الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا بد من إعادة الأمور إلى نصابها مهما كلف ذلك…

أحمد إدريس

2023 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


كلام نفيس لغزالي هذا العصر : « ﺇﻥ ﷲ ﺧﻠﻖ السماوات ﻭ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﺎﻟﺤﻖ٬ ﻭ طلب ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ ﻳَﺒْﻨُﻮﺍ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ٬ ﻓﻼ ﻳﻘﻮﻟﻮﺍ ﺇﻻَّ ﺣﻘﺎً ﻭ ﻻ ﻳﻌﻤﻠﻮﺍ ﺇﻻَّ ﺣﻘﺎً. ﻭ ﺣﻴﺮﺓُ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭ ﺷِﻘْﻮَﺗُﻬﻢ٬ ﺗﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺫُﻫﻮﻟﻬﻢ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺻﻞ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ٬ ﻭ ﺇﻟﻰ ﺗَﺴﻠُّﻂ ﺃﻛﺎﺫﻳﺐ ﻭ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻔُﺴِﻬﻢ ﻭ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ٬ ﺃَﺑْﻌَﺪَﺗْﻬُﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﻤُﺴﺘﻘﻴﻢ (…). ﻭ ﻣِﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﺍلإﺳﺘﻤﺴﺎﻙُ ﺑﺎﻟﺼﺪﻕ في ﻛﻞ ﺷﺄﻥ٬ ﻭ ﺗَﺤَﺮِّﻳﻪ في ﻛﻞ ﻗﻀﻴﺔ٬ ﻭ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮُ ﺇﻟﻴﻪ في ﻛﻞ ﺣُﻜﻢ٬ دعامةً ﺭﻛﻴﻨﺔً في ﺧُﻠﻖ المُسلم٬ ﻭ صِبغةً ثابتةً في ﺳﻠﻮكه ؛ ﻭ ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺑﻨﺎءُ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ في ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﻣُﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻈُّﻨﻮﻥ٬ ﻭ ﻧَﺒﺬِ ﺍﻹﺷﺎﻋﺎﺕ ﻭ اطِّراحِ ﺍﻟﺮﻳﺐ٬ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖَ ﺍﻟﺮﺍﺳﺨﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ هي التي ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻈﻬﺮ ﻭ تَغلِب٬ ﻭ ﺃﻥ ﺗُﻌﺘﻤَﺪ في ﺇﻗﺮﺍﺭ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤُﺨﺘﻠﻔﺔ. (…) ﻭ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤُﺴﻠﻤﺔ هي ﺻِﺪﻕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ٬ ﻭ ﺩِﻗﺔ ﺍﻷﺩﺍء٬ ﻭ ﺿﺒﻂ ﺍﻟﻜﻼﻡ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﻭ ﺍﻹﺧﻼﻑ٬ ﻭ ﺍﻟﺘﺪﻟﻴﺲ ﻭ ﺍلإﻓﺘﺮﺍء٬ فهي ﺃﻣﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻨﻔﺎﻕِ ﻭ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉِ ﺍﻟﺼِّﻠﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ. » (الشيخ محمد الغزالي، "خلق المُسلم"، 1987)

و الله العظيم و بِكُل تأكيد هذا المقطع لِوَحده كان كفيلاً، لو عُمل بما يحويه من كلام سديد هو عَيْنُ الحكمة و العقل، كفيلاً بتجنيب أُمتنا الكثيرَ من وَيْلات الخريف العربي. اللهم تغمد برحمتك جميع الأبرياء - مِن أي طرف كانوا - الذين راحوا ضحية لهذه الأحداث. أحداث جِسام عِظام و تجري على المِنوَال الذي رأينا و شهِدنا أستبعد أن تكون وليدة صُدفة تاريخية عابرة، كان هذا واضحاً بما فيه الكفاية مُنذ البدء، لِذَوي الوعي اليَقِظ النافذ و القلب المُتحرر من الأهواء و المصالح الهابطة التي عادةً ما تُعطِّل ضمائر الناس، و لأصحاب البصيرة الروحانية الشفَّافة. أما مشايخ ما سُمي بالربيع العربي و القطيع الذي ساقوه إلى الهاوية، فقد أثبتوا و برهنوا عملياً أنهم بلا ضمير أو مُصابون بِعَمى البصيرة. و ما أسموه آنذاك "جهاداً" لم يكُن في الواقع إلاَّ "جهاداً" في سبيل اللاَّشيء. هل بقي شك بهذا الصدد ؟

بعض المُخلصين استبشروا و ابتهجوا في بِدايات هذا الربيع المزعوم، ظناً مِنهم أنَّنا على أعتاب فجرٍ حضاري جديد و نهضةِ أُمةٍ طال رُقادُها و غيابُها عن مسرح التاريخ، لكنْ سُرعان ما تبخَّرت الآمال و ظهرت جلِيَّة حقيقةُ الربيعِ المسموم. سُحقاً لِربيع تُباركه و تدعمه علانية الدوائرُ الصهيونية العالَمية بدءاً بالكِيان العِبري و لذلك أثمر أشواكاً بدل الزهور ؛ تباً لربيع قام على شراء الذِّمم و الضمائر الرخيصة يمنة و يسرة، على زرع و تغذية الأحقاد الطائفية و القبلية و المذهبية ؛ ألف لعنة على ربيع خيانةِ الأوطان التي أصبحَتْ وِجهة نظر سياسية أو حتى عملاً صالحاً تحت دعوى الرغبة النبيلة في التحرر من نير الإستبداد ؛ تباً لربيع قام على الرِّدة الكاملة عن كل التعاليم الإلهية و القيم الإنسانية، فطغت سَلبيَّاتُه على إيجابياتِه و صار علينا نِقمة ؛ سُحقاً لِربيع تُقلب فيه الحقائق رأساً على عقب و يُمارَس فيه الكذب بِشكل و على نطاق غير مسبوق على مر العصور. لقد كان "ربيع الكفر الإسلامي" بإمتياز. بالطبع لا أقصد الذين ضُلِّلوا و غُرِّر بهم في بداية الأحداث. لكِنْ بسرعة حَصحص الحق و تبيَّن الرشد من الغَي، و لم يعُد مُستساغاً بالمَرَّة الأخذُ و الرد في هذا الشأن…

إعلام الكذب و الزور و الخداع هو الطامة الكبرى و طاعون العصر. المصيبة التي أُطلقت عليها تسمية "الربيع العربي" لعب فيها هذا الأخير دوراً حاسماً. و أثبتَتْ لكافة سكان المعمورة بما لا يدع مجالاً لأدنى شك أن بعض رجال الدين هم بلا دين في حقيقة الأمر و أنهم أبعد مَن في الأرض عن الإلتزام بأقدس تعليمات الله. لأنهم بكل بساطة مَوْتى الضمير. لذا سأُردِّد بلا كلل أو ملل ما بقيت لي حياة : لا إيمان لِمَن لا ضمير له، لا إسلام لِمَن فقد إنسانيته. إنه الدرس الأكبر لهذا الربيع الأغبر. لا دين لفاقد الضمير، و لو كان رجل دين ! لا دين على الإطلاق لِمَيِّت الضمير : إعلاميون لا حصر لهم، عرباً أكانوا أم عجماً، هم قطعاً مِن هذا القبيل. هم و مُشغِّلوهم و أولياء نِعمتهم شر مَن على وجه هذا الكوكب. بالتأكيد هم أئمة الكفر - لُغةً هذه اللفظة تعني بالدرجة الأولى تغييبَ و كتم و إخفاء ما نعلم بيقين أنه حق - في زمننا الأغبر النكِد. هم عدُو البشرية الأول ! يندرج أيضاً بلا ريب ضِمن هذه الفئة أصحابُ قنوات يوتيوبية، و نُشطاء شتى على مُختلِف وسائل التواصل الإجتماعي، لا أتردَّد لحظة في وصفهم بالمجرمين و المفسدين في الأرض. يوجد بطبيعة الحال أيضاً إعلاميون عندهم ضمير و بعضهم قد يُخاطر، و رُبما يضحِّي، بمستقبله المهنيِ أو حتى حياته لأجل نُصرة الحق و الخير و دَحرِ الشر. عمل بل جهاد هؤلاء لن يضيع أبداً عند الله. بما فيهم المسلمون من غيرنا بالأفعال الجميلة و السيرة و الإنجازات النافعة لا بالعنوان الديني و إن اعتُبروا "كفاراً" يحرُم قطعاً الترحم على موتاهم و الدعاء لهم بخير الآخرة و حتى الدنيا من طرف أغرب أمة أُخرجت للناس…

التَّغييرُ الذي لا يقود إلى الأحسن و الأفضل، بل إلى نقيض ذلك تماماً لِحَدِّ أنه قد يُؤدي بِنا إلى حفر قبورنا بأيدينا، لا مرحباً به و سُحْقاً له إذ هو مُجرَّد تخريب. لا معنى لمثل هذا التغيير الذي هو في واقع الحال ليس أكثر مِن عبث، أهوج و أحمق، يجعلُنا في نهاية المطاف نتحسَّر بمرارة بل نبكي بحُرقة على ما سلف ! الدُّوَل التي اجتاحها ما سُمي اعتباطاً بالربيع العربي، هي اليوم تغُص بسماسرة و مُحترفي صناعة الفوضى و الخراب ؛ لأن أمنها القومي تم اختراقُه بصورة مَهولة، و باتت مرتعاً لجماعات الشر و الجريمة المُنظَّمة و لكافة مخابرات العالَم. ما حصل تدمير و إفساد بل نَسف من الأساس لحاضر و مستقبل هذه الأمة، و مع ذلك ما زال البعض يتحدث و بدون خجل عن ربيع مبارك لهذه الأُمة.

التغيير المنشود و هو بالطبع الذي يأتي بالأفضل و الأحسن، لا يكفي فيه استبدالُ حاكم بآخَر إذ يتطلَّبُ قبل أي شيء إيقاظَ وعي الأُمة و ترشيدَ سلوكها و تصويبَ حركتِها و إصلاحَ فكرها، و لا يكون بالعمالة للأجنبي و جَلْبِ الإحتلال لأرض الوطن : مُحال أن يجد و يجني الخير، مَن يستعينُ بناهبي الخيرات ! لكنْ لا مفر من تحديد المسؤوليات حَوْل ما جرى بأمانة و موضوعية مع وصفٍ دقيق لِمَسار الأحداث التي أوْصَلت إلى هذه الحالة الكارثية. ذلك لأن إعادة الأمور إلى نصابها ضرورة حتمية اليوم أكثر من أي وقت مضى، لكي يقوم كِيان الأُمة على رجليه لا على رأسه و لِكَشْفِ الغُمة عن هذه الأُمة التائهة الحائرة، و لتستعيد هذه الأخيرة فاعليَّتها القُصوى على طريق النهوض الحضاري الشامل : لا بد من إعادة الأمور إلى نصابها مهما كلف ذلك.


« لا أعرف مظلوماً تواطأ الناس على هضمه و لا زهدوا في إنصافه كالحقيقة. » (محمد الغزالي)

« الحقيقة مهما كانت مؤلمة أفضل كثيراً من الوَهم. و الجراح تبرأ بعد حين، أما الإستمرار في تجاهل الحقيقة فلا عائد له في النهاية إلاَّ الضياع. » (عبد الوهاب مطاوع)

« إنَّ الشعوب التي لا تُبصِر بِعُيونها سَوْفَ تحتاج إلى هذه العيون لِتَبكي طويلاً. » (محمد علي الغتِّيت)

« إنه لَمِنْ سوء الحظ ألاَّ نُدرك ما يُراد بنا، فَنُصرَف عمَّا ينبغي أن نُفكِّر فيه كأفراد و مجتمعات، فَيُصيب غيرُنا الهدف و نحن لا نشعر. » (علي شريعتي)


ملاحظة :

تعليق على المَقولتَيْن الأخيرتَيْن : للأسف نحن قوم قاصرو الوعي و في الغالب عاجزون عن رؤية الأشياء على حقيقتها، و تحكُم تصرُّفاتنا اللاَّعقلانيةُ و العواطف و الإنفِعالات المُنفلتة، الأمر الذي جعل التاريخ يُكرِّر نفسه عندنا بصورة كوميدية و دراماتيكية في آن واحد. متى تصبح هذه الأُمة راشدة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توارث الاديان والعقائد
على سالم ( 2023 / 5 / 19 - 19:26 )
السيد الكاتب شكرا للمقال لكن لايزال الاسلام كعقيده بدويه مشكوك فى مصدرها ومصداقيتها وكيف بدأت وانتشرت , توارث العقائد شئ خطأ وغير صحى لفصيل البشر

اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها