الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العزلة هي الشرط الأنسب لنظام الأسد

راتب شعبو

2023 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


في مارس/أذار 2013 جربت جامعة الدول العربية لأول مرة في تاريخها، وتحت تأثير قوة احتجاجات شعبية عربية غير مسبوقة، وتأثير قوة ضغط خارجي، أن "تحتضن" في قمتها، تمثيلاً لسورية أخرى غير تلك التي يمثلها نظام الأسد، فسمع الرؤساء والملوك والأمراء العرب كلاماً ثقيلاً على نفوسهم من الممثل السوري "معاذ الخطيب" الذي كان قد استقال من منصب رئيس "الائتلاف الوطني" قبل يومين فقط، احتجاجاً على تخاذل العرب أنفسهم والعالم عن دعم الانتفاضة السورية، بحسب تصريحه. وجه "الخطيب" حديثة للزعماء العرب قائلاً "اتقوا الله فلا خير فيكم إن لم تسمعوها، اتقوا الله في شعوبكم وحصنوا بلادكم بالعدل"، وطالبهم بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في بلدانهم. كان هذا صوتاً نشازاً لم تألفه القمم العربية، وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي "تخطئ" فيها الجامعة العربية وتستقبل ممثلاً في القمة لا يشبه بقية الزعماء في فساده وقمعه، فيمتلك لذلك الجرأة على قول كلام كالذي سمعوه في قاعة تكثر فيها مظاهر الفخامة والأبهة ويغيب عنها الصدق والضمير. هكذا كان من الأيسر للجامعة العربية، بعد ذلك، أن تواصل عقد مؤتمرات القمة بمقعد سوري شاغر، على أن تضم صوتاً "شعبياً" لا غاية لهذه المؤسسة أصلاً سوى تغييبه.
يوجد ترابط أكيد بين غياب الصوت الشعبي عن الجامعة العربية المكونة من أنظمة سياسية تقوم على الفساد والقمع والضعف الاقتصادي، وبين قوة حضور وتأثير الصوت غير العربي فيها، فتكون المؤسسة العربية هذه ضعيفة في وجه الخارج. وقد كان مما يدعو للتأمل أن الجامعة العربية التي تريد "احتضان" نظام الأسد لإبعاده عن "إيران"، كما تقول، راقبت مراقبة العاجز زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، الزيارة التي حصلت بين موعد لقاء عمان لوزراء خارجية عرب يمهدون لعودة كرسي سورية إلى نظام الأسد، وبين موعد لقاء وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذي قرر، عقب زيارة الرئيس الإيراني، "استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية". أي أن إيران جاءت تعزز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع نظام الأسد، على الإيقاع المتسارع لخطوات الجامعة العربية من أجل عودة "سورية" إلى الجامعة.
لا ينبغي البحث عن أي تنافر في هذا الواقع. الرئيس الإيراني جاء يحتفل بالانتصار، وقد نشرت جريدة "الأخبار" اللبنانية القريبة من النظامين الإيراني والسوري، في تغطيتها للزيارة ملفاً بعنوان (إعلان الانتصار الإيراني – السوري)، معتبرةً أنها زيارة بغرض تدشين "شراكة السلم" بعد أن شارفت شراكة الحرب على النهاية (هل شارفت فعلاً؟). أما الجامعة العربية فإنها تكمل ما أنجزته إيران على الأرض في دعمها العسكري وغير العسكري لنظام الأسد، الدعم الذي ساهم مساهمة كبيرة في حماية طغمة الأسد من السقوط. فتح أبواب الجامعة أمام نظام الأسد، لا يبدو، والحال هذه، سوى اعتراف لإيران بصحة سياستها القائمة على معاكسة تامة ومتواصلة وجدية للقرار "العربي". أو بكلام آخر، استطاعت إيران في وقوفها الجدي والحازم مع الطغمة الأسدية، أن تُظهر للعالم أن القرار العربي بتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، قرار ضعيف الأثر والقيمة، وأن تظهر للأنظمة العربية أن قرارها خاطئ، وأن تجعلها تتراجع عن هذا القرار بعد حوالي 12 سنة، ارتكب فيها نظام الأسد ما ينبغي أن يجعل الجامعة، إذا أرادت أن تنسجم مع قرارها الأول، أن تنتقل من تعليق العضوية إلى الطرد وليس إلى العودة عن القرار. غير أن القرار الأول بتعليق عضوية سورية في الجامعة لم يكن في أي لحظة منسجماً مع طبيعة الأنظمة السياسية التي تشكل هذه الجامعة، والتي تنسجم في الواقع مع طبيعة نظام الأسد القمعية والفاسدة.
الانحياز لصالح الاحتجاجات الشعبية ولصالح الضحايا ضد الجلادين، ليس من طبيعة أعضاء الجامعة العربية. هذا ما يفسر لنا المأزق الذي وجدت الأنظمة العربية نفسها فيه، أي اضطرارها، تحت ضغط قوة وديمومة احتجاجات السوريين، كما تحت ضغط الموقف الأوروبي والأميركي، للوقوف (حتى لو كان على نحو شكلي فقط) ضد نظام من طينتها، يقمع حركة احتجاج تطالب بالديموقراطية والشراكة السياسية وكسر احتكار الدولة. من يجد نفسه في مأزق سوف يبحث عن مخرج، ولا مخرج من هذا المأزق سوى في العمل على تحويل الحراك الاجتماعي في سورية إلى صيغة غير تحررية بحيث تنسجم في طبيعتها هذه مع مضمون الأنظمة العربية، أو في الرجوع عن الموقف.
أنجزت الأنظمة العربية ما تيسر لها من قتل اللب الديموقراطي في الثورة السورية، ولكن عوامل عديدة كان من بين أهمها تضارب مصالح هذه الأنظمة ولا جدية الدول التي أعلنت دعمها للثورة السورية، مقابل جدية وتماسك الجبهة المساندة للنظام، أدت إلى الواقع الذي وصلت إليه سورية، حيث تمكن نظام الأسد من البقاء وإن بسيادة وأرض منقوصتين. لم يتبق أمام الأنظمة العربية إذن سوى العدول عن "الخطأ" والانسجام مع طبيعتها التي تفرض عليها الإعجاب الضمني بقدرة "شقيقها" السوري على الصمود ولو على جثة البلاد.
مع ذلك لا نعتقد أن هذا المآل كان في منظور أعضاء الجامعة العربية حين اتخذوا قرار تعليق عضوية سورية. نستطيع أن نقول إن هؤلاء كانوا ينتظرون نتيجة أخرى لم تتحقق، لأن هؤلاء متضاربو المصالح والرؤى، فضلاً عن أنهم، بخلاف "حلفاء" النظام الذين يدعمون قوة مستقرة وموحدة إلى حد لا بأس به، يدعمون قوى مرتجلة ومتنافرة تنافر توجهات داعميها. ونعتقد أن السنوات التي فصلت بين تبني قرار تعليق العضوية والعودة عنه، غيرت الكثير في بنية النظام السوري وفي طبيعة علاقته بالمجتمع السوري، فقد أصبح من الإجرام والتجاوزات والاستغناء بعوائد الكبتاغون، يجد في العزلة الشرط الأنسب لاستمراره. وهو ما سيجعل من عودته إلى الجامعة العربية عبئاً عليه، ذلك أنها ستكون محلاً لتذكيره بالشروط التي وضعتها للعودة، سيما وأن الجامعة لم تتجاوز قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي يطالب بكسر احتكار الدولة السورية. وهذا ما يفسر عدم ترحيب النظام بقرار الجامعة بعودته إلى مقعد سورية، ورفضه تقديم تنازلات مقابل العودة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات