الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنا والآخر قراءة في نص الشاعرة التونسية -د. آمال صالح- (القصيدة المشوهة)

حسين عجيل الساعدي

2023 / 5 / 20
الادب والفن


الأنا والآخر
قراءة في نص الشاعرة التونسية "د. آمال صالح" (القصيدة المشوهة)

النص//
(القصيدة المشوهة...!!!)

أنا القصيدة العصماء...
لا تلوثوا أوردتي
بألفاظ سقطت من رداء الشهوة...
أنا حلمكم...
وبلسم أرواحكم...
أنا من بقي من تناحر القبيلة...
أنا من عاد يحمل البشرى...
أنا انسجام الحاء مع الباء...
لا تشوهوني بتيار الزمن المهرول...
لا تسقطونني في شباك الأجسام السمجة...!!!
أريد أن أكون أنا القصيدة...
تأتي على قدر شفافية الوله...
على قدر الاتساع...
حينها اسميها حرية...
حينها أعتقكم...
أكتبكم من جديد...
حينها أعلن على الملأ
أنني بينكم... بكل جنوني وحروفي البريئة
معافاة... وأبية...!!!
فلا تشوهوني... أنا شاهدة عليكم...
لا تشوهوني...أرجوكم...
لا تسقطوا عني الهوية...!!!

القراءة//
تسيدت قصيدة النثر، على سائر الأشكال الشعرية، بسبب ما أمتازت به من (تكثيف وإيجاز وتوهج وسعة أفق) وتنوع ودلالات. ولعل أهم ما يميزها، هو قدرتها على أختراق المألوف، وجمع المتضادات، و(تقاطعها مع جماليات الشعر الكلاسيكية من ناحية أساليب الكتابة وعلاقة الشاعر برؤيا العالم)، فكان لقصيدة النثر الصدارة في الحداثة الشعرية، فشكلت فضاءً شعرياً مفتوحاً أمام المرأة، حيث أحتضنتها في التعبير عن همومها، وقضاياها، خاصة تلك القضايا التي تمس خصوصيتها وذاتها. فأتجهت إلى كتابة قصيدة النثر (الذي عثرت فيه على مطلق جمالي مفتوح يمزج بين ما هو نثري وما هو شعري).
إن سياق كتابة قصيدة النثر يكسبها دلالات مختلفة، فهي تحمل وعياً حداثياً يتمرد على قواعد الكتابة التقليدية للشعر في خلق إيقاع شعري خاص، كحد فاصل بين الشعر والنثر، لتوجد نصاً له خصائصه وسماته، يعيد تشكيل وعي جديد للمرأة. فالناقدة "ماري إيجلتون" تؤكد في كتابها "نظرية الأدب النسوي" (إن النص النسوي هو ذلك النص غير المقيد بالمفاهيم التقليدية، والذي لا يلقي بالاً لمعايير الرجل، والذي يعكس واقع حياة المرأة بشكل صادق بقصد زيادة وعي المرأة).
أتخذت الشاعرة "آمال صالح" من قصيدة النثر وسيلة للتخاطب بين الذات والآخر، ومجالاً للتعبير عن تجربة تعكس واقع المرأة بعيداً عن
مرتكزات يصيغها الرجل في صورة أعراف وقوانين أجتماعية.
تستلزم قراءة النص (القصيدة المشوهة) الوقوف على خطاب وقصدية الشاعرة في فهم التجربة الأنثوية في تكوين رؤيا شمولية للنص.
يأتي عنوان النص بالكثير من المعاني الذي يمكن الكشف عن خفاياه بما يحمل من أبعاد ودلالات سيميائية، فهو العتبة النصية الأولى للولوج الى النص، والبؤرة التي تخضع لإجابات مفتوحة، وتستجمع وتختزل دلالات النص، وعند إتمام قراءة النص يمكن أن نصل للمعنى الحقيقي الذي تتضح من خلاله صورة العنوان الذي يقودنا إلى الوجع الأنثوي.
الذات (بناء ديناميكي ووعي أنوي)، وما تنطوي عليه من خصائص قد تحتاج إلى فلسفة خاصة، تشكل تجربة قد تكون هوية. والمراة كائن ذاتوي، لذلك توصف كتابات المرأة في الأدب النسوي بالذاتية التي تتجاوز بها حدود (الأنا).
أعتمدت الشاعرة "آمال صالح" ضمير المتكلم، خاصة الضمير (أنا) محوراً يرتكز عليه النص، تمثل في مطلع النص (أنا القصيدة العصماء) وهذا التصدير في ديباجة النص، فيه الشموخ الذي يملأ وجدان الشاعرة، وثبات الذات، وفيه الكثير من الرمزية، والدلالات المفتوحة في مواجهة الآخر، الذي يسقط الفاظه (من رداء الشهوة)، ولكنها تعيد توكيد (الأنا) في النص (أريد أن أكون أنا القصيدة).
الضمير المتكلم المفرد (أنا) ثيمة وأيقونة النص، أعتمدت عليه الشاعرة كعلامة سيميائية يصلح أن يكون نواة دلالية رئيسية، حين يبدأ به النص بالقول، ويتشكل منه عندما تريد الشاعرة تعريف نفسها، وإثبات أنتمائها وهويتها، ووصف حالة شعورية تتملكها لحظة المخاض الشعري.
يمكن تعريف (الأنا) حسب ما ورد في المعاجم بأنه (ضمير متكلم قائم بذاته ولذاته، ولا ينازعه، أو يشاركه في ذاتيته وصفته آخر، فهو مستقل عن غيره).
ف(الأنا) عند الشاعرة "آمال صالح"، يقوم بدور محوري كونه ذاتاً، فالشاعرة تمتلك القوة التي تحدد بها ذاتيتها، وقدرتها على إدراك الواقع، والكشف عن مكنوناتها النفسية، والبحث عن جدوى وجودها، عاكسة تساؤلات الإنسان الوجودية عن جدوى الوجود. لأن السؤال عن (الأنا) حسب متبنيات الفلسفة الوجودية، هو سؤال عن الوجود، يمثل (الشّخصيّة الشّعوريّة، والقوّة السيكولوجيّة بالإضافة إلى القوّة البيولوجيّة والاجتماعيّة)، "عباس محمود عوض، علم النفس العام، ص493" .
هناك تماهي بين (الأنا والنص)، كما في مطلع النص (أنا القصيدة العصماء) وكأنها تقول؛ أنا أكتب إذاً أنا موجودة. وهذا التماهي يأتي وفق مبدأ الفيلسوف الفرنسي "ديكارت" الذي حاول (أن يجعل الأنا مجال المعرفة الجوهري فربط بين الأنا فكراً، والأنا وجوداً ليصل إلى نتيجة "أفكّر إذن أنا موجود") "نجيب البلدي، ديكارت، ص 200". والشاعرة ما تكتب إلا الشعر الذي يحدد ماهيتها، ويكشف خاصيتها في فهم الذات، فأستخدمت الشعر، أداة تغيير وتعبير، في كيفية بناء (الأنا) والدلالات التي تحملها في نصها.
فما دلالة أستخدام الضمير (أنا) في النص الشعري؟.
الأشتغال على الضمائر في النص الشعري، يعني التحكم في النص، فالشاعر أي؛ شاعر يعمد إلى أستخدام الضمائر ليعبر عن تجربة شعورية وجدانية، لإن الضمائر مشحونة بدلالات كثيرة ومتنوعة، تزيد من قيمة اللغة الشعرية في النص، وتُوجد مداخل نقدية لقراءة النص وفهمه.
والضمير (أنا) شكل ظاهرة لافتة في النص، الممتد على مساحة النص، تعلو فيه صفة (الأنا)، خاصة في الأستهلال أو مقدمة النص، الذي يبرز كمحرك لدلالة النص.
فما هي (الأنا)؟
(الأنا)، مصطلح نفسي معناه (إدراك الشخص لذاته أو هويته)، وحسب
(النظرية البنيوية) التي أستندت إلى نظرية التحليل النفسي، للعالم "سيغموند فرويد" أنها (حالة نفسية يتم فيها التعرف على الذات)، أو (مركز الشعور والإدراك الحسي الخارجي والإدراك الحسي الداخلي بالإضافة إلى العمليات العقلية).
قد يسأل القارئ عن سر تكرار (الأنا) في متن النص، وما دلالة هذا التكرار؟.
هناك الكثير من النقاد من يرى أن لجوء الشاعر إلى التكرار بوصفه أهم مفاتيح النص الشعري له (قيمة جمالية يؤسس فيها كل صور ودلالات القصيدة). فالشاعرة "آمال صالح" أعتمدت تكرار الضمير في النص لتوكيد الذات وتضخيمها، فقد تكرر في النص سبع مرات، وبهذا الكم، يعكس قلق الذات وحالة التوتر الأنفعالي لدى الشاعرة في عالمها المأزوم. فأحدثت حالة من الأرتداد الشعوري على المتلقي، لأنه شكل - الضمير - (بؤرة إبلاغ متعالية)، من خلال (إعلاء الذات وتضخيم الأنا الأنثوية)، بعد أن ظل الرجل هو المعبر عن حقيقة وكينونة الأنا الأنثوية. ف(ألف المدّ التي ينتهي بها الضمير "أنا" يترافق نطقها مع رفع رأس المصاحب، الذي أنتج اللغة ويتماشى مع رغبته في الأستعلاء على الآخر، مما يعني إبقاء الآخر في حالة أدنى من حالة الأنا)، "حسن العباس، الحرف العربي والشخصية العربية، ص134".
نرى في نص الشاعرة "آمال صالح"، (الأنا) متضخمة، ذو نزعة فيها إعلاء شأن الذات، والأستعلاء على الآخر.
ففي خطابها الشعري أستخدمت أدوات نقدية، في تحديد الحالة التي تعيشها، وفق تصور ونزعة ذاتية، تعبر عما يختلج ويؤرق ذاتها. فكانت صوت لأمرأة مبدعة، وكأنها تهتف بأناتها عالياً (أنا القصيدة العصماء). فتكشف عن تشكيل رؤياها الإبداعية، وفتنتها وغوايتها في النص الشعري، من خلال النظر إلى (الآخر) بوصفه ذاتاً أخرى، تجعل منه طرفاً نداً (لأناتها).
تسير (أنا) الشاعرة في النص بمسارين هما؛ (الأنا) المتألمة، التي تحمل مشاعر القهر والتهميش والإقصاء، و(الأنا) الثائرة على الواقع.
هناك إشكالية في العلاقة بين (الأنا والآخر)، تكاد تسيطر على خطاب الشعراء عموماً، ونص الشاعرة "آمال صالح" يسلط الضوء على تجليات هذه العلاقة بين (الأنا والآخر). فالنص الشعري، يضعنا أمام تصور فلسفي لمحتوى (الأنا) وحضورها في النص الذي لا يكون بمعزل عن صورة الآخر. فقد وردت (الأنا) في النص متكررة عدة مرات، التي (تبين صورة الذات المتعالية)؛
(أنا القصيدة العصماء/أنا حلمكم/أنا من بقي من تناحر القبيلة/أنا من عاد يحمل البشرى/أنا انسجام الحاء مع الباء/أريد أن أكون أنا القصيدة/أنا شاهدة عليكم).
إن هذه الثنائية (الأنا والآخر)، تعد من أبرز الثنائيات التي شغلت النقاد في الدراسات النقدية الحديثة. والشعر العربي يزخر بهذه الثنائية التي يجعل منها بؤرة دلالية تتوالد عبرها الأفكار والمعاني، في فهم علاقة الشاعر بمحيطه ومجتمعه. فالترابط الجدلي في هذه الثنائية يبقى محوراً رئيسياً، وحجر أساس لأي نص شعري، فلا يمكن تحقيق (الأنا) إلا بوجود (الآخر).
واذا أردنا أن نقف عند النص، ومحاولة أستكناه محمولاته ودلالاته، فإننا نلمس حالة صراع ثنائية (الأنا والآخر)، الذي يغلب على النص، والذي صار جزء من مكونات النسق الشعري، في الكشف عن المكنونات النفسية وأزمة الذات، وصراعها مع الواقع.

(لا تلوثوا أوردتي
بألفاظ سقطت من رداء الشهوة...).
(لا تشوهوني بتيار الزمن المهرول...
لا تسقطونني في شباك الأجسام السمجة...!!!).

الشعر النسوي (شعر انقلابي) على موروث السلطة الذكورية، في تحقيق معادلة (الأنا والآخر)، ضمن إطار معرفي وسايكولوجي. وقد تساءل الدكتور "عبدالله الغذامي" حين قارب إشكالية (الأنا والآخر)، قائلاً: (هل تستطيع المرأة أن تسجل من خلال إبداعها اللغوي أختلافاً أنثوياً إيجابياً يضيف إلى اللغة والثقافة بعداً إنسانياً جديداً ... ويجعل الأنوثة معادلاً إبداعياً يوازي الفحولة؟)، "عبد الله الغذامي، المرأة واللغة، ص 10".
فالشاعرة تراهن على تحقيق ذاتها في نص إشكالي، من أجل إثبات وجودها، في رحلة بحث عن هوية كيانها لتخلق عالمها داخل النص.
(لا تسقطوا عني الهوية...!!!)
لقد حددت الشاعرة موقفها في إطار خطاب موجه إلى (الآخر)، من خلال البعد الدلالي للضمير (أنا) الذي يريد أن يلغي الآخر أو يُنزل من قيمته،

(أنا حلمكم...
وبلسم أرواحكم...
أنا من بقي من تناحر القبيلة...
أنا من عاد يحمل البشرى...
أنا انسجام الحاء مع الباء...)

لقد طرحت في نصها قضايا، الهوية والحرية والتحدي والأختلاف، وأبراز الذات.

(أريد أن أكون أنا القصيدة...
تأتي على قدر شفافية الوله...
على قدر الاتساع...
حينها اسميها حرية...
حينها أعتقكم...
أكتبكم من جديد...
حينها أعلن على الملأ
أنني بينكم... بكل جنوني وحروفي البريئة
معافاة... وأبية...!!!).

الشاعرة حريصة على تقديم رؤيتها، التي هي بمثابة تجلي لكينونة الأنا، ورغبتها في تثوير الذات الأنثوية في التحرر.

(أريد أن أكون أنا القصيدة...
تأتي على قدر شفافية الوله...
على قدر الاتساع...
حينها اسميها حرية...)

في النص يتعالى صوت ضمير المتكلم الممزوج بالمخاطب والمسند الى الفعل المضارع. الذي ينطوي على ثيمة وجودية هي قضية القلق الوجودي، سمة الإغتراب النفسي. فالشاعرة تريد أن تكتب نصها لأستكشاف كينونتها دون خوف من أن تصطدم أفكارها مع الواقع.

(لا تشوهوني بتيار الزمن المهرول...
لا تسقطونني في شباك الأجسام السمجة...!!!).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة خاصة مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وأسرار وكواليس لأ


.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7




.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل