الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول النقد والنقاد!

فاطمة الحصي

2023 / 5 / 17
الادب والفن


عكفتُ في الفتره الماضيه على قراءة بعض الإنتاج الأدبي الجديد بدأته  بمجموعة قصصيه للكاتبه المصرية نجلاء علام "سيرة الحب "ثم بأحدث روايات الكاتبه المصريه سلوى بكر  "فيله سوداء بأحذيه بيضاء "  ثم "بلاد الطاخ طاخ " للكاتبه العراقيه إنعام كي جي  وهي مجموعه قصصيه أقرب إلى السرد الواقعي وأخيرا ختمتُ برواية كاتيوشا للكاتب المصري وحيد الطويله ..

وبقدر استمتاعي بهذه القراءات البديعه والمختلفه بقدر اندهاشي من عدم وجود قراءة نقدية موسعة ومتخصصة لأي من هذه الكتابات. 

والحق أنه كثيرآ ما ينتابني الإستياء لا لشئ إلا لترك هؤلاء الكتاب كالذي (يؤذن بمالطه). فما أجمل أن يتم قراءة كاتب ،لأن القراءة في حد ذاتها هي الهديه الحقيقية التي يمكن أن نمنحها للكاتب، أن يُقرأ ويُنقد سلبا أو إيجاباً؛ أن يشعر أنه مسموع ومقروء ومرئي .

حديثي هذا يذكرني بكلمات أغنيه تغنى بها  المبدع المصري علي الحجار ؛ هذه الجمله المعبره  بالعامية المصرية هي:(لحني الجميل مش لاقي حد يسمعه)..

هكذا أيضاً الكاتب ،يستمد الهمَه لإستكمال ما يود كتابته من صوته المسموع وكلماته المقروءه،ولهذا نجد أن الإكتئاب النفسي ملازماً لأصحاب الأقلام ،فإذا ما تمت قراءة الكاتب  الحقيقي ونقده نقدا حقيقيا منصفا ،أيا ما كان إنتاجه ؛ حينها فقط  يشعر بأنه موجود،و كديكارت الذي قال "أنا أفكر اذن انا موجود "يصرخ الكاتب "أنا قُرأت إذن أنا موجود!" 

 الرغبه في أن يكون لك قارئ منصف لا تقل أبدا عن الرغبه في أن يكون لديك ناقد منصف؛وهذا بالضبط ما نفتقده الآن في هذا الوقت ،أن يكون هناك من يقرأ انتاجك ويقدم نقدا بعيدا تماما عن المجاملات وفي نفس الوقت يبتعد أيضا عن التجريح ،وفي هذا الشأن يذكر الشاعر والروائي المصري أحمد الشهاوي في شهادته عن الدكتور صلاح فضل بجريدة الدستور عدد السبت 10ديسمبر 2022 قائلا :"كان درس صلاح فضل النقدي هو الأول لي في حياتي الشعرية ؛ ولذا أعتزُّ به ، ولا يغيبُ عنِّي أبدًا ، ودائمًا ما أردِّده وأعيدُه ، كأنني أذكِّر نفسي به ؛ كي لا أحيدَ عن المسار الذي رأيتُ نفسي فيه" ؛ واعتبر الشهاوي أن  "فضل" فتح له الطريق فيقول :"كانت كشفًا للرؤية ، وحدسًا بما هو آتٍ ، شرط الاهتمام بالتكوين الثقافي والمعرفي ، من دون التعويل على ما هو عرفاني وحدسي وفطري فقط ، مبتعدًا عن الهُتاف والمباشرة ." 




كم نفتقد النقد العلمي الممنهج،وليس أحوج من الكاتب إلى هذا النوع من النقد. والمؤسف تحول النقد إلى القراء وهو كرم بالغ منهم لأنهم يلعبون دورا ليس دورهم إذ يحرص القارئ الآن على توثيق قراءته لكتاب ما وتقديم رؤيته الخاصه عن ما قرأ،ولكن هذا ليس كافيا للكاتب،فالكاتب الحقيقي بحاجه إلى نقاد حقيقين يستلون أدواتهم الخاصه لتشريح عمله وتوجيهه إذا لزم الأمر لكن بشرط المصداقيه والحياديه ،فأين نحن من هذا الآن،وكيف تستريح أرواحنا إلى هذه الصيغه وهى تسليم الكاتب إلى القارئ والاكتفاء بذلك ،فإذا ما حققت الروايه أوالقصه القصيره أو أيا كان نوع الكتاب نجاح وصدى أو نسبة مبيعات مرتفعه ترتفع قيمة الكاتب ؛ إن هذا ليس سوى انحدار ليس بعده انحدار ،كما أنه يجعلنا نستسلم لنسبة الربح والحسابات الرأسماليه فقط ويجعلنا ننسلخ تماما عن العمل الجيد ونبتعد عنه فيتوه كما تتوه اللالئ في ظلمات البحار . 

والمؤسف أن عدد القراء كثرُ ولكن قله منهم من تقرأ قراءة تحليلية وتتعمق فيما تقرأ؛ وكم هو مؤسف للغايه ألا تنال كتابه أدبية راقيه حظها من الإهتمام من قارئِ واعٍ نراهن جميعا على وجوده. 

و من المنصف أن تتم قراءة الأعمال الأدبيه للكاتب قراءه تحليليه جيده، إذ أنه مادمت بدأت في العمل الإبداعي أو الفكري فأنت بحاجه شديده إلى أن تشعر أنك قُرأت ،كالرغبه في أن تُرى.وأن يستمع أحد إليك بإهتمام ،وأن يحبك المحبوب ،هى عمليه تبادليه بإمتياز: أنا أكتب وأنت تقرأ أو العكس،اذ ما العمل لو أنني أكتب ولا أحد يقرأ ،لو أنني أتكلم ولا أحد يستمع إلى كلامي ،الكتابه إذن عمودها أن يقرأني الناس حينها فقط سأشعر بالتحقق . 

واللافت أن الروايه المصريه على سبيل المثال في حالة مخاض دائم ينتج عنها غالبا إصدارات جيده ،وفي ظني أن الجيل الذي على السطح الآن محمد المنسي قنديل ،وحيد الطويله ،ميرال الطحاوي، طارق إمام ،على سبيل المثال لا الحصر يحتاج بشده إلى جيش من النقاد لتوضيح الرؤية وتصويب الاتجاه؛وعلى سبيل المثال :هل يمكن اعتبار كل من ذكرتهم لاحقا من المبدعين جيلا واحدا أم أنه علينا تقسيمهم إلى أكثر من جيل  حسب السن ونوعية الأعمال الى آخر تلك التقسيمات ؟! و لماذا لا يتم الإعداد لدراسات حول إنتاج هذا الجيل ، مع العلم أن  وفاة بهاء طاهر تجعل صفحة من جيله تُغلق ؛فهل سنظل نبكي على أطلالهم؛ كما كانوا يبكون على أطلال جيل نجيب محفوظ ! 

د.فاطمه الحصي*   










عكفتُ في الفتره الماضيه على قراءة بعض الإنتاج الأدبي الجديد بدأته بأحدث روايات الكاتبه المصريه سلوى بكر  "فيله سوداء بأحذيه بيضاء "  ثم "بلاد الطاخ طاخ " للكاتبه العراقيه إنعام كي جي  وهي مجموعه قصصيه أقرب إلى السرد الواقعي وأخيرا ختمتُ برواية كاتيوشا للكاتب المصري وحيد الطويله 

وبقدر استمتاعي بهذه القراءات البديعه والمختلفه بقدر اندهاشي من عدم وجود قراءه نقديه موسعه ومتخصصه لأي من هذه الكتابات. 

وكثيرآ ما ينتابني الإستياء لا لشئ إلا لترك هؤلاء الكتاب كالذي (يؤذن بمالطه). فما أجمل أن يتم قراءة كاتب ،و هذه القراءة في حد ذاتها هي الهديه الحقيقية التي يمكن أن نمنحها له ، أن يُقرأ ويُنقد سلبا أو إيجاباً؛ 

يذكرني ذلك بكلمات أغنيه تغنى بها علي الحجار بها هذه الجمله المعبره :(لحني الجميل مش لاقي حد يسمعه، هكذا أيضاً الكاتب ،يستمد الهمَه لاستكمال ما يود كتابته من صوته المسموع وكلماته المقروءه،ولهذا نجد أن الإكتئاب النفسي ملازماً لأصحاب الأقلام ،فإذا ما تمت قراءة الكاتب  الحقيقي ونقده نقدا حقيقيا منصفا ،أيا ما كان إنتاجه ؛ حينها فقط  يشعر بأنه موجود،و كديكارت الذي قال "أنا أفكر اذن انا موجود "يصرخ الكاتب "أنا قُرأت إذن أنا موجود!" 

 الرغبه في أن يكون لك قارئ منصف لا تقل أبدا عن الرغبه في أن يكون لديك ناقد منصف؛وهذا بالضبط ما نفتقده الآن في هذا الوقت ،أن يكون هناك من يقرأ انتاجك ويقدم نقدا بعيدا تماما عن المجاملات وفي نفس الوقت يبتعد أيضا عن التجريح ،وفي هذا الشأن يذكر الشاعر والروائي المصري أحمد الشهاوي في شهادته عن الدكتور صلاح فضل شيخ النقاد  بجريدة الدستور عدد السبت 10ديسمبر 2022 قائلا :"كان درس صلاح فضل النقدي هو الأول لي في حياتي الشعرية ؛ ولذا أعتزُّ به ، ولا يغيبُ عنِّي أبدًا ، ودائمًا ما أردِّده وأعيدُه ، كأنني أذكِّر نفسي به ؛ كي لا أحيدَ عن المسار الذي رأيتُ نفسي فيه" ؛ معتبرا أن  فضل فتح له الطريق يقول :"كانت كشفًا للرؤية ، وحدسًا بما هو آتٍ ، شرط الاهتمام بالتكوين الثقافي والمعرفي ، من دون التعويل على ما هو عرفاني وحدسي وفطري فقط ، مبتعدًا عن الهُتاف والمباشرة ." 




كم نفتقد النقد العلمي الممنهج،وليس أحوج من الكاتب إلى هذا النوع من النقد. والمؤسف تحول النقد إلى القراء وهو كرم بالغ منهم لأنهم يلعبون دورا ليس دورهم إذ يحرص القارئ الآن على توثيق قراءته لكتاب ما وتقديم رؤيته الخاصه عن ما قرأ،ولكن هذا ليس كافيا للكاتب،فالكاتب الحقيقي بحاجه إلى نقاد حقيقين يستلون أدواتهم الخاصه لتشريح عمله وتوجيهه إذا لزم الأمر لكن بشرط المصداقيه والحياديه ،فأين نحن من هذا الآن،وكيف تستريح أرواحنا إلى هذه الصيغه وهى تسليم الكاتب إلى القارئ والاكتفاء بذلك ،فإذا ما حققت الروايه أوالقصه القصيره أو النوفيلا أو أيا كان نوع الكتاب نجاح وصدى أو نسبة مبيعات مرتفعه ترتفع قيمة الكاتب ؛ إن هذا ليس سوى انحدار ليس بعده انحدار ،كما أنه يجعلنا نستسلم لنسبة الربح والحسابات الرأسماليه فقط ويجعلنا ننسلخ تماما عن العمل الجيد ونبتعد عنه فيتوه كما تتوه اللالئ في ظلمات البحار . 

والمؤسف أن عدد القراء كثرُ ولكن قله منهم من تتقرأ قراءه تحليليه وتتعمق فيما تقرأ.؛ كم هو مؤسف للغايه ألا تنال كتابه أدبية راقيه حظها من الإهتمام من قارئِ واعٍ نراهن جميعا على وجوده. 

من المنصف أن تتم قراءة الأعمال الأدبيه للكاتب قراءه تحليليه جيده، إذ أنه مادمت بدأت في العمل الإبداعي أو الفكري فأنت بحاجه شديده إلى أن تشعر أنك قُرأت ،كالرغبه في أن تُرى.وأن يستمع أحد إليك بإهتمام ،وأن يحبك المحبوب ،هى عمليه تبادليه بإمتياز: أنا اكتب وأنت تقرأ أو العكس،اذ ما العمل لو أنني أكتب ولا أحد يقرأ ،لو أنني أتكلم ولا أحد يستمع إلى كلامي ،الكتابه إذن عمودها أن يقرأني الناس حينها فقط سأشعر بالتحقق . 

واللافت أن الروايه المصريه على سبيل المثال في حالة مخاض دائم ينتج عنها غالبا إصدارات جيده ،وفي ظني أن الجيل الذي على السطح الآن محمد المنسي قنديل ،وحيد الطويله ،ميرال الطحاوي، ، طارق إمام ،على سبيل المثال لا الحصر يحتاج بشده إلى جيش من النقاد لتوضيح الأمور ؛فمثلا :هل يمكن اعتبار من ذكرتهم هنا  جيل واحد أم يمكننا تقسيمهم الى أكثر من جيل  ؟! و لماذا لا يتم الإعداد لدراسات حول إنتاج هذا الجيل ، مع العلم أن  وفاة بهاء طاهر تجعل صفحة من جيله تُغلق ؛فهل سنظل نبكي على أطلالهم؛ كما كانوا يبكون على أطلال جيل نجيب محفوظ ويوسف ادريس ؟اليس من الواجب الالتفات لما بين أيدينا لقراءة إنتاجهم ونقدهم نقدا حقيقيا بناءا على أسس علميه؟ 

*كاتبه وأكاديميه من مصر  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث