الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-قرآن العراق-والثورة التشروعشرينيه الناطقة؟/1

عبدالامير الركابي

2023 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تبدأالمحطة التدميرية الافنائية الاولى، الالية الاوربيه، مع الحضور البريطاني المباشر، وسوء حظ الحمله العسكرية الذي جعلها تدخل العراق من الفاو جنوبا، لتصعد مخترقة العراق ومنطقة امانه التاريخي الذي لم يسبق ان عرف اية عملية اختراق، على تعدد الانصبابات السلالية خلال تاريخ هذا المكان، من الشرق والغرب والشمال، حيث الجبال الجرداء والصحاري، مقابل ارض الخصب في مابين النهرين، ماقد اثار، على عكس لو ان الحملة جاءت من جهة ايران، او سوريا واستقرت في العاصمة بعد ازالة العثمانيين منها، ماكانت تفعله الجماعات المتعاقبة على حكم العاصمة الامبراطورية المنهارة من عام 1258 يوم دخول هولاكو اليها، الى القرن العشرين، وبدايته عام 1914 ،مع اختلاف نوع الاحتلال الجديد نوعا تسلحيا وتنظيما، ماكان من شانه استثارة اول ثورة لاارضوية حديثة، كان المنطقي ان تنطق بدالة المعادلة المعاشة، اصطداما "الطوب احسن لو مكواري" بمعنى التغلبية النوعية ممارسة، مع دلالتها على مستوى الخلفية غير المنطوق عنهاحتى حينه.
الا ان الاختراقية الاستثنائية، والتي استمرت صعدا الى بغداد على مدى ثلاث سنوات، لم تكن كما سيتبين يومها حالة الاستثناء الوحيده في لحظتها، اذ سرعان ماتبين ان الحضور الانكليزي هو نقطة ولحظة انقلاب تاريخي، باحتساب المرحلة التي يعيشها هذا الجزء من المعمورة نوعا، كماعلى صعيد الممارسة، مع ان الاحتلال البريطاني هو استكمال لذات الالية الغالبة على الوضع العراقي منذ انهيار الدورة التاريخيه الثانيه، حيت التعاقبية البرانيه على بغداد الخربة الباقية من الزمن الامبراطوري. سوى ان المحتل الجديد اختلف اليوم عما كان سبقه من محتلين تعاقبوا على المكان برانيا، فالطاريء الجديد يمتلك من الوسائل مايجعله ينتقل من مجرد احتلال شبح لعاصمة منهارة، الى الالغاء الافنائي، وهو مالم يكن متوفرا لغيره، فهو احتلال ابعد من عسكري، يطاول الكينونه والنموذجيه، ويقوم اصلا على فرضها وتسييدها على سواه، مرتكزا لكل مامتوفر له من امكانات غير عادية، انقلابيه، جوهرها التحول الالي ومعه البرجوازي، الامر الذي له وقع مختلف على غيره من المواضع التي لم تعرف ذات التحول على مستوى المعمورة.
وهكذا نكون قد دخلنا عالما من الاصطراعية الافنائية المتبادلة، لامجرد حالة استعمار وسيطرة عادية، وهنا اكتسبت وقتها التشكلية الراهنه، او الدورة الانبعاثية الرافدينيه الثالثة دلالة مختلفة عن الدورتين الاولى والثانيه، بينما احتلت الفترة من القرن السادس عشر تاريخ بدء الانبعاث الحالي، مكان مغادرة الطور اليدوي من التاريخ التصيري المجتمعي، لتدخل اليوم، ومع القرن العشرين طور الفبركة البرانيه الالية، مايضعها امام اشتراطات البدئية الثانيه، بعد البدئية الاولى السومرية البابلية الابراهيمه، والدورة الوسيطة العباسية القرمطية الانتظارية.
وحيثما تصل طلائع الانقلابيه الالية وانتكاسها المفهومي التصوري، فان مايغدو مطروحا من يومها هو الاعقالية الثانيه، بمعنى الاكتمال المجتمعي الضروري، مابعد الطور اليدوي من التاريخ المجتمعي، الامر الذي يفترض بالازدواجية اللاارضوية الاضطلاع فيه بدور فاصل وحاسم، وبما ان المجتمعية مكتوب لها ان تجتاز طورين، الاول يدوي والثاني آلي، فان مسالة الاعقال المواكب لكل منهما تتخذ شكلين وصيغتين، ليس من اختصاص المجتمعية الارضوية الاحادية الاضطلاع بهما، بالاخص في الطور الثاني وبداياته التي تنشأ وقتها في اوربا التي فيها تنبثق الالة، مايجعل من الصدام الالي الاوربي مع الكيانيه الكونية الازدواجية الرافدينه عملية استكمال ضروري، منطوية علي دفع اليات تحقق الاعقالية الثانيه بصيغتها مابعد التوهمية الاوربية التي هي الجزء اليدوي من الانتقال الالي.
وتنقلب فجاة وفورا محركات الاعقالية الثانيه مع عام 1920 على وقع الثورة اللاارضوية الاولى غير الناطقة، الامر الذي ماكان واردا في الفترة البرانيه بعد القرن السادس عشر، حين اقتصرت عملية التشكل وقتها على الحضور بلا نموذج كيانوية مفروض، وبالتداخل مع الاشتراطات السائده القبلية منها والانتظارية، من دون نزوع الى التجسد لاارضويا، وحين تبلورت اسباب بدء التشكل وقتها في ارض سومر نفسها، فان القبائل الثلاث التي شكلت "اتحاد المنتفك" ذهبت الى خارج المكان جنوبا لتستعير" قيادة" يفترض انها شكلية، وضرورة للتغطية على الحقيقة اللارضوية المشاعية المساواتيه التي لاتنتج من داخلها تمايزا في الملكية والسلطة، وهو ماقد استمر ساريا حتى القرن الثامن عشر بعد الثورة الثلاثية عام ،1787 لتنقلب القبائل الجنوبيه الى التشيع لاسباب بنيوية استدعتها اللحظة، بعدما تبين من ميل آل شبيب الى الكيانية السلطوية، مع مطالبتهم مع زخم الثورة، بولاية بغداد، مااوحى باحتمالية تكريس الكيانيه التغلبيه التي هي من طبيعة القبلية التي ينتمي لها ال شبيب.
وهكذا انتهت في حينه عمليا الفترة، او الحقبة القبلية من تاريخ التشكلية اللاارضوية، لتحل محلها الفترة الانتظارية مع تبلور القيادة النجفية كدولة لادولة مدينه، لاتحتكر السلاح، بل تنغمس في البحر القبلي المساواتي بالاجتهاد والتقليد والحوزة، مع التماثل مع محيطها بنية وممارسة، بالاخص من حيث التراتيبه الاجتهادية، وكيفيات تحققها المشابه لشكل الانتخابية ضمن نظام المشيخه، وطريقة اختيار الشيخ المشاعي خارج الوراثية، وبالاختيار العام وفق مبدا "الصيته" التي عادة ماتضطلع به المراة واشعارها بحق مبرزي القبيله بضوء المنجز، مع تساوي الوسائل بين البرانيه المستقرة في بغداد، والقبيلة المسلحة نفس تسلح الحكم مع تطوره المتاخر، ففي احدى الانتفاضات ضد المماليك استخدمت العشائر مع بداية القرن الثامن عشر في 1708 المدفع، وكانت قابلة لان تستخم مدفعية الشعر، كما يوم قتل سالم قائد معركة جرت قرب الكوت، استخدم الاتراك فيها المدفعية، بينما كانت الجمال المنتفجية مغلقة الاذان بالزفت والقطن، وما ان انتهت المعركة حتى قالت احدى الحرائر المنتفجيات "سالم ياغرنوك.. طاسة وخذوها الروم.. بيش احلب النوك؟" كصوت ملحمي كاف لازالة كل اثار الهزيمة وتحويلها الى شعور ثاري بركاني، سرعان ماكان يتجدد بلا توقف ولا كلل.
اليوم يرفع الانكليز مقتله من صنف مختلف، اسمها الكيانية المفبركة، و في قلبها "الدولة" مثل طعنه متاخرة في احشاء ثورة العشرين، يتبعها اختلاق لما ينتمي لعالم الاقطاع المصطنع مما لم يعرف ابدا في التاريخ المساواتي المشاعي اللاارضوي، لا هو ولا نموذج الدولة "الوطنية" والكيانوية المحلوية، وهو مايضعنا امام طور براني افنائي، عنده ومعه كان من المفترض ان تختبر عقلا وادراكا، المسالة الازدواجية والتباينيه الاصطراعية النمطية ضمن الوحدة التي هي خاصية مجتمعية لارض مابين النهرين، ومع كل ماتسنى للاحتلال البريطاني من عناصر الغلبة والتسيد النموذجي والمفهومي، مع الحضور المباشر، فان واقع الازدواج واللاارضوية ظل حاضرا وفاعلا بقوة، وبما يعادل ويفوق الطاقة الافنائية البرانيه الجديدة.
ويظل مستغربا بالطبع كيف ان ابناء البلاد، ومن هم بموقع الاعقالية المفترضة، قد فاتهم كليا وتماما، الانتباه الى ان ارضهم وبلادهم لايحكمها مثال عبقرية القول بالتصارعية البدوية الحضارية، بالاخص حضاروية العثمانيين او حتى الخروف الاسود والخروف الابيض، بمقابل لاحضارية اهل المنتفك، او الخزاعل، او النجف، وفيهم اعظم شاعرة في التاريخ البشري " فدعة" واسطورة كلكامش الحديثة ( حمد ال حمود وحسين الصويح والراوية فدعه) هذا ناهيك عن نوع العبقرية البرانيه "الطبقية"، والاثنتان مما يثير الشفقه معرفيا، وعلى صعيد المقاربة المفترضة لعمل العقل بالحدود الدنيا(1).(!)
هذا بينما كان لابد ان يرد السؤال عن السبب في تكرار الاستقلالية غير الكيانيه ابان الزمن العباسي، مع منجزها الثر، القرمطي الاسماعيلي، التشيعي الخوارجي، الحلاجي المعتزلي، الاخوان صفائي، مع تقعيد اللغة والشعر، الذي عم العالم الشرق متوسطي المغربي كفتح ثان مابعد جزيري، او خلال الدورة التاريخيه الاولى، مع ذكر كوراجينا اول من نطق بكلمه (الحرية/امارجي) في شريعه مكتوبة، مع كل حقوق الانسان والمضطهدين، وسلسلة الاباء الانبياء الملوك منهم(2) مع كل تاريح مايعتبره الغربيون "ديمقراطية بدائية" ظلت تتمتع باستقلالها الفعلي وقيمها، بحيث يحايث على سبيل المثال مثال، نوع ظاهرة خاصة لامثيل لها، / المدينه الامبراطورية المحصنه المنعزلة، او الهاربة من مجتمعها(2)/ وهو مالاوجود له في اي مكان في العالم، وتكرر هنا بكل وضوح في حالتين تاريخيتين كبريين متماثلتين، هما بابل عاصمة العالم القديم، وبغداد عاصمته الوسيطة ماقبل الالية، هذا سوى مالايحصى من الدلائل، منها وابرزها التناوبيه التي لاتخطئها العين المجرده، مابين الدورات الصعودية الامبراطورية الاكوانية، والانقطاعات والغيابات، كلازمه وقانون دال على مايتعدى النمط المحلوي الكيانوي "الوطني" على المنوال المصري النيلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المثالان الابرز والاعلى تمثيلا لصنفهما المجافي للحقيقة البنيوية التاريخيه هنا، هما بلا شك، علي الوردي، وحنا بطاطو.
(2)راجع خزعل الماجدي/ انبياء سومريون: كيف تحول عشرة ملوك سومريون الى عشرة انبياء توراتيين/ المركز الثقافي للكتاب.
(2) يرد في مادة "بغداد"في / كتاب دائرة المعارف الاسلامية "15"/ كافتتاح( " بغداد": حاضرة العراق ( بابل) في الوقت الحاضر/ قبل القول :" ان السفاح اول خلفاء بني العباس قد اتخذ مقره على ضفتي الفرات فلم يختر البصرة او الكوفة، وهما المدينتان الكبريان اللتان كانتا موجودتين منذ الفتح الاسلامي الاول للعراق. وبديهي ان هذا لم يات عفوا، فقد كان اهل الكوفة نزاعين الى الشغب هواهم مع العلويين، اما البصرة فكانت لاتصلح حاضرة للدولة بالنسبة لموقعها في الجنوب، ولذلك فضل السفاح الهاشمية بالقرب من الانبار. وشيد خلفه المنصور مقرا له بهذا الاسم على مقربة من الكوفه، ولكنه سرعان ماتخلى عنه لانه كان مجاورا للكوفة البغيضه الى نقسه لتعصبها للعلويين، وبحث المنصور عن مكان جديد يصلح مقرا لحكمه وجنده، واختار اخر مرة بقعة على دجله فوق مصب نهر عيسى" هذا مايقوله شترك، اما عبدالعزيز الدوري فيقول في معرض الحديث عن خلفيات بناء بغداد: "وحول العباسيون انظارهم الى الشرق وراحو يبحثون عن عاصمة جديده ترمز لدولتهم، فانتقل السفاح او ل خلفاء بني العباس من الكوةفة الى الانبار، وانتقل المنصور الى الهاشمية بالقرب من الكوفة ، بيد انه سرعان ماادرك ان الكوفة النزاعة للشغب، والمتعصبة للعلويين، لها اثر سيء على جيشه، وفي الوقت نفسه كان من السهل اقتحام الهاشمية كما ثبت من فتنة الراوندية( انظر ياقوت، ج1، ص680 ـ 681، الطبري، ج3، ص 271 ، 272، الفخري، طبعة القاهرة، ص 143) ومن ثم اخذ يبحث عن موقع استراتيجي"/ دار الكتاب اللبناني/ مكتبة المدرسه./ يقلم اشترك ـ عبدالرزاق الحسني ـ عبدالعزيز الدوري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران