الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


Moebius2013 (كيم كي دك):الأوديبية التي تتحرك من خلف الظل

بلال سمير الصدّر

2023 / 5 / 19
الادب والفن


تشير المعاني التي بحثنا عنها على الشبكة العنكبوتية مع محاولة للتقريب بينها وبين معنى العنوان:
متلازمة موبيوس،هي حالة عصبية نادرة تؤثر بشكل أساسي على العضلات التي تتحكم في تعبيرات الوجه وحركة العينين،وعلامات واعراض هذه الحالة موجودة منذ الولادة.يعد ضعف عضلات الوجه أو شللها من اكثر السمات شيوعا لمتلازمة موبيوس...
وأحد المعاني الأخرى وهي التي بوجهة نظرنا الأقرب مع الاخذ بعين الاعتبار أحداث الفيلم هذا اولا،وثانيا بالنسبة لتشكيل سينما كيم كي دك بشكل عام....Moebius Strip
هي في الأساس حلقة لانهاية لها،وهي الحلقة التي تمنع اي تطهير للعواطف بغض النظر مهما حاولت أكثر وأكثر...سنعود ونعرج على هذا المعنى خلال مراجعتنا للفيلم:
الفيلم صامت ولن ينطق بأي كلمة،فهو في هذا الأسلوب مطابق لفيلم (ثلاثة أقنعة-3Iron) ومن الممكن القول -ربما في اشارة بعيدة الى ما اراد كيم كي دك قوله
-إنه نكوص الى عهد بعيد كانت فيه السينما ذات مرة صامتة،وان كانت السينما في تلك الفترة استخدمت اللوحة المكتوبة على الشاشة-كما استخدمها غودار لغايات ثورية-فكيم كي دك يستخدم نفس التقنية من خلال الاشارة الى صفحات الانترنت لتوضيح بعض الأمور في الفيلم.
ولكن وحسب ما نرى،فدك أرداد استخدام التعبيرات البشرية لقصة ليست كما تبدو عن عنف عائلي مؤطر بالجنس،بل هي عن الموضوع القديم الأثير نفسه بل الأقدم من الانسان نفسه ألا وهو الجنس نفسه.
والخلطة التعبيرية لن تكون ذات اهمية كبيرة في هذه الاحتفالية عن الانسان وقسوته وقسوة شهواته إذا نظرنا الى العمق البعيد في الحكاية التي هي عبارة عن مكون بشري ليس إلا.
وهنا نشير بقوة الى آرتو ومسرحه الذي كان يعبر عن القسوة بكل معطياتها وبكافة جوانبها ومصادرها الداخلية والخارجية من خلال الحركة-بكل معطياتها هي الأخرى- فقط.
سينما كيم كي دك،هي سينما تنطق بالقسوة،هي سينما طبيعية طليعية فيها الاقتباس واضح من بازوليني ولو من غير قصد أو من باب تبادل الخواطر،ورمزيتها-أي رمزية هذه القسوة-تشير الى القسوة الكونية برمتها منذ بداية تكوين الانسان ونزوله الى الدنيا.
بدأت القصة وانتهت باللاعقلانية،فالمسار الانشائي للانسان قام على كبح الدافع الاناني في داخله ذاته،ومن هذا الكبح انبثقت النظريات الكونية من الدين وحتى الالحاد وبين الايجاب والنفي،وحصل اتفاق بين عدد واضح من الفلاسفة على طبيعة الحياة التي يعيشها الانسان في هذا الكون من حيث التشاؤمية المطلقة في تفسير الوجود والمستقبل والماضي برمته،ثم ظهرت النظرية الأكثر معقولية ولا معقولية في نفس الوقت:اللامعقول،فغودو حتى هذه اللحظة لم يحضر بعد...
والجنس كان احد المكونات الطبيعية لمسار الانسان والانسان نفسه،ومنه مثلا،من الممكن النظر الى حالة انانية قوية جدا في الانسان أساسها الحاجة،ومن ثم تطورت الى الأنانية وحب الامتلاك،فالتاريخ الانساني موصوم بهذه الصفة التابوهية:الجنس
ومثلما قامت نظريات كثيرة على تفسير التاريخ مثل تولوستوي الذي فسر التاريخ بالحتمية،ونيتشة الذي صاغ الجملة الشهيرة:العود الأبدي-وهي جملة ربما أشهر من النظرية نفسها-وماركس الذي فسر التاريخ على طراع الطبقات،وفوكو ايضا الذي فسر التاريخ بناءا على مظاهر السلطة وصعود وسقوط هذه السلطة،ولكن،وهذا السؤال يطرح نفسه بقوة نظرا لموضوع فيلمنا:
هل هناك نظرية قامت على تفسير التاريخ من خلال الجنس،بالحرى لو أردنا أن نوضح أكثر:
تفسير جنسي للتاريخ...؟!
ما اطرحه هنا ليس غريبا أبدا ولايوحي بالنسبة لي أو بالنسبة لأي مثقف بالغرابة أيضا،لأن هذا التاريخ أو هذه النظرية التاريخية موجودة فعلا،وان لم تتبلور على شكل نظرية أخذت مسمى على شكل النظريات التي ذكرناها بالأعلى،ولكن اليس عقدة اوديب نظرية عن تشكل الاساس التاريخي للانسان...؟
ومن ثم،أليس كتاب جورج باتاي-لمن قرأه-الأيروسية هو كتاب أساسه تفسير التاريخ من خلال الايروسية...؟
والهم من ذلك،وهو الأقرب الى موضوعنا،كتاب الطوطم والحرام لسيجموند فرويد،اليس كتابا عن تأويل،أو محاولة تاويل أو تخمين حالةتاريخية أدت الى ظهور الحالة الأغرب في الانسانية:المحارم
واتفق على ذلك كل من باتاي وفرويد...؟!
الوالد متهم بالخيانة الصريحة الواضحة،والأم ترتدي ثياب التوحش المسكونة بالغضب حتى الجنون،والابن المراهق يراقب ذلك ويطالع طبيعة الاتهام غير اضي أبدا ،والعنف الحاصل والدماء نتيجة...
فبعد ان يراقب الابن والده في لحظات حياته تلتقطه والدته وهو يمارس مأساة الجسد-العادة السرية-فتهم بقطع عضوه الذكري وتنجح في ذلك...
طبعا،سيحضر الى الذاكرة على الفور فيلم أوشيما الشهير(فوضى الحواس)،حاصة أن الأب سيشعر بالذنب وسيهم بقطع عضوه الذكري في محاولة ناجحة هي الأخرى...
في بداية الفيلم تتحرك عقدة الاخصاء الفرويدة الى الواجهة ولكنها هنا محرفة،أو دعونا نقول معكوسة تماما،فبدلا من ان يخصي الوالد ابنه خوفا من امتلاك الأم،تقوم الأم بذلك حانقة على الخطيئة الأصلية،ثم تهيم على نفسها في الشوارع لتلاحظ شابا يسجد لبوذا،وهي قبل ذلك أخرجت السكين من تحت تمثال بوذا،فالحقيقة الواضحة هي القسوة وما كان الدين-بكل اشكاله-إلا ليهذب الاصل الانساني وليس ليلغيه،وتبقى القوة في صالح الأصل،في صالح ذلك الاشعاع الداخلي الانبعاثي للانسان.
المراهق يصبح مدعاة للسخرية من شباب الحي بسبب عضوه المبتور،وهو يلاطف سيدة تعمل في متجر والتي تلاطفه هي الأخرى وكانت على استعداد واضح لتهبه نفسها،ولكنه عند الاختيار يهم بالهرب،بينما عندما تغتصب هذه السيدة من ثلاثة شبان يجعل من نفسه المغتصب الرابع،فالحقيقة الواضحة هي الارغام الطبيعي،بينما الاختيار ليس سوى تهذيب،تهذيب مقنع بالكذب الذي اصله النشوء الحضاري....وتستمر الحبكة وكأننا في مبحث باثولوجي بيولوجي حول الانسان واصل الدافع الجنسي لديه-أصول الدافع الجنسي عنوان عريض وكبير لكتاب محمول بالتكرار كتبه ذات مرة كولن ولسن-وكأننا نحلق في دماغ أي من فرويد او باتاي،متخذين من الشخصيات –التي هي ليست عشوائية بالاساس-نماذج تحليلية لمكنونات الرغبة عند الانسان واندفاعاتها،وهل بتر الاعضاء الحميمة عند الانسان كافي لكبح جماح هذه الرغبة،ام ان هذه الرغبة عبارة عن شيء متمثل في الداخل،في الداخل العميق عند هذا المخلوق الانساني الغريب،والاعضاء ليست سوى تفريغ لها،بينما لو كبتت هذه الرغبة ستتخذ اشكالا أخرى،ربما أكثر شذوذا وربما أكثر قسوة لتفريغها،فالكبت هو علة العلة،وما نشأت حقيقة الدكتور جيكل والسيد هايد إلا بسبب هذا الكبت.
هنا،نكرر السؤال:ماذا لو كبتت هذه الرغبة لدى الانسان...؟!
السؤال هنا ليس موجها الى محلل نفسي من امثال كارل يونغ أو سيجموند فرويد او جورج باتاي،بل الموضوع برمته من الممكن القول عنه أنه من وجهة نظر شخص طبيعي أكثر يدعى كيم كي دك.
إذا،فلعنة القضيب تلاحق هذا الفتى،بل تلاحق كلا من الأب والابن ولاحقا المغتصب الأساسي لسيدة المتجر،ولكن الأب-باختصار-يجد رعشته الجنسية من خلال الألم،من خلال الفعل المازوشي الذي يوصله الى نتيجة مرضية،وينقل هذا الحل الى ولده الذي يجد فيه أيضا وسيلة ناجعة لتفريغ الرغبة،حتى يقوم الوالد بالتكفير عن خطأه ويقوم بزراعة عضو جنسي جديد لولده.
القصة اذا نظرنا اليها من ناحية الحبكة تحتاج الى اضفاء شيئا من الموضوعية،ولكن العمدية المتبعة في الصياغة وتلاحق الأحداث تجعلنا نقول ان هذه القصة لاتحلق في عالم الواقع،ولكننال م نقصد أيضا ان نقول أنها تحلق في عالم بازوليني أو عالم آرتو،بل هي تحلق في أجواء كتاب الأيروسية لجورج باتاي،والطوطم والحرام لسيجموند فرويد،اي عالم التحليل التاريخي لنظرية الانسان...
زراعة عضو جنسي جديد...الخطيئة...التطهر...
يهم الشاب بالاعتذار لسيدة المتجر ...تطعنه بسكين في ظهره وهو يقابل هذا الفعل بأن يلمس صدرها العاري...تحرك السكين في جسده لتزيدمن ألمه ولكن ردة الفعل هي الزيادة في نشوته،وبدلا من ان تتحقق الشهوة بالطرق المالوفة العادية،تتحقق من خلال الألم المازوشي من خلال القسوة.
والحالة تتحقق بتمامها عند المغتصب،لأنها-أي سيدة المتجر-تبتر له عضوه الذكري ومن ثم تحقق له رعشته من خلال السكين في ظهره...الرغبة الجنسية مسكونة بشيء سادي لايضمحل إلا بالارتعاش،والارتعاش نفسه قاسي أيضا لأنه مسكون بالموت هو الآخر،والانقلاب-التعاكس-بين الألم والقسوة بين ضدين ليس بالشيء العجيب أو المستغرب،او على الأقل ليس بالشيء الخارج عن المألوف...
نحن في عصر الانسان،يوم أن كانت اللغة شيئا غير موجود،انه الانسان في هذا الزمان وأي زمان آخر،لن تنشأ الحضارة عبرة عن تسامي فرويد أو شيئا من الحد الديني...إنه الانسان الذي لايرغب بالكلام أصلا...أنه الانسان الذي استعاض عن عضوه الجنسي بالألم بتلقائية ومن دون تردد مسبق.
الأوديبية التي تتحرك من خلف الظل...الطوطم والحرام الذي بدأ يعبر عن نفسه
قلنا ان زراعة العضو الجديد لم تفضي الى أي نتيجة تذكر،على انها تتحرك وتظهر بقوة إذا كان الموضوع –الموضوع الجنسي-متعلقا بالأم.
الم تحاول تحقيق لأبنها الرعشة –الاستمناء- ولكن الابن لايتوانى عن اللمس،وهو الشيء الذي سيدفع الأب للغيرة لأنه هو من يمتلك الأم وليس غيره،فالرفض ليس أخلاقيا متعلقا بزنا المحارم-الذي قال عنه جورج باتاي بأنه لغز تاريخي عصي جدا على الحل-بل هو رفض أناني بما معناه امتلاكي،والذي يصيغه دك هنا شيء قريب مما قاله فرويد في الطوطم والحرام،فنتيجة هذه الحالة الامتلاكية-عند فرويد-سيهم الأولاد بقتل الأب تمردا على هذا الاحتكار الانثوي عند الاب،وهو ماسيؤدي لاحقا الى الانبثاق التاريخي لزنا المحارم.
لكن الأب مبتور العضو،فكيف سيمتلك الأم التي تنزع نحو ابنها بدافع الشفقة ليس إلا...؟!
يقتل الأب نفسه بعد ان يقتل الأم،وهو حل شهواني للحالة برمتها،فالامتلاك عند الأب لن يتحقق،والقتل ليس حالة تطهرية بل هو حالة من تاكيد الحالة الأصلية للانسان: الامتلاك
في لقطة مختفية توحي بان الابن بعد ان يطالع مشهد الموت-لأمه ووالده-يهم باطلاق النار على عضوه الذكري،واللقطة توحي بأن هذا الشيء حصل فعلا...ثم نطالع الشاب وهو يسجد لبوذا،نفس السجدة السابقة التي رأتها الام وهي هائمة على نفسها.
قوة الرغبة،والطبيعة البشرية تتمثل بالسكين التي كانت تخبأها الام تحت تمثال بوذا،وان كان بوذا يقدم الحل الروحي التنظيمي لهذه القوة،فربما،أو كما قال دوستيوفسكي:
لو كان الدين غير موجودا لأخترعناه
6/1/2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح