الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنطق في الاجتهاد القضائي قراءة في ضوء قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 2481/الهيئة المدنية/2023

سالم روضان الموسوي

2023 / 5 / 20
دراسات وابحاث قانونية


المنطق في الاجتهاد القضائي

قراءة في ضوء قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 2481/الهيئة المدنية/2023

المقدمة

ان حاجتنا للمنطق تبقى قائمة وملحة طالما نعمل في نطاق اعمال الفكر والاجتهاد، وهذه الحاجة ليس لتقصٍ في المعرفة او مقدار المعلومة التي يكتنزها العقل او الحافظة الذهنية، وانما لان المنطق وان كان لا يعلمنا التفكير، الا انه يرشدنا الى تصحيح التفكير، وحاجة عظيمة كما وصفها العلامة الشيخ رضا المظفر والمنطق بوصفه العام هو الالة القانونية التي تعصم العقل عن الخطأ في التفكير ان تمت مراعاتها وعلى وفق ما عرفه الشيخ المظفر[1]، وان كلمة المراعاة في اللغة تدل على (المحافظة والإبقاء على الشيء، والإرعاء هو الإبقاء)[2]، مما يعني ان المنطق وقواعده لابد وان تبقى ملازمة لعملنا الفكري ومنه الاجتهاد القضائي، الذي نحن بصدده، ويرى بعض المختصين في القضاء والقانون بان المنطق القضائي هو أسلوب ذهني وعقلي (فكري) يستعين به المجتهد في الاحكام للوصول الى اكبر قدر ممكن من الحقيقة الواقعية، حتى وان لم يصل اليها فانه يصل بها الى الحقيقة القضائية التي تبقى عنوان للحقيقة وليس الحقيقة بذاتها، على ان تكون هذه الحقيقة متفقة مع العقل[3]، وقسم بعض الكتاب المنطق القضائي الى نوعين الأول هو المنطق الخاص بالوقائع والثاني المنطق الخاص بالقانون، ويقصد بالأول هو التقدير الموضوعي للوقائع، لان المجتهد في الاحكام وان كانت له السلطة التقديرية المطلقة تجاه الوقائع، الا ان ذلك يبقى خاضع لقيود تمنع خروجه عن العقل والمنطق السليم[4]، لذلك نجد ان محكمة التمييز الاتحادية او جهات الطعن المختلفة تتدخل في ما هو من صلاحية المجتهد في الاحكام المطلقة، ومنها على سبيل المثال تقدير الإقرار غير القضائي الوارد في المادة (70) من قانون الاثبات العراقي رقم 79 لسنة 1979 المعدل التي جاء فيها الاتي (الاقرار غير القضائي واقعة يعود تقديرها للقاضي ويجب أثباته وفقا للقواعد العامة في الاثبات) او تقدير الشهادة وعلى وفق ما ورد في المادة (82) اثبات التي جاء فيها الاتي (لمحكمة الموضوع تقدير الشهادة من الناحيتين الموضوعية والشخصية، ولها ان ترجح شهادة على اخرى وفقا لما تستخلصه من ظروف الدعوى على ان تبين اسباب ذلك في محضر الجلسة.) لكن نرى ان محكمة التمييز تتدخل في هذه الصلاحية المطلقة للمجتهد في الاحكام، عندما تجد ان النتيجة التي تبنى على تلك الشهادة او الإقرار لا تتفق والمنطق السليم، وأدوات المنطق في الاجتهاد القضائي (الاستقراء والاستنباط) ويكون الاستقراء سابق للاستنباط، حيث تكون ملاحظة الوقائع المطروحة المؤسس عليها الدليل، وبعدها يكون الاستنباط نتيجة معينة من تلك الوقائع[5]. لذلك فان المنطق القضائي هو أساس العمل في اجتهاد الاحكام وهو وسيلة المجتهد في الوصول الى النتيجة السليمة التي تقارب الحقيقة الواقعية قدر الإمكان، ان لم تتمكن من الوصول اليها كاملة، ولتوضيح الفكرة تطبيقياً نعرض حكم قضائي ليكون عينة لمخبر التحليل المنطقي، وارى ان قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 2481/الهيئة المدنية/2023 في 6/3/2023 يمثل نموذجاً لعرض الموضوع وعلى وفق الاتي:

الفرع الأول

موضوع الدعوى

نستدل على موضوع الدعوى من خلال ديباجة القرار العدد 2481/الهيئة المدنية/2023 في 6/3/2023 أعلاه[6]، وهذا الاستدلال هو احد المحاور الأساسية للمنطق وعلى وجه الخصوص المنطق القضائي، حيث جاء فيه ان احدى الشركات المستثمرة في بناء الوحدات السكنية بموجب قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 قد باعت تلك الوحدات الى المواطنين قبل ان يتم اجازها بالكامل، وتضمن العقد المبرم مع المواطن المشتري بان يتم تسليم الوحدة السكنية خلال (42) شهراً من تاريخ توقيع العقد بينهم، الا ان صاحب المشروع الاستثماري تخلف عن تنفيذ التزامه ولم يسلم الوحدة السكنية رغم مضي المدة التي اتفق عليها بموجب العقد، كما انه امتنع عن إعادة المبلغ الذي دفعه اليه المشتري والبالغ (38،650،000) ثمانية وثلاثون مليون وستمائة وخمسون الف دينار، رغم الإنذار المسير اليه، فأقام المشترى الدعوى امام محكمة البداءة طلب فيها فسخ العقد المبرم بينهم والزامه بإعادة المبلغ الذي استلمه بموجب هذا العقد، وقضت المحكمة بعد مرافعاتٍ عدة بفسخ العقد والزام المدعى عليه صاحب المشروع الاستثماري بإعادة المبلغ المدفوع، الا ان محكمة التمييز وبعد الطعن بالحكم امامها قضت بموجب القرار محل البحث بنقض قرار محكمة البداءة، وان الحكم أعلاه قد توصلت اليه المحكمة من خلال الأسباب التي ساقتها في الحكم. وهذا ملخص الحكم البدائي.

الفرع الثاني

اختصاص محكمة التمييز الاتحادية وأسباب نقض الحكم

ان محكمة التمييز تختص بالنظر في الطعون المقدمة تجاه قرارات محاكم الاستئناف والبداءة ومحاكم الأحوال الشخصية، الا ان أسباب هذا الطعن له نطاق حددته المادة (203) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل منها إذا كان الحكم قد بنى على مخالفة للقانون او خطا في تطبيقه او عيب في تأويله[7]. وحيث ان المنطق القضائي، كما تقدم عرضه، يستوجب الاستدلال للوصول الى النتيجة المطابقة لعملية الاستقراء، لان الحكم هو الاستنباط ووضعه بصورة نتيجة تسمى الفقرة الحكمية، ولمعرفة كيف جرت تلك العملية لابد لنا من تفكيكها من خلال عرض ادلة الحكم وآلية الاستدلال، والأسباب التي دعت للوصول الى تلك النتيجة، وهذه العملية تكون بعرض النتيجة مع نطاق عمل محكمة التمييز الواردة في المادة (203) مرافعات المشار اليها في أعلاه، وعلى وفق الاتي.

أولاً: هل كان قرار الحكم الصادر عن محكمة البداءة قد تم بنائه على مخالفة في القانون او خطأ في تطبيقه او عيب في تأويله؟ وهل توفر سبب من أسباب النقض أعلاه؟

ان قرار الحكم قد قضى بالفسخ لان العقد المبرم بين الطرفين هو من العقود التي تخضع للقواعد العامة ولا تخرج عن نطاق نظرية العقد التي تبنتها المنظومة التشريعية في العراق، اما عن السبب الذي استندت اليه محكمة التمييز الموقرة بان عقد الاستثمار هو عقد ذو طبيعة خاصة، وبعد البحث لم نجد في المنظومة التشريعية أي نص يضفي هذه الخصوصية او الطبيعة الخاصة، لكن لابد من التمييز بين نوعين من العقود في هذه الواقعة محل البحث، الأول هو العقد بين المستثمر صاحب المشروع الاستثماري والجهات الحكومية التي منحته حق الاستثمار، قد نظمته احكام قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل وهذا العقد ما زال البحث في تكييفه قائم، وتوجد عشرات البحوث والدراسات فيه، منهم من اعتبره نوع من عقود المقاولة واخرون اعتبروه من عقود الوعد بالبيع فيما يتعلق بمشاريع الاستثمار في القطاع السكني[8]، لان القانون لم يوضح هذه الطبيعة، والنوع الثاني هو العقد المبرم بين المستثمر (صاحب المشروع الاستثماري) وبين المشتري للوحدة السكنية، وهذا هو العقد الذي كان محل نظر القضاء في الدعوى محل البحث، والقانون سواء كان قانون الاستثمار او أي قانون اخر في المنظومة التشريعية، لم يتطرق الى توصيفه بوصف خاص او بناء قواعد قانونية جديدة تتعلق به حصراً او تسميته باي اسم معين، مما جعله من العقود غير المسماة، ومن ثم يخضع للقواعد العامة في نظرية العقد التي يتبناها القانون العراقي، لكن القضاء العراقي كان له موقف من هذه العقود حيث اعتبره عقداً صحيحاً وان كان يتعلق ببيع عقار ولم يسجل بدائرة التسجيل العقاري على خلاف نص المادة (508) من القانون المدني[9]، ويخضع للقواعد العامة للعقود الصحيحة الملزمة للطرفين، فاذا اخل البائع (المستثمر) بالتزامه بعدم تسليم الوحدة السكنية محل العقد فان المشتري له الحق في طلب فسخ العقد مع التعويض ان كان له مقتضى على وفق احكام المادة (177/1) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951، وقرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 1006/استئنافية عقار/2023 في 29/3/2023 اكد هذا الاتجاه وعلى وفق الاتي (ان عقد بيع الوحدة السكنية المشمولة بقانون الاستثمار وان كان من العقود الصحيحة الا أن موضوع تسجيل الوحدة السكنية في دائرة التسجيل العقاري المختصة جبراً لا يمكن قبوله لأن عقد بيع العقار في دائرة التسجيل العقاري المختصة لا ينفذ الا بإرادة البائع ورضاه واذ رفض التسجيل فللمشتري حق طلب فسخ عقد البيع والتعويض أن كان لذلك مقتضى)[10]، وفي قرار سابق قد اكدت محكمة التمييز الاتحادية على ان عقد بيع وحدة سكنية في مشروع استثماري هو عقد يخضع للقواعد العامة وجاء في قرارها العدد 3840/هيئة استئنافية عقار/2018 في 13/8/2018 بان (نتيجة الازمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالبلد ومطلع سنة 2014 ولم يعد للعقد الاستثماري الاصلي أي وجود ولاستمرار الازمة المالية بعد فسخ العقد الاصلي والمقترنة بعدم احالة المشروع مرة اخرى الى مستثمر جديد فتكون هذه الواقعة المركبة والمتتابعة سببا اجنبيا قد طرأ اثناء نفاذ عقد بيع وشراء الشقة السكنية بين المدعية والمدعى عليه اضافة لوظيفته والذي لا يستطيع دفعه وما نتج عن ذلك استحالة تنفيذ ما التزم به بالفقرة (7) من العقد بتسجيل الشقة بأسم المشترية (المدعية) خلال سنة من تاريخ الاستلام الاصلي ولان عدم تنفيذ الالتزام لسبب اجنبي تعطي الحق للمتعاقد الاخر (المشتري) فقط المطالبة بإعادة لمبلغ محدد من قبله للطرف الاخر ولا يجوز المطالبة بفسخ العقد لان المبيع قد ملك حكما وبهذا فان العقد قد انفسخ نتيجة السبب الاجنبي وذلك استنادا لصراحة نص المادة (179) من القانون المدني )[11] وفيه إشارة واضحة الى تطبيق احكام القانون المدني على عقد بيع الوحدة السكنية في المشروع الاستثماري.

ثانياً: مناقشة أسباب النقض الواردة في قرار الحكم محل البحث:

الأسباب التي ساقتها محكمة التمييز الاتحادية الموقرة هي (1- ان العقد المبرم بين طرفي الدعوى هو عقد استثمار ذو طبيعة خاصة. 2- ان إجابة طلب المدعية وفسخ العقد تعطيل الاستثمار الجاري في البلد. 3- لا يجوز قبول دعوى طلب الفسخ لأنها ستؤدي الى عزوف المستثمرين وتعطيل التنمية في البلد) وللوقوف على ما ورد فيها نعرضها للمناقشة على وفق الاتي:

1. ان العقد المبرم بين طرفي الدعوى هو عقد استثمار ذو طبيعة خاصة: ان السبب الذي استندت اليه محكمة التمييز الموقرة بان عقد الاستثمار هو عقد ذو طبيعة خاصة، توجه لم نجد له سند في القانون لان المنظومة التشريعية لم يرد فيها أي نص يضفي هذه الخصوصية او الطبيعة الخاصة وعلى وفق ما تقدم ذكره،

2. ان إجابة طلب المدعية وفسخ العقد تعطيل الاستثمار الجاري في البلد: قرار محكمة التمييز الموقرة قد اعتبر فسخ العقد مع وجود الموجب القانوني له يعد سبباً من أسباب تعطيل الاستثمار في البلد، وفي هذا السبب نجد انها لم تستند الى نص في القانون وانما، ذهبت لغايات التشريعات المتعلقة بالاستثمار، واستنبطت قاعدة تمثلت بعدم جواز الفسخ حتى وان توفرت أسبابه طالما تتعارض مع سياسة تعضيد الاستثمار، وعند الرجوع الى أسباب النقض التي يجوز لمحكمة التمييز ان تخوض فيها قد وردت على سبيل الحصر في المادة (203) من قانون المرافعات المدنية وهي (1- اذا كان الحكم قد بنى على مخالفة للقانون او خطا في تطبيقه او عيب في تأويله. 2- اذا كان الحكم قد صدر على خلاف قواعد الاختصاص 3- اذا وقع في الاجراءات الاصولية التي اتبعت عند رؤية الدعوى خطا مؤثر في صحة الحكم 4- اذا صدر حكم يتناقض حكما سابقا صدر في الدعوى نفسها بين الخصوم انفسهم او من قام مقامهم وحاز درجة البتات 5- اذا وقع في الحكم خطا جوهري) وليس فيها سبباً يتعلق بتعارض الحكم مع غايات افتراضية، لان الأصل يبقى للقانون، ولا يجوز مخالفة النصوص القانونية لصالح أي فرضية او اعتقاد غير مقنن، وهذا ما قررته محكمة التمييز الاتحادية في قراراها العدد 851/هيئة عامة/2013 في 24/6/2013 حيث جاء فيه (ان تكون الاحكام مشتملة على الاسباب التي بنيت عليها وان تستند الى احد اسباب الحكم المبينة في القانون)[12] أي انها لا تقف عند غير الأسباب التي وردت في القانون حصراً، وهو تطبيق سليم يستند لأحكام المادة (159/1) من قانون المرافعات التي جاء فيها الاتي (يجب ان تكون الاحكام مشتملة على الاسباب التي بنيت عليها وان تستند الى احد اسباب الحكم المبينة في القانون) ويشير المرحوم عبدالرحمن العلام الى (ان المحكمة متى ما استخلصت الصحيح من الوقائع وجب عليها ان تأخذ من القانون القاعدة الواجبة التطبيق)[13]، والسبب الذي توصلت اليه محكمة التمييز المتعلق بتعطيل عملية الاستثمار في البلد لا يوجد ما يمثله في القواعد القانونية الواردة في المنظومة التشريعية، حتى لو اعتبر البعض ان فسخ العقد سوف يكون ضرره اشد من ضرر عدم الفسخ لأنه يتعلق بأمر عمومي لا يقف اثره عند اطراف الدعوى ويعطل الاستثمار في البلد، فان هذا الرأي مردود، لان القاعدة التي تمنح الحق بدفع الضرر الأشد بالضرر الاخف هي المادة (213) من القانون المدني[14]، وهذه لها شروط من أهمها، ان ذلك الضرر يكون لوقاية النفس من ضرر محدق، وفي الحالة موضوع الدعوى لم يتعلق بوقاية النفس، وانما بحماية مصالح مالية تتعلق بالمصلحة العامة وعلى وفق ما عرضه الحكم أعلاه، وهذا لم يكن من بين الحالات التي ذكرتها المادة (213) مدني، كما لا يمكن اعتبارها تتعلق بالضرر الجماعي الذي لم يرد فيه نص صريح في القانون العراقي، مثلما عليه في القانون المدني الفرنسي، وانما اقتصر وجوده في مطالبات الهيئات العامة والنقابات للدفاع عن منتسبيها وانه يؤثر على أصول المهنة التي تمثلها تلك النقابات، ويشير الدكتور حسن علي الذنون الى ان هذه الصورة من الضرر التي تسمى الضرر الجماعي يكون حضورها في المسؤولية التقصيرية وليس المسؤولية العقدية[15]، لذلك نخلص الى ان الغايات لا تمثل سبباً قانونياً لرفض الفسخ الوارد بحكم القانون.

3. لا يجوز قبول دعوى طلب الفسخ لأنها ستؤدي الى عزوف المستثمرين وتعطيل التنمية في البلد: ان هذا السبب الذي اعتمدته محكمة التمييز الموقرة عند اصدار الحكم محل البحث، فيه منع بإقامة مثل هذه الدعاوى، وان المنع يجب ان يكون بحكم القانون، لان المادة (29) من قانون المرافعات منحت القضاء الولاية العامة للنظر في أي نزاع بما فيها الحكومة الا ما استثني بنص خاص[16]، وبذلك لا يوجد ما يمنع قبول دعوى الفسخ لهذا النوع من العقود محل نظر الدعوى، الا اذا وجد نص خاص، والقوانين المتعلقة بالاستثمار لم يرد فيها مثل هذا النص المانع، وانما على العكس نجد ان المادة (37/3) من قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 قد منحت القضاء الولاية العامة للنظر في أي نزاع بين المستثمر وغيره من اشخاص القانون الخاص[17]، ويلاحظ في عجز المادة أعلاه أشار الى وجوب صدور حكم قضائي بمعنى فرض اللجوء الى القضاء وليس المنع ، على خلاف ما ورد في السبب أعلاه من أسباب النقض في قرار الحكم محل البحث، فضلاً عن ذلك فان الدستور العراقي لعام 2005 قد منع تحصين أي عمل او قرار اداري من الطعن به امام القضاء وعلى وفق ما ورد في المادة (100) التي جاء فيها الاتي (يحظر النص في القوانين على تحصين اي عمل أو قرار اداري من الطعن) واكد ذلك القانون رقم 17 لسنة 2005 المعدل قانون الغاء النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوي، وهذا على خلاف الاتجاه القضائي أعلاه، الذي أسس لمبدأ جديد بعدم قابلية فسخ العقد نهائياً.

الخاتمة

ان المنطق القضائي على وفق تعريفه في مقدمة البحث يوجب ان تكون الأسباب التي تقود للوصول الى النتيجة متفقه والنصوص القانونية التي يستند اليها الحكم القضائي، ويشير المختصون بعلم المنطق بان المنطق هو الاستدلال ويقصد به الانتقال من قضية او أكثر وتسمى (المقدمات) الى قضية أخرى تسمى (النتيجة) وترتبط برباط معين بحيث اذا قبلنا المقدمات قبلنا النتيجة[18]، ومن خلال تحليل الحكم محل البحث وجدنا فيه اضاءات لعلم المنطق وان لم يصرح بها، لكن نرى انها لم تكن على وفق ما رسمه علم المنطق وعلى وجه الخصوص المنطق القضائي، لان النتيجة التي وصلت اليها تتقاطع مع النصوص القانونية، فضلاً عن تقاطعها مع احكام قضائية قد صدرت عن الهيئة العامة او الهيئة الاستئنافية عقار في ذات المحكمة وعلى وفق ما تم عرضه، ولم يكن بمعنى العدول لان العدول اصلاً يكون من اختصاص الهيئة العامة، والمشرع العراقي اهتم بموضوع العدول وعلى وجه الخصوص في قرارات محكمة التمييز وجعل الهيئة المختصة في ذلك هي الهيئة العامة التي تتكون من جميع قضاة محكمة التمييز الاتحادية وعلى وفق ما جاء في المادة (13) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل[19]، وبموجب هذا النص لا يجوز لأي هيئة ان ترجع عن مبدأ سبق وان سارت عليه ، لكن نجد بين الحين والآخر قيام هيئات محكمة التمييز بالرجوع عن مبادئ سبق وان استقر العمل بها دون يكون ذلك العدول بواسطة الهيئة العامة[20]، وبموجب قرار الحكم أعلاه قد استحدث مبدأ جديد لم يكن له وجود في القانون ولا في تطبيقات القضاء ويتمثل بوجود عقد غير قابل للفسخ اطلاقاً مهما فعل احد الأطراف من اخلال في التزاماته وعدم تنفيذها، ومهما حصل بالطرف الاخر من ضرر، وهذا يخالف المنطق القضائي فضلاً عن النصوص القانونية التي اشرت اليها في العرض أعلاه، لذلك بتمنى ان يكون لمحكمة التمييز تصويب لهذا المبدأ لاحقاً ان اعيد عرضه عليها.

سالم روضان الموسوي
قاضٍ متقاعد
الهوامش ================

[1] الشيخ محمد رضا المظفر ـ المنطق ـ منشورات مطبعة الحسام في بغداد ـ طبعة عام 1982 ـ ص 4

[2] ابن منظور ـ لسان العرب - ج 14 ص 329

[3] للمزيد انظر المستشار الدكتور محمد علي سويلم ـ التكييف في المواد الجنائية ـ منشورات دار المطبوعات الجامعية في الإسكندرية ـ طبعة عام 2005 ـ ص 116

[4] الدكتور احمد فتحي سرور ـ النقض في المواد الجنائية ـ منشورات دار النهضة العربية ـ طبعة القاهرة عام 1988 ـ ص 283

[5] الشيخ محمد رضا المظفر ـ مرجع سابق ـ ص 295

[6] القرار منشور في موقع مجلس القضاء الأعلى على الرابط الاتي https://iraqcas.e-sjc-services.iq/

[7] نص المادة (203) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل (للخصوم ان يطعنوا تمييزا، لدى محكمة التمييز في الاحكام البداءة او المحاكم الشرعية، ولدى محكمة استئناف المنطقة في الاحكام الصادرة من محاكم البداءة كافة، وذلك في الاحوال الاتية. 1- اذا كان الحكم قد بنى على مخالفة للقانون او خطا في تطبيقه او عيب في تأويله. 2- اذا كان الحكم قد صدر على خلاف قواعد الاختصاص 3- اذا وقع في الاجراءات الاصولية التي اتبعت عند رؤية الدعوى خطا مؤثر في صحة الحكم 4- اذا صدر حكم يتناقض حكما سابقا صدر في الدعوى نفسها بين الخصوم انفسهم او من قام مقامهم وحاز درجة البتات 5- اذا وقع في الحكم خطا جوهري ، ويعتبر الخطا جوهريا اذا اخطا الحكم في فهم الوقائع او اغفل الفصل في جهة من جهات الدعوى او فصل في شيء لم يدع به الخصوم او قضى باكثر مما طلبوه او قضى على خلاف ما هو ثابت في محضر الدعوى او على خلاف دلالة الاوراق والسندات المقدمة من الخصوم او كان منطوق الحكم مناقضا بعضه لبعض او كان الحكم غير جامع لشروطه القانونية)

[8] للمزيد انظر احمد هاشم والدكتور مثنى عبدالكاظم ماشاف ـ عقد بيع عقار على الخارطة ـ بحث مشترك منشور في مجلة الحقوق التي تصدرها كلية القانون في الجامعة المستنصرية ـ المجلد الأول العدد 29- 30 عام 2017

[9] نص المادة (508) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 (بیع العقار لا ينعقد الا اذا سجل في الدائرة المختصة واستوفى الشكل الذي نص علیه القانون)

[10] القرار منشور في موقع مجلس القضاء الأعلى على الرابط الاتي https://www.sjc.iq/qview.2752/

[11] القرار منشور في موقع مجلس القضاء الأعلى على الرابط الاتي https://www.sjc.iq/qview.2415/

[12] القرار منشور في موقع مجلس القضاء الأعلى على الرابط الاتي https://www.sjc.iq/qview.1924/

[13] لمزيد انظر المرحوم القاضي عبدالرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات ـ منشورات المكتبة القانونية ـ الطبعة الثانية عام 2008 ـ الجزء الثالث ـ ص188

[14] نص المادة (213) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل (1 – يختار أهون الشرّين فإذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضررا ويزال الضرر الاشد بالضرر الاخف، ولكن الاضطرار لا يبطل حق الغبر ابطالاً كليا. 2 – فمن سبب ضرراً للغیر وقاية لنفسه او لغيره من ضرر محدق يزيد كثيرا على الضرر الذي سببه لا سكون ملزماً الا بالتعويض الذي تراه المحكمة مناسباً)

[15] للمزيد انظر الدكتور حسن علي الذنون ـ المبسوط في المسؤولية المدنية ـ منشورات مطبعة التايمز في بغداد طبعة عام 1991 ـ ص206

[16] نص المادة (29) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل (تسري ولاية المحاكم المدنية على جميع الاشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة وتختص بالفصل في كافة المنازعات الا ما استثنى بنص خاص)

[17] نص المادة (37/3) من قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل (وعلى وفق النص الاتي (اذا ترتب عن نزاع بين الشركاء او بين مالك المشروع او الغير في مشروع يخضع لأحكام هذا القانون توقف العمل لمدة تزيد عن ثلاثة اشهر يجوز للهيئة سحب الترخيص والطلب الى مالكي المشروع تسوية امره خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور، واذا مرت هذه المدة دون تسوية الامر بين الشركاء او بين مالك المشروع والغير ، فان للهيئة اتخاذ الاجراءات القانونية لتصفية المشروع مع اخطار مالك المشروع او احد الشركاء بذلك ويتم ايداع مبلغ التصفية في احد البنوك بعد استيفاء حقوق الدولة او اي حقوق للغير وبعد صدور حكم قضائي باستحقاقها)

[18] الدكتور محمود فهمي زيدان ـ المنطق الرمزي نشأته وتطوره ـ منشورات دار النهضة العربية ـ طبعة بيروت عام 1979 ـ ص21

[19] نص المادة (13) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل (أ‌ ــ الهيئة العامة : تنعقد برئاسة رئيس محكمة التمييز الاتحادية , او أقدم نوابه عند غيابه او وجود مانع قانوني من اشتراكه وعضوية نوابه وقضاة المحكمة العاملين فيها كافة وتختص بالنظر فيما يأتي :ـ 1- ما يحال عليها من إحدى الهيئات اذا رأت العدول عن مبدأ قررته إحكام سابقة 2- الفصل في النزاع الذي يقع حول تعارض الإحكام والقرارات الصادرة من محكمة التمييز الاتحادية )

[20] للمزيد انظر ورقتنا البحثية ـ العدول من اختصاص الهيئة العامة في محكمة التمييز حصراً ـ ورقة بحثية نشرتها صحيفة الحوار المتمدن الالكترونية العدد 7077 في 14/11/2021 على الرابط الاتي

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=737717








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار