الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب وائل السواح: انقسام الروح, سيرة ذاتية لليسار السوري الجديد

حسان الجمالي

2023 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


التهمت كتاب وائل السواح: "انقسام الروح, سيرة ذاتية لليسار العربي الجديد", بشراهة لم أعرفها منذ زمن بعيد. وحين فكرت بالكتابة عنه, أصابتني حيرة لأنه كان بامكان وائل أن يكتب كتابين منفردين: أحدهما عن تجربته اليسارية التي ارتبطت دوما بالشيوعية, والاخر عن مجموعة أفراد, رجالا ونساء, حالمين بجنة اسمها سوريا وغارقين في بحر من الاوهام ومستعدين, بسبب سذاجتهم والقفص الايديولوجي الذي سجنو أنفسهم داخله, أن يعيشوا سنوات طويلة في سجن الواقع الرهيب. هنا سأكتفي بالجانب السياسي من الكتاب محاولا ايجاد جواب على سؤال قض مضاجعي وما يزال: ما الذي يبرر قيام معارضة يسارية (شيوعية) لنظام أخذ من الشيوعية كل مبررات تسلطه واستمراره في الحكم: الحزب الواحد, الجيش العقائدي, رأسمالية الدولة وسيطرتالحزب والجيش على الفرد والمجتمع؟
كيف تبقى "الشيوعية" ملهمة لشباب وفتيات, بعد تقرير خروتشوف عن التجربة الستالينية الدموية وانتفاضة المجر وربيع براغ واضراب طلاب بولونيا وثورة ماوتسي تونغ الثقافية ومقتل ثلث سكان كامبودجيا على يد الشيوعي بول بوت (الذي عرف الشيوعية في الحي اللاتيني في باريس).هذا اليسار السوري الشيوعي المعارض, الذي قطع صلته بشيوعية بكداش دون أن يرتبط بتيار رياض الترك, لم يتمكن من الخروج من الاطار الايديولوجي المحكم ورفض الاطلاع على تجارب اشتراكية ديمقراطية هي من أنجح ما عرفه الغرب في التوفيق بين حرية الفرد في الانتاج وتدخل الدولة في توزيع أكثر عدلا للثروة مع الحفاظ على النظام الديمقراطي (البرجوازي).
أجاب السواح جزئيا على السؤال: " تعلمت في بيروت خلال الأشهر الخمسة شيئا جديدا أسمه "السياسة" ففي بيروت اكتشفت أننا لم نكن نشتغل في السياسة في سوريا, بل نطلق شعارات ايديولوجية وأخلاقية, ونسمي أحلامنا سياسة و ثم ندفع ثمن ذلك سنوات من عمرنا في سجون غير أخلاقية وغير انسانية".
من جهة أخرى, وتهربا من البحث عن حلول خارج الاطارالشيوعي, رغم القطيعة مع حزب بكداش, اكتشفوا,واكتشفت خلال قراءتي للكتاب, فكرة ماركس الشاب. يقول السواح:" فكرة ماركس الشاب كانت جديدة في سوريا (والعالم؟)و التي هي في جوهرها وحدة الفكر والعمل ووحدة الذات والموضوع. هذه الفكرة هي التي بدأت تلفت انتباه ثلة من من الشباب السوري لاعادة الاعتبار لليسار والماركسية باعتبارها فكرة انسانوية."
ما أثار اهتمامي أو دهشتي هو اعتبار الثورة الوسيلة الوحيدة للتغيير. جميل الذي قال: "الثورة القادمة هي الثورة الاشتراكية" وموضوعان من عشرة كراسات الحلقات الماركسية كاتت تحمل كلمة "ثورة": الثورة العربية والحزب الشيوعي العربي, العنف الثوري وأشكال الانتقال الى الاشتراكية.مع العلم أن الشعوب العربية لم تقم بثورات الا من أجل الاستقلال. وجميع ما سمي " بثورات", من ثورة يوليو الى ثورة القذافي, مرورا بثورات البعث والسودان وغيرها, لم تكن سوى انقلابات عسكرية. في الواقع بالغ حزب البعث في استخدام كلمة "ثورة" وكونه حزب ثوري, انقلابيوحسب تعريف عفلق: " البعث العربي هو الانقلاب". صحيح أن ميشيل عفلق فسر الانقلاب كونه انقلابا على الوضع الفاسد ولكن هل كان المفهوم واضحا لدى أعضاء الحزب( وخاصة بين ضباطه) لم يشرح عفلق يوما ما هي أعمدة الفساد في المجتمع التي سيثور حزبه عليها وما هو البديل. ,ولم يشرح كيف وفق بين التغيير الثوري ودستور حزبه الذي نص على نظام حكم ديمقراطي تعددي. مع العلم أن تلميذا متوسط الذكاء في السنة الاولى في كلية العلوم السياسية يعرف أن التغيير في النظام الديمقراطي هوأبعد ما يكون عن التغيير الثوري. غير أن انقلابيي البعث استفادوا من "تلك الخربطة" الفكرية لمنح انقلاباتهم شرعية "ثورية".ولكن كيف نفسر حرص اليسارييون المعارضين لنظام الأسد على التمسك بكلمة "ثورة"؟
واذاعدنا لموضوع تجاهل اليسار السوري لاشتراكيات الغرب الديمقراطية, تعود بي الذاكرة الى ما سمعته من فم أكرم الحوراني مباشرة, بعد عذة أشهر من انقلاب 8 أذار:"كان حزبنا يدعا سنويا للمشاركة في مؤتمر الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية, وكنا نرقض الدعوة بسبب وجود حزب العمل الاسرائيلي.هذا السلوك أو "الحرد" حرمنا من شرح موقفنا من قضية فلسطين وبالتالي لم يسمع المشتركون (وكان بينهم رؤساء دول) سوى وجهة النظر الاسرائيلية. بالاضافة الى حرماننا من التعرف على التجارب الاشتراكية الديمقراطية في الغرب وفي دول أخرى". كذلك لم يهتم اليسار بتجربة الليندي في الشيلي, سوى من وجهة نظرتدخل المخابرات الامريكة, بينما كانت تجربة غنية بالعبرلجميع اشتراكيي وماركسيي العالم. ولكن مفاجأتي الكبرى كانت أثناء زيارة لي لسوريا صيف 1975(خلال دراستي في فرنسا) , في خضم الصراع على السلطة في البرتغال, بعد انهاء حكم سالازار, بين الشيوعيين والديمقراطيين وعلى رأسهم الحزب الاشتراكي. كان من الطبيعي أن يقف النظام السوري وحزبه, وكذلك الحزب الشيوعي البكداشي, مع الشيوعيين وضد الديمقراطية, أما أن يقف اليسار السوري المعارض مع شيوعيي البرتغال وضد عودة الديمقرطية فكان أشبه بفصل لمسرحية عبثية, لم تكن لتخطر حتى في بال يوجين يونيسكو.
تأثر السواح بجورج طرابيشي حين كان هذا الأخير رئيس تحرير "دراسات عربية" التي كانت تصدر في بيروت عن دار الطليعة. من طرابيشي تعلم نقدالفكر الديني ونقد الفكر الفلسفي ونقدالنقد. كذلك فتح طرابيشي الباب أمام رؤية مختلفة للفكر الماركسي وذلك بنشر مقالات لياسين الحافظ والياس مرقص. الذي لم يذكره الكاتب هو تحول طرابيشي الى الليبرالية وتبني الديمقراطية الغربية "البرجوازية" في كتاباته بعداستقراره في فرنسا. هذا التحول كان واضحا وصريحا في كتابيه: هرطقات 1 وهرطقات 2.
اعترف طرابيشي أن جيله وقع ضحية خدعة ماكرة التي رسخت في عقول كثيرين أن الغرب متقدم اقتصاديا بينما هومتخلف سياسيا( المقصود هنا النظام الديمقراطي). كذلك أصر طرابيشي على أن الديمقراطية هي عمل الطبقة البرجوازية, وحين قضت الأنظمة "اليسارية" العربية على البرجوازية البرعمية وأدت معها الليبرالية والديمقراطية معا.
استهوت الحلقات الماركسية وائل السواح بحثا عن فكر ماركسي جديد يحررهم من الفكر الماركسي الذي ساد قبل السبعينيات.هذا الفكر الجديد يستند على أعمال ماركس الشاب وانغلز الشيخ وبليخانوف ولينين ما قبل "ما العمل" وتروتسكي وايريك فروم وهربرت ماركوزة وجورج طرابيشي والعفيف الأخضر. ركزت الحلقات على المواضيع التي تتغافل عنها الأحزاب الشيوعية : مسألة البيروقراطية في الأحزاب الشيوعية, الجانب الانساني للماركسية, المسأتة القومية, قضية فلسظين وقضايا أخرى منها التعامل مع البرجوازية الصغيرة والأنظمة الوطنية التقدمية. ولكن هل كان السواح ورفاقه مدركين أن عملهم لم يكن الا عملية اعادة العذرية للماركسية والشيوعية تحت ستار تجديد الفكر الماركسي ونقدالفكر الشيوعي التقليدي في فترة عرفت الأحزاب الشيوعية في الغرب تراجعا واضحا حتى ضمن الطبقة العمالية التي تبرجزت,هذا بالاضافة الى انصراف شعوب الدول الاشتراكية و المحكومة من أحزاب شيوعية, عن الأحزاب الشيوعية الحاكمة وايديولوجيتها الماركسية. الغائب في الحلقات الماركسية هي قضية المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات, وقبل كل شيء في قوانين الأسرة. هذا السكوت المدوي شاركت فيه جميع الأنظمة "الثورية اليسارية التقدمية" دون استثناء بينما تم تعديل قوانين الأسرة لمصلحة المرأة في تركيا وتونس ومؤخرا في مغرب أمير المؤمنين. أما من الناحية الشخصية فكان من الواضح في الكتاب وجود المرأة: الحبيبة و الزميلة والمناضلة والعاشقة في حياة السواح الذي كان حبه لها مرفقا باحترام كبير.
بينما كان الهدف الوحيد لجميع المعارضين للأنظمة الشيوعية ( من يساريين ويمينيين وقوميين ودينيين) هو تغيير النظام الشيوعي واستبداله بنظام ديمقراطي, كان التغيير الديمقراطي "البرجوازي" غائبا كليا في فكرالشيوعيين الجدد (رغم ذكر كلمة الديمقراطية, على استيحاء من بعضهم)الذين أنقسموا (بما فيهم حزب العمل الشيوعي), مثلما انقسم القوميون والاسلاميون والبعثيون كانقسام وحيد الخلية, "من دون أن تعرف حقا ما الفرق بين كل هذه الفرق ومن دون أن تفهم لماذا لم يقم على الساحة حزب جديد أو (أحزاب) يمثل قوى اجتماعية وفكرية غير تلك القائمة على الساحة.. ولماذا لم يظهر في سوريا حزب ليبرالي حقيقي أو اشتراكي ديمقراطي. أيعقل أن يكون الطيف السياسي السوري بمجمله طيفا قوميا- يساريا- شعبويا أو اسلاميا وحسب؟"
هذا التساؤل المشروع للسواح كان من الممكن أن يحل مكان الفقرة التي وضعها على صفحة الغلاف الرابعة عوضا عن الفقرة الحالية: " أما اليسار المتجدد الذي يرى في الحركة الى الأمام قدر السوريين فسيظل موجودا و وسوف يجمع نفسه قريبا في حركة واضحة المعالم تسير على طريق واضح ومحدد".
."هنا لا بد من ذكر ما جاء على لسان المؤلف في الكتاب: " لم تكن فكرة الحريات الفردية وحرية التعبير والديمقراطية غريبة علي: كانت احدى نقاط الخلاف بيني وبين قيادة التنظيم قبل الاعتقال, اراءئي التي كان البعض يراها متحرره زيادة عن اللزوم وأيضا "برجوازية".
أفهم تعلق وائل بالحريات الفردية وحرية التعبير, وهو ابن أحمد نورس السواح, صاحب جريدة الفجر الحمصية الذي كان معروفا بيساريته (رغم عدم انتمائه, على حد علمي, الى الحزب الشيوعي).
أحمد نورس الذي عانى من اغلاق جريدته عدة مرات. ولم يكتف البعث باغلاقها وانما بمصادرة المطبعة (مصدر رزقه الوحيد) ثم لاحقا بسجن ابنه الشاب وائل 10 سنوات . أحمد نورس السواح صاحب الكأس اليومي في في مطعم الأمير, برفقة الشاعر الماجن محي الدين درويش ورفيق فاخوري (أشهر وأقدر استاذ للغة العربية في حمص وربما في سوريا), قررصباح يوم أن يصبح من رواد الجامع ومرجع المدينة في الفقه الحنفي.الجامع كان ملجأه الأخير كما أصبح ملجأ شباب سوريا ( الذين سد البعث أمامهم كل الافاق) الذين خرجوا منه ذات يوم متطلعين الى السماء مرددين: ما النا غيرك يا الله!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى