الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-قران العراق-والثورة التشروعشرينيه الناطقة؟/3

عبدالامير الركابي

2023 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


افصحت وثبة الاول من تشرين 2019 عن تعاظم الحاجة ل "الثورة"، ان من خرجوا يهدرون في ارض الرافدين يومها ليغمروا الارض باحلامهم ودمائهم، هم "ثورة الحس المشتعل"، وقد بلغ حدودا قصوى، حتى وان كان، لابل ولانه مكبلا ومختنقا بمعضلة نقص الادراكية، التي لاكمال للثورة بدونها، فالثورات الانقلابية العظمى من هذا الصنف، ليست حراكا صاعدا الى السماء وحسب، كما كان الحال مع مجالس السوفيتات في روسيا في تشرين 1917، او التازم الاقصى القبلي في الجزيرة العربية في القرن السابع قبل ان تاتي الدعوة المحمدية، لتنقل جزيرة العرب من القبلية، الى العقيدية، وتغير مستهدفات طاقتها الاحترابية الاستثنائية نحو التحريرية "الفتح"، او حين وصل لنين من منفاه ليمنح حركة المجتمع والعمال، الرؤية والوجهة، فالثورات الانقلابية من نمط ثورة العراق الراهنه، هي ساعة انقلابية نطقية نوعية ايله الى مجتمعية اخرى، نضجت وصارت اسبابها الواقعية حاضرة، ماسبق ذكره من امثله، هو مجرد اشارات دلالية قد تؤشر على ماهي منطوية عليه من انقلابية دهرية.
فمالذي كان ينقص وثبة تشرين 1919 ،وهل كان ثمة غائب لو حضر في حينه لانقلبت التوازنات، واخرست بنادق القتلة وشيطناتهم القذرة، وهو ماكانت "التكتك"(1) عاجزة عنه لتدل بعجزها على ضرورته القصوى، فلا ثورة عراقية لاارضوية اليوم من دون "نطقية"، والزمن الذي كان يمنع ثورة العشرين قبل قرن، او ثورة 14 تموز من النطق وقتها، ماعاد قائما هو نفسه اليوم، بما يجعل من الوثبة الكبرى الراهنة عتبة اخيرة، وبروفة اقرب للعتبة السابقة على الثورة التشروعشرينيه الناطقة الكبرى، ثورة عراق الازدواج واللاارضوية، وقاعدة الانقلابيه الطورية من "الانسايوان" الى "الانسان"، ومن المجتمعية والانتاجية اليدوية الجسدية، الى العقلية ومابعدها مع كل مايتصل بها ويواف طبيعتها من مسار مختلف عما متعارف عليه لهذه الجهه نوعا ومنيا.
ذلك مالابد من حضوره بعد الان بين هتافات الناهضين الاحرار، ليقع الافتراق بين كتلة الحثالة الريعية بلادولة، وبين من "يريدون وطنا"، الى ان ينقلب الحال، ويتبدل التوازن بين المعسكرين والعالمين وقد تضاءل كل مايعود الى الماضي وتوهماته، وبمقدمها سطوة القصور والانتكاس امام الذات، وليتوارى عندها عراق هو ليس عراق ولم يكن يوما، كي يولد عراق جدير بعراق الكونية التحولية العظمى، وموئل السر، وركيزه وقاعدة الحفاظ على الوجود البشري، والانتقال به وسط احتمالات الفنائية الحالة على المعمورة، الى شاطي الامان التحولي مابعد الجسدي الارضوي، وهو ماقد اوكلته الغائية الكونية العليا منذ البدء، لهذا الموضع من الكوكب الارضي.
فاذا نطق العراق اليوم، فانه يفعل ذلك بما يتناسب حتما مع كينونته، ومستوى ديناميات تاريخه المديد، وتراوحاته بين الصعود الامبراطوري الكوني، والانقطاع، استجابة لضرورات ذات طابع كوني،متزايدة الحاحا، ماعاد ممكنا التغاضي عنها، في وقت تجاوز فيه النقص والقصور الاعقالي درجة وحدا يمكن معها القبول بالتفارق، بين الذات المعاشة، وادراكها بعد الاف السنين من الانفصام، والنظر الى الذات بعين الاخر، لابل توهم العيش بثوب الاخر، وكل هذا لايمكن ان يصلح عدة لثورة مازالت تقول ماينفيها، ويقف بها خارج مستهدفها المفترض، فما هي ياترى مطالب تشرين المحددة، "نازل اخذ حقي" ليس بشعار" ونريد وطنا" هو الاخر ليس بشعار، ويحتاج لتفسير، والاثنان يدلان على ان الثوار مايزالون مادون الثورة، بما انهم مادون الرؤية، على عظمة نهضتهم، بما في ذلك تحديد وتعيين طبيعة المعسكر الاخر: فماهي ياترى مواصفات الحكم القائم، وهل جرى التوصل لاتفاق مدروس يعين نوعه، والى اي شكل من اشكال النظم او السلطات ينتمي؟.
في انتفاضات نهاية الاربعينات والخمسينات كانت الشعارات واضحه، فالمعركة مقررة ومعسكريها واضحين ومحددين، والافكار المتصلة بها وان تكن ايهاميه، الاانها ممكنه التشكل في منظومة ملموسة، زوال الاستعمار واسقاط الحكم الملكي المرتكز اليه، مع ماهو شائع من نموذجية تحررية تسمى وطنيه مرتهنه للحرية والاستقلال والنظام المواكب له، كما تعين بناء لمفاهيم حركة التحرر الوطني المتعارف عليها في حينه، فماهي منظومة، ومن ثم "نظام" وثبة الاول من تشرين اليوم؟، في لحظة من الحراك، تبدل الشعار فجاة من اسقاط النظام، الى قبول مجرد استقالة الحكومة(2) كما ورد في جريدة الوثبة الكبرى، والاطار العام الافتراضي لاجمالي التحرك على اختلافة النوعي عن الشائع من تحركات مايعرف ب "الربيع العربي"، لايعطي صورة يمكن من خلالها مقاربة المطلوب الذي هو كما يفترض، "بديل" عن حال واشتراطات قائمه.
هذا علما بان هبات "الربيع العربي" ليست مثالا يقتدى، وهي حراكات مهمة، غير انها هي نفسها محطات انتقالية وبدايت طور جديد، لم تنضج بعد، ولااستقرت ملامحها ووجهتها، وهي دلالة على تضاؤل وانحسار فعالية افكار ومفاهيم طور زمني تاريخي، استمر لقرابة قرنين من الزمن، اتسم بالاستعارة والتقليد، ومجافاة الاليات الذاتيه، وانتهى الى انهيار ولاجدوى، وانتهاء الممكنات المحدودة التي كانت تجعله قابلا لنوع من الحياة يسودها الوهم، والمقصود فترة مايعرف ب " النهضة العربية"، التي هي بالاحرى نهضة الاخر الاوربي، ورغبة البعض بسبب العجز والكساح العقلي في اللحاق به توهما ومماهاة، خارج فعل الواقع والياته التاريخيه، وهربا من مواجهة اشتراطاتها المرحلية الانقطاعية الانحطاطية، بما تستحقه وينطبق عليها، ليس هذا وحسب، فاثار التماهي مع الاخر ماتزال تمارس وطاتها باستمرارها بظل غياب البديل، في بسط اثرها ومنظومة رطانتها على ماهو جار من اعلان واقعي وشامل، دلالة على قمة تهافتها وانتهاء مفعولها التخريبي المجافي لابسط قواعد العلاقة بين العقل والواقع.
وفي العراق بالذات يعود هذا التفارق ليس الى الساعة، ولا الى لحظة مايسمى "الربيع العربي"، بل الى عام 1920 وقت تفجر حدث يتعدى القدرة الاعقالية المتاحة، أوالتي توفرت لاحقا، مع غلبة ظاهرة "الوطنيه الايديلوجية" النقلية، وهو ماعاد وتكرر في 14 تموز 1958، ليغدو مع الاول من تشرين 2019ا لحظة تصادم اقصى مفتوح، وجهته الحتمية استكمال اشتراطاتة الاساسية الغائبة عالميا، من موقع الضرورة المتعدية للمكان.
ويتوافق الوضع العراقي الشرق متوسطي اليوم، مع تبلور احتمالية انتقال الموقع القيادي على مستوى المعمورة، بعدما صارت الاله على مشارف "التكنولوجيا العليا"، وهي الوسيلة الانتاجية الغاية والمنتهى الذي وجدت الالة بصيغتها الاولى المصنعية كي تبلغه، لتصير من حينه وسيلة متطابقة مع المجتمعية اللاارضوية، بينما تصاب اوربا موئل التحول الالي الابتدائي بالاختلال المتعاظم، مع تحول العلاقة بين وسيلة الانتاج الفوق جسدية ارضوية، والبنية الارضوية، حتى في اعلى مستويات ديناميتها، الى انفصال مطرد، مقابل صعود اللاارضوية، لحظة بدء تطابقها المتاخر المنتظر مع الوسيلة الانتاجية العقلية، يوم ينقلب كل مايتصل بالمجتمعية وبالحياة، وبكل مايتعلق بسيرورة التصير التاريخي التفاعلي، وقد انتهت صلاحية المجتمعية الارضوية.
تعود اليوم ومجددا لحظة الحضور البدئي الثاني، لارض مابين النهرين، ليحتل هذا الموضع مجددا موفع المبتدا الانتقالي هذه المرة نحو اللاارضوية العقلية، وعالم الخروج العقلي من الجسدية ومن المجتمعية، التي لم تكن سوى لحظة توسط ضرورية لاجل تحول الكائن البشري، وانتقاله من الحيوان الى الانسان، ومن الازدواج الجسدو عقلي، الى انفصال العقل عن الجسد وتحررة من حامله، ذهابا الى الكون غير المرئي، وكل هذه موضوعات صار الكائن البشري الاكثر اقترابا من عالم التحولية مسؤولا عن التسلح بها كضرورة، لاحياة ولااستمرار وجودي تحولي من دونها، الامر الذي ستضطلع به وببلورته واقعا ارض اللاارضوية الاولى.
"قران العراق" يعني اخيرا وعند نهاية المطاف، وفي الساعة المقررة، انتقال الكائن البشري من القصورية والعجز عن ادراك الذاتية والمضمر في الوجود والعملية المجتمعية، وهو المدخر عند منتهى المسار التفاعلي التصيري، ولن يمض وقت طويل قبل ان تبدا التأزمات تتراكم، سواء بيئيا او انتاجيا وعلى مستوى العلاقاات، بينما تخيم وهو ماترافقت طلائعه مع وثبة تشرين وغمرتها بالكوفيد 19، اسباب الفنائية المجتمعية الانتاجوية المختلة والبيئية، الامر الذي لن يلبث ان يتحول لظاهرة شامله ومحسوسة، يدخل عليها عنصر انتهاء التوافقية الارضية الكوكبية مع اشتراطات المجتمعية الارضوية، وهو مالايعرف الكائن البشري كيف ينتبه له، فضلا عن ان يضعه في الحسبان.
واذ يلتقي "قران العراق" مع تبلور وتزايد احتدام التازم الشامل، فان مايقع وقتها على عائق المنادين "بوطن" يكون وقتها ابعد بما لايقاس من نطاق التخيل الراهن، ليجد اولئك الذي هدروا في تشرين، وغيرهم ممن لم تتهيأ لهم اسباب المشاركة، انفسهم غير مخيرين، وابعد دورا وحضورا من النطاق المحدود بارضهم، وب"وطنهم" الذي "يريدونه"، وقد اصبحوا وقتها سفينه الانقاذ والانتقال التحولي الاعظم.
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في مطلع تشرين الثاني اوكتوبر عام 2019 اصدر التشرينيون جريدة "تكتك" لتنطق بلسانهم اضافة لاذاعة "نريد وطن". صدرت من الجريدة عشرة اعداد وتوقفت في كانون الاول / ديسمبر2019.
(2) لوحظ وفي العدد السابع من " تكتك"انها حصرت مطالب المتظاهرين في اقالة حكومة عادل عبدالمهدي، وهو ما تصدر الصفحة الاولى اعلانا موقعا باسم هيئة تحرير" تكتك" جاء فيه نصا" اقالة الحكومة هو المطلب"، مااعتبر كنتيجه لماقد واجهه المتظاهرون من قمع مفرط، بعدما كان شعار الانطلاق "الشعب يريد اسقاط النظام"، ومهما يكن فان المشار اليه ليس الا لحظة تلبث مرتبكه عارضة، من غير العادل اسباغها على الوثبة الكبرى كخاصية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا