الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لغز نهاية نساء نابغات

نجاة تميم

2023 / 5 / 22
الادب والفن


"من المؤكد أن أي امرأة وُلدت، في القرن السادس عشر، بموهبة عظيمةُ كانت ستُجن أو تنتحر أو تنهي أيامها في كوخ انفرادي على حافة القرية، نصف ساحرة، نصف مشعوذة، خائفة وساخرة ..." (فرجينيا وولف، "غرفة تخص المرء وحده"). لكن التساؤل المطروح ؛ هل ما زال الخوف من المرأة النابغة يحوم حولها ويعيق حياتها؟
لقد اهتم الكاتب ستيفان بولمان بتاريخ نساء مثقفات منذ القرن الخامس عشر وكتب "بالقراءة تُحرر المرأة" (2006) و"الكتابة خطر على حياة المرأة الكاتبة" (2006) و"الخوف من المرأة التي تقرأ" (2011). وبحسبه، يجب على هؤلاء الكاتبات اللواتي أردن تحرير أنفسهم من حياتهن الخانقة والقمعية أو الرتيبة عن طريق الكتابة، أن يكون لديهن إيمان قوي بأنفسهن ومثابرة هائلة. لكن بعضهن، مع الأسف، فشلن في الحفاظ على التفريق بين تكيفهن مع وضعهن في المجتمع واستقلالهن العقلي. وهذا جعلهن يدفعن الثمن غاليا.

مأساة مروعة لنساء نابغات

يمكننا سرد قصص عدد من الكاتبات على أنهن "منتحِرات المجتمع"، حسب صيغة أنطوان أرتو في كتابه عن فان خوخ بعنوان "منتحِر المجتمع" (1947)). بالفعل، عاش العديد من أفضل المؤلفات الإناث في القرن العشرين، وقضين نحبهن في ظروف مأساوية، عانين الكثير ودمر حياتهن هذا "الجنون" الذي لا يتعدى كونه تبريرا اخترعه النظام الاجتماعي. لكن يبقى انتحار هؤلاء الكاتبات لغزا. فكل ما نعرفه أن هؤلاء المبدعات ولدن في زمن غير زمنهن. لم تتوفر لهن الظروف الملائمة لكي يفجرن طاقات إبداعهن ويتفرغن للإنتاج بشكل مستمر. فمتطلبات الحياة داخل العائلة وفي المجتمع بالإضافة إلى عدم الاعتراف بالمرأة ككاتبة، وانعدام الدعم المعنوي والمادي، كل هذا يثقل كاهل الكاتبة. فالمرأة انسانة بحاجة أيضا لنظرة الآخر لها وتقديرها. مع هذا، فإننا لا نستطيع ان نشفر فعلا ما دار في رؤوسهن وما المعاناة الفعلية التي جعلتهن يتخذن هذا الحل.

فيرجينيا وولف

ومن بين هؤلاء المبدعات، نذكر فرجينيا وولف، التي ولدت في لندن عام 1882. لقد رفض إخوانها أن تلتحق وأختها "فانيسا" بجامعة كامبردج مثلهم. مع ذلك فإنهما أكملتا دراستهما في البيت في مكتب ابيهما. بعد وفاة الأم، كانت فرجينيا، آنذاك، في الثالثة عشر ربيعا، بدأت تعاني من سلسلة من الانهيارات النفسية والعصبية التي لاحقتها لبقية حياتها. وقد اتضح لاحقا أن السبب في حالها تلك هو الاعتداء الجنسي عليها وعلى أختها من قبل أخويهما غير الشقيقين .
تزوجت من ليونارد وولف عام 1912، وأسسا دارا للنشر Hogarth press عام 1917. لقد كان إنتاج وولف غزيرا ما بين الحربين العالميتين. فمن أشهر أعمالها “Mrs Dalloway” (1925) و"إلى المنارة" عام 1927، و "أورلاندو" عام 1928. أما صرختها النسوية المهمة، التي تلخص في "غرفة تخص المرء وحده"، كانت وما زالت مطلبا سياسيا لتحقيق مساواة ثقافية بين الجنسين. فالمرأة، بحسبها، لا تحتاج إلى حفظ كرامتها فحسب بل تحتاج أيضا إلى حقوق متساوية في التعليم، ودخل وغرفة خاصة. كانت وولف حريصة، ليس فقط، على تحسين مكانة المرأة في مجتمعها، بل شجبت أيضا، في كتابها الموسوم "الغينيات الثلاث"(1938)، البطريركية والهيمنة الذكورية على المؤسسات العسكرية والحرب الأهلية في اسبانيا وتصاعد الفاشية في أوروبا.
لقد كانت وولف، كاتبة الوعي الفردي المتحرك، أحد أهم الركائز التي تستند عليها حركة النقد الثقافي النَّسَوي، منذ سبعينيات القرن الماضي. وهي التي استعملت تيار الوعي في أعمالها، وتخيلت شكلا جديدا للتعبير يركز على الشعور الداخلي لمعرفة أنفسنا والآخر.
لقد كانت خائفة من فكرة الجنون. فأصبح الموت حصنا ضد اللامعقول. وفي نفس العام 1941 الذي أنهت فيه حياتها، فقد العالم العربي نابغة الشرق والأديبة مي زيادة.

مي زيادة

ولدت زيادة، في مدينة "الناصرة" الفلسطينية عام 1886م، لأب لبناني ماروني الأصل، وأم سورية. تلقت تعليمها الأساسي في الناصرة، ودرست الموسيقى وكذلك اللغتين الفرنسية والإيطالية. بعدئذ هاجرت مع والدتها ووالدها إلى مصر عام 1907. وهناك برز اسمها. وكانت تتقن تسع لغات وتتباهى بإتقانها اللغة العربية وذلك بفضل أحمد لطفي السيد وشكيب أرسلان الذي لقبها بـ"فريدة العصر". لقد كانت تنشر إبداعاتها في "المحروسة"، التي كانت ملك أبيها منذ عام 1908، ثم أصبحت مي رئيسة تحريرها بعد وفاة والدها سنة 1929. وبعد ذلك توسع نشاطها الصحفي والأدبي، لينتقل إلى صحف "السياسة الأسبوعية" و"الأهرام" و"الهلال" و"المستقبل" و"المقتطف". ونشرت أول ديوان شعر باللغة الفرنسية تحت عنوان "أزاهير الحلم" « Fleurs de Rêve » عام 1911. وكانت في ذلك الوقت قد حصدت شهرة واسعة، بالأخص، وسط كبار الكتاب والمفكرين في مصر وكذلك في بقية أرجاء العالم العربي.
كان كتابها الموسوم "باحثة البادية" عن الأديبة المصرية ملك حفني ناصف، الصادر عام 1920، من اشهر كتبها. ثم جاء كتابها الثاني "سوانح فتاة" عام 1922، وهو تجميع لبعض مقالاتها وبحوثها وفي نفس العام صدر لها "كلمات وإشارات"، و"المساواة" عام 1923، و"بين الجور والمد" عام 1924، و"الصحائف" عام 1924. كما ترجمت بعد الحرب العالمية الأولى "ابتسامات ودموع" للكاتب الألماني "ماكس سخلر". أما الكتاب الموسوم "ظلمات وأشعة" (1923)، فقد صدر عام 2021 عن دار رسائل العالم العربي بفرنسا، ترجمه من العربية إلى الفرنسية سمير بلحمرا، وكتب مقدمته الوزير الأول الفرنسي السابق جان مارك أيرو. ومما بقي من مقالاتها جمعته وحققته سلمى الحفار الكزبري، الأكاديمية والأديبة الدمشقية في "الأعمال الكاملة" لمي زيادة.
لقد عُرفت مي زيادة، وعمرها العشرين ربيعا، بصالونها الأدبي "صالون الثلاثاء". كانت تستقبل فيه نخبة من الأدباء العرب، كطه حسين، وعباس محمود العقاد، وولي الدين يكن، وشبل شميل، ومصطفى صادق الرافعي، وأمين الريحاني، وأسماء أخرى كثيرة كانت جميعها من ضيوفها، ما عدا جبران خليل جبران، المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، والذي جمعتها به المراسلة منذ عام 1912.
وبعد حياة حافلة بأمجاد أدبية لم تحظ به، آنذاك، كاتبة عربية، ليس على المستوى العربي، فحسب، بل والغربي أيضا، كانت مي زيادة تمر بظروف نفسية صعبة جدا؛ حيث فقدت ثلاثة من أقرب الأشخاص إليها واحدا تلو الآخر؛ هم والدها الذي توفى عام 1929، والحبيب جبران خليل جبران الذي تلاه في عام 1931، وكذلك والدتها التي فارقت الحياة بعده بعام. يبدو أنها كانت تحس بالوحدة بالرغم من أنها كانت محاطة بالعناية والاهتمام وحب عدد كبير من ألمع الكتاب العرب.
لكن على إثر هذه المفجعات المتتالية، زعم البعض لأسباب معينة، إصابتها بالجنون، ثم استدراجها إلى لبنان، وزجّها هناك في مصحة عقلية، "العصفورية"، ما بين عامي 1936 و1937. وكانت واحدة من أشهر مآسي ذلك العصر.
وبفضل تدخل أقرب أصدقائها في مصر ولبنان، وتدخل القضاء في البلدين، تم إخراجها من مستشفى الأمراض العقلية. وعادت إلى مصر بعدما أثبتت للجميع أنها تتمتع بقواها العقلية. لكنها لم تستطع العودة إلى العطاء والإبداع، حتى أعلنت وفاتها في القاهرة، في 19 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1941. وأسدل الستار على "نابغة الشرق" مي زيادة، تاركة مقالات وآراء ونقد ومراسلات مع جبران خليل جبران، وعباس محمود العقاد، وطه حسين، وأمين الريحاني، وشكيب أرسلان، وآخرين. وبحسب سلمى الحفار الكزبري: "فإن من المفارقات أن يحارب النبوغ، ويُهان صاحبه، ولا سيما إذا تجلى في امرأة."

سيلفيا بلاث

لقد تعرضت الأمريكية بلاث، الروائية والصحفية والشاعرة صاحبة ديوان "أرييل"، للكثير من النوبات العصبية مما أدى إلى إدخالها إلى مصحة عقلية بسبب محاولتها الانتحار خلال دراستها الثانوية. وفي عام 1955، أكملت دراستها بتفوق. تعرفت على زوجها الشاعر الانجليزي Ted Hughes (1930 – 1998) في جامعة كامبردج .كانت تحس بالوحدة، والمعاناة مع مخاض الإبداع ومسؤولية طفلين، خصوصا بعد انتقالهما إلى بلدة خارج لندن. لقد تفاقمت المشاكل بينها وبين زوجها بسبب عشيقته الشاعرة أسيا فيفيل. وعاشا سنتين منفصلين. لكن في نهاية المطاف، لم تستطيع المقاومة، ففي 11 فبراير- شباط عام 1963، بالضبط بعد نشر روايتها المشهورة الشبه سير ذاتية "جرة الجرس"، بشهر، أنهت حياتها بغاز فرنها وقبل ذلك حرصت على إطعام طفليها. لقد كانت في الثلاثين من عمرها، وبقي العالم النَّسَوي يعاتب زوجها لإهماله لها وأنه هو السبب في تفاقم أزمتها. ومما يزيد الشك، كونه قام بإتلاف جزءا كبيرا من مذكراتها. لكن الروائية الهولندية "كوني بالمْن" أعطته فرصة لكي يوضح وجهة نظره في علاقته مع بلاث في روايتها الخيالية الموسومة "إذا قلت ذلك" (2017).

مع الأسف، هناك نساء أخريات لا يقلن أهمية، واجهن نفس المصير؛ كالروائية والقاصة البريطانية أنا كفان (1901 – 1968)، والكاتبة ورسامة الكاريكاتير الألمانية الفرنسية أونيكا زورن (1916 – 1970)، والشاعرة البلجيكية صوفي بودولوسكي (1953 – 1974) والشاعرة والقاصة الفرنسية دانييلا كولوبرت (1940 – 1978) والكاتبة الفرنسية إيما سنتوس (1943 – 1983)، والكاتبة والروائية الهولندية المغربية نعيمة البزاز (1974 – 2020) وغيرهن أيضا كتابا مبدعين.
ونختم بقول Phyllis Chesler؛ بأن "المرأة مجبرة على الخضوع لدورها المحدد ثقافيا، لكن تمردها على هذا الدور يتم ربطه وبشكل سريع باضطراب نفسي." فكيف يا ترى نقضي على الخوف من المرأة الواعية والمثقفة؟ وكيف نجرد مصطلحات مثل المساواة والحرية والجندر والنّسَوية من الدلالات السلبية العالقة بها؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب