الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف والسياسة

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


المثقف ، الحزب ، والسلطة
أية علاقة ؟. حالة المغرب
" طيلة اشتغالي لمدة اربع ساعات على هذه الدراسة ، كان البوليس السياسي يعرقل عملي بإطفاء شاشة الحاسوب ، ورغم ذلك واصلت من دون كلل وملل ، لكن عندما انهيت العمل واردت ارسال الدراسة ، البوليس الجبان يقطع الكونكسيون عن منزلي ، لذا سأضطر الانتقال الى Cyber لإرسالها ... والسؤال امام هذه الفوضى : من يحكم المغرب ؟ اين الملك ؟ عمل جبان ، حقير Le tortionnaire et le bourreau "
لن يكون هدفنا من هذه الدراسة المتواضعة ، ان نتطرق الى الموضوع من وجهة نظر أكاديمية ، ونظرية قائمة على التجريد ، ولكن محاولة معالجة ذلك فقط ، انطلاقا من مواقع وممارسات نعايشها في بلادنا ، وما ينتظرها من تحولات سياسية كبرى ، كان من المفروض ان يتساءل المرء ، عن موقع المثقف من كل هذا ، وعن دوره فيما يحدث او سيحدث لاحقا ، خاصة ولأن لهذا ، مكانة خاصة في ثقافتنا وذهنيتنا الجماعية ، باعتباره كان يمثل غالبا الملجأ و المرجع الذي يعتد به ، كلما تعقدت علاقاتنا كمثقفين ، مع النظام البوليسي الحاكم ، الذي يفسر كل شيء كبير او صغير ، تفسيرا بوليسيا محضا ورديئا .
فليس من الضروري ان نذكر هنا ، بان جل اللحظات السياسية العميقة ، التي هزت بلادنا ، كان يقف وراءها في الحقيقة ، ولو من بعيد ، مثقفون كان لهم الفضل الأكبر ، والاسبقية بما يمتلكونه من حساسية تاريخية ، في التقاط الإشارات الأولى لهذه اللحظات ، واستشعار قبل أي كان ، نوعية التحولات التي تلوح في الأفق .
لكن قبل الغوص في تحليل هذه الوظيفة الافتراضية للمثقف ، وظيفة استشراق تطورات المستقبل ، علينا أولا ان نحدد ماذا نقصد بالمثقف ؟
ان التعريفات في هذا المجال جد متنوعة و متباينة فيما بينها . فهل نأخذ بالتعريف الأكثر تعميما ،وندخل ضمن خانة المثقفين ، كل من امتلك رصيدا من التعليم في أي مجال كان ، وبالتالي يصبح المثقف هو كل شخص متعلم ، أم نأخذ بالتعريف الاكثر تخصيصا ، بحيث لا ندرج ضمن هذه الخانة ، سوى تلك الفئة القليلة من الافراد ، الذين ينتجون أفكارا جديدة ، وينشرون ابحاثا خاصة بهم ؟ .. وحتى في هذه الحالة الأخيرة ،فضمن أي مجال يمكن ان نحصر المثقف ؟.فهل الذي يبدع في مجال الفن والادب ، او في مجال العلوم الإنسانية مثله مثل من يبرز في مجالات العلوم الطبيعية والتقنية ؟ بمعنى آخر ، فمَنْ مِن هؤلاء يمكن ان نعتبره مثقفا : الشاعر ، او الأستاذ ، او عالم الاجتماع ، او المهندس أ او الطبيب ، او مسير المقاولات ، او رجل السياسة ... الخ ؟
من الصعب اذن ان نحسم في هذه الأسئلة ونحدد بدقة من هو المثقف . ولكن رغم هذه الصعوبة ، يمكن ان نقترح تعريفا مؤقتا ، يمكننا فقط من تحديد الفئة التي نريد ان نتكلم عنها في هذا البحث والدراسة المتواضعين ، وبناء عليه يصبح المثقف في هذه الحالة ، هو كل شخص استطاع بفضل تكوينه النظري والاكاديمي ، تجاوز وبلورة رؤية متكاملة عن المجتمع ، وعن التطور التاريخي بشكل عام .
بطبيعة الحال سيكون هناك تفاوت كبير ، وتحيز لصالح من يمثل المجتمع والتاريخ مجال اختصاصه الأصلي . اذ يصبح كل متخصص في التاريخ ، او في احد فروع العلوم الإنسانية ، مثقفا بالضرورة ، بينما لا يستطيع الطبيب او المهندس اكتساب هذه الصفة ، إلاّ إذا اجتهد ، وخرج عن مجال اختصاصه ، وعانق مجال الثقافة بشكل عام .
بعد هذا التحديد ، يمكن ان ننظر الى العلاقة التي تجمع هذه الفئة ، بكل من السلطة السياسية ممثلة في جهاز الدولة ، وبالأحزاب السياسية، فنلاحظ منذ الوهلة الأولى ، انّ من اعتبرناهم مثقفين يصنفون على أساس هذه العلاقة الثلاثية الى فئات أساسية :
--- الفئة الأولى ، وهي السابقة من الناحية التاريخية الى الوجود ، وهي التي تنتمي ، او تتعاطف مع الأحزاب السياسية ( المعارضة ) ، او التيارات المعارضة .
--- الفئة الثانية ، وهي التي اندمجت داخل جهاز الدولة ، ليس فقط عبر رابطة التوظيف ، لان هذا النوع من الارتباط قد يهم حتى بعض العناصر داخل الفئة الأولى ، كأساتذة التعليم العالي مثلا . ولكن بالخصوص عبر القيام بوظيفة اجتماعية او أيديولوجية لصالح ( وانطلاقا من وجهة نظر ) المتحكمين في جهاز الدولة .
--- الفئة الثالثة ، وهي التي اختارت الابتعاد عن الميدان السياسي المباشر ، وفضلت ان تغلق على نفسها في مجالات اختصاصاتها الاكاديمية ، وذلك لاعتبارات متعددة ، منها ما يرجع كما سنرى الى الدولة ، ومنها ما يرجع الى ممارسات الأحزاب ( المعارضة ) نفسها .
ان المثقف باعتبار الحساسية الخاصة التي يمتلكها ، فكرية كانت او إبداعية ، يكون بمثابة ضمير المجتمع ، والمعبر عن الخلجات العميقة التي يمكن ان تحرك هذا الأخير . لذلك كنا نجده دائما يستبق الاحداث التاريخية ، وينطق بلسان المستقبل ، في الوقت الذي تكون فيه الأغلبية من مواطنيه ، لا تزال متشبثة بكل ما هو ماض ،ومتعارف عليه بين الناس . أي ان المثقف في بداية نشاطه بالخصوص ، من طبعه أن يكون تقدميا ومتجاوزا لزمانه ، وبالتالي داعية لهدم الماضي وللتجديد . فلا غرابة اذن ان تكون اول دفعة من مثقفينا العصريين في السنوات الأولى من الحماية ، هي التي التقطت إشارة المستقبل ، ووضعت بذلك الأرضية لقيام الحركة الوطنية ، واستعادت ( الاستقلال الوطني ) . ولا غرابة أيضا ، ان يميل جل المثقفين من الجيل الثاني لصالح المغربة الاجتماعية بعد ان حسمت المعركة الوطنية ، وينحازون خلال الستينات الى جانب " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، الذي جعل من هذه المعركة شعاره المركزي .
وفي مرحلة السبعينات ،شاهدنا كيف انّ المسألة الأيديولوجية جذبت اليها كثيرا من المثقفين الجدد ، الذين وجدوا في الماركسية مبتغاهم على هذا المستوى . وحاليا نشاهد كيف ان المسألة الثقافية تتجاذب الجيل الجديد من المثقفين ،وتدفع بهم الى التصنيف في اتجاهين متعاكسين : اتجاه اصولي ماضوي ، واتجاه ديمقراطي حداثي .
ان لكل مرحلة مؤشراتها ،وتصوراتها الخاصة عن المستقبل ، تتحدد من خلالها معطيات موضوعية وذاتية ، لامجال للغوص فيها هنا . وحين يلتقط المثقف الشاب والجديد هذه الإشارات عن المستقبل ، ويجد في نفس الوقت الاطار السياسي الملائم لتوظيف قناعاته على هذا المستوى ، فانه ينخرط بالضرورة في العمل السياسي ، ويعمل على تحويل قناعاته الى ممارسة فعلية ، ويصبح بالتالي مثقفا ومناضلا سياسيا في نفس الوقت . أي انه ينتمي الى الفئة الأولى من المثقفين .
لكن حين يكون هناك تفاوت بين زمن التقاط الإشارات المستقبلية من طرف المثقف ، وبين واقع العمل السياسي الموجود في البلاد – مع العلم ان للعمل السياسي منطقه الخاص ، تتحكم فيه الى جانب ما هو موضوعي ، الذوات والمعطيات التاريخية الأخرى -- ، فان كثيرا من المشاكل تحدث بهذه المناسبة ، كأن تكون هناك محاولة لتجاوز إطارات العمل السياسي الموجودة ، تتكلل بالفشل ، وبالإحباط كما حدث مع تجربة الماركسيين سابقا ، او يتم تهميش المثقف ومحاصرته ، فيكون مدفوعا في هذه الحالة الى الانعزال والتقوقع على الذات ، وإمّا الى الارتماء في أحضان اول قادم ، وخصوصا اذا كان العرض مغرياً ..
ان المثقف هو بطبيعة الحال ، مواطن كالآخرين ، له طموحاته الشخصية ، وحاجياته المادية والمعنوية . فهو إن استطاع تحقيق الاشباع المادي ، أي تلبية حاجياته المادية والمعنوية ،واهمها الاعتراف له بأهمية انتاجه الفكري ، فذلك هو اقصى ما يمكن ان ينتظره . لكن اذا ما أخفق على المستوى الثاني ، ولم يعترف له بأهمية ما ينتجه ، سواء كان ذلك لأنه جاء بعد فوات وقته ، او قبل وقته ، أو لأن ما يقترحه لا يستحق الاهتمام بالفعل ، فانه سيضطر على الأقل الى التشبث بالمطلب الأول ، أي محاولة تلبية حاجياته المادية بكل الطرق الممكنة ، وان اقتضى ذلك التخلي عن قناعاته ، او العمل ربما ضدها . وطبعا القليلون جدا هم المثقفون الذين يستطيعون الصمود ، وتجاوز حصار الدولة الطقوسية عليهم ، وذلك اما بالتضحية بالجانب المادي لصالح القناعات الفكرية ، وهو الاستثناء .. ، او بالبحث عن سبل أخرى ملتوية لتصريف قناعاته ، ولو باللعب على حبال متعددة في نفس الوقت . وهنا نستحضر نموذجين من المثقفين على سبيل المثال لا الحصر ، لم يأتيا في وقتهما ، وقد تعرضا للتهميش من المجال السياسي ، او انهما اختارا ذلك عن طواعية .
الأول ، هو المختار السوسي، الذي وصل ربما متأخرا الى جامع القرويين بفاس في أواخر العشرينات ، حيث وجد الفكر السلفي المناهض للطرقية في أوجه ، وهو ابن الزاوية ووريث سرها ، فاضطر مبكرا الى اعتزال العمل السياسي رغم التقاءه الفكري مع منظري الحركة الوطنية ، والاكتفاء بالتدريس والتأليف .
والثاني ، هو عبد الله العروي الذي تقدم بأطروحة تحديثيةمتقدمة على عصرها ، لم تجد لدا سياسي عصره وجيله ما يكفي من الاستجابة ، فاضطر الى البحث عن صيغ أخرى لتصريف قناعاته ، ومن ذلك ان يتقرب الى السلطة ، وان يحاول لعب دور مكيافيلي المغرب ، مع العلم ان هذا الأخير ، كان قد ساهم كما هو معروف ، في تنوير الفكر السياسي في الغرب ، عن طريق النصائح البراغماتية التي كان يقدمها للأمير .
اننا اذا انطلقنا من واقع العمل السياسي في البلاد ، وتتبعنا اطواره ، فإننا سنعرف ربما لماذا انقلبت حالة المثقفين حاليا ، واضطرار جزء كبير منهم للانتقال من الفئة الأولى التي كانت سائدة خلال مرحلة الستينات واواخر السبعينات ، الى الفئتين الثانية والثالثة ، خاصة منذ العشرية الأولى من الالفية الثالثة ، أي موت الحسن الثاني ، ومجيء محمد السادس .
ان هذا الواقع كان يتميز في البداية بهيمنة " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، واستقطابه لعطف اغلب العناصر المثقفة في البلاد ، باعتبار انه كان حديث العهد بالتأسيس ، ومنفتحا اكثر من غيره على المستقبل .
لكن بعد اصطدام طموح المثقفين الجدد ، ببعض قوى الماضي المتغلغلة داخل الحزب نفسه ، والعصية عن التجاوز ، اختار طرف منهم تجاوز الاطار نفسه ، وخلق حركة لليسار الجديد الماركسي اللينيني ، لتصريف قناعاتهم الأيديولوجية ، في الوقت الذي فضل طرف آخر العمل من داخل الحزب لتغييره من الداخل ، خاصة بعد أطروحة المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 ، التي كانت حسما طبقيا مع ماضي الاتحاد الراديكالي ، ولتختزل الديمقراطية ليس في دمقرطة الدولة ، بل في ما يسمى ب " المنهجية الديمقراطية " التي لا تعني البرنامج الحزبي ، لكنها تعني السباق ، والهرولة ، والاستعداد للانبطاح للنظام ، ليحصل لهم شرف تنزيل برنامج الملك الذي لم يصوت عليه احد للتطبيق . فما يسمى " بالمنهجية الديمقراطية " كانت آلة سياسية فنية للحفاظ على دوام النظام الملكي ، ليس الديمقراطي ، بل الاقطاعي ، و الطاغي ، والاستبدادي ، والبوليسي .. فعند اعتراف كل المعارضة باسم الانتماء الى اليسار ، بالاستمرار في احتكار الملك للشأن الديني ، يكون الامر بهذه ( المعارضة ) ، انها بدورها فريدة ، ولا شيء يجمعها بالأنظمة الديمقراطية التي لا تحشر الدين في تدبير أمور الدولة .. ويكون المغزى من الاحتفاظ بالسلطة الدينية للملك كأمير وامام ،التسليم له ، والاعتراف له بالسلطات الاستثنائية الخارقة التي يتمتع بها الملك ، في فرض سلطة الامر الواقع ، على الجميع ، أي حتى على دستوره الممنوح عندما يتعارض مع سلطات عقد البيعة ..
فاصبح التغيير عوض الدعوة للدولة الدمقراطية ، هو الدعوة لاستمرار الملكية المطلقة والدكتاتورية .. فالذي تحول هم السياسيون الذين بعد ضعف جذعهم ، و ضعفت قاعدتهم ، اصبحوا ملتصقين بالدولة التي تحفظ مصالحهم ، حتى وصلنا الى الوضع الحالي الذي يتميز بموت السياسة ، وبموت السياسيين ، والنصرة والعهدة كانت للنظام الملكي الذي افرغ المعارضة البرجوازية من جوهرها ، وجعلها رأسا من دون قاعدة ولا قواعد ..
وحتى لا نطيل ، فالمثقف وفي كل الكون ، هو قضية ، والقضية هي إلهام المثقف وكل المثقفين ، كضمير للشعب ، لان المثقف العضوي ، يسترخص نفسه ، ويقبل على كل التضحيات ، المغامرات التي يسميها البعض بالانتحاريات ، من اجل الشعب ومن اجل البلد . وللأسف حين تغيب القضية ، ويسود التملق والوصولية والانتهازية ، وتعرِّض نفسك كخادم بمقابل للنظام ، هنا يتحول ما كان يعد بالأمس مثقفا جماهيريا ، الى مجرد طبال يطبل ويزمر للنظام الذي فتح له بعض الصنابر Les robinets ، لتدارك ما فات ، وتعويض سنوات العجاف ..
وعندما يتحول من كان بالأمس يُعدّ مثقفا الى ضده ،يكون ضمير الامة والشعب ، قد تعرى ، وتكون الساحة قد عمها السكوت وغلبة الصمت ، ويكون الفراغ المنذر بسقوط الدول وسقوط الأنظمة ، هو الصورة الواضعة والعنوان الكبير العريض .. فعندما يملئ النظام وحده الساحة ، ويصبح الجميع مجرد اتباع ، وحيث ان الطبيعة تكره الفراغ ، وعند اشتداد الضغط الخارجي ، وتصبح المساومة ، مساومة النظام بالتراب الوطني هي لغة الحال ، وتبلغ العزلة اشدها ، فتلكم مؤشرات على جديد يطل برأسه من ثقب الباب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال الرئيس الفرنسي ماكرون عن اعتراف بلاده بالدولة الفلس


.. الجزائر ستقدم مشروع قرار صارم لوقف -القتل في رفح-




.. مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب رفع العلم الفلسطيني خلال


.. واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في سياستنا ودعمنا العسكري لإسرائيل




.. ذا غارديان.. رئيس الموساد السابق هدد المدعية العامة السابقة