الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الروح ضد ثروة القتل (5)

عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)

2023 / 5 / 19
العولمة وتطورات العالم المعاصر


القوة الشريرة اذن هي التي صنعت التقسيم الأول للثروة بان حصل الأقوى من الأضعف على اكثر من حاجته التي استخدمها لتبديلها مع من يحتاجها ولا يملك القدرة على انتاجها وهكذا وصولا الى القدرة على امتلاك المنتج نفسه " أي العبد " او امتلاك جهده " القن " او امتلاك جزء من وقته " العامل " وتطور الامر الى ان وصل الى امتلاك عقول الاخرين وتسخيرها لخدمة السيد بما يحتاج له من أدوات لتطوير انتاجه وتثبيت سلطته واخذت هذه الاختراعات مناحي عديدة في المقدمة منها السلاح " أدوات العنف " والتي ظهرت معها أيضا الجيوش وبظهور السلع كان لا بد من الحصول على المواد الخام أولا وبالتالي ظهرت الصراعات والحروب على مناطق السيطرة والنفوذ وبظهور الالة وكثرة الإنتاج وزيادة الوفرة السلعية صار لا بد من فتح أسواق جديدة لهذه السلع وبالتالي ظهر عبد جديد وهو الجندي والضابط المستعد للموت في سبيل سيده مقابل اجر

وفقا لتقرير أعده بنك " كريديه سويس " نقلا عن موقع " العربية نت " فان 1.1% فقط من سكان العالم يملكون 45.8% من ثروات العالم باسره وان 11.1% يملكون 39.% من ثروات الأرض أي ان ما مجموعه 12.2% فقط يملكون 84.9% بينما يملك 55% من البشر 1.3% من ثروة العالم وهذه الاحصائيات تطال البالغين فقط ومن المعلوم ان الملكية هنا متفاوتة في كل فئة أي ان التفاوت في الكتلة الثالثة قد يصل الى حد الصفر والى المجاعات والفقر والمرض والصراعات والحروب بينما ينتج التفاوت في الكتلة الأولى والثانية صراعات تصل الى قيادة الحروب لإحداث السيطرة عبر القتل في الكتلة الثالثة في سبيل زيادة تركيز الثروة اكثر فاكثر يقول فرنسيس بيكون " المال مثل السماد وليس جيدا الا اذا تم نشره " أي ان تكديس المال سيؤدي حتما الى الانفجارات بأشكال وأدوات ونتائج مختلفة.

صحيح ان عصر العبودية كان الابشع في تاريخ البشرية والذي يتم النظر اليه اليوم بتقزز واشمئزاز وتحاول البشرية ان تنساه كليا وكذا زمن الاقطاع الا ان الحقيقة المؤلمة ان القادم والذي ظهر بشكل جنيني الان سيكون الأسوأ والابشع في تاريخ البشرية وخصوصا بعد الانتقال من عصر اقتصاد المعرفة الى عصر اقتصاد الذكاء الصناعي والذي من خلاله يتم التخلي كليا عن العنصر البشري في صياغة أوضاع الإنسانية وتشكلها ويتحول الناس مرة أخرى ومن جديد الى عبيد وسادة وهو ما تسعى الامبريالية العالمية اليوم الوصول اليه مدركة بشكل ذكي ضرورة الوصول الى ذلك فهي تدرك ان ظلم العبودية أدى الى ثورة العبيد وان ظلم الاقطاع أدى الى ثورة الاقنان وكذا الظلم الذي وقع على العمال أدى الى عديد الثروات الاشتراكية في عديد بلدان العالم بما في ذلك تقسيم العالم الى كتلتين كبيرتين الكتلة الاشتراكية والكتلة الرأسمالية وكمنت الخطورة تصرف الكتلة الاشتراكية بنفس طريقة الكتلة الرأسمالية باعتبارها أيضا قائمة على تفاوت القوة فاصبح الاتحاد السوفياتي مقابل الولايات المتحدة الامريكية والآخرين يدورون في افلاكهم الى ان انهارت المنظومة الاشتراكية كليا بسبب انعدام العدل في داخلها أولا وسيطرة دولة على غيرها ثانيا وتحول القيادات الحزبية الى اثرياء واسياد يجب الخضوع والطاعة لهم بدون تفكير وبالتالي تحولت الاشتراكية والشيوعية الى إكليريكية دينية بالتمام والكمال واصبح السمع والطاعة من حق الزعماء على العامة والبذخ سمة لا يمتلكها الا القادة المعصومين من أي خطأ كالآلهة او الأنبياء.

في عصر الذكاء الاصطناعي ستصبح الالة او الروبوت مفكرة ومنتجة وبالتالي يصبح الانسان بالكامل تابع لها ولن تكون رقبة الرأسمالي بيد العبيد الخاضعين لاستغلاله بعد ان يحررهم من ذلك ويبقيهم تحت سطوته التي لا يرونها بأعينهم ولا يحسونها فوق جلدهم فالروبوت سيقاتل الحرب وينتج السلعة التي يحتاجها عامة الناس وستصبح صناعة وسائل الاتصال لا تحتاج انسان واحد وبالتالي فستترك صناعة الخبز والطعام والثياب لصغار المتمولين الذي سيخضعون للكبار بحاجتهم للآلات والأدوات الذكية للصناعة السلعية الضرورية لمواصلة حياة البشر وهؤلاء أيضا سيسعون لتقليل اعتمادهم على العنصر البشري بما يصل في البشرية حد الاستغناء عن اكبر قدر منها والإبقاء لهم على حاجة واحدة وهي العمل الأسود بكل اشكاله والافواه المفتوحة التي تعمل لتعيش وتدفع ما تنتجه للأسياد بكل درجاتهم.

بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سال احد الصحفيين احد المسؤولين الامريكان منتقدا كيف تركتم طائرات ودبابات واسلحة متطورة تلك التي كانت مع الجيش الافغاني لتسقط بيد طالبان فأجابه بالحرف على ما اذكر " لن يستطيعوا استعمالها فهي أصبحت الان مجرد اكوام من الحديد " وهذا يعني ان الأسلحة التي تباع لبعض الدول يجري التحكم بها عن بعد فالسعودية حين تدفع مئات المليارات لشراء الأسلحة الحديثة من الولايات المتحدة تدرك جيدا انها لا تستطيع استخدامها بخلاف إرادة الولايات المتحدة فقد تسمح لهذه الأسلحة بالعمل ضد اليمن وايران ولكنها ستتوقف ضد إسرائيل مثلا وهكذا ومن جانب اخر سيتم السماح بالموت للفقراء والضعاف بما في ذلك ان يقتتلوا فيما بينهم لصالح جيوب الاسياد الأقوياء او ان يموتوا على ايدي هؤلاء الاسياد فالحرب اليوم على أوكرانيا تديرها الولايات المتحدة واتباعها ولكن بدم الاوكرانيين والروس انفسهم, ويرى المراقب جيدا ان كل هذه الحرب تقوم على قاعدة اقتل الاوكراني كما شئت وبما شئت لكن أحدا لا يمكنه ان يستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد الاخر ممن يملكونها فلن تقصف الولايات المتحدة روسيا ولن تقصف روسيا الولايات المتحدة ولا باي حال من الأحوال فالفائزين في النهاية ليسوا بايدن الأمريكي وبوتين الروسي بل هي الشركات الكبرى من صانعي السلاح التي يستهلك العالم منتجاتها فقط بالحرب فهي اذت " أي الحرب " الفعل المحبب والضروري صناعته لصالح هؤلاء الذين لا دين ولا قومية ولا لون لهم.

مرة أخرى القوة وادواتها اذن هي من صنعت التوزيع المجرم للثروة وبالتالي من صنعت التفاوت في الملكية وصولا الى من يملك كل شيء ومن لا يملك شيئا بما في ذلك قوت يومه الضروري لمواصلة الحياة وهو ما يعني ان هناك من يستخدم كل حواسه وغرائزه بكل اريحية وهناك من لا يملك الحق بالوصول الى القدرة على البقاء حيا وهذا يقودنا للحديث عن الحواس والغرائز فيما إذا كانت تملك دورا فيما نحن فيه او فيما نحن ذاهبون اليه ام لا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء