الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متغيرات وصراعات عالمية أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية

فهد المضحكي

2023 / 5 / 20
الارهاب, الحرب والسلام


لا تعيش أي دولة بمنأى عما يدور حولها من صراعات في محيطها الإقليمي والدولي، حتى لو حاولت حكومتها النأي بنفسها عن التدخل والتورط في تلك الأحداث والمتغيرات والصراعات، بل تتأثر الدول بما يجري في محيطها الإقليمي والدولي، وتؤثر فيه، إيجاباً وسلباً، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد شهد العالم في السنوات الأخيرة العديد من المتغيرات، التي سيكون لها بالغ الأثر في صياغة الوضع الدولي الجديد، كما كشفت الحرب الروسية الأمريكية على الأراضي الأوكرانية بعضاً من هذه المتغيرات، وساهمت في أبراز وتبلور وإنتاج بعضها الآخر، بحيث يمكننا القول إن صورة العالم أثناء وبعد انتهاء الحرب، لن تكون كما كانت قبلها، على مستويات عدة. كثيرة هي التحليلات التي تناولت هذا الموضوع، ولعله من الأهمية هنا أن نشير إلى أهم ما خلص إليه الكاتب والصحفي بجريدة الأهالي المصرية محمد فرج وهو، لقد كشفت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي انطلقت في الرابع والعشرين من فبراير 2022، عن ملامح عالم جديد يتأهل للظهور، خاصة مع ارتباط هذه العملية العسكرية بعمليات تصعيد السلطات الأمريكية والأوروبية لقراراتها وعقوباتها الاقتصادية والمالية ضد روسيا. وقد جاءت هذه الحرب لتكشف عن وجود أزمة اقتصادية كامنة يعيش فيها العالم الرأسمالي، تحيط بها عوامل عديدة للتفاقم والانفجار منذ عدة عقود. بمعنى، جاءت هذه الحرب لتكشف وجود هذه الأزمة وتُفاقم منها وتدفعها للانفجار، في صورة انفجار هذا ( التضخم ) الجامح،الممتد أفقياً في عديد من المراكز الرأسمالية المتقدمة والبلدان النامية في الأطراف، وظهر ذلك في صورة ارتفاع في أسعار المنتجات والخدمات والديون، وأنتجت الحرب عوامل جديدة لمفاقمة الأزمة وانفجارها، بما أنتجته من اختلالات في سلاسل الامداد العالمية، والارتفاع غير المسبوق في الطاقة، واستخدام روسيا الامدادات كأداة للضغط على الغرب، وتفاقم أزمة إمداد الحبوب للعديد من دول العالم، فظهرت أزمات الطاقة والغذاء لتعمق ظاهرة التضخم الممتد عبر العديد من الدول، وانتشر التضخم كالعدوى، ليكشف عن عمق الأزمة الإقتصادية الرأسمالية العالمية في دول المركز الرأسمالي المتقدم وأطرافه النامية والمتأخرة. كما كشفت تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عن بروز ظواهر بازغة من التحول نحو نظام عالمي جديد،متعدد المحاور،حيث التقارب الروسى/‏ الصينى، ومعاناة العديد من دول الأتحاد الأوروبي من استمرار الحرب، وتفاقم الأزمات في أمريكا كأزمة البنوك وارتفاع سقف الدين العام بعد تجاوزه 31.4 تريليون دولار، وسعي كل من ألمانيا وفرنسا القيام بدور قيادي في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وبداية تململ وتباعد وتفكك حلفاء أمريكا التقليديين، وظهور قدر من السياسات المستقلة نسبيا للدول الأفريقية والعربية البترولية. وفي نفس السياق تبلور النظام السياسي العالمي الجديد، وعلى مستوى الاقتصادي، وبروز ( الصندوق الآسيوي للبنية الأساسية) الذي تقوده روسيا والصين، وهو ما يوازي البنك الدولي، بما يسهم في عملية ترسيخ قواعد النظام العالمي الجديد.

وتبرز الصين الشعبية- قبل العملية الروسية في أوكرانيا وبعدها- كقطب اقتصادي، وسياسي جديد، ورقم في المعادلة الدولية الجديدة لا يمكن تجاهله، وتقف أمريكا من هذا القطب الصينى الصاعد موقف العداء المعلن. وكذلك، شهدت الأوضاع الدولية في العقدين الأخيرين على المستوى الفكري السياسي والثقافي متغيرات هامة، قبل وبعد الحرب الروسية الأوكرانية، فعلى الرغم من انكشاف وتراجع تيار العولمة الجديدة( النيوليبرالية) وسياسات ٱليات السوق الحرة الطليقة، وظهور سياسات وميول وإجراءات تدخل الدولة الرأسمالية وتأميم البنوك في مواجهةالأزمة المالية في أمريكا والمراكز الرأسمالية ( 2007 - 2008)، وقبلها الأزمة المالية والاقتصادية الٱسيوية في دول جنوب شرق ٱسيا وكوريا الجنوبية واليابان عام 1997، فقد دخلت العديد من بلدان المراكز الرأسمالية في غرب أوروبا في أزمة فكرية سياسية جديدة، تمثلت في التراجع الحاد في وحدة وتماسك ونفوذ التيارات الفكرية والسياسية الكبرى وأحزابها، وتنامي دور وبروز تيارات فكرية وسياسية جديدة، يمينية متطرفة، نافست على الحكم في الانتخابات الفرنسية، ونافست وسيطرة على الحكم في النمسا وإيطاليا مؤخراً، واتساع نفوذ تيار اليمين المتطرف في السويد والمجر وبلغاريا، ويظهر هذا التوسع في النفوذ بتأثير الأزمة الاقتصادية وتٱكل نفوذ الأحزاب الكبرى والنخبة السياسية، ويظهر وينمو في صورة اجتياح للمجال العام، الشعبي والسياسي في أوروبا، وقد بات بروز هذا الميول والتيارات اليمنيية المتطرفة والفاشية تعبيراً فكرياً وسياسيا عن تفاقم أزمة النظام الرأسمالي في المراكز المتقدمة. وقد أخذت هذه الأزمة صورا متباينة في بريطانيا وأمريكا بتأثير العملية الروسية في أوكرانيا، ففي بريطانيا أخذت شكل أزمة سياسية حادة في قمة الحكم، عبر تصارع وتصدع حزب المحافظين الحاكم، وإنعكاس هذا التصدع على موقع رئيس الحزب والحكومة، والإطاحة به وتغييره المتلاحق في تسارع درامي.

وفي أمريكا أخذت هذه الأزمة صورة الانقلاب الفكري والثقافي على جوهر التراث الليبرالي الرأسمالي، القائم على قاعدة راسخة من الدعاية الفكرية التاريخية لعقيدة وقدسية الملكية الخاصة، فقد قامت الحكومة الأمريكية بقيادة بايدن وحزبه الديمقراطي، في سياق تنفيذ قراراتها وعقوباتها الاقتصادية ضد روسيا، بالانقلاب على هذا التراث الليبرالي، وإتخاذ العديد من قرارات مصادرة اموال وأملاك خاصة للعديد من الأفراد والمواطنين الروس، الأمر الذي ضرب بعمق في مصداقية القيم والمكونات الفكرية والثقافية الليبرالية التي سادت عبر التاريخ، في الدعاية والدعاوى الرأسمالية الليبرالية حول قدسية المال الخاص والملكية الخاصة المصونة التي لا تمس. على الوجه الٱخر شهد العالم في أطرافه في أمريكا الجنوبية، وتحت تأثير الأزمة الاقتصادي والمالية الرأسمالية عودة الميول الفكرية والسياسية اليسارية، سواء في شكل استقرار الحكومات اليسارية القائمة في فنزويلا وبوليفيا وغيرهما، أو في صورة عودة اليسار عبر الانتخابات في تشيلي وهندوراس وكولومبيا، وخاصة البرازيل، وفوز لولا دا سيلفا زعيم حزب العمال البرازيلي على اليميني المتطرف حليف أمريكا جايير جولونارو، وعودته في البرازيل للمرة الثالثة.

ومازالت التحالفات التاريخية بين الولايات المتحدة وجماعات ومنظمات العنف والتطرف والإرهاب باسم الدين، وصناعتها وتمويلها لتيارات ومنظمات الإسلام السياسي، واستخدامها في الصراع وهدم وتفكيك الاتحاد السوفييتي السابق، وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية وصناعة حروب التدخل والفوضى الخلاقة، وتفكيك الدول الوطنية، وتعميم سياسات التدخل لتغيير النظم باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، تلقي بظلالها على مناطق عديدة من العالم. ومازال العالم يشهد استمرار وجود العديد من بقايا منظمات وفلول ومليشيات العنف والتطرف والطائفية والإرهاب، وكذلك الذئاب المنفردة، وفائض المال والسلاح، في العديد من العالم، في أوروبا وٱسيا وإفريقيا، بما يعبر عن استمرار هذه الظاهرة التي تمثل تحديا لوحدة وسلامة ووجود الدول الوطنية، وخطراً مستمراً على سلامة واستقرارا الأمن والسلام الدوليين. وبينما قامت الولايات المتحدة بتكوين وصناعة وتمويل هذه المنظمات في صراعها مع الاتحاد السوفييتي السابق، وعلى الرغم من إعلانها الدائم عن عدائها وصراعها وحربها ضد هذه التنظيمات والمنظمات منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، وغزوها لأفغانستان ثم العراق، إلا أنها وبعد 20 عاماً من أحتلال أفغانستان، والقضاء على حكومة طالبان، إذ بها تنسحب فجأة لتعود منظمة طالبان لحكم أفغانستان مرة أخرى، ولتفقد الولايات المتحدة مصداقيتها وقدرتها على مواجهة ظاهرة العنف والتطرف والإرهاب باسم الدين. في ظل هذه التحولات والمتغيرات، وعبر الصراعات العسكرية الساخنة، وأبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية، وخاصة أزمتا الطاقة والغذاء العالمية الراهنة، واندلاع التضخم العابر للدول، وعودة أجواء الحرب الباردة، وفي ظل معاناة دولية سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية في المراكز والأطراف، ينشأ عالم سياسي جديد، ووضع دولي جديد متعدد الأقطاب، متعدد الأطراف، متعدد المحاور، وهو وضع دولي يتفاعل مع الأوضاع الأقليمية والعربية التي تحيط ببلادنا العربية، ويكشف بقوة عن الفرص والتحديات التي تحيط ببلادنا وتؤثر في اوضاعنا الراهنة والمستقبلية، القريبة والبعيدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة