلوق أخر فهو لم ولن يتدخل في شئون الدنيا! ولا يوجد في التاريخ ما يؤكد تدخله المباشر في حياة أي إنسان أو حيوان!


أما الحلولية Pantheism فتابعيها يؤمنون بوحدة الكون فالله هو نفسه الكون ونحن جزء منه.. فأنا وأنت الله! وربما يكون الأنسان هو أفضل وأرقى تجليات الله! فالله هو الطاقة الصافية التي دون الكويركات Quarks والتى تتشكل لتكون ماديات وكائنات حية أرقاها الانسان..! فحينما يفكر الانسان في الإبداع والصنع فهذا الله الذي يربط الجميع بعضهم ببعض ويسكن الجميع فبه نحيا ونتحرك ونوجد!


أما Pandeism فهو إيمان يشبه إيمان البوذية.. وتابعي هذا الفكر رفضوا كون الله أن يكون قد أنزوى بعيدًا (أو مات) كما في الربوبية، وأمنوا بما تؤمن به الحلولية Pantheism بأن الخالق هو الكون الازلي، فهو الذي تنبثق منه الحياة بل الحيوات بمجملها في كافة المجرات والكواكب بطريقة مستمرة سرمدية وبطريقة غير مقصودة لا إرادة ولا ذكاء فيها ثم تتطور في أشكال مختلفة! وأيضا في هذا الايمان الإله غير شخصي بل جمعي.. يهتم بالمجموع الكوني كمنظومة ولا يُعير للفرد إهتمامًا!


6. مرحلة اللاأدرية Agnosticism

وهذه المرحلة هي ثاني خطوات الفكر اللاديني حيث لا يعترف هذا الفكر بأي دين.. وتطورت عن الربوبية بعض الشئ في أن تابعيها غير متيقنين من وجود الله من عدمه! فهم يمسكون العصا من المنتصف! ويؤكد تابعي اللاأدرية أنهم أمناء مع أنفسهم فلا يوجد ما يؤكد وجود الله وأيضًا لا يوجد ما يؤكد عدم وجود الله؛ لذلك فنحن لا نعلم، لا نعرف، لا ندري، عن وجود الله شيئًا ولذلك سميت اللاأدرية Agnosticism ، وهي عكس كلمة Gnosis أي معرفة أو دراية، ويأتي منها الفعل الإنجليزي know))، ولقد أطلق مُفكر ملحد على اللأدري بأنه ملحد جبان Atheist without balls!


7. مرحلة الإلحاد Atheism

ويصل الإنسان في هذه المرحلة لِقِمَة هرم الإلحاد حيث نبذ الأديان في مراحل سابقة وهنا وصل لراحة ويقين من عدم وجود الله تمامًا.. فلا وجود لإله أو ألهة لا في هذا العصر ولا في عصور خلت ولا في عصور قادمة ولا يوجد أي وجود لعالم الماورائيات بما فيه من ملائكة وشياطين وسحر وغيرها من الأمور الخرافية التي هي من منتوج الأديان! والذين يصلون لقمة الهرم هنا ينقسمون لنوعين: الملحد السلبي Passive Atheist والملحد الإيجابي (أو الناشط و الواعي Positive Atheist )!


أما عن الملحد السلبي Passive Atheist هو المُلحد الذي وصل بعد طول عناء خلال سنوات طوال من أرق فكري وجودي الى اليقين التام بعدم وجود لفكرة الإله! ولذلك فهو ينزح للراحة وتناول الكحوليات والسجائر ولا مانع من علاقات عابرة مُحبة مع الجنس الأخر.. فهذه هي الحياة الوحيدة التي سنعيشها على الارض! فلا وجود لعقاب أو ثواب! فلا داعي لتضيعها في الأمور الدينية.. لذلك فهو يُقلع عن دراسة الأديان ولا يتحدث فيها أبدًا مع أي أحد.. ولا يحاول استمالة أي أحد للإلحاد فالكل نهايته التراب فلماذا يُعاني هذا المؤمن مثله من مراحل الانسلاخ المُضني عن الأديان؟! فيتجنب الملحد السلبي أي مناوشات دينية ولا يجاهر بإلحاده أبدًا!

أما الملحد الأيجابي (الناشط الواعي) فهو الملحد الذي أيضًا وصل الى يقينية عدم وجود الإله.. ولكنه يفكر بإسلوب موسوعي فهو ينظر لمصلحة المجتمع المحلي والعالمي.. فهو يرى في الأديان خطرًا على البشرية لذا فهو يجاهر ضد الأديان!


وجدير بالذكر أن الانسان لن يكون بالضرورة قد أطلع على هذه الأفكار بنفس الترتيب.. ولكن المشكلة ليست في معرفة المعرفة بل في اختبارها وتمكنها من العقل وهذا لا يمكن أن يحدث تحت أي حال من الأحوال في أقل من عام لكافة المراحل.. بل يعيش الإنسان بالسنوات في كل مرحلة ويقرأ ما يخصها من كتب كثيرة!"


أحتار أمين في أمره؛ أَيُجاهر بإلحاده حتى يوقظ الناس من وهمهم أم يعيش حياة من الامُبالاة والعبثية؟ لم يرد أمين لمن حوله أن يُعانوا من آلام فكرية ونفسية مثلما عانى هو خلال انسلاخه عن الدين، ولا يُريد لنفسه أن يحيا حياة خالية من المعنى، تتسم بالامُبالاة والعبثية.. لذا سقط في كآبة وسوداوية جعلتاه ينعزل عن الناس مُناجيًا نفسه كثيرًا؛ " أَيُوجد رجاء يُذكر للأمانة والصدق بعيدًا عن هذا الخواء العبثي؟!"

*****

قرأ مدحت هذه القصة ودُهش من امكانية وجود مُلحدين بهذه الأمانة والصدق والجدية في البحث عن الحق.. فقد أعتاد أن يسمع عن أن المُلحدين يرفضون الله لأنهم يُفضلون الانغماس في الشرور مُنكرين وجوده..

في تمام الساعة السابعة كان حديثه المرتقب مع الأستاذ نشأت عبر الإنترنت كالتالي:

حوار الليلة الثلاثون

- مساء الخير يا أستاذ نشأت..

- مساء الخير يا مدحت يا صديقي.. كيف حالك اليوم؟ لعلك بخير!

- أنني بخير.. وأبشرك بأنني قد ذهبت للطبيب واقتنع بأنني أحسن حالًا، وأتفق معي على اجتيازي لفترة انسحاب لأدوية مُعينة حتى أُقلع عنها قريبًا.. وأكد لي أنني ربما لا أحتاج لأدوية إطلاقًا بعد ستة أشهر من الآن!

- مُبارك يا صديقي.. إنني سعيد بهذا الخبر أيما سعادة!

- هناك مفاجأة أخرى..

- ما هي هذه المفاجأة يا مدحت؟ زدتني تشوقًا!

- لقد أتفقت زوجتي على لقاءٍ لك مع صديقتها التي حادثتك عنها قبلًا؛ الأنسة الدكتورة أمل صُبحي..

- ومتى سيكون هذا اللقاء، وأين؟

- بالطبع سيكون خلال لقاءنا الأحد القادم.. لنكون معًا!

- فاجأتماني بهذا الخبر يا صديقي.. لكنني لا استطيع أن أرفض.. وليكن لي هذا اللقاء معها! فلن يُضيرني الأمر شيئًا طالما هو من ترتيب السيدة ميرفت!

- صدقني يا صديقي، ستسعد بهذا اللقاء جدًا!

- إتفقنا.. ميعادنا الأحد القادم.. سأتي بسيارتي الخاصة أمام البيت في تمام الساعة الخامسة مساءً.. ولكن هل قرأت قصة اليوم يا صديقي العزيز؟

- بالطبع، إني أشعر بأن شخصية أمين بطل هذه القصة شخصية غير واقعية بالنسبة لي، فلم أسمع مطلقًا عن مُلحد أمين وصادق وأخلاقي من قبل.. فكلهم أشرار يرفضون الأخلاق وممثليها.. لذلك يُنكرون وجود الله!

- بالصدق تكلمت يا مدحت! فهؤلاء يُنكرون وجود الله.. لكنهم متأكدين من وجوده! لكن هذا الشاب أمين في هذه القصة لا يُريد أن يُنكر ما هو موجود ولكن يُريد أن يؤمن بأن الله موجود يقينًا وليس خداعًا، أو إتباعًا أعمى لموروث ولد في كنفه!


وبحثه الدائم الجاد الصادق عن الله لن يخيب رجائه أبدًا! هذه الفئة يا صديقي لا يتركها الله أبدًا، فهي خامة من البشر يندر وجودها! فأغلب عُظماء مُفكري الأديان، كانوا في بداية حياتهم الفكرية مثل هؤلاء، واستخدمهم الله فيما بعد لإعلاء شأن الدين..

أيهما أفضل عند الله يا صديقي؛ من أمن بالله مُضطرًا لأنه وجد والديه ومجتمعه يفعلون ذلك أم من بحث بعناء إلى أن تَكَشف الله له في الوقت المناسب!

- بالطبع الباحث عن الحق بصدق وأمانة هو الأفضل عند الله.. لك الحق يا صديقي، وأعذر جهلي لأنني لم أسمع عن هذه الفئة البشرية من قبل.. لا يمكن أن يُطلق على مثل هؤلاء لقب مُلحدين بل باحثين عن الحق!

عن ماذا ستكون القصة الختامية من سلسلة هذا الشهر يا صديقي؟

- ستكون عن امرأة جميلة جدًا تَشوه وجهها في حريق.. فإلى اللقاء!

- إلى اللقاء يا صديقي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم