الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد التطبيع الخليجي الإيراني

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2023 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


قد لا يختلف الكثير من المراقبين بأن الاندفاع المتسارع خليجياً لتنفيس الاحتقان مع النظام الإيراني خلال الأسابيع القليلة الأخيرة يهدف في المقام الأول إلى تفادي أن تصبح الدول الخليجية موئل تصريف حنق الأفرقاء الذين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من تحويل خصامهم إلى حرب إقليمية محتملة بين دولة الكيان الصهيوني ونظام الملالي في إيران، في أمد لا يحتمل أن يكون بعيداً، خاصة مع اقتراب إيران من إدراك مستوى من تخصيب اليورانيوم قد يمكنها من تحميل صواريخها برؤوس نووية، لا يعتقد بأن إسرائيل سوف تستطيع تجرع تحقق ذلك دون إبداء امتعاضها على طريقتها البربرية التي اعتادت عليها منذ تاريخ اجتراحها دولة بأدوات العنف والإرهاب الممنهج. وتلك الحرب الإقليمية الضروس التي في حال تحول احتمالها إلى حقيقة سوف تفضي بشكل طبيعي إلى وقوع دول الخليج فريسة سهلة بين مطرقة الصهاينة وسندان ولاية الفقيه، وهو ما سوف يهدد بتهشيم كل البنى التحتية المكلفة التي تعتمد عليها الاقتصادات الخليجية في عيوشيتها وخاصة محطات تحلية مياه البحر، ومنظومات صناعات استخراج وتكرير النفط في الدول العربية الخليجية، التي أثبتت التجربة الحية الأخيرة من هجمات الاستطالات الأخطبوطية المليشياوية لنظام ولاية الفقيه في اليمن قدرة تلك الاستطالات على النيل من تلك البنى التحتية، وبوسائل غير مكلفة نسبياً من قبيل الطيارات المسيرة عن بعد من دون طيار، والقليل من صواريخ أرض-أرض بعيدة المدى خلال العامين المنصرمين، والتي كان آخرها في الأسبوع الأخير من شهر مارس من العام الجاري 2023، وهو ما عكس أيضاً -بشكل لا يخفى على أي عاقل- عدم اكتراث الولايات المتحدة ولي أمر وحامي استقرار النظم الحاكمة في دول الخليج منذ تأسيسها، بما قد يحدث لتلك النظم في حال تحولها إلى كيس ملاكمة لتفريغ شحنات الغضب بين إسرائيل وإيران في حرب محتملة بينهما، وعدم تدخلها لحماية البنى التحتية في تلك الدول الخليجية بأي شكل ذي معنى، و عنى أيضاً بشكل جلي احتمال إعادة كرة حرب الخليج الأولى، والتي خسرت فيها دول الخليج جل احتياطاتها النقدية، وثرواتها المكدسة جراء بيع النفط خلال العقود الثلاثة السالفة لتلك الحرب، و هي التي كانت حقاً للأجيال القادمة، بعد أن تم صرفها لتغطية نفقات جيوش الحلفاء، وتكاليف إطفاء الحرائق في آبارها النفطية وبناها التحتية جراء ما نالها من تحولها إلى الدريئة شبه الوحيدة التي كانت صواريخ نظام صدام حسين قادرة على الوصول إليها بأي شكل مؤثر بعد ثبوت عدم فعالية صواريخه السارية باتجاه الكيان الصهيوني على جر ذلك الأخير باتجاه دخول فريق الحلفاء في حربهم على العراق - بعد التغرير بطغمته الحاكمة لإيقاعها في فخ صلفها وإيهامها بعدم اكتراث الولايات المتحدة و من لف لفها من الحلفاء و الأذناب في حال اجتياحه للكويت- علَّ دخول إسرائيل في فريق دول الحلفاء كان من المحتمل أن ينقذ نظام صدام حسين بتحويله من غاز أرعن إلى «محرر فلسطين المنتظر»، وهو ما لم يتحقق له، فلم يكن له إلا تحويل الرهط الأعظم من صواريخه لتنال من دول الجوار الخليجي، وهي التي ليست أبعد جغرافياً عن العراق بما هي أبعد عن حدود نظام ولاية الفقيه، والذي لا بد أن عدد صواريخه وفعاليتها أكثر بكثير مما كان لدى صدام حسين في العام 1991، بعد تعلم نظام ولاية الفقيه لدرس صدام حسين المرير، واستخلاصهم للعبرة التي ليس سواها منه ألا و هي أن الوسيلة الوحيدة لردع البعبع الأمريكي هو تخويفه فعلياً سواء باحتمال وصول الأذى الصاروخي والنووي إذا استدعت الضرورة إلى أراضيه، أو إلى أراضي حلفائه من ذوي القيمة الفعلية كما في الحالة اليابانية الكورية، والتهديد النووي الكوري الشمالي لذينك الأخيرين، وهو ما تستطيع إيران استنساخه بشكل عملي في تهديد الحليف الوحيد ذي القيمة للولايات المتحدة في المنطقة، وأعني هنا إسرائيل، دون أن ترقى إلى ذلك أي من الدول الخليجية كما أثبتت التجارب المريرة الأخيرة، والتي تركت نظم الخليج لوحدها لتتجرع سم وتكاليف المناوشات التي لما تتحول حرباً مفتوحة بعد مع عملاء إيران في المنطقة وما أكثرهم.
وفيما يتعلق بإعادة الغول الأسدي إلى الحظيرة العربية بدفع خليجي، بعدما فعل ما فعل من تقتيل وذبح للشعب السوري المظلوم يستحي من الإتيان به كل مجرمي التاريخ من هولاكو وحتى هتلر الذي رفض قصف المدنيين في المدن البريطانية حتى بدأ البريطانيون بفعل ذلك بالمدن الألمانية، فإن الهدف الواضح من تلك المبادرة هي حماية الخاصرة الإسرائيلية الشمالية في حال اشتعال حرب محتملة بين الإيرانيين والصهاينة، بحيث يصعب على الإيرانيين إشعال جبهة حرب برية أو صاروخية من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل في حال إعادة الغول الأسدي إلى مرتعه الطبيعي في حظيرة الطغاة العرب، ورشوته بالشكل المعتاد تاريخياً بأموال نفط الخليج ليحافظ على صمته التكتيكي على الجبهة الشمالية للكيان الصهيوني، والتي لم تنطلق أي طلقة فعلية منها منذ خسارة الطاغية الأسد الأب لحرب أكتوبر في العام 1973، وتسليمه بالجولان السوري أرضاً محتلة إلى أبد الآبدين، وهو ما سرى على نهجه ولم يبدل تبديلاً ابنه وخليفته في الطغيان والتنكيل بالشعب السوري المظلوم.
ولكن في الحقيقة قد يستقيم النظر إلى التقارب الخليجي الإيراني بمنظار استشرافي أكثر اتساعاً يتم الالتفات فيه إلى الحقيقة العلمية الدامغة التي أنذر بها عديد من العلماء المتخصصون بالعلوم المناخية والبيئية، ومنهم العالم الفاتح الطاهر أستاذ الهندسة البيئية والمدنية في جامعة MIT في الولايات المتحدة في مجموعة دراسات علمية منشورة في مجلة Nature خلاصتها احتمال تحول منطقة الخليج بضفتيه الشرقية والغربية إلى مناطق يستحيل العيش في فضاء الهواء الطلق في أي من بقاعها الجغرافية في حال استمرار كارثة تسخن كوكب الأرض في التفاقم بنفس المستوى الراهن، ودون أي اكتراث ذي معنى من الكيانات السياسية في عموم أرجاء الأرضين، ومن ضمنها الدول المتشاطئة على ضفتي الخليج، وجميعها دول ريعية بامتياز، جل عائداتها من بيع ثرواتها الباطنية وخاصة النفط والغاز، وبالتالي فهي تتحمل وزراً مضاعفاً لعقابيل إهمال الأجيال البشرية الراهنة لحق الأجيال القادمة بالعيش في ظروف بيئية تشبه الظروف التي عاش فيها أجدادهم دون أن تتحول حيواتهم إلى تراجيديا من الهروب المستمر من كارثة بيئية للوقوع في براثن أخرى.
وإن النظر إلى التقارب الخليجي الإيراني بذاك المنظار، ضروري ومُلح لنقل مستوى التفارق بين الجيران التاريخيين من صورة اقتتال قابيل وهابيل على شفا جرف متكسر، يسعى فيه كل أخ لإغماد خنجره في نحر أخيه قبل أن يهوي ذاك الأخير بجلموده الذي يحمله بيده على رأس ذلك الأول، غير مكترثين بأن الجرف المتكسر قد يتداعى في أي لحظة بسبب تقافزهما وتجالدهما البربري على حافته المتشظية، والذي إن تداعى فإن مصير كلا الأخوين، الذين كل منهما آثم من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، لن يكون سوى لقعر الهاوية وبئس المصير تحت ركام الجرف المتداعي.
وخلاصة القول، صحيح أن كل الأفرقاء من الطغم الحاكمة على ضفتي الخليج آثمون في غيهم التراكمي، وطغيانهم وفسادهم وإفسادهم، وتجبرهم إقليمياً وعلى شعوبهم المظلومة المقهورة نهباً وعسفاً واستغلالاً، ولكن الضرورة الوجودية الملحة بكل ما تعني الكلمة من معنى، تقتضي دعم كل سعي لتجاوز عناصر التفارق التي جلها مصطنع لتبرير صراع الأقوياء الأثرياء وأولياء أمورهم في أرجاء الأرضين، بدماء وأموال وحيوات ومستقبل طوفان البشر من المستضعفين المظلومين المنهوبين المفقرين بأشكال وحدات مختلفة على ضفتي الخليج، لصالح محاولة بناء أي جسور قد تسهم في تعزيز التفات كل أولئك الأفرقاء إلى أم الكوارث التي لم تعد قاب قوسين أو أدنى، وإنما في طور التمظهر العياني المشخص في حيوات جيلنا الراهن من الساكتين عن الحق وواجب الدفاع عن حق الأجيال القادمة بعيش طبيعي، دون أن إلزامهم بأن يرثوا من آبائهم وأجدادهم أرضاً بوراً خراباً مسمومة بهجير لا يطاق، وقحط مقيم، وموت زؤام لكل من أراد تنفس هواء طبيعي دون أن يكون مرغماً على السكن في جحور في بواطن الأرض كما يسوق لذلك بعض الاستشرافيين من وعاظ السلاطين المجرمين في تصور يحول كل أبناء الخليج على ضفتيه إلى موتى محشورين في قبورهم مع وقف التنفيذ.
وقد يستقيم المجادلة بأنه لا خيار لكل عاقل يرغب بأن ينظر إلى نفسه في المرآة دون احتقار ما يراه، إلا بالعمل بكل ما هو متاح حتى لو كان تجرع علقم تأجيل تعرية ومحاسبة المجرمين الآثمين على ضفتي الخليج مرحلياً، لصالح الدفع باتجاه أي تقارب كان صغيراً أو كبيراً بين ضفتي الخليج يحتمل أن يفضي إلى إعلاء أولوية الدفاع عن حق الأجيال القادمة من أبناء الخليج بعيش لا تصبح فيه الحياة كما لو أنها جحيم الدار الآخرة، دون أن يعني ذلك أبداً تناسي حقوق المظلومين المقهورين المستضعفين المفقرين التي لا تسقط بالتقادم، إذ لا بد من السعي للدفاع عن حقهم أولا في الحياة في قابل الأيام حتى يستطيعوا إحقاق العدل و تسوية ميزانه الأشوه بأياديهم و مآقيهم و قلوبهم و دمائهم الحية غير المندثرة إلى قعر هاوية جرف قابيل و هابيل المتكسر، و سعير جهنم التي ينفخ في صورها كل من يتنفس من بني البشر المعاصرين من الساكتين عن الحق و المدمنين دفن الرأس في الرمل بانتظار حلول أم الكوارث و مآلاتها الزؤامية الجهنمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل