الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كان يا ما كان .. وِسامُ عِرفان

إبراهيم رمزي

2023 / 5 / 23
الادب والفن


تُلقَى عليك التحية، فتردّ بعفوية وتلقائية عليها، كما جرَتِ العادة، فيشفع محدِّثُك تحيتَه بـ: "أستاذي الفاضل"! تنحّي الجريدة، ترفع ‏بصرك، تضغط بسبابتك على نظارتك، ترحب بالمتحدث، وأنت تقرأ على وجهه تأثير السنين، .. التجاعيد تخطو به نحو ‏الخمسين، وللصلع بداية زحْف ملحوظ على مقدمة الرأس، أما الشيب فبدأ غزوه من الأعلى لينزل إلى الشارب واللحية .. تتفرس ‏ملامحه، ولا تسعفك الذاكرة بأي معلومة عنه. فرغم تجاوزك السبعين لم يجد النسيان والخرَف محجّةً واضحة إلى عقلك.‏
تبتسم، وتعتذر، وتطلب منه أن يعرِّف بنفسه. فيعود بك إلى عقودٍ خلتْ، حينما كان فتى على عتبة المراهقة، يتتلمذ على يديك. ‏أنذاك قد تتذكره لآنه كان شعلة من نشاط واجتهاد، أو لا تتذكره لأنه كان من فئة "النشطاء العرضيين". وربما كان من فئة ‏الناقمين عليك، كذاك الشبح الذي "أمسك بخناقك" ـ على منصة للتواصل الاجتماعي ـ، .. هي واحدة استعارت اسما للتمويه، ‏وادعت أنها كانت تلميذتك وظَلَمْتَها (لطْمٌ، وتوقيفٌ عن الدراسية لبضعة أيام، لأنها لم تحفظ قطعة شعرية، وأنت تعلم أن النص ‏المقصود مقرّر لمستوىً أعلى، غير مستواها). تدفع باحتمال الالتباس، وتبيّن تهافت جانب من هذا الادعاء بتوضيحات تربوية ‏وإدارية، ولكنها تفرّ إلى الميتافيزيقا: سنلتقي يوم القيامة، وسأقتص منك، وسأصفعُك. فتردّ: لن نلتقي أبدا، لأنني سأكون مع ‏الصادقين، وليس مع الكذّابين.‏
ينطلق محدِّثك في سرد بعض الذكريات التي قد تستحضرها لأنها مميزة وحيّة بأحداثها وشخوصها، أو تكون نسيتها فسقطتْ في ‏موقع حُدوثها حين ولادتها .. وهناك محطاتُ ذكرياتٍ غيرُ مشتركة، طالما انتابَك فيها الحرج، وودِدتَ/ توَدّ الاعتذار عنها، حينما ‏كنتَ تتحول لآلة تلقينٍ وحشوٍ لما لست مقتنِعا به، ولكنه "المقرر"، ولا بد من تبليغه كما "أنزل إليك"، وإن كنت تنبّه بحذَرٍ ـ من ‏حين لآخر ـ للألغام المزروعة في ثنايا حقوله. ‏

قد يعرِّفك "بمواقع" عمله وعمل بعض زملائه في الدراسة .. ملمحا إلى إسداء أي خدمة قد تتوقف عليها في "قطاعات" نشاطهم ‏‏.. فتعلن ـ شاكرا ـ استغناءك وعدم حاجتك .. وتتمنى للجميع مزيدا من التوفيق والتقدم.‏
يَسعَد كثيرا وأنت تستعيد معه إحدى الذكريات الماضية، التي يَعتبرها من "عصره الذهبي" في مدة الدراسة والتحصيل، .. فيبالغ ‏في التنويه بك وبزملاء تلك المرحلة من عمره .. ويُردِف: نذْكُر بكل خير جميع الأساتذة، والإدريين، والتلاميذ، .. ‏
تحس أن تمجيده صادقٌ بعيدٌ عن الرياء والإشادة بالتفاهة .. فتشعّ في عروقك نشوة ارتياح خفية وأنت تتلقى اعترافا وتقديرا ‏لجهود بذلتها صادقا ـ بمشاركة آخرين ـ في أداء واجبك. اعتراف كالوسام، نابض بالصدق والحياة، أفضل ألف مرة من الجملة ‏الإدارية المتخشِّبة التي طلّقتْك بها الوزارة طلاق بينونة.‏
وعلى ذكر الوسام، تتذكر سؤال زميل لآخر: لماذا لا تعبيء طلبَ الحصولِ على وسام من الدولة؟ فكان رده: كيف يُعقل أن أرشح ‏نفسي، وأبتذل في مدح جهودي؟ .. المنطقي أن ترشحني الإدارة التي أشتغل بها ـ إن كانت مقتنعة بخدماتي ومعترفة بجدواها ـ ‏ليكون الاستحقاق نزيها وصائبا. ‏
يودّعك .. متمنيا أن يتجدد اللقاء مرة أخرى .. ولكنك تدرك في أعماقك أنها فرصة قد لا تجود بها الظروف، أو لا يجود بها العمر ‏‏.. فمشاغل الحياة تبتلع الأقارب، قبل "الأباعد" .. وتبقى الصدف هي القمينة بخلق بهجة اللقاء والانتشاء بالذكريات.‏

‏16/03/2023‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل