الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (32) --- الفصل الثلاثون --- القصة الثلاثون: رجاء المُصابون

توماس برنابا

2023 / 5 / 17
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


كانت جميلة تنظر إلى وجهها في المرآة، ثم تنظر لصورتها في الإطار الخشبي الصغير المُثَبت أمامها، وتُجهش في بكاء شديد..

قبل عام، كانت جميلة تُعد طُعامًا في المطبخ.. وتركت الزيت يقدح طويلًا على النار.. وحينما وضعت جميلة قطع الدجاج المُتبلة في الزيت، ونست أنه كان يقدح بشدة.. فإذ بالنار والزيت المُشتعل يشتعل في وجهها ويَديَّها مُشوهًا أغلب ملامح وجهها..

خلال العام المُنصرم، أجتازت جميلة عمليات تجميل عدة، أطاحت بملامحها الجميلة السابقة..

كانت جميلة تعتز بجمالها كرأس مال لها في هذه الدنيا التي يُثيرها المظهر قبل الجوهر في اختيار شريك حياة مُناسب.. والآن ضاع كل شيء.. لم يتبق لها أي شيء تركن إليه للتحصن من مغبة الزمن..

لقد أصلح الأطباء كل عيوب وجهها، لكن لم يتبقى لها أي شيء من جمالها الفطري الذي عهدته.. لم يتبقى لها أي شيء من نفسها القديمة! فقد صارت كئيبة منطوية، تخشى أن ينظر إليها الناس وهي بهذه الصورة..

لم تُصبح جميلة بالقبح الذي قد يُنفر منها الناس، لكن جمالها تحول إلى جمال أخر.. جمال عادي وليس جمال استثنائي كما كان.. كان جمالها السابق تُنافس به الفتيات الأخريات في مدرستها وجامعتها ومن حولها من فتيات الجيران والأقارب..

لقد شاء القدر أن يحولها إلى جميلة أخرى بجمال أخر.. وهي إلى الآن غير متقبلة للأمر وكأن حياتها بأكملها قد عبرت وأنقضت!

*****

قرأ مدحت هذه القصة الواقعية التي تحدث في أغلب البيوت المصرية نتيجة الحروق بأنواعها المختلفة.. وجميلة هنا محظوظة لأنها كانت قادرة بشكل ما ماليًا على إجراء هذه العمليات التجميلية الباهظة التكاليف..

ولكنها لم تعتد نفسها أن تكون متوسطة أو عادية الجمال، بل أن تكون "البرينسيس" بين الجميع في جمالها..

في تمام الساعة السابعة، كان لقاء مدحت مع الأستاذ نشأت عبر الإنترنت كالتالي:


حوار الليلة الحادية والثلاثون

- مساء الخير يا مدحت.. كيف حالك اليوم يا صديقي..

- مساء الخير، يا مصدر خيري.. أَتعلم أن بحوزتي اليوم مُفاجآتان؟!

- ما هي الأولىّ؟

- لقد طلب مني مجموعة من الطلاب أن أبدأ معهم دروسًا خصوصية من الأسبوع القادم..

- مُبارك يا صديقي، ولتكن بداية جديدة بعقلية جديدة وتوجه جديد في الحياة.. ولتَهتم بالطلاب قبل المال وسيتذكرك الطلاب والطالبات بالخير طوال عُمرهم بعد أن يصبحوا في مهن مرموقة بفضلك يا صديقي.. وسيتغير مُستقبلك للأفضل عشرات المرات يا صديقي.. وماذا عن المفاجآة الثانية؟!

- لقد تأكدت زوجتي ميرفت اليوم بأنها حامل في شهرها الأول!

- مُبارك يا صديقي.. أَلم أقل لك من قبل؛ إن فكرت في الخير وسعيت في إثره، ستنجذب الخيرات نحوك من كل صوب!

- هذا تأكيد بالفعل على كلامك وبشارة سعيدة على حياتي.. فزوجتي تحاول الإنجاب منذ ثلاث سنوات وها قد حدثت المعجزة بفضلك يا صديقي..

- أنت تستحق الخير يا مدحت بل كل خير..

- سأسمي الطفل راجي إن كان ولدًا، ورجاء إن كانت بنتًا.. ولكن زوجتي تشعر شعور أنثوي غريزي غريب بأن الجنين أُنثى!

- ليَعُم الرجاء على كل جهة من جهات حياتك يا صديقي.. لقد أسعدتني وابهجتني جدًا بهذه الأخبار وبهذه النتائج الإيجابية لما قد أنجزناه معًا خلال هذا الشهر.. هنيئًا لك يا صديقي..

- لن أنسى لك هذا الصنيع أبدًا يا نشأت!

- لا عليك يا صديقي.. قُل لي هل قرأت القصة الختامية هذا النهار؟

- نعم يا صديقي، لقد قرأتها وأعجبتني للغاية، وأحزنني عدم تقبل جميلة وعدم تكيفها مع شكلها وجمالها الجديدين..

- لا يحدث هذا مع جميلة وحدها، فهذا دائم الحدوث مع الكثيرين في عالم اليوم.. فغالبًا ما تُصيبنا مصائب الزمن وتقلباته مُغَيَّرة ما أعتدنا عليه من غنى أو منصب أو جمال لما هو أدنى بل وأحقر أحيانًا! هذا الانحطاط يُصيبنا بالكآبة والشعور بالنهاية والانتهاء، ونشعر حينئذ بعدم الرغبة في مواصلة العيش.. مع أن هذه فرصة لعيش حياة جديدة بإمكانيات ومُقدرات جديدة وسيناريو جديد مما قد يُسعدنا أكثر كثيرًا من السيناريو الذي كنا نعيش فيه..

ولكن يجب أن يَسعى المُصاب أن يَقبل برضا هذه التحولات في حياته حتى تنبع السعادة من داخله مُنيرةٌ وجهه ومن حوله بالبهجة والفرح..

- وهذا ما أصبحت عليه يا صديقي العزيز نشأت بعد ما بدأت أتقبل حياتي بكل عيوبها قبل مُميزاتها، والفضل كله يرجع إليك في كل خير حل بي.. فليكافئك الله على كل خير تفعله للناس يا صديقي.

دَمعت عيني الأستاذ نشأت وقال لصديقه:

- أنا سعيد جدًا بك يا مدحت.. ولتسعد دومًا يا صديقي! وسأتركك الآن! ولا تنسى انتظاري في تمام الساعة الخامسة مساءً غدًا.

- نومًا هنيئًا يا أصدق صديق عرفته..


اللقاء الرابع


في تمام الساعة الخامسة مساءً يوم الأحد، ضرب الأستاذ نشأت بوق سيارته الخاصة الفارهة، فنزل مدحت أولًا ثم زوجته، ومعها باسم الصغير، وبجانبهما الأنسة الدكتورة أمل صُبحي..

انبهر الأستاذ نشأت بالجمال الآخاذ وفتح باب السيارة الخلفي لتدخل السيدة ميرفت ثم الدكتورة أمل ومعها الصغير باسم.. ولم يستطع الأستاذ نشأت أن يُشيح ببصره بعيدًا عنها فقال لها:

- سعدت بلقاءك يا دكتورة أمل

- أنا الأسعد يا أستاذ نشأت..

ركب مدحت بجانب صديقه في السيارة.. وقاد الأستاذ نشأت السيارة إلى الفندق الذي حجز فيه مُسبقًا مكانًا خاصًا لهما في مطعمه.. وكان من حين لأخر ينظر في المرآة الخلفية لُيملي عينيه من جمال هذه الفتاة، ثم ينظر إلى الأمام في طريقه نحو المستقبل الذي بدا يتسم ببوادر الخير والجمال والسعادة والرجاء...


.......انتهت الرواية..........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |