الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائزة النوبل لضحايا الارمن

درويش محمى

2006 / 10 / 28
حقوق الانسان


شأني شأن الكثيرين من خلق الله كنت اجهل الروائي والكاتب اورهان باموك ، ولم اكن اعرف عنه أكثر مما ورد في نبأ إخباري نشر منذ فترة مفاده " باموك سيمثل امام القضاء بتهمة الإساءة للدولة التركية " وهذا يعني تلقائياً ان الروائي باموك لم يعد ذئباً رمادياً ولا تركياً قحاً كأقرانه من احفاد كمال اتاتورك ، وقد أقحم نفسه في امور"لاتعنيه" وتجرأ على فتح ملفات حساسة جداً تتعلق" بالمجازرالمليونية للأرمن والاضطهاد القومي للكرد" والتي تعتبر من المحظورات في سجلات الثقافة الطورانية، وتشكل خطراً على الامن القومي التركي ، ومساساً بهيبة وثوابت الدولة التركية ، واهانة وتجريح لمشاعرالملايين من الاتراك "وال عثمان"، ولولا تدخل بعض الدول الغربية وتملق الدولة التركية وسعيها لتأمين تأشيرة الدخول الى ربوع جنة الاتحاد الأوربي، لكان باموك الكاتب والروائي المبدع ابن 54 عاماً يقضي حياته اليوم خلف القضبان ، ونال الكثير من الذل والمعاناة في سجون بلاده تركيا بدلاً عن جائزة النوبل للأداب للعام الحالي، وتمت معاملته كخارج عن القانون وناكر للعقيدة الكمالية ، اورهان باموك كاتب تركي ليس كغيره من مثقفي تركيا الحديثة ومريدي الايديولوجية القومية التركية الضيقة، يعرف عنه دفاعه عن الحريات في بلد يتميز بتبجيل وتعظيم الذات وانكار الاخر ، ويقوم على منطق " تركياً زائد كردياً يساوي تركيين " .

خبر حصول الروائي والكاتب التركي أورهان باموك على جائزة النوبل ، كان له وقعه على ذاكرتي المبعثرة ليعيد الى اسوارها الكاتب والباحث التركي اسماعيل بشكجي الفتى التركي الذي اراد له القدر ان يقضي خدمته العسكرية الالزامية عامي 62 ـ 1964 في كردستان والتي تسمى بالتركية جنوب شرق اناضول ، وبين سكانها الكرد والذين يسمون بالتركية اتراك الجبال ، ليرى بأم عينه ويكتشف عن قرب ، ان الكرد ليسوا تركاً بل امة قائمة بذاتها، ويصل الى حقيقة وقناعة راسخة كون الكرد شعب مظلوماً ومضطهداً ويعاني على يد مستعمريه الترك الكثير من المأسي والويلات ، ولأن الحق دائماً اقوى وابقى من الباطل ومن ثقافة القوميين الترك وشوفينيتهم المتفشية ، وجد بشكجي نفسه يكتب و يدافع عن الكرد وحقوقهم ، متحدياً الدولة التركية وقوانينها وجبروتها، البروفسور في العلوم الاجتماعية والسياسية اسماعيل بشكجي التركي الأصل ، كرس حياته وكل جهوده في الدفاع عن القضية الكردية ، وتعرض نتيجة لمواقفه النبيلة لملاحقة وعداء الدولة التركية ، وصدرت بحقه احكام بالسجن تصل الى اكثر من مئتي عام قضى منها اكثر من عشرون عاماً في غياهب السجون والمعتقلات التركية .

كما تذكرت الأرمن الشعب الطيب والجار والصديق الذي كان ضحية للجهل والتعصب الديني والقومي ، حيث تعرض لأكبر جرائم الابادة الجماعية في العشرينات من القرن الماضي ، وقتل وبشكل وحشي اكثر من مليون ونصف ارمني من المدنيين العزل ، وتعرضت الامة الارمنية لتصفيات جماعية بشعة على مرأى ومسمع العالم والمجتمع الدولي، والصمت والسكوت الدوليين ازاء تلك المذابح الوحشية حين حدوثها والى اليوم من الصعب تفهمهما وقبولهما ، وتعتبران وبكل المقاييس ظاهرة لا اخلاقية فجة وصارخة في تاريخ البشرية .

جرائم الابادة الجماعية لا تتقادم بمرور الزمن ، واعتراف الدولة التركية بأرتكابها ومسؤوليتها المباشرة عن تلك الجرائم هو أضعف الايمان ، والاعتذار الصريح والواضح وحتى التعويض من بديهيات الحقوق المشروعة والعادلة للأرمن .

الحكومة اللبنانية وللأسف لم تتجاوب مع رغبة مواطنيها من الارمن ولم ترفض المشاركة التركية في صفوف "اليونيفل" داخل الاراضي اللبنانية ، ولو فعلت الحكومة اللبنانية واقدمت على ذلك وصرحت عن اسباب رفضها للوجود التركي بسبب تعنت هذا الاخير وعدم اعترافه بجرائمه بحق الأرمن ، لكان شهر اكتوبر الحالي شهراً للفضيلة والحق وشهراً ارمنياً وبامتياز ، ولشكلت خطوة مكملة للقرارالشجاع للبرلمانيين الفرنسيين واصدارهم لقانون يعاقب ويجرم كل من ينكر جرائم الابادة الجماعية بحق الارمن .

اختيار باموك من قبل الاكاديمية السويدية لجائزة نوبل ، لا تخفي ورائها اسبابا سياسية صرفة ، ولكنها ذو تبعات ونتائج سياسية وانسانية، باعتبار اورهان باموك اديبا وروائيا يملك رؤية سياسية مناقضة لسياسة الدولة التركية التقليدية ، وبعيداً عن المبالغة يعتبر حصول اورهان باموك على جائزة نوبل ، انتصاراً للديمقراطية والعقلانية والتسامح وهزيمة للعنصرية والحقد الشوفيني والتعصب الديني، انه انتصار للضحايا الارمن ، وانتصار لخمسة عشرة مليون كردي يعانون من وطئة العسكر التركي المحتل لكردستان .

اورهان باموك وهو يدعوا للكشف عن جريمة وقعت قبل اكثر من 90 عاما، يثبت انه ينتمي الى تلك الاقلية والفئة النادرة من الناس ، التي لو من الله علينا برحمته وبركته ، وجعل من تلك الاقلية اغلبية ، لكان عالمنا بحال افضل وواحة للخير والوئام والسلام ، والسلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي


.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل




.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل


.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق




.. -غوغل مابس- قد يكون خطرا عليك.. الأمم المتحدة تحذر: عطل إعدا