الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناس إلى أشباهِهِم أَمْيَل

وليد الأسطل

2023 / 5 / 18
الادب والفن


كثيرا ما حاضرت وخطبت وألقيت دروسا في كثير من مساجد باريس وما جاورها، ولي دروس ومحاضرات منثورة على اليوتوب حتى الساعة. كنت إذاك أنتمي على مستوى المنهج إلى جماعة لا أود ذكر اسمها. وأورد هنا على سبيل تعداد نعم الله علي وليس من باب المفاخرة والمباهاة أن كثيرا من الإخوة كانوا يتخلفون عن دوامهم اليومي كي يحضروا دروسي ومحاضراتي، ومن لم يتمكن منهم من أن يشهد الدرس، كان يرسل زوجه كي تسجل له المحاضرة.

حدث أني كنت ألقي دروسا أسبوعية في أحد المساجد الواقعة تحت إدارة هذه الجماعة. ومن بين الوجوه التي كان يصافحها بصري دائما خلال القائي الدرس، رجل وقور، يحضر وينصت باهتمام. غير أن إدارة المسجد استهجنت حضور هذا الشخص لدروسي، كونه ينتمي إلى جماعة أخرى لها منهج مختلف عن منهجنا، ولم يسبق له أن جلس ينصت لمحاضرين انهج وإياهم ذات المنهج.

وفي يوم من الأيام أنهيت الدرس، وحين هممت بمغادرة المسجد، أدركني هذا الرجل، فصافحني وهش وبش لي، ثم سألني أن يرافقني إلى موقف السيارات، فرحبت بذلك. ثم عرفني بنفسه وأنه أستاذ جامعي في مادة الرياضيات.
وبعد أن مشينا بضع خطوات، كف عن السير، وخاطبني قائلا: كثيرا ما سمعتك تحيل إلى الكتاب الفلاني والكتاب الفلاني ، والشيخ الفلاني وسواه من المشايخ الذين تتبنى وإياهم ذات الأفكار، وهي أفكار تتبناها إدارة هذا المسجد، ولكن على الرغم من هذا أنا متأكد أن إدارة هذا المسجد ستكف عن استدعائك للمحاضرة وأحسب أن هذا سيحدث قريباً.

سألته: لم تقول هذا؟ وكيف تجزم بوقوعه؟

أجابني إجابة لن أنساها ما حييت، قال: لأن بينك وبينهم هوة ثقافية شاسعة.

وفعلا، حدث بعدها ما قاله تماما.

حادثة أخرى:
عندما عزمت على ترك إنجلترا والإستقرار نهائيا في فرنسا، قررت أن أحسّن مستواي في اللغة الفرنسية التي كنت اتكلمها وأفهمها منذ طفولتي، فاتجهت إلى معهد للغات، ولأنني تخلفت عن الموعد المحدد للتسجيل طلبت مقابلة مدير المعهد بغرض أن يترخص لي ويتجاوز عن مسألة تخلفي عن الموعد المحدد للتسجيل. وقد تسنت لي مقابلته، وتلقاني بالترحاب، وقال: سأمنحك ١٠ دقائق لتحدثني فيها عن نفسك، بعدها سأقرر إن كان لدينا ما يمكننا أن نمنحك إياه. ولحسن حظي أنه من عادتي أن أزوّر كلاما في نفسي كلما هممت بالتوجه إلى إدارة من الإدارات أو إلى لقاء شخص مهم.

تكلمت ١٠ دقائق، وحين كففت عن الكلام، نظر إلي المدير مبتسماً وقال: لقد استمعت إليك جيدا. أولا، أود أن اخبرك، أنه يمكنني أن أقوم بتسجيلك رغم تخلفك عن موعد التسجيل. وثانيا: أعترف لك أني مدير هذا المعهد منذ ١٥ سنة ، وخلال هذه الفترة لم أقابل غير شخصين يمتلكان ثقافة عالية، و هما: أنت وشخص آخر بلغاري. من هنا يحزنني أن أخبرك أنه ليس لدينا ما يمكننا أن نقدمه لك، أما إذا أردت أن ترفع مستواك في اللغة الفرنسية فلي أن أصلك باصدقاء لي، يمكنهم أن يمنحوك دروسا خصوصية.
أجبته: لا أرى في كوني شخصا مثقفا ما يشكل مصدر إزعاج لك ولمؤسستك.
رد علي بالتالي: إن قبلتك في معهدي سيبغضك الجميع بسبب ثقافتك، وسيتفصد عن بغضهم لك مشاكل، وأنا لا أريد مشاكل داخل مؤسستي.

إن قوله: سيبغضك الجميع، لا زال يرن في أذني إلى الآن، وكثيرا ما أستشهد به:

Ils vont tous vous détester

وأخيرا أود أن أنتهي إلى ما عنونت به هذه المادة:

"الناس إلى أشباههم أميل."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم


.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في




.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش