الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين وصل نزاع الصحراء الغربية ؟

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


العديد من وكالات الاخبار ، والعديد من المواقع الالكترونية ، خاصة المرتبطة بالنظام الجزائري ، رددوا خبرا ليس عاديا ، بل فيه ما فيه من تبلور للنهاية التراجيديا التي تنتظر حل نزاع الصحراء الغربية ، الذي فاق سبعة وأربعين سنة خلت ..
ما تناقلته تلك الوكالات والمواقع ، من اخبار غير سارة للنزاع المفتعل بالمنطقة ، لا يبشر بالخير ، بل هو موقف يجب فهمه في ظل شروطه ، التي منها من يرجع الى النظام المخزني المغربي ، ومنها من يرجع للتطورات المتسارعة التي عرفها العالم منذ ( هزيمة ) ( الوحش كرونا ) الذي لم يعد كجنون البقر ، انفلوزة الطيور ، انفلوزة الدجاج ، مرض السيدة ، انفلونزة الخنازير ... الخ .
ان من الاخبار الغير سارة التي رددتها القنوات الإعلامية ، والمواقع الالكترونية ، ان جمهورية إيطاليا ، فتحت لها قنصلية بتندوف . وإنْ تأكد الخبر ، سيكون الذبحة التي وجهت لقلب النظام المغربي .. وهو موقف له مؤشرات كثر ، منها ان فتح قنصلية إيطالية له عنوان واحد لا اثنان ، هو اعتراف صريح من الجمهورية الإيطالية ، بالجمهورية الصحراوية ، وهو اعتراف سابق عن اعتراف الاتحاد الأوربي بالدولة الصحراوية . فالفرق بين الاعترافين ، هو ان الجمهورية الإيطالية جسدت اعترافها بالملموس فوق الأرض من خلال رئيسة الحكومة ( يمين محافظ ) ، في حين ان موقف الاتحاد الأوربي الذي لا تعترف دوله بمغربية الصحراء ، لم يجرأ على القيام بما قامت به إيطالية ، أي الجرأة في الاعتراف مباشرة بالجمهورية الصحراوية ، في حين ان الاتحاد الأوربي يؤكد بالفعل وعلى مستوى الأرض ، اعترافه بالدولة الصحراوية .. فالفرق بين موقف الاتحاد الأوربي ، وموقف الجمهورية الإيطالية ، هو فعل في الزمن ( عزلة النظام المغربي ) ، وفعل في المكان ( افتتاح قنصلية ) إيطالية بتندوف ، التي سبق وان زارتها رئيسة الحكومة قبل الانتخابات ، وربطت في حينها علاقات مع البوليساريو كجبهة وكجمهورية ..
وقبل ان نستفيض في معالجة ما يتبلور من مواقف اوربية ، ومن داخل الاتحاد الأوربي ، ستكون ضربة قاضية لمغربية الصحراء ، ولوحدة الأرض ، ووحدة الشعب .. فالفرق بين الموقفين الإيطالي وموقف الاتحاد الأوربي الذي تعتبر إيطاليا احد دولة الأساسية ، هو فرق طفيف من حيث المظهر فقط ، اما من حيث الجوهر ، فلا يوجد هناك أي فرق بين موقف الحكومة الإيطالية ، وموقف الاتحاد الأوربي ، ما دام ان الموقفين لا يعترفان بمغربية الصحراء . والسؤال هنا بالنسبة للموْقفين الإيطالي والاسباني . هل تصرفت الدولة الإيطالية بعد استشارة مع مفوضية الاتحاد الأوربي ، ام انها تصرفت من تلقاء نفسها ، لظروف غيرت من الآلية القديمة ، سواء داخل الاتحاد الأوربي ، او المواقف التي دأب مجلس الامن يتخذها منذ سنة 1975 ، او مواقف الجمعية العامة للأمم المتحدة التي دأبت على اتخاذها منذ سنة 1960 ، وابتدأتها بالقرار الشهير 1514 الذي ينص فقط على تقرير المصير ، من خلال استفتاء ينظم تحت اشراف الأمم المتحدة ( الحل الديمقراطي ) ..
الموقف الإيطالي السابق عن موقف الاتحاد الأوربي ، عندما فتح ( قنصلية ) إيطالية بتندوف ، كان قرارا سياديا ، دون الرجوع ، او حتى استشارة مفوضية الاتحاد الأوربي ، لان الدولة الإيطالية في البحث عن مصالحها ، فهي تختار أ حسن ، و أدق الطرق ، وأبسطها .
انه نفس الموقف قام به رئيس الحكومة الاسبانية Pedro Sanchez ، عندما اعترف من جانب واحد ، ودون إخبار الحكومة الاسبانية ، ولا تشاور مع مفوضية الاتحاد الأوربي ، عندما اعتبر حل الحكم الذاتي المقدم من النظام المغربي ، بمثابة الحل الناجع والصائب ، ووحده الحل القابل للتطبيق في المنطقة . فما قام به Sanchez ، قام به بعد اخبار الملك الذي له الدور الأساسي في الاتفاقيات الدولية ، وفي الحفاظ على وحدة الاتحاد الاسباني . مما فاجئ الحكومة الاسبانية التي علمت بالخبر من بيان الديوان الملكي المغربي ، وفاجئ مجلس الامن ، وفاجئ الاتحاد الأوربي الذي تعتبر اسبانية جزء منه .
لكن هل قرار Pedro Sanchez الأحادي الجانب ، وقرار الجمهورية الإيطالية الأحادي الجانب كذلك ، وهما دولتان اساسيتان ضمن الاتحاد الأوربي ، من شأنهما ان يؤثرا على كل الاتحاد الذي دأب يتخذ مواقفه تقريبا بالإجماع ، في ما يخص نزاع الصحراء الغربية ؟
اذا كان قرار Pedro Sanchez قرارا ميكيافيليا ترامبياً Ronald Trump ، لان اسبانية العضو بالاتحاد الأوربي تبصم بالأصابع العشرة على كل ما يتخذ داخل الاتحاد ، فان اعتراف Sanchez بالحكم الذاتي ، لا يغير في شيء موقف الاتحاد الأوربي ، الذي ذأب يتخذ قراراته بالإجماع ، خاصة قراراته المسترسلة ، الداعية الى التمسك بالمشروعية الدولية ، التي تعني الاستفتاء في حل نزاع الصحراء الغربية .. فاذا كانت اسبانية الدولة تتمسك بشدة ، بقرارات الاتحاد الأوربي ، فما الجدوى من اعتراف Sanchez بحل الحكم الذاتي المسرحية ، واسبانية الدولة تتمسك بكل قرارات الاتحاد الأوربي ، وقرارات مجلس الامن حول الصحراء ، خاصة وانه إنْ حصل تعارض في الموقفين ، افتراضا من حيث الشكل ، فان الاسبقية والاولوية تعطى لقرار الاتحاد الأوربي ، على قرار الحكومة المدلس للوضع ، والمختلط للأوضاع ، بما يخدم مصالح الدولة الاسبانية ، دون المساس بقرارات الاتحاد الأوربي الإلزامية .. فما الجدوى إذن ، عند تمسك اسبانية بقرار الاتحاد الأوربي المناهض لقرار Sanchez ، وغير المناهض لقرار الجمهورية الإيطالية التي اعترفت بالجمهورية الصحراوية امام العالم ، عندما افتتحت ( قنصلية ) لها بتندوف ، وهو موقف سابق ، لكنه منسجم مع القرار الذي قد يصدره الاتحاد الأوربي ومن دون تراجع ، عندما تتوفر ظروف ومعطيات ، تجعل من الاعتراف الأوربي العلني ، الزاميا لجميع الدول التي صوتت على قرار الاتحاد ، الاعتراف بالجمهورية الصحراوية .
ان اعتراف كل دول الاتحاد الأوربي بالبوليساريو كجبهة ، لها مكاتب بالعواصم الاوربية ، وبالمدن الاوربية ، ولها مكتب بواشنطن ، ومكتب لذا الأمم المتحدة بNew-York ، والاعتراف بها كجبهة ، اعتبرها قرارا الخارجية الامريكية الذي قرع النظام المغربي ، حركة تحرير مسلح ، ثابت ولا يحتاج الى عناء في التفكير .
ولو لم يكن الاتحاد الأوربي ، وعلى رأسه الجمهورية الفرنسية يعترفون بالجمهورية الصحراوية . هل كان للاتحاد ان يجتمع ويجلس يناقش مع الجمهورية الصحراوية كدولة ، في لقاءات عديدة ، كاللقاء الذي تم بعاصمة الاتحاد الأوربي Bruxelles التي استقبلت إبراهيم غالي كرئيس دولة ، حظي بنفس البروتوكول الذي حظي به رؤساء دول الاتحاد الأوربي والافريقي ، ورؤساء الحكومات ، وعلم الجمهورية الصحراوية يرفرف عاليا في سماء Bruxelles ، الى جانب رايات كل الدول التي حضرت اللقاء ؟
فهل جائز من حيث منظار القانون الدولي ، ان تجالس دولة ، دولة لا تعترف بها ؟ . وهذا الجلوس طبعا ، يؤكد على الاعتراف الأوربي بالدولة الصحراوية ، من خلال التصرف فوق الأرض ، ودون حاجة ماسة للاعتراف الرسمي الدبلوماسي ، الذي سيفاجئ النظام المغربي في القريب العاجل .
إضافة الى خطر فتح ( قنصلية ) إيطالية بتندوف ، والخطر هذا هو نفسه تعبر عنه مواقف الاتحاد الأوربي المناهضة لمغربية الصحراء ، وتشتغل فقط على حل الاستفتاء باسم احترام المشروعية الدولية ، الذي سيؤدي الى الانفصال ، وانشاء دولة بالحدود التي ستصبح حدودا بين جغرافية المغرب ، وجغرافية الجمهورية الصحراوية ، التي ستعوض حدود الجغرافية بين المغرب وبين موريتانية التي ستتخلص من خطر "الإمبراطورية المغربية " ، فان قرار Pedro Sanchez الذي اعترف فيه ولوحده ، ومن خارج الحكومة الاسبانية ، التي اعترضت أحزاب منها على خرجة Sanchez ، لن يضيف جديدا للوضع القانوني الذي يعالج به ملف الصحراء الغربية .. فإسبانية العضو البارز في الاتحاد الأوربي ، وتلتزم بقراراته ، قبل قرار الحكومة الاسبانية ، بل تغليب قرار الاتحاد الأوربي ، على قرار الدولة ، لن يضيف جديدا يؤثر على مواقف الاتحاد كاتحاد ، بل من خلال التمسك بحق الأولوية ، والاسبقية ، والافضلية ، فان ميكيافيلية Sanchez، تجعله يتشبث بقرار الاتحاد الأوربي ، الذي يتعارض مع قرار الحكومة الاسبانية ، وهذا يعني ان Sanchez لا ولن يعترف ابدا بحل الحكم الذاتي الذي اربك النظام المغربي ، من المواقف المتناقضة ل Sanchez ، التي تصب جهة تقرير المصير والاستفتاء .
ولإجلاء الضبابية في موقف Sanchez الحقيقي ، فهو كذلك وحزبه الذين يشتغلون بالسياسة ، لا ولن يعترفوا ابدا بمغربية الصحراء . بل حتى وقبل مرور وقت على تبني Sanchez لحل الحكم الذاتي ، فان Sanchez ومن خلال تصرفات على الأرض ، اثبت انه ملتصق بالمصالح الاسبانية ، التي لن يزيغ عنها ابدا ، وان تأييده لحل الحكم الذاتي ، كان لعبة لتعويم النظام المغربي ، الذي ينتظر حلول حكومة اسبانية بأحزاب محافظة Pp ، وأحزاب وطنية يمينية متطرفة المواقف ، مع المغرب الذي يعُدّونه اكبر خطر حضاري إسلامي ، تهابه الحضارة الاسبانية المسيحية في كاثوليكيتها الرجعية وليس البروتستانية ، التي تحن الى زمن ولى ، زمن الصراع بين الحضارات ، المسبب للصراع بين الدول التي تنتمي الى حقل والى فلسفة تتعارض بالمطلق مع الجيران ..
وبالتزامن مع المواقف التي دأب الاتحاد الأوربي يتخذها بخصوص نزاع الصحراء الغربية ، فالولايات المتحدة الامريكية ، ومن خلال الحكومة الديمقراطية ، فان تأكيد الرئيس John Biden ، وتأكيد المسؤولين الأمريكيين ، على المشروعية الدولية ، والتأكيد على شخص الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة Steffen de Mistura ، بدعمه ، والتنصل من شيء باسم حل الحكم الذاتي ، واعتراف Trump المخادع بمغربية الصحراء ، ومن خلال الدعوة للدخول في مفاوضات من دون شروط ، فان الموقف النهائي لواشنطن من نزاع الصحراء الغربية ، هو المشروعية الدولية ، التي تعني فهما واحدا ، هو الاستفتاء وتقرير المصير، بإشراف الأمم المتحدة ، لإيجاد حل لن يفرط في ما تسميه جبهة البوليساريو بالحق الغير قابل للتصرف او للتنازل ..فالموقف الأمريكي ، والموقف الأوربي من نزاع الصحراء الغربية منسجم ، وسيخلص في النهاية الى حل تيمور الشرقية Le Timor oriental ، الذي يبقى سيف " دمقليس " موضوع على رقبة النظام المغربي ..
ومن خلال تحليل جميع محطات الصراع ، والنتائج المُحصّلة ، والرغبة في شق الصحراء باسم مبادئ الأمم المتحدة ، التي يتلاعب بها لخدمة المصالح الذاتية لدول الغرب الأوربي – الأمريكي ، فان ما تعرضت له دول شرق – أوسطية ، ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير ، ينتظر بالتأكيد شمال افريقيا ، ووقته قد حان ، او قرب كثيرا من التنزيل ..
فهل يستطيع النظام المخزني المغربي ، ان يقف لوحده في وجه هذا المشروع ، الذي يمكن اعتباره ضمن السياسة التراجيدية والاستراتيجية لحكماء صهيون .. ؟ .
بعد ان تحدثنا عن مصدر الخطر الذي يتهدد وحدة المغرب الجغرافية ، ووحدة شعبه ، وهو خطر غربي باسم القانون الدولي ، وباسم المشروعية الدولية ، وهو القانون ، وهي المشروعية التي تواطأت ضد حق الفلسطينيين في حقهم في تقرير مصيرهم من خلال استفتاء حر ونزيه تشرف عليه الأمم المتحدة ، فان المواقف الرافضة لوحدة الدول ، لم تبق فقط غربية – غربية ، بل سيتعمق مواقف الدول المناهضة لوحدة الصحراء مع أصلها ، ليشمل أنظمة سياسية عربية تستعمل ملف نزاع الصحراء ، مرة في الاحراج ، احراج النظام المغربي وتخويفه ، وكأن ملف الصحراء هو ملف للنظام المخزني ، وليس ملفا ل ( الشعب ) المغربي ، الرعايا .. ، ومرة للضغط على النظام المغربي عند اختيار ، او الدفع لاختيار مواقف سياسية معينة ، لا علاقة بها بملف نزاع الصحراء ، كالهرولة مثلا للمشاركة في حرب اليمن الاجرامية ، او قطع العلاقات مع ايران ، ومع جمهورية فنزويلة ، او التهديد بالرجوع الى عهد الانقلابات في سبعينات القرن الماضي .. او انّ الاسر الحاكمة في المنطقة العربية ، ترفض شخص الملك محمد السادس ، دون الشعب التي تبقى أواصر ( الاخوة ) قائمة معه . وهنا الدفع طبعا ، لإخراج العلاقات مع الدولة اليهودية الى الوجود ، وامام العالم ، والذهاب بعيدا مع الدولة الصهيونية ، عند تبادل زيارات من مسؤولين كبار للدولة اليهودية ، والتوقيع على معاهدات بوليسية مع " الشاباك " ، ومع " الموساد " ، ناهيك عن ابرام اتفاقيات عسكرية مع جيش إسرائيل .. ومع ذلك ورغم التوقيع على اتفاقيات " إبراهام " ، ونظرا لان دولة إسرائيل تعرف جيدا نقط ضعف النظام المغربي ، الواقع بين سندان الرعايا ( الشعب ) ، وبين المخاطرة باستقرار المغرب ، من خلال الإذعان لتل ابيب ، فان الدولة الصهيونية التي قدمت مجرد وعود للنظام المغربي ، خاصة حمايته من أي تطاول من عدوه عسكر الجزائر ، لم تفي بوعدها ، ولم تعط للنظام المخزني حجمه الحقيقي الذي يجب ان يشغله بعد ( التطبيع ) ، وبعد التوقيع على الاتفاقات والمعاهدات البوليسية والعسكرية ، مع الدولة الصهيونية .. فإسرائيل رغم اتفاق " أبراها " ، ظلت في مواقفها التي وعدت بها ، تتصرف من دون مسؤولية ، بل انها لم تخجل عندما لم تعترف بمغربية الصحراء ، ولن تعترف بها ابدا ، لأنها المدخل لتفتيت المغرب الذي تحلم به الدولة العبرية . وعوض الوفاء بما التزمت به ، استمرت تدعو هي بدورها الى حل نزاع الصحراء الغربية عن طريق المشروعية الدولية ، من خلال قرارات مجلس الامن ، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، إضافة الى تنسيق المواقف في موضوع الصحراء ، مع حلفائها الاستراتيجيين ، الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الامريكية .. خاصة وان الدولة العبرية تعلم علم اليقين ، انّ تنظيم الاستفتاء ، وبإشراف الأمم المتحدة ، نتيجته طبعا الانفصال . وبما ان تفريط النظام المغربي ، مستمرا في بسط يديه على الصحراء ، يعني حتمية سقوطه ، فان إسرائيل العارفة بنقط ضعف النظام المغربي وهي كثيرة ، تهمها مصالحها ، ولا يهمها النظام المغربي المهدد بالسقوط عند ضياعه الصحراء . فان يبقى النظام او يسقط لا يهم الدولة العبرية في شيء .. وهذه حجة راسخة ، بان إسرائيل مستمرة في بيع الوهم للنظام المغربي ، وانّ غدا لا قدر الله ، واشتعلت الحرب بين النظام الجزائري وبين النظام المغربي ، وستكون حرب تدمير للدولتين معا ، لان إسرائيل هي المستفيد الأول والأخير من التدمير، لن تهرع للدفاع عن النظام المغربي ، فأحرى ان تشاركه الحرب القدرة انْ هي اشتعلت بين جيش العسكر الجزائري ، وبين جيش النظام المخزني الذي فقط اصبح في جَرْيته ، مثل الديك الجريح تائها من دون بوصلة ، وخاصة وانه على ادراك تام بالنهاية التراجيدية التي تنتظره من ملف الصحراء . فجميع العائلات التي حكمت الصحراء جاءت من الصحراء ، وسقطت كذلك من الصحراء .. فالصحراء هي من انقد نظام الحسن الثاني من السقوط المدبر له ، طيلة السبعينات والثمانينات . فنجته من انقلاب الجيش الذي اصبح مشتغلا ومشغولا بالصحراء ، بعد ابعاده عن العاصمة الرباط ، ونجته من " البلانكية " ، عندما تقمص دور المحرر ، الذي التف حوله كل الجمهوريون ، ودعاة الملكية البرلمانية ... بعد ان كانوا يعتبرونه عدوا رئيسا واساسيا ، اصبح بفتح ملف الصحراء ، عدوا ثانويا ، الى ان اصبح الجميع يلهث للمشاركة في الاستحقاقات الملكية ، ليصبح موظفا ساميا في إدارة الملك ، من برلمان ، وحكومة ، وولاة ، وعمال ، وسفراء .. لتنزيل برنامج الملك الذي نزل من فوق ، ولم يصوت عليه احد ..
فذهاب الصحراء ، تعني حتمية سقوط النظام الذي أضحى مهددا من خارج المغرب ، اكثر من التهديد من داخله ، وعند نشوب الحرب الكارثة بين جيش العسكر وجيش المخزن ، لن تشارك فيها إسرائيل ولو بجندي واحد ، وستستغل الوضع للمزيد من بيع الأسلحة الى النظام ، ليدمر نفسه ويدمر غريمه .. وهذا يعني المزيد من الغرق للنظام .
ان المواقف المعادية لمغربية الصحراء ، ليست هي فقط مواقف الاتحاد الأوربي ، عندما زمجر ضد اعتراف Trump ، اللعبة بمغربية الصحراء ، وعندما زار إبراهيم غالي كرئيس دولة ضمن الاتحاد الافريقي ، عاصمة الاتحاد الأوربي Bruxelles ، وحظي كرئيس دولة بنفس البروتوكول المماثل الذي حظي به رؤساء دول الاتحاد الأوربي والاتحاد الافريقي ، ورفرف علم الجمهورية الصحراوية ورايتها فوق سماء Bruxelles .. وليس فقط التهديد ، هو أمريكيا ، او روسيا ، او صينيا .. ان التهديد هذه المرة ومرات سابقة ، مصدره أنظمة سياسية عربية ، توظف ملف الصحراء ، إمّا للضغط على النظام المغربي من اجل الابتزاز ، او الدفع بالنظام لاتخاذ مواقف معينة ، كحرب اليمن ضد الشعب اليمني الفقير والمسالم ، او عند قطع العلاقات مع ايران بمزاعم مخزنية كذبتها الجهات العربية التي اتخذت تلك القرارات لا رضاءها ، او للمزيد من تسول الدولار واليورو .. الخ .. ، كانت أنظمة سياسية ، انقلبت انقلابا جذريا على مواقفها ( المؤيدة ) الخجولة من نزاع الصحراء الغربية . فما اصبح يُشمُّ ، وبالواضح ، انحياز الانظمة السياسية العربية الى جانب الدول المعادية لمغربية الصحراء . واصبحت تتصرف دون اعتبارها للنظام المخزني الذي اصبح عدوا ، واصبح لا يطاق ، يعيش عزلة دولية لم يسبق لأي نظام علوي ان عاشها ..
وبالرجوع الى هذه المواقف العربية التي تعتبر خنجرا مسموما يدق في الجسم المغربي :
1 ) لقاء بين قادة الجيوش العربية ، وهي الجزائر ، وليبيا ، ومصر ، وقادة جيش الجمهورية الصحراوية ، للدراسة والتباحث ، ولتنسيق المواقف المشتركة التي تحظى بالاهتمام المشترك . ان مكمن الخطورة ان اللقاء كان مع الجمهورية الصحراوية كدولة ، وليس مع الجبهة التي تعترف بها هذه الدول العربية ، إضافة الى دول أخرى .. فاللقاء بين قواد اركان الجيوش ، يكون بين الدول ، واللقاء الأخير هذا ، يعترف اعترافا واضحا بالدولة الصحراوية ، ومن ثم فهو لا يعترف ابدا بمغربيتها ، كما زعم نفاقا في أوقات ليست متشابهة .. فما معنى لقاء قواد الأركان لهذه الدول ، رغم صغر وتدني فعاليتها ، لأنه لو اقتصر الامر على هذه الدول ، ولم يكن الامر والفعل مدفوعا من دول أخرى ، لخلق وضعية الامر الواقع ، هل كان لهذه الدول ان تلتقي عبر قواد اركان الجيوش ، بالجيش الشعبي للجمهورية الصحراوية ، رغم شنّه اليوم ، ومنذ 13 نونبر 2020 ، حربا سماها بحرب التحرير الثانية .. الا يعتبر هذه اللقاء بين قادة الأركان لهذه الدول ، تأييدا وتشجيعا لحرب جبهة البوليساريو الثانية ، بعد الحرب الأولى التي دامت ستة عشر سنة ، وانتهت بمقلب الحسن الثاني وراء اتفاق 1991 ، الذي بعد شله للقرار 690 ، أصبحت كل الجبهة مشلولة لما يزيد عن ثلاثة وثلاثين سنة مرت كسنوات عجاف ، عندما استحلت قيادة الجبهة السّبات ، الذي كان طلقة رصاصة الرحمة على راسها .
2 ) اعتراف النظام الموريتاني ، اعترافا صريحا بالجمهورية الصحراوية ، وتأكيد الرئيس الموريتاني على هذا الاعتراف الذي اعتبره استراتيجيا ، ثلاثة مرات هذه السنة .. ان هذا الاعتراف جعل من النظام الموريتاني يصبح طرفا منحازا الى جماعة النظام الجزائري ، وفاقدا لموقف الحياد الذي يتغنى به بمناسبة او بغير مناسبة .
3 ) استقبال نظام تونس ، الرئيس قيس سعيد ، لإبراهيم غالي كرئيس للجمهورية الصحراوية ، إضافة الى اعتبار الجبهة كحركة تحرير شعبية كما ذهب الى ذلك النظام الموريتاني ..
ورغم معرفة قيس سعيد بخطورة قضية الصحراء بالنسبة للنظام المغربي ، التي تهدده في وجوده ، فهو أبى الاّ ان يطعن النظام المخزني المغربي ، لكن بالنسبة للرعايا ( الشعب ) المغربي ، فهو خارج التغطية ، ويجهل كل ما يحيط به من اخطار .. فما تعرفه الرعايا هو " الصحراء في مغربها ، والمغرب في صحراءه " ، " من طنجة الى الگويرة " التي يحتلها النظام الموريتاني منذ سنة 1979 ، السنة التي انسحبت فيها موريتانية ، واعترفت بالجمهورية الصحراوية ..
4 ) رفض دول عربية ، وهي الموقعة على اتفاقيات " أبراها " مع الدولة الصهيونية ، وهي مصر ، والبحرين ، والامارات العربية المتحدة ، من حضور لقاء " قمة النقب 2 " الذي تحضره الدول الموقعة على الاتفاق المذكور ، ومنه الدول المشار اليها أعلاه . والمؤتمر كان من المتوقع عقده بمدينة الداخلة ، محط نزاع بين النظام المغربي المخزني ، وبين الجمهورية الصحراوية ، التي اعترف بها النظام / الملك شخصيا في يناير 2017 ، ونشر اعترافه في الجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد : 6539 .
ان رفض كل من مصر التي حضرت لقاء قواد الجيوش ، وهي مصر ، والجزائر ، وليبيا ، والجمهورية الصحراوية ، وكان ممكنا ان تحضر تونس كذلك ... ، الحضور الى مدينة الداخلة ، لإحياء لقاء " النقب 2 " ، مع الدولة العبرية الصهيونية ، بين دول اتفاقات " أبراها " ، ليس له من تفسير ، غير ان هذه الدول ، الامارات العربية المتحدة ، البحرين ، ومصر ... ونضيف حتى تونس ، وليبيا ، وسورية ، موريتانية ، سلطة رام الله ، لا يعترفون بمغربية الصحراء ، لكن لا يعترون انها ملك للصحراويين ، لكن ومن خلال هذه المواقف الحربائية Le Caméléon ، فهم يلتزمون الحياد ، ما دام النزاع بيد الأمم المتحدة دون غيرها .. فتحديد جنسية الأراضي المتنازع عليها من اختصاص مجلس الامن ، وطبعا عن طريق الاستفتاء وتقرير المصير ..
فالخلل اذن ليس في نوع العلاقة اللامتكافئة بين النظام المخزني الطقوسي ، وبين العالم الحر الديمقراطي، بل هو قائم بين النظام المخزني ، وبين الدول العربية ، كالموقف السعودي من النظام المغربي ، وموقف مصر ، والامارات العربية المتحدة ، والبحرين ، وتونس ، وسورية التي تفكر في فتح قنصلية لها بتندوف ، وموريتانية .... الخ .
فالسؤال . امام هذا التغيير في المواقع ، وامام هذه المعطيات التي تتجدد كل يوم ، ولا تخدم في شيء نزاع الصحراء الغربية ، ولا خدمت الرعايا الجاهلة لما تتجه له قضية الصحراء ... هل من المتوقع انتظار قرب صدور قرار اممي ، بناء على هذا التحول في المواقف ، بما فيها مواقف الأنظمة السياسية العربية ، من نزاع كان يجب ان يتسم اما بالنصرة ، وفي اضعف الايمان بالحياد ..
-- فهل لقرار البرلمان الأوربي ، الذي قرع النظام المغربي المخزني البوليسي ، في مجالات الديمقراطية وحقوق الانسان ، وفي الوضع الذي وصله نزاع الصحراء ...
-- وهل لقرار وزارة الخارجية الامريكية الذي قرع النظام المغربي في نفس مجالات تقريع البرلمان الأوربي ، واعتباره جبهة البوليساريو بمثابة حركة تحرير ، وبسبب غياب الملك المريض ...
ما شجع الأنظمة السياسية العربية على اتخاذ مواقف تطعن في مشروعية المغرب بالنسبة لمغربية الصحراء ، وشجعها كذلك على الاصطفاف في الخندق المقابل ، دون انتظار القرار النهائي للأمم المتحدة ، المؤهلة وحدها لفك روابط هذا الصراع الاقدم في القارة الافريقية وفي العالم ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 5.4 مليار دولار تكلفة السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة


.. تصاعد الانقسامات السياسية.. حرب غزة لم تنجح في توحيد الصف ال




.. طفلان يختبئان داخل تنورة والدتهما من البرد في غزة


.. كتائب القسام تعلن أن مقاتليها قطعوا إمداد قوات الاحتلال شرق




.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه