الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ السياسي للأعضاء الجنسية

محمد سهيل احمد

2023 / 5 / 21
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


نص قرائي
----------
• لاشك ان الاعضاء الجنسية ــ بصنفيها الذكوري والانثوي ــ تشغل حيزا كبيرا من التكوين البدني للإنسان والحيوان والنبات ، على حد سواء .فعلى الصعيد الفيسيولوجي تتمظهر وظائف اعضاء الكائن الحي عبر ما يسمى بالفسيولوجيا او علم وظائف الاعضاء ، بينما يهتم علم البيولوجيا بدراسة كيفية تفاعل الكائنات الحية مع بعضها ومع البيئة المحيطة بها .
ظاهريا تبدو عبارتا (الاعضاء الجنسية) و ( الاعضاء التناسلية ( متشابهتين .قد توحي العبارة الاولى بصنف الكائن الحي من حيث كونه ذكوريا او انثويا مع اختلاف شكل الصنف الاول عن الثاني مثلما تطورت معاني كلمة جنس الى المتعة التي تصاحب الفعل الجنسي وما يكتنفه من استعدادات فسيولوجية واخرى سوسيولوجية مرتبطة بالأفكار والموروثات التي ارتبطت اجتماعيا بهذا الفعل .اما عبارة ( الأعضاء التناسلية ) التي قد توحي بفكرة التكاثر فهي الآلية التي اراد لها الخالق أنْ توظف لغرض استمرارية الوجود عبر فعل التكاثر .
لنبتعد قليلا عن هذه الفروقات ونتوقف عند التاريخ السياسي للأعضاء الجنسية او التناسلية ، الأمر سيان ، والذي يبدو محكوما بعوامل عدة يأتي العامل السايكولوجي ــ النفسي في طليعتها . بيد اننا
سننحي جانبا هذا العامل الذي يلقي بظله ، عبر التاريخ ، على عموم السلوك الانساني ، مسلطين الضوء على العوامل السياسية التي هيمنت على الأعضاء الجنسية البشرية تنظيما او بعثرة عشوائية في آن معا . لقد بدأ استغلال وظيفة الأعضاء الجنسية منذ عهد قابيل وهابيل ثم ما لبث ان أصبح واحدا من اهم الدوافع في تحريك الأحداث التاريخية المرتبطة بالصراعات البشرية التي تهيمن عليها ثلاثية الامتلاك والحاجة للغذاء والجنس .
ومن خلال مقاربة هذه العوامل نجد ان تاريخ الحضارات بشتى اشكالها السياسية قد اولت للعوامل الجنسية الأهمية الكبرى في شن الحروب او عقد المصاهرات او تأسيس الدول او تخريبها ، بل ان اشكال الاسلحة المستخدمة في الحروب قد تكون قد استوحيت من اشكال الاعضاء الجنسية . ألا يشبه المدفع عضو التذكير البشري ، وهو ما ينطبق على الصاروخ والدبابة والطوربيد، فيما تبدو الخنادق اشبه بأرحام انثوية التكوينات ؟ !

طبقة الخصيان

في الحضارات القديمة كان الخصيان الرجالَ الوحيدين المسموح لهم بالوجود في القصور إلى جانب أفراد الأسرة الحاكمة؛ حيث عملوا في الخدمة وحراسة بوابات القصور، وسُمح لهم بالوجود في غرف النساء والاشتغال بحمايتهن.لكن الخصيان تحولوا عبر الزمن من الخدمة في البلاطات الملكية إلى حيازة النفوذ والوصول إلى أعلى المناصب، وقد كان منهم من خضع للإخصاء في صغره للالتحاق بالخدمة لإمبراطورية؛ فقد كان الإخصاء شرطًا مهمًّا للانضمام للبلاط في كثير من الإمبراطوريات القديمة، مثل إمبراطورية الصين والإمبراطورية الكورية، في وقت كان فيه العمل في البلاط شرفًا تسعى الأهالي إلى أن يناله أبناؤها؛ فما الذي تعرفه عن ( خصيان البلاط) رجال الملوك والسلاطين المعتمدين ؟
ان شريحة الخصيان كانت تقليدا انتقل من الروم إلى البلاد الإسلامية
ففي القديم كانت تجارة الرقيق رائجة في كل الإمبراطوريات والممالك، وكان العبيد يلحقون بالخدمة في القصور الملكية والبلاطات الإمبراطورية، وقد انقسم خلالها العبيد إلى نوعين: (الرقيق الأبيض) و(الرقيق الأسود) .
كان الرقيق الأبيض أغلى ثمنًا وأكثر ولعًا بالفنون والموسيقى، وكان افراد الرقيق يباع في أسواقٍ كبيرة يُعرضون فيها قبل بيعهم للملوك والأمراء في قصورهم، وللتجار والأثرياء والمقتدرين، وتنوع الرقيق المُباع بين نساءٍ، ورجالٍ، وغلمان. وانخرط الرقيق في شتى مناحي الحياة الاجتماعية، وكان منهم جنود تستعين بهم الدولة في حروبها ويقومون بالأعمال الصناعية والتجارية لسادتهم، وقد بلغ بعضهم مناصب رفيعة مثل مؤنس في العراق الذي أصبح قائدًا عسكريًّا وولاه الخليفة العباسي المقتدر بالله ولاية دمشق، وجوهر الصقلي القائد الفاطمي ومؤسس القاهرة .

الجاحظ
في كتابه (الحيوان) كرس الجاحظ فصلًا كاملًا للحديث عن الإخصاء وتأثيره في الجسم، والصوت، والشعر، والأعصاب، كما عرض لأصناف الخصيان القادمين من بلاد السند، والحبشة، والنوبة، والسودان؛ ويقول الجاحظ في كتابه: "الروم هم أول من ابتدعوا الإخصاء" كما يروي الجاحظ أن الروم " كرهوا لأبنائهم إحبال نسائهم". اذن لم يكن إخصاء الرقيق من أجل الخدمة في القصور عادة شرقية، بل انتقل إلى الشرق من عدة شعوب قديمة مثل الإغريق والروم . وقد كان الخدم من الخصيان فقط؛ خاصة لمن يحرسون النساء بحكم اختلاط الخدم بهن، وقد دخل العبيد إلى الحضارة الإسلامية عن طريق الدولة الأموية؛ إذ نقلوهم عن الروم البيزنطيين الذين كانوا يخصون من يعمل من الرجال في أديرة النساء.

ابيض واسود

انتشر الإخصاء بين الرقيق الأبيض والأسود على حدٍّ سواء؛ وعلى الرغم من أن المسلمين قلَّما أخصوا الرقيق بأنفسهم؛ لكنهم اشتروا الخصيان واستخدموهم في بيوت الخلافة، وكان وجودهم عادةً ما يقترن بمنازل الأثرياء، الذين استخدموهم، ليس فقط في الخدمة والحراسة، ولكن في الترفيه والغناء أيضًا غير ان بعضهم لم يرتضِ بوقف نفسه على تسلية الأثرياء، بل نبغ في العلوم العسكرية، ووصل إلى المراكز المرموقة مثل حكم الدولة أيضًا، وخير مثال على ذلك كافورالإخشيدي الذي وصل إلى حكم مصر والشام. أما في الأندلس فكان بعض المسلمين قد اتقنوا الإخصاء، وصار بعض الفقهاء يبيحون القيام به؛ وكان الخصيان أغلبهم من عناصر مسيحية من أصل صقلبي، وبعضهم من الترك والفرس والهنود، في حين كان العبيد القادمون من الحبشة، والنوبة، والسودان، أقل قيمة بالنسبة إلى الأمراء.
وفي قصور الخلفاء المسلمين انقسم الخصيان إلى أمراء، وهي الطبقة العليا منهم، وإلى خدم، وهي طبقة دنيا طبقيا تقوم بالأعمال المنزلية الشاقة، وكان عددهم كبيرًا، حتى إنه في القصر العباسي كان في ميسور المرء أن يرى 11 ألف خصي، وفي قصر الزهراء بقرطبة 3700 خصي من الصقالبة.
لماذا استعان الأمراء والملوك بالخصيان؟ فذلك يعود للحاجة اليهم في تولي مهمات الحراسة والوجود في أجنحة الحريم، فقد كانوا أقرب لطباع النساء في ذلك العصر بسبب التغيرات التي تطرأ على جسدهم بعد الإخصاء، بحسب المؤرخين، كما كانوا يمتازون بالإخلاص الشديد لسادتهم م ويشبهون الحيوانات الأليفة، وفقًا للجاحظ اضافة الى الاطمئنان على الحريم من غوايات الانحدار لغوايات الغريزة لاسيما اثناء غياب الملك او الامير كخروجه للغزو على سبيل المثال .
اما خصيان الاندلس فقد قدموا اليها عبر التجار اليهود عبر التجار اليهود؛ إذ كان التجار الإفرنج يبيعون الأسرى من الصقالبة والجرمان عند ضفاف نهر الألب والدانوب وشواطئ البحر الأسود؛ ومنها ينقلونهم إلى الأندلسِ، واعتاد أمراء المسلمين في ذلك العصر شراء العبيد للخدمة والحرب وشئون النساء وللترفيه. ولما كان عليه الرقيق الصقالبة من جانب عظيم من الجمال، أطلق العرب على كل الرقيق الأبيض صقالبة، وفي هذا السياق عمد تجار الرقيق إلى إخصاء بعض العبيد وبيعهم بأثمانٍ باهظة، حتى إن امتلاك خصي كان يُعد من علامات الثراء؛ إذ لم يكن الجميع بإمكانه تحمل تكلفة شرائهم. وانتشرت تجارة الخصيان، حتى إن تجار العبيد أنشأوا اماكن خاصة بالخصيان وكانوا يعمدون الى إجراء عمليات الاخصاء وتأهيلهم وهم أطفال؛ وكانت هذه العملية مميتة في كثيرٍ من الأحيان، وتتسبب في وفيات الأطفال من الرقيق المساكين ! وشاع في الأندلس أن يزهو الأمراء والأثرياء بالخصيان، تمامًا مثل الأحصنة والأقمشة وغيرها من الهدايا الثمينة، ولهذا عمد ملوك الإفرنج إلى التقرب من خلفاء المسلمين بأن يرسلوا إليهم الخصيان هدايا؛ كما فعل أمير برشلونة أثناء عقد الصلح مع المستنصر خليفة المسلمين في الأندلس وتاسع أمراء الدولة الأموية؛ فأهداه 20 صبيًّا من الخصيان الصقالبة. وبهذه الطريقة وغيرها انتشر الخصيان في بلاط الخلفاء، حتى تكونت منهم فرق الحراسة الخاصة التي انضم إليهم فيها العبيد والمماليك من غيرهم، وتقلدوا فيما بعد الرتب والمناصب وتمكنوا من تكوين ثروات كبيرة؛ مثلما حدث في عهد الدولة العثمانية.

قصور الخلافة العثمانية
إذا أردت أن تعرف أكثر عن حياة طبقة الخصيان، بإمكانك أن تلقي نظرة أكثر قربًا الى أعمال الخصيان ورتبهم، وكيف كانوا منخرطين في شتى الأعمال داخل سراي السلطان بالدولة العثمانية؛ فقد كان الخصيان السود يتولون حراسة غرف السلطانات وخدمتهن، وكان أعلاهم شأنًا وأكبرهم سنًّا يتولون المهام الرفيعة المتعلقة بشخص السلطان.
وتقلد خصيان السلطان العثماني الكثير من المناصب، فكان بينهم (القابي آغا )، وهو رئيس جميع الأغوات، أي القادة العسكريين منهم، ويعد أعلاهم مكانة ويتمتع بسلطة خاصة لدى السلطان، وتمرر من خلاله أيضًا الرسائل والخطابات والتقارير القادمة من خارج القصر السلطاني إلى داخله، وعلى الرغم من اعتباره رئيس الخدم، فإنه الوحيد الذي كان يرافق السلطان أينما ذهب. أما الرتبة الثانية كانت للـ ( خازندار باشي) ، وهو الذي يتولى شؤون الخزانة الداخلية للباب العالي، والتي يكون لها عادةً مفتاحان أحدهما برفقة السلطان والآخر مع الخازندار الذي يتولى مهمة الوقوف على المال الذي يدخل إلى الخزانة والذي يخرج منها، وهي مهمة من الصعب أن يتولاها إلا القلة؛ إذ كانت دليلًا على الثقة التي كان يوليها السلاطين لأمراء الخصيان.
أما الرتبة الثالثة فكانت (الكلرجي باشي) وهو رئيس الخزائن ويتولى مع مساعديه مهمة رعاية الخزائن السلطانية، حيث توضع الهدايا الثمينة من سيوف وجلود وحرير وصوف ومختلف أنواع الأثاث، ويعمل على فرز الهدايا الداخلة والخارجة إلى القصر العثماني وتسجيلها.
وأخيرًا (السراي آغا) ، وهم الخصيان الذين يتولون رعاية السراي السلطانية، ويلتزمون بتزويد القصر بكل ما يحتاج إليه، وعدم مغادرته أبدًا في غياب السلطان، كما كانت تقتضي مهمتهم أن يكونوا متيقظين على الدوام.وتعد الرتب الأربع الأكثر سلطة وثقة لدى السلاطين؛ وفي العادة يكوِّن الخصيان ثروة كبيرة نظرًا إلى الهدايا التي يحصلون على باستمرار داخل القصور، والتي تؤول في النهاية بعد وفاتهم إلى السلطان نفسه. وغالبا ما كان الخصيان يقدمون كهدايا لدى السلاطين العثمانيين، وقليل منهم هم من يخصون دون إرادتهم؛ إذ إن بعضهم كان يخصى بإرادته طمعًا في أن يصبح ذا مكانة مرموقة. أما الخصيان السود من الفتيان والفتيات فكانوا يعملون على الخدمة المنزلية وحراسة السلطانات، ويخصى الفتيان في سنٍّ صغيرة قبل البلوغ؛ وتجري تربيتهم وتأهيلهم على الخدمة في القصور السلطانية؛ وكان يجري إرسالهم إلى النساء ليعملوا بين آخرين على خدمة السلطانة، وكانت أغلب أسمائهم مشتقة من أسماء الزهور لاقترانهم بخدمة النساء؛ وذلك مثل خزامى، ونرجس، وورد، وقرنفل.

دولة الخصيان في مصر
لعب الخصيان على مدار التاريخ أدوارًا سياسية شتى في كثيرٍ من الحضارات؛ بل تمكَّنوا من الوصول إلى أعلى المناصب السياسية، من بينها الوصول إلى رأس الدولة؛ مثل كافور الإخشيدي، الخصي الأسود المجلوب من الحبشة بـ18 دينارًا، بحسب كتاب ( تاريخ ابن الوردي) ؛ إذ كان من رقيق الحبشة، وأصبح حاكم مصر بعد وفاة محمد بن طغج الإخشيدي الذي اشتراه وأعتقه وقربه منه، وجعله من أكبر قادته. وبعد وفاة محمد بن طغج، أصبح كافور وصيًا على ابنيه الاثنين، أنجو وعلي بن الإخشيد، اللذين توفيا في سنٍّ صغيرة، لينفرد كافور بالحكم ويصبح رابع حكام الدولة الإخشيدية بعدما استولى على مصر وسوريا، مكونًا دولة مستقلة حكمها مدة 20 عامًا، وكان يدعو له على المنابر في مكة، والحجاز، والديار المصرية، والشام.لاحقًا . اما في عهد الدولة الفاطمية فقد انتقل الخصيان من القيام بالأعمال المنزلية الشاقة ومعاونة رئيسة الجواري (القهرمانة) في حراسة الحريم داخل قصور الأثرياء، إلى لعب دور مهم في قصور الخلفاء الفاطميين؛ إذ كانت فترة الدولة الفاطمية؛ هي الفترة التي بدأوا فيها في تولي المناصب الرفيعة بمصر ليصبحوا أصحاب نفوذ وفي أعلى طبقات المجتمع. وأكْثَرَ الفاطميون من شراء الخصيان، خاصةً من الرقيق الأسود المجلوب من النوبة والحبشة، وجرى توزيعهم على الزوجات والجواري في قصور السلاطين الفاطميين، وبمرور الوقت أصبح لهؤلاء رتب يحصلون عليها تبعًا لدرجة إخلاصهم وتفانيهم في العمل .
عند النظر إلى دولة قديمة مثل الصين؛ نجد أن عادة الإخصاء قد انتشرت لديهم منذ زمنٍ بعيد، لكنها كانت واضحة تمامًا خلال العصر الإمبراطوري المبكر في الصين وصعود سلالة سونج عام 221 قبل الميلاد؛ إذ امتد وجود الخصيان في البلاط الإمبراطوري الحديث حتى سقوط الإمبراطورية وقيام جمهورية الصين الشعبية عام 1921.

السياسة الجنسية
ككل مجتمع يعيش حالة حرب، لا يتحقق فرض السيطرة الذكرية، أو ما يدعى "حرب الجنسين"، بدون الأكاذيب المعتادة التي تطلق بين المتحاربين؛ كالقول بأن العدو شرير أو أنه فاقد لأية قيمة إنسانية. ويبدو أن إيمان الرجال بالشر الكامن في النساء لا يهتزّ. وما تزال دراسات المجتمعات البدائية والنصوص الدينية تؤكد على عدد لا يحصى من التابوهات المفروضة على النساء. فاليهود يعتبرون المرأة الحائض "غير نظيفة"، تابو، نجسة. ويحظر عليها لمس الأسلحة أو أي أدوات مقدسة لأنها قد تلقي بلعنة عليها وبالتالي سيموت مالكوها "الذكور". فكل شيء له علاقة بتكونيها الفيزيولوجي مقرف ومهلك. إذًا، فلتبق في خيمة لوحدها بدون طعام ولتُحرم من دخول المعبد طوال فترة الطمث ولأيامٍ معدودة بعدها كما يخبرنا الإنجيل. وحتى المرأة التي أعطت الحياة لمنقذ العالم ستبقى امرأة دنسة وغامضة. ومن الغريب بمكان أنهم لم يعتبروا القذف خلال الاحتلام الليلي قذرًا أو غامضًا لأن القضيب لم يُعتبر يومًا دنسًا بل عضوًا ملوكيًا، يشبه في شكله الصولجان والقذائف والأسلحة والطائرات!
من الناحية التاريخية ، كان هناك الكثير ممن "عبدوا" القضيب، كما كان هناك الكثير ممن عبدوا الرحم أو قوة الخصب الأنثوية. ويبدو أنَّ خوف الذكر من قوة الخصب الأنثوية كان أحد الأسباب التي أسست حالة الاضطهاد والحقد على النساء العالمية، والذي بدوره غيَّر منظومة القمع العالمية، أو ما نسميه اليوم "الاستيلاء الأبوي على السلطة". قبل أن يخترع الذكر لعبة الحرب ويؤسس المدن المليئة بالأقنان ممن يبنون له الصروح، ويدرك دوره الحيوي في الخلق ربما نظر بحسد إلى المرأة وإلى قدرتها العجائبية على إخراج حياة بشرية أخرى من بطنها. ثم ربط هذا بدورات القمر والطبيعة، عندئذٍ شعر بالخوف والرعب ثم بالكره. وقرر أن يسقط هذه الوظيفة، بالتواطؤ، حسب اعتقادي، مع القوى الماورائية وقوى الطبيعة المروعة، ووضعها في مصاف الحيواني والمميت والفاحش، وبالتالي ارتبط الطوطم القذر، الذي اخترعه الذكر، بالأنثى بأشكالٍ كثيرةٍ.
وبعد أن أبطل الذكر من قوى الأنثى قام على الفور بتضخم قواه. ثمَّ احتكر كل ما هو ماورائي، واخترع إلهًا ذكريًا جديدًا (أخاه أو والده حسب الظروف)، ثم أكمل ما بدأه بإعلان ارتباطه بالألوهية من خلال سلسلة طويلة من الأجداد والرسل والكهنة والأباطرة. وبما أن الذكر أعلن ارتباطه بالله فقد نصَّب نفسه إلهًا على الأنثى. ويصف الشاعر جون ميلتون هذه العبارة في احدى قصائده:
هو.. لأنه وحده الرب وهي .. لأن الرب فيه.. !

-----------------------------------------------
احالات
-------

• من بين ما استند عليه هذا المقال مادة الكاتبة والصحفية المصرية نهاد زكي والمعنونة ( ماذا تعرف عن سلطة الخصيان في العصور القديمة ؟ )
• وكذلك كتاب الناشطة والمؤلفة الامريكية كاترين موراي ميليت (ت 2017 ) والذي يحمل عنوان ( السياسة الجنسية Political Sexuality ) . وهو احد كلاسيكيات الكتابة النسوية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي