الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الأدب الإسلامي

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 5 / 21
الادب والفن


لمصطلح الأدب الإسلامي تعريفات عدة، من أبرزها: "التعبير الفني الهادف عن الحياة والكون والإنسان في حدود التصور الإسلامي"( ).
وإن وقفة تحليلية لمفردات هذا التعريف تضعنا على معالم الأدب الإسلامي المتغياة والمستهدفة. وهي:
1- أداة الإبداع: (التعبير الفني):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي أن هذا الاتجاه لا يرضى التعبير المباشر التقريري الجاف، فهذا اللون من التعبير يدخل في النطاق العلمي أو النطاق الحياتي، ولا صلة له في المجال الأدبي، فالنص لابد أن يكون فنيًّا في المقام الأول، مشتملًا على أساليب إبداعية، وتقنيات أدبية عالية، تكفل له التميز والإثارة والجاذبية، ومن ثم التأثير.
2-غاية الإبداع: (الهادف):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي أن هذا الاتجاه يدعو إلى الغاية النفعية الاجتماعية للإبداع، فلابد أن يكون الأديب ملتزمًا التزامًا طوعيًّا بقضية ما في إبداعه، فالأدب للحياة، والأدب للمجتمع، وليس الأدب للأدب! وليس الأدب متعة ذاتية، أو مَسْلاة كلامية، أو مَلْهاة فنية !
3-مجال الإبداع: (الحياة والكون والإنسان):
ثلاثة مفردات جامعة متدرجة عن طريق أسلوب العطف، تبين مجالات الإبداع، وأظن أنها شاملة لكل المضامين الأدبية قديمًا وحديثًا: فـمفردة (الحياة) يقصد بها كل ما فيها من مخلوقات وإشكاليات وأفكار ومعتقدات!
ومفردة (الكون) يقصد بها كل ما فيه من مخلوقات سماوية وأرضية، لاسيما غير العقلي والجامد منها، من كواكب ونجوم وذرات ومجرات ورياح وسحاب وغيم ومطر ورعد وبرق وزلازيل وبراكين وطير وطائرات ونبات وشجر وأعاصير وأنهار وبحار وحيوانات ...إلخ
ومفردة (الإنسان) يقصد بها ذلك الكائن الناطق العاقل بكل إشكاليات وقضاياه ورؤاه، وأحلامه وآلامه، ومظاهر عيشته المختلفة، واتجاهاته الفكرية المتنوعة.
4- ضابط الإبداع: (التصور الإسلامي):
وعبارة (وفق التصور الإسلامي) تحدد الضابط الأساس الذي ينظر إليه المبدع الإسلامي ويحتكم، ويقصد بمصطلح "التصور الإسلامي" ما جاء في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وكبار الفقهاء قديمًا وحديثًا ومعاصرًا للإبداع الأدبي وقضاياه. والتي تمثل معايير مؤسِّسة لما يسمى "النقد الأدبي الإسلامي".
3- حدود الأدب الإسلامي :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(الأدب الإسلامي) على اتساعه وشموله يدور في حدود ثلاثة في نظر الدكتور محمد بريغش هي: حدود الفطرة الصافية، وحدود الشريعة، التي تسرى في فكر الأديب وقلبه، وحدود العقل الإنساني الموضوعي. وليس معنى هذه الحدود أن الأدب الإسلامي أدب جامد، كلا بل هو أدب متحرر متطور، مرتبط بالإنسان وحياته( ).
ويعلل ذلك بأن"الآفاق الزمانية التي يتحرك في دائرتها الأدب الإسلامي آفاق رحبة تمتد من الحياة الإنسانية الدنيا إلى ما بعد الموت، فتعطي بذلك للأديب مدًى واسعًا يربط زمانيًّا بين الماضي والحاضر والمستقبل ربطًا متساوقًا. أما الحدود المكانية فإن منهج الإسلام الفكري قد أعطى الأديب حرية في حركته المكانية التي تمتد إلى آفاق إنسانية أوسع"( ).
تعاريف أخرى للأدب الإسلامي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معظم دارسي الأدب الإسلامي مجمعون على تعريف، جاعلين هذا التعريف مسلمة ينطلقون منها في بحوثهم0 وهو: "التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان من خلال تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان( ) .
وللدكتور "علي صبح" في كتابه"الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق" ثلاثة مفاهيم متدرجة في النظرة الشاملة والعميقة للأدب الإسلامي، هي:
جاء المفهوم الأول في قوله: " الأدب الإسلامي تصوير للحياة بما فيها من مصادر الحق والباطل، ومظاهر الخير والشر، ومراتب الحب والجمال والكره والقبح، بالكلمة والصورة، تبحث على الحق والخير، والحب والجمال، وتدحض الباطل والشر والكره والقبح ؛ لتنافيها مع فطرة الإنسان وقيمه النبيلة"( )0
وهذا المفهوم فيه تفصيل عام لعناصره مع التصريح بالمنظور الإسلامي.
وجاء المفهوم الثاني في قوله: " حقيقة الأدب الإسلامي هي التجربة الشعورية التي تنبع من الوجدان والخواطر المفعمة بالقيم الإسلامية في بناء فنى يعتمد على وسائل التأثير والإقناع: من الألفاظ الفصيحة، والأسلوب البليغ، والنظم الدقيق، والتصوير المحكم بالخيال والعقل معًا، والاتساق في الإيقاع المتدفق بأشكاله المتعددة، سواء أكان وزنًا وإيقاعًا في الشعر، أو نموًّا وتطورًا في الأحداث كالقصة والأقصوصة، أو قصرًا وبلاغة في العبارات والجمل كأنواع المقالة الأدبية"( )0
وفي هذا التعريف مزيد من التوضيح، عن التعريف السابق؛ إذ كون التجربة شعورية يقتضى أنها نابعة من الوجدان، والفارق بين الأسلوب البليغ والنظم الدقيق؛ فالأسلوب عام، والبلاغة تقتضى الدقة فيه، والنظم قد يكون في الشعر مثل المنظومات العلمية الألفية في النحو والقراءات والتاريخ، ومثل فن البديعيات الذي انتشر عند المتأخرين معارضة للبوصيري في بردته الخالدة، التي تعد تاج المدائح النبوية الشريفة . لكن أن قِصَر العبارات في المقالة الأدبية ليس سببًا في بلوغها الدرجة العالية في الفن، فقد تكون الجمل الطويلة بليغة، حين يقتضيها المقام ويتطلبها السياق، خصوصًا في ألوان المقالة الموضوعية( )0
كما أن ما ذكره المؤلف من وسائل التأثير والإقناع ليس كلامًا نهائيًّا، ولا تحديدًا صارمًا، فهناك الكثير من الوسائل التي تحقق الغايتين، في فنون الأدب الحديث والمعاصر.
وبعد رحلة ممتدة مع نظرية الأدب الإسلامي ـ خلال هذا الكتاب ـ توصل المؤلف إلى التحديد الأمثل ـ في نظره ـ للأدب الإسلامي. وهو:
" التصوير الفني الجميل للكائنات حية كانت أو جامدة، التي سخرها الله ـ تعالى ـ للإنسان في الحياة والكون، يستمد الأديب قيمه الخلقية والفنية من حضارة الإسلام المتجددة قديما وحديثا وفي المستقبل، تصويرا حيا قويًّا نابضًا بالصدق الفني، يثير العواطف والانفعالات ويحرك المشاعر والأحاسيس، ويثرى الوجدان والخواطر، سواء باللغة العربية، أو بلغات الشعوب الإسلامية غير العربية"( )0
وقد نال هذا التعريف ـ والذى قبله ـ قبولًا واسعًا في الخطاب النقدي المعاصر، إذ رضى به كثير من الدارسين( )، بل قرر بعضهم أن تعريف المؤلف جمع عناصر العمل الأدبي وحدد معالمه الإسلامية تحديدا دقيقا، ورأى أنه يعد تعريفا تامًّا وحدًّا جامعًا مانعًا؛ لكونه جامعًا بين طرفي التعادلية التعبيرية (!) القائمة على التجربة الشعورية أولًا، والصياغة الفنية ثانيًا( )0
وأرى أن هذا التعريف الثالث قد جمع أبرز عناصر العمل الأدبي من تصوير فنى، وتصور إسلامي، وصدق فنى، بأي لغة إسلامية، غير عربية كانت أو عربية، مع إبراز أثر التصوير في عواطف المتلقين ومشاعرهم لاشتماله على قيمه خلقية وفنية. وقد اشتمل على عناصر توضح المراد من المضمون، مثل: "يثير العواطف والانفعالات، يحرك المشاعر والأحاسيس، يثرى الوجدان والخواطر" فكل عبارة واحدة من الثلاثة تؤدى المعنى المقصود، وتعبر عنه بوضوح.
وفي قوله: "تصويرًا حيًّا قويًّا نابضًا بالصدق الفني" مزيد تفصيل للتعميم والإجمال في قوله: "التصوير الفني الجميل" وكذلك عبارة "حية كانت أو جامدة، التي سخرها الله تعالى للإنسان في الحياة والكون" ؛ لأن تلك الأفكار معلومة بالضرورة والتبعية، لا تحتاج إلى ذكر وتسجيل في التعريف المنطقي والمنهجي لذلك المصطلح الشائك والشائق معًا0
وأفضل أن يقال: " سواء باللغة العربية أو بغيرها" بدلا من "سواء باللغة العربية أو بلغات الشعوب الإسلامية الأخرى" لأن في ذلك إيجازًا معبرًا، إذ أي لغة ينطق بها المسلم في أي عصر أو مصر تعد لغة إسلامية.
ومن ثم أرى أن يوجز مفهوم المؤلف على النحو الآتي:
" التصوير الفني الجميل للكون والإنسان والحياة، المستمد من حضارة الإسلام المتجددة ـ قديما وحديثا ومستقبلا ـ تصويرا صادقا مؤثرا في المتلقى، بأى لغة بليغة من لغات العالم الإسلامي".
وبذلك المفهوم الموجز المركز يكون مصطلح الأدب الإسلامي واضحًا محددًا تحديدًا موضوعيًّا مقبولًا، كما يراه المؤلف، وأتابعه فيه، مع عدد كبير من الباحثين المعاصرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا