الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوادث الطرق المتزايدة في العراق، هل من سبيل للحد منها أم ننتظر المعجزة؟

بشار الحافظ

2023 / 5 / 22
الادارة و الاقتصاد


في هذا اليوم الاحد بالذات المصادف في 21/5/2023 وقبل كتابة هذا المقال ، نقلت وسائل الأعلام نبأ مصرع واصابة عشرة أشخاص أثر حادث مأساوي في محافظة كربلاء وقالت ان شخصين لقيا مصرعهما وأصيب ثمانية آخرين أثر حادث سير على طريق قضاء ام تمر ونقل المتوفين الى الطب العدلي والجرحى الى المستشفى وان اغلب الجرحى حالتهم خطرة ، وقبل أيام قرأنا بتأريخ 13 /5/ 2023 خبرا عن حادث سير مميت آخر أسفر عن مصرع ستة اشخاص واصابة تسعة عشر شخصاً آخرين بين محافظي الأنبار وصلاح الدين، ، وهكذا تتوالى الكارثة اليومية في طرقنا وشوارعنا . ان تلك الأرقام تمثل بالنسبة للعالم مؤشرات صادمة ومخيفة، ولكنها بالنسبة لنا باتت أخبارا عابرة ومكررة يوميا، والأمر كذلك بالنسبة لردود الفعل إزاء البيانات والتقارير السنوية التي يصدرها الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية والتي تشير الى معدلات متزايدة سنويا لعدد الحوادث والضحايا، وآخرها التقريرالصادرفي عام 2022 الذي يشير بأن عدد حوادث المرور المسجلة لعام 2021 بلغت 10659 حادثا في كافة المحافظات (عدا محافظات إقليم كوردستان)، مقابل 8186 حادثا في سنة 2020 لنفس المحافظات وبارتفاع بلغت نسبته 30.2% . لقد سببت تلك الحوادث في سنة 2021 من الوفيات 2828 قتيلا، مسجلة نسبة ارتفاع مقدارها 31.4% مقارنة مع السنة الماضية فضلا عن العدد الكبير من الجرحى والمعوقين. ان تلك البيانات المسجلة التي مصدرها إحصاءات الشرطة العراقية حتما اقل بكثير من أرقام الحوادث الفعلية لدى المستشفيات او الطب العدلي أو غير المسجلة لدى مراكز الشرطة، كما يلاحظ ان تلك البيانات لا تحوي على بعض المؤشرات المهمة الضرورية لتحليل والعلاج كما هو ظاهر في الحقول الفارغة التي تخص العراق في النشرات الدورية المنشورة لمنظمة الصحة العالمية وآخرها تقرير (WHO Road Safety Report) لعام 2018.والتي تضع العراق في مقدمة الدول الأكثر تعرضا في قائمة حوادث الطرق وعدد الضحايا في العالم، حيث يقع العراق في المركز السابع عالميا (حسب تصريح لنائب مدير المركز الاستراتيجي لحقوق الأنسان صدر في 6 تشرين اول 2022 نشر في موقع -بغداد اليوم-على النت) ، وبمعدل 20.7 قتيل لكل 100000 من السكان مقارنة باليابان التي سجلت 4.1 قتيل لكل 100000 من السكان لعام 2016(حسب تقرير منظمة الصحة العالمية المشار اليه أعلاه –صفحة 307). وتعتبر حوادث الطرق أحد الأسباب الرئيسية للوفيات في العالم وبالمرتبة الثامنة بعد الأمراض المستعصية، وكذلك تشكل خسارة اقتصادية واجتماعية كبيرة خاصة في الدول النامية تتراوح بين 1و4% من قيمة الدخل الوطني حسب الدراسات العالمية بهذا الخصوص، علما بانه لا تتوفر لدينا أرقام تخص العراق لغرض المقارنة.
ان مسببات تلك الحوادث أصبحت معروفة سوف لا أكررها هنا ولكني سأتطرق اليها بشكل غير مباشر من خلال عرض المعالجات المقترحة، وسيتم التركيز في مقالي هذا للإجابة على السؤال المهم الوارد في العنوان: هل بالإمكان الحد من تلك الحوادث والوفيات والإصابات عندنا، ام نحتاج الى معجزة ودعاء لانقاد أرواحنا وأرواح غيرنا من الأبرياء لكوننا أصبحنا جميعا مشاريع ضحايا محتملين لهذا الخطر؟ ان جميع تلك الأسباب والظروف قد واجهت امما شتى ومنها دول نامية مثلنا قبل زمن طويل وعملت تلك الأمم بجد ومثابرة على مواجهتها منذ ذلك الحين ووضعت الخطط والبرامج لمعالجتها ونجحت واخذت تسجل معدلات سنوية منخفضة لعدد حوادث الطرق والإصابات الناجمة عنها ، وعلى سبيل المثال نذكر ان مدينة بوكاتا في كولومبيا وهي دولة نامية مثلنا قد وضعت ومنذ عدة أعوام خطة وبرنامج للأعوام 1996 -2006 لمواجهة هذه المشكلة ونجحت في تقليل نسبة الوفيات بمقدار 50% (حسب تقرير منظمة الصحة العالمية المشار اليه أعلاه –صفحة 7).
سأعرض فيما يلي باختصار عدد من تلك المقترحات والبرامج التي اوصت المنظمات الدولية بتطبيقها في دول العالم الثالث والتي أرى إمكانية تطبيقها لدينا:
1. تشخيص عناصر ومسببات الحوادث امر أساسي لمعالجتها مما يتطلب تأسيس قاعدة بيانات موثوقة لتسجيل حوادث الطرق، وبالخصوص في إدارات الشرطة لكل المحافظات التي تعتبر المصدر الأساس في التحقيق وتسجيل الحوادث وبالتنسيق مع المستشفيات (والطب العدلي) على ان تتوفر لدى تلك الإدارات الوسائل والخبرات الهندسية والقانونية المدربة للتحليل وتشخيص الأسباب للوصول السريع الى موقع الحادث وتحديد المناطق السوداء الأكثر تكرارا للحوادث وباستخدام استمارات متطورة وبرامج كومبيوتريه متوفرة لهذا الغرض.
2. ان مشكلة حوادث الطرق متعددة الأوجه والمسببات والمسؤوليات لذا فان معالجتها تتطلب بناء مؤسسات إدارية مشتركة تضم المهندسين ورجال القانون ورجال الصحة تملك سلطة قوية والتخصيصات المالية الكافية، وقد أنشأت بعض الدول مؤسسات هيكلية ثابتة لهذا الغرض انيطت مهمة قيادتها الى مسؤولين كبار (وزير على نطاق الدولة مثلا او محافظ على نطاق المحافظة) للقيام بالوظائف التالية:
• وضع الخطط الفورية والسنوية والخمسية المتكاملة لمكافحة هذه الجائحة تتضمن صياغة للأهداف وتقدير النتائج.
• تحديد المسؤوليات وتنسيق العمل المشترك بين الجهات المعينة.
• تخصيص الموارد والأموال لتطبيق الخطة
• انتاج وتصميم الأدلة الإرشادية توزع على الجهات المعنية.
• متابعة التنفيذ والمراقبة وتقييم تنفيذ الإجراءات.
• تشخيص عناصر المشكلة وتوفير البيانات والمعطيات الناجمة عن المراجعة والتقييم والدراسات الهندسية والقانونية والاقتصادية لمعالجة المشكلة وتحسين وتعديل خطط العمل المستقبلي كلما كان ذاك ضروريا.
3. تحسين سلامة الطرق، بالرغم من ان العامل البشري يعتبر المسبب الرئيسي للحوادث المرورية لكن أجراء تطوير وتحسين الطرق له الأثر الكبير في تصرف واستجابة الإنسان، وتقسم تلك الإجراءات الهندسية الى صنفين: إجراءات منع الحوادث (Accident Prevention) وتشمل وضع معايير قياسية فنية (Standards) لتخطيط وتصميم وتنفيذ الطرق وانارتها، وإجراءات الحد من الحوادث (Accident Reduction) وإزالة النقاط السود (المواقع الأكثر تكرارا للحوادث) تنفذ بعد تشخيص المواقع التي يتكرر فيها الحادث.
4. تطوير أساليب الفحص وتطبيق معايير السلامة والأمان في السيارات والمركبات والدراجات النارية واشباهها كالستوتات وغيرها الحالية والمستوردة.
5. تطوير أساليب التعليم والإرشاد وتدريب السواق وفحصهم لنيل إجازة السياقة.
6. تطوير مشاريع القوانين والتشريعات المرورية المتعلقة بالسلامة وتدريب افراد الشرطة على استيعابها وتطبيقها ومن الإجراءات الأنية المطلوب التشدد في تشريعها وتطبيقها لكونها من المسببات الرئيسة المشخصة للحوادث وينتج عنها أخطر الحوادث المميتة مثل: تشديد العقوبات على السرعة الشديدة واستعمال التلفون النقال اثناء السياقة وعدم ارتداء حزام الأمان بالنسبة للركاب او الخوذة الواقية بالنسبة لسواق الدراجات الهوائية والنارية والسياقة بعد تناول المسكر او المخدر والزام السواق للاستراحة لتجنب التعب والإرهاق بعد سياقة المسافات الطويلة وغيرها من الإجراءات.
7. تنظيم حملات السلامة المرورية المتخصصة التي تستهدف الأطراف الأكثر تعرضا للحوادث كالأطفال في المدارس وسائقي الدراجات الهوائية والنارية والمشاة وغيرهم.
8. توفير أنظمة الاتصال الفوري المجاني وتحسين إجراءات الإسعاف والمعالجة بعد وقوع الحادث وتوفير كافة الوسائل والمستلزمات والطواقم الطبية المتكاملة اللازمة والوسائل كسيارات الإسعاف وطائرات الهيلوكوبتر للوصول بسرعة الى موقع الحادث لأنقاذ الجرحى ومعالجتهم في موقع الحادث وفي المستشفى.
أن مشكلة تزايد عدد حوادث في طرقنا وشوارعنا وعدد الضحايا الناجمة عنها باتت مشكلة اجتماعية واقتصادية وتنموية وصحية كبرى يستحق ان يوليها المسؤولون في أعلى المستويات مزيدا من الاهتمام وكذلك عناية مجلس النواب ومنظمات المجتمع المدني، لكون معدلات الحوادث لدينا تعتبر معدلات غير مقبولة وتفوق المعدلات العالمية الطبيعية وتنذر بالخطر وتؤثر على سمعة البلد مالم تتخذ الإجراءات لمعالجتها بدون تأخير طبقا للتوصيات والمقترحات وادلة العمل الصادرة بهذا الخصوص من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات الإقليمية المتخصصة الأخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن


.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع




.. لماذا امتدت الأزمة الاقتصادية من الاقتصاد الكلي الإسرائيلي ب


.. تقرير خطير.. جولدمان ساكس يتوقع ارتفاع أسعار الذهب لـ3 آلاف




.. -فيتش- تُعدل نظرتها المستقبلية لاقتصاد مصر إلى إيجابية