الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هو ؟!! في ديوان الشاعر -فاضل حاتم- (وحده يكتب وصاياه الأخيرة)

حسين عجيل الساعدي

2023 / 5 / 23
الادب والفن


شعراء الميتافيزيقيا، أو شعراء ما وراء الطبيعة Metaphysical poets، مصطلح أطلقه الشاعر الإنكليزي "صامويل جونسون" على مجموعة معينة من شعراء القرن السابع عشر الميلادي، أشهرهم هو الشاعر الأنكليزي "جون دون" أختفى هذا اللون من الشعر حتى عاد الى الظهور مرة أخرى في أوائل القرن العشرين، حين بُعثت الحياة به من جديد على يد الشاعر"تي.إس.إليوت".
يمتاز شعر ماوراء الطبيعة بـ(إيقاعات ليست مألوفة .. يصعب إدراكها .. والبساطة في التعبير والابتعاد عن المحسنّات اللغوية، واستخدام المجازات). فهو يعطي أنعكاساً تحليلي للشعور الإنساني من خلال صيغ غير مألوفة فـ(الأسلوب السهل والتعبير الجميل هو الوسيلة الوحيدة لنقل الأفكار العميقة إلى القراء والتأثير فيهم، وإن أدى إلى المبالغة الشعرية). وهذه بدورها كونت لدى الشاعر كثافة دلالية يصعب فرض قراءة واحدة على النص الشعري، وذلك لأن الشعر هو أداة تعبير في إثارة قوى التفكير والتأمل، فهنالك ترابط بين مخيلة الشاعر وبين الميتافيزيقيا كظاهرة فلسفية، يحاول الشاعر الأنخراط وراء الأحاسيس والمشاعر لكي يستنتج عدة حلول ومعطيات .
أرى أن الشاعر "فاضل حاتم" في مجموعته الشعرية (وحده يكتب وصاياه الأخيرة) يندرج تحت هذا اللون بما يحتويه من رؤية كونية بين طياته، وضعت بأحساس أستحوذت عليه مخيلة الشاعر في إيجاد بعد دلالي متسم بعمق المضمون. مما يدفع بالمتلقي أن يغوص في أعماق النص لأستكشاف بواطنه وسبر أغواره أو معرفة كنهه، فالنص كتب بلغة شعرية تمنح النص إيحاءات ورمزية بأتجاه دلالات متعددة بعيدة. يمكن من هذه الإيحاءات أن تشكل رؤية (ميتافيزيقيا) تثير تساؤلات أول هذه التساؤلات التي يطرحها الشاعر "فاضل حاتم"، مَنْ هو الذي يكتب وصاياه الأخيرة ؟!!! ومن خلال هذا التساؤل يفتح باب التأويل للنص. وأعطاء إشارات ودلالات، عبر عنها بصور شعرية أنزياحية غير مألوفة ، يبقى على المتلقي تأويلها، إن أراد الحصول على المعنى غير الظاهر فيها.
فالشاعر ، كما يقول الشاعر الفرنسي "آرثر رامبو" (لا يذوب في الأشياء كليا حتى يفقد شخصيته ويتوحد فيها، فلا يعود إلا جزءا من أجزاء الكون، إنما دوره هو أن يترجم حركية الأشياء التي يعتقدها الآخرون بلا حياة، ويحي فيها قوة كونية عظيمة يعبر عنها، مما لا يمكن للبشر العاديين أن يحسوها )، "في المذاهب الأدبية: شعر الميتافيزيقيا وشعراؤها".
إن مهمة الشاعر تكمن في استعمال لغة تجعل القارئ يرى ما يراه هو، والذي يغوي الشاعر هو أن يزيل الستار عما هو سري. والنصوص عنده ـ الشاعر ـ تثير حزناً لا يوجه لنا مباشرة بل الى العقل الباطن في اللاوعي. حيث تخترق ـ النصوص ـ كافة الحواجز ولكن بأسلوب فني رائع يلهب الخيال ويبعث في القاريء دفقات من الأثارة في الطرح، فهي كتبت بلغة وفكر مفتوح، يختزل الكلمة الشعرية بومضة أو أضاءة تكون شكل الصورة التي يطمح اليها الشاعر. أن أفكار الشاعر في نصوصه تعكس تجربتة ورؤيتة للحياة.
إن العنوان هو العتبة والمدخل الرئيسي الى النص ومفتاحه وفكرته الرئيسية، والموازي للنص وطريق للوصول إلى معرفة أسرار النص، حيث يساهم في توضيح دلالات النص، واستكشاف معانيه الظاهرة والخفية . أن مسحت الغموض لا تشكل عائقاً أمام فهم النص، بل هي تثير المتلقي مما يدفعه الى ولوج النص من باب التأويل. فالغموض سمة جمالية للنص عند الشاعر وليس الإبهام بما يحتويه من ألفاظ تحمل الكثير من الدلالات المتعددة بتعدد القراءات والتأويلات في عمق ذهن المتلقي. لأنها ألفاظ مشحونة بصور ذهنية تختلف باختلاف المتلقي بالتوغل في أعماق النص وبيان عناصره الفنية ومعالمه الجمالية الشعرية فيه وأنزياحاته اللغوية والبلاغية التي مزجت بين طبيعة النص والمنطق الفلسفي.
الشاعر "فاضل حاتم" في نصوصه الشعرية ينطلق في ديوانه الشعري من رؤية وجودية يتداخل فيها ماهو ذاتي وموضوعي، قوامها الألم والأمل. فهو يحمل فوق كتفه صخرة ثقيلة من الفواجع، والهموم، والأحزان، يرسمها لنا بصورة تجريدية تحتوي عوالم ذاته من حزن وموت وضياع واغتراب ذاتي ومكاني. فهو نراه غارقاً بـ (مأساة الوجود الإنساني، وبعبثية الأقدار والحياة، وأجواء الكآبة واليأس)، كما يسميها الفيلسوف الفرنسي "البير كامى". فالهموم والمواجع، وأحاسيس الأسى والحزن مسيطرة عليه فهو يبحث عن محطة يحط فيها رحاله ليستريح من صراعه في البحث عن ذاته في ظل مجتمع متخم بقيم متناقضة تحتدم به الثنائيات المتضادة تجعل الشاعر ضائعاً بينها.
وهذه الثنائيات (الأمل واليأس/الحياة والموت/الحزن والألم) ، ترتبط أرتباطاً وثيقاً بالجانب السايكولوجي للشاعر حين تتجاذبه الأفكار الأنفعالية والشعور بالغربة واليأس والضياع من خلال ما يظهره من التشاؤم، والذي يبدو ظاهرة كمركز أستقطاب في نصوصه العاطفية منتجة صور ومشاهد تتراءى من خلال الرموز والإيحاءات التي لم تكن شديدة الغموض ولا تبدو للمتلقي لغزاً محير. أن قراءتي هذه هي نظرة شمولية لكل معطيات الديوان ولا أريد أن أجتزىء منه وأترك الكل المتبقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ


.. الذكرى الأولى لرحيل الفنان مصطفى درويش




.. حلقة خاصة مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وأسرار وكواليس لأ


.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7




.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح