الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-قران العراق- والثورة التشروعشرينيه الناطقة؟/2

عبدالامير الركابي

2023 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ليس تاريخ العراق مما يمكن او يقبل العبور عليه، او التغاضي عن خصوصياته، عدا عن اخضاعه لما هو شائع وسائد، وليس ثمة من شك بان البشرية جمعاء مكتوب لها المرور بطورين اعقاليين ومعرفيين، الاول ماقبل الاحاطة والتعرف على الخاصيات المجتمعية الرافدينيه ودلالتها الكونية، والثاني هو الذي يتوصل فيه الكائن البشري الى فك رموز والاحاطة ـ وان المتاخرة ـ بمفردات النموذج اللاارضوي الارضوي الازدواجي لمابين النهرين، ومن ثم للمجتمعات عموما، فلا مقاربة للتاريخ التصيري البشري، ولا للاغراض التي تنطوي عليها الظاهرة المجتمعية، ولا للمسارالمحكوم به واليه الوجود البشري، الا مع التعرف على مبطنات الظاهرة المجتمعية الاصل والبدء.
في بعض الحالات، وكما فعل الغرب اليوم في الكثير من الميادين، ذهب بعض الغربيين من الماخوذين بالتاريخ، وبمعنى الوجود استنادا للبدء، الى وضع مايسمى "الحضارة الرافدينيه" بموقع البدئية والاساس(1)، من دون اغفال التميز، علما بان ذلك حصل ضمن اشتراطات القصور التوهمي، مع النكوص الشامل الذي طبع وعي الغرب بالعملية التحولية الالية، ماقد ابقى العقبة العراقية خارج الادراكية اللازمة، ليظل مانعا للعبور من خانة وزمن الانسايوان، الى الغرضية التصيرية الانسانية، واجمالي عملية التحول الطوري المنشود.
وعلى العكس مما يظن ابتداء حين يسود مفهوم الحداثة، ويغلب الاعتقاد بان العراق الحديث قد وجد، وانه مشمول مثله مثل غيره بالانتقال الى العصر الحديث الاوربي، بالذات ابان الاحتلال البريطاني وماتمخض عنه من فبركة كيانيه، وعلى صعيد مايعرف ب"الدولة الحديثة"، فان هذا الموضع او الجزء من المعمورة، يظل خارج ماهو متداول من قصورية توهمية، ابعد منها زمنيا وتفاعليا، فالعراق بالاحرى لايولد عند بدايات التقائه بالغرب، بقدر مايكون الحاصل وقتها مع بدايات القرن العشرين، فاتحة اصطراعية تفاعلية تصيرية نتيجتها النهائية وحصيلتها، هي التي تشهد ولادة العراق في طورة الحالي الثالث الراهن، لتكون في الوقت نفسه، بمثابة الاستكمال الضروري للعملية الانتقالية التحولية الكبرى، الاليه التي تبدأ في الغرب الاوربي، وتظل قاصرة وناقصة، بالاخص اعقاليا، الى ان ينتقل الكائن البشري الى الادراكية التحولية الازدواجية الرافدينيه.
وحين يدوي الصوت متعاليا في جنبات ارض مابين النهر ين "نريد وطنا"، فان الشعار يتطابق ساعتها مع المعنى المضمر" نريد ادراكا للذاتيه العراقية الغائبة" اي تطابقا مفهوميا مع نوع الوطن الذي نعيش فيه وعلى ارضه، اي نريد "قران العراق"، الكتاب مميط اللثام، المنتظر منذ مايزيد على السبعة الاف عام، القراءة الرابعة التحققية بعد الكتب والقراءات الحدسية الثلاث، الموافقة للزمن الانتقالي اللاتحققي. وليس الامر بمستغرب لهذه الجهة اتفاقا مع مقدرات الصيرورة المجتمعية البشرية، ومساراتها المقررة ابتداء باللاارضوية/ الارضوية الازدواجية، المتعدية لقدرة الكائن البشري على الاحاطة والاعقال، وهو مايستمر ويظل على ماهو عليه على مدى دورتين تاريخيتين، تمر بهما الكيانيه الكونية المتعدية للكيانيه ابان الانتاجوية الجسدية اليدوية، وصولا الى الانقلاب الالي/ العقلي، مايغير اليات التفاعلية المجتمعية، ويدخل عناصر نوعية تحكم الاصطراعية المستجدة مع الكيانيه الازدواجية، هي من صلب عملية التصير في الطور الالي، لاتستقيم ولاتكون متطابقة مع حقيقتها وجوهرها الفعلي، الا مع النطقية العراقية المؤجلة، تلك التي عندها وبخلاصة الاصطراعية التي تمر بها، تولد الرؤية المتعدية للانسايوانيه، ساعة ينتقل الكائن البشري الى مابعد ارضوية.
ببساطة يوجد الكائن البشري مجتمعيا غير مؤهل لادراك حقيقته الوجودية، ويستمر كذلك مادام الانتاج اليدوي الجسدي ساريا، الى ان يحل الانقلاب الانتاجي الالي بمرحلته الاولى الانتقالية قبل ان تحل ساعة الادراكية الكبرى، ويتوفر العقل البشري على الرؤية المؤجله، مالا يتحقق الابعد انقضاء الفترة الانتقالية، من الالية الى العقلية بحصيلة الاصطراعية الافنائية مع مركز المرحلة الاليه الانتقالية اليدوية، بصيغته التمهيدية، ماقبل التحولية العقلية، ووقتها تقف ارض الرافدين على مشارف النطقية، بينما تكون مرت مرحلتان افنائيتان، الاولى اوربية جزئية فاشلة وتنتهي الى اندحار كلي، والثانيه تدميرية كليه، لاتجد بيدها سوى ان تضع ارض الرافدين بالتحالف الضمني مع القوى والعناصر المحيطة الاقليميه، عند نقطة امحاء للكيانيه، وصولا لحالة الريعية بلا دولة، وهيمنه حثالة تاريخة بلا اية هوية أورؤية، احلت محل دولة الريع المنسحقة المدمرة قصدا، وبالغزو الذي لم يحدث مايماثله لدولة.
في الفترة الاولى الاوربية من الزمن الانتقالي التمهيدي من الطور الالي، ومع الصعود الاعلى للكيانيه الارضوية الاكثر دينامية ضمن نمطها، واتضاح قسمات المشروع الاستعماري وعناصره المركبه بالفبركه من اعلى، اتفاقا مع الحالة البرانيه التاريخيه، لم تتاخر الازدواجية عن الحضور وان بدون ادراكية كلية، ولم تتوقف ظاهرة الازدواج كتعبير ابتدائي على الغرب الذي اكتشف هو نفسه متاخرا ازدواجيته التي عممها من ثم وبعد اكتشافها، على العالم، لتصبح الماركسية بالاحرى، بمثابة مفتتح الوعي الازدواجي الغائب، ولم يغد هذا النوع من الوعي المجتمعي الاوربي والبشري المتاخر، وان الاستهلالي الابتدائي، بحال اكتمال تعبيريا سوى مع القرن التاسع عشر، بعد قرابة القرنين على بدء الالية التصنيعية، ليتحول الى نظرية "علمية" شمولية للواقع وحركة التاريخ، هي بالاحرى المحطة الاولية الافتتاحية نحو الادراكية الازدواجية الاعلى، المجتمعية المضمرة، تبدأ اليوم بالطبقية، في الوقت الذي كانت ماتزال منطوية في الكينونة الرافدينيه تاريخيا مجتمعيا، لتبقى وماتزال خارج الاعقال الاكمل، بغض النظر عن التحسس البداهي، نتاج المعاش، وهو ماستكون له دالة غير عادية، مع نوع تجلي افكار الشيوعية في جنوب العراق، وقيام ما هو واقعا" الحزب الشيوعي اللاارضوي"، وتكرارا في ذات موضع الانبعاث الراهن للدورة الثالثة ( السومري)، ماجعل الحساسية اللاارضوية اكثر فعالية من تلك البرانيه المنقولة، بعد ان فشلت ابتداء، حين جرت محاولة اقامتها في العاصمه المنهارة، ومركز البرانيه، في العشرينات(2).
ما كان دالا على ان الامر لايتعلق بنظرية ماركس بذاتها، بقدر ما بتفارقيتها وفصلها للمعسكرات المجتمعية، بغض النظر عن طبقيتها(3)، مع ماقد حصل من استبدال للبروليتاريا باللاارضوية، المعاشة والمتماهية، كانما قد وجدت بهذه المناسبه، درجة مهمة من النطقية المتعذرة، والملفت المسكوت عنه بسبب القصورالتاريخي، ماكان حصل من انتشار للشوعية في ارض السواد بما يصل حد التفوق على الحضور الانتظاري الايماني النبوي، في موضع يفترض انه هو اصل المنظور اللاارضوي الاول، الابراهيمي الحدسي، مع تحولاته في الدورة الثانيه، وخلاصته المهدوية الانتظاريه الاحالية، مادعا المرجعية النجفية للافتاء بكفر الظاهرة المشار لها في موقف غريب، انحيازي للاطار البراني، مخالف كليا لمبررات وجود النجف، هذا عدا عن تنامي ظاهرة الاحزاب الدينيه الشيعية تجاوزا للمرجعية، انطلاقا من الاعتقاد بتراجع دورها ونمط عملها مقابل "الحزبية الدينيه"، التي صارت منذ الخمسينات حاضرة تحت تحفيز عامل الغلبة الكاسحة، للتيار المفترض انه الحادي، ومع هذا يستطيع تسيير تظاهرة من مليون ونصف المليون يوم 1 ايار 1959 في بلد عدد سكانه لم يتجاوز السبعة ملايين.
وتمثل حالة العراق لهذه الجهه ظاهرة استثناء على مستوى العالم، التسميه التي تنطبق عليها كنموذج بذاته، هي الماركسية كاصطراعية مجتمعية بدل الطبقية، او " الماركسية اللاارضوية" وهي صيغة مختلفة عن كل ماعرفته النظرية المذكورة من صيغ واشكال تحور، مثل اللينينيه او الماوية، وصولا الى التروتسكيه، او ماسوى ذلك من اشكال وتمظهرات، بما فيها الامريكيه اللاتينه الكاستروية الجيفارية، وفي الممارسة فان مانذهب اليه خضع وقتها لاشتراطات موضوعية اضطلعت بتبريره، وبالاخص من ناحية حاجة الاطار الاسفل اللاارضوي الملحة في حينه لمثل المصادرة المفهومية، التي جرت وقتها في العشرينات والثلاثينات في مدينة الناصرية/ عاصمة المنتفك/ مع تعاظم الحاجة القصوى للرد على نوع البرانيه المستجد الافنائي الداهم، مثلما حدث قبلها في مناسبة ثورة 1920 لتحدث اليوم مصادرة استثنائية خارقة وانقلابيه غير عادية، لها مايجيزها بقوة، خارج وعي الفاعلين امثال فهد وغالي الزويد، والمعلم فاسيلي، المندوب الروسي المتخفي بهيئة خياط في المدينه الجنوبيه.
وقد يكون هذا ابرز مظهر قابل للتعميم عالميا من بين المظاهر المتولدة في غمرة، وبقوة اثر الاصطراعية ومسعى الفبركه، وماقد اسهمت فيه من حصيله افضت في النهاية لهزيمه مشروع المصادرة الكيانيه وسحقها كليا يوم 14 تموز، مع مرتكزها الاجتماعي المصطنع الريفي، قبل الدخول لواحدة من محطات الفراغ الشبيهة بتلك التي ظهرت ابان الاحتلال الانكليزي لبغداد عام 1917 وهزيمه العثمانيين، وهو مايمكن تسميه الفراع الناجم عن عدم اكتمال التشكل، ماقد استمر لعشر سنوات من 14 تموز 1958 الى حزيران تموز 1968 حين قام شكل سلطة غير مسبوقة، ارتكزت لعنصر من خارج التوازن المجتمعي مثله الريع النفطي، لولاه، ولو لم ينبثق وقتها، لاستحال قيام سلطة داخلية مستقرة، فكانما البرانيه التي انتهت فعليا في عام 1958 وجدت لها منقذا قدريا غير براني، حل في تلك اللحظة ليبقيها مستمرة من دون حضور براني مباشر.
والغريب الدال على تهافت ثقاقفة الحداثة المزعومه المنقولة، ان احدا لم يتوقف عند هذه النقطة شديدة الخطر والدلاله، كما ان احدا من "الدارسين" لم يتلبث عند "صدفة" حضور العامل الريعي، وعلاقته بموضوع الحكم او الدولة، من زاوية امكانها من دونه او لا؟.
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يصل الامر لهذه الجهه لدى باحث مثل صموئيل كريمر، لحد وضع كتاب بعنوان " الحضارة بدات في سومر".
(2) جرت محاولات في العشرينات لاقامه حزب شيوعي في بغداد ابرزها محاولة " حسين الرحال" التي باءت بالفشل، قياسا لما هو مطلوب وممكن واقعا بحسب ممكنات الازدواج المجتمعي، والملفت ان الشيء ذاته سرى على حزب البعث، بعد محاولات تاسيسيه في بغداد وفشلها الى ان قام فؤاد الركابي في الناصرية ايضا، بتاسيس حزب البعث، ولم تكن الظاهرة مدار التنوية غائبه عن انشغالات الشيوعية اللاارضوية، فمؤسس حزب الناصرية "فهد"، وضع اهم كراس كتبه تحت عنوان "حزب شيوعي لااشتراكية ديمقراطية" مستعينا بالمثال الروسي اللينيني ايديلوجيا، ليدحض ظاهرة " شيوعية الافندية" وهو مالا مثيل له في اي مكان عدا الحالة العراقية.
(3) كان محيسن نايف "سبع الهور" كما يطلق عليه اهالي الدواية في ريف الشطرة، وهو شخص امي، وثائر عفوي يقول: يعني ( مامور المركز، وابو عمامه، والاقطاعي طبغة، واحنا الباجين كلنا طبغه) مذكور في كتابي ( انتفاضة الاهوار المسلحة في جنوب العراق : 45 عاما ومايزال القتال مستمرا)/ الصادر عن دار ميزوبوتاميا / بغداد/ كما يرد ذكره في فصل من روايتي / قصر الضابط الانكليزي/ دار الانتشار العربي / بيروت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران