الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيولُ ربيع الشمال: 7

دلور ميقري

2023 / 5 / 24
الادب والفن


لا حاجةَ الآنَ للكتب، لا حاجةَ سوى للمزيد من الجنس. هذا ما يوحي به مسلكُ رمّو، برغم إدعائه أنه شاعرٌ؛ على الأقل بالسويدية، التي كانَ يُجيدها فعلاً كلغة تواصل وليسَ كلغة أدب. أمل من شعره أن يكون وسيلة للتواصل مع الفتيات السويديات، لمعرفته أنهن يملن لإقامة علاقة مع الشخص المثقف وليسَ مع الشخص الحامل قصبته من بار إلى بار ومن ملهى إلى آخر فيما هوَ يتشمم، ككلب المطارات، مؤخراتهن المُكتنَزة بفعل الالتهام التاريخيّ لشرائح لحم الخنزير. وصديقه الجديد عباس ( تعارفا عن طريق القمار )، يُحرّم على نفسه لحمَ الخنزير ويُحلل شربَ الخمر والحشيش وبيعَ الهيرويين للمراهقين. إنه يفعل ذلك، دونما حاجةٍ لأخذ رأي السيّد الخميني، الذي أصدرَ قبيل وفاته في عام مضى فتوى بقتل صاحب " آيات شيطانية "، لاشتباه مستشاريه أنّ عنوانَ الرواية ( ومضمونها بالطبع ) يُحيل إلى لقبه الدينيّ ـ كآية لله.
لكنّ رمّو لا علاقة له بتجارة المخدرات، وعلى الأرجح خوفاً من البوليس وليسَ بدافعٍ أخلاقيّ. إذ عقوبتها قانونياً بالنسبة للاجئ، طرده من البلاد بعد قضائه مدة الحكم بالسجن المُشدد. أما القمار فمسألة أخرى، كونه شرعياً ضمنَ طاولة الروليت في الملهى وأضرابه. من ذلك المكان الشرعيّ، كان رمّو ينتقلُ إلى شقة تركي، المنذورة للعبة البوكر؛ وهذا الأخير، يحصل على نسبة معيّنة من مال الرابح. إنها بدَورها لعبةٌ غير شرعية، ولو أنّ عقوبتها لا تعدو عن مدة تأديبية بسيطة في سجن الخمس نجوم. رمّو، بالنظر لخبرته بالقمار، كان يرغبُ بنقل حلقة البوكر عقبَ حلوله في الشقة الجديدة، إلا أنّ شريكه نورو لم يأذن بذلك. اللاعبون، كان أكثرهم من المناضلين الفلسطينيين، الذين يفكّرون بتحرير وطنهم من النهر للبحر حتى وهم يوزعون الورقَ. رفاقٌ لهم، سبقَ وتعاملوا مع حلقة أخرى للبوكر، وثمة وافقوا على تنفيذ عمليةٍ فدائية لتفجير كنيس يهوديّ، مقابل حصول كلّ منهم على مبلغ عشرة آلاف دولار من سفارة عربية في ستوكهولم. لكن أحدهم وشى للبوليس عن الخطة، فتمّ سجن وطرد معظم المتورطين بالقضية.
نورو، من ناحيته، كانَ أيضاً بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الجنس، لكنه يُبرر الأمرَ بابتعاده القسريّ عن عائلته. بل إنه أبلغَ أميلي، بين الجدّ والهذر، أنه في حال حصوله على الإقامة، سيرفعُ دعوى على الحكومة السويدية لأنه في فترة الإنتظار كانَ في وسعه إنجاب طفلٍ آخر، على الأقل، من امرأته الريفية. مع أنّ الحكومة، مثلما هوَ معروفٌ له وللآخرين، لا توجّه دعواتٍ رسمية لمواطني العالم الثالث إلا في حالة حصولهم على جائزة نوبل. ربما باستثناء شاعرٍ سوريّ مخضرم، حظيَ بالتعاطف كونه من الأقلية العلوية، المُضطهَدة. لقد دُعيَ هذا الرجلُ الستينيّ في عام أسبق لإلقاء قصائده في مركزٍ ثقافيّ بستوكهولم، وبعض هذه القصائد مترجمة للسويدية ضمنَ كتابٍ منشور بطبعة فاخرة. كذلك الأمر مع مضطَهدٍ آخر، هوَ السبعينيّ ياشار كمال، ولو أنه حصل على الإقامة السويدية، تلقائياً، عقبَ إنقلاب الجنرالات في تركيا وحربهم من ثم على الشعب الكرديّ بمبرر مكافحة الإرهاب. ويستعيدُ دارين، بعدَ عقودٍ، كيفَ تسنى له الالتقاء بكلا الأديبين، هنا في السويد؛ وكانا قد صارا مُرشحين، مُزمنين، لجائزة نوبل. اللقاء مع ياشار كمال، كانَ عابراً، وذلك حينَ كان دارين متواجداً في معرض الكتاب بمدينة غوتنبورغ.
على خلاف ذلك، كان لقاءُ دارين مع مواطنه، الشاعر الضيف. قابله ثمة في ستوكهولم، في استديو صديق رسام من كردستان العراق. الضيف والمُضيف، هما تقريباً من نفس المذهب الهرطوقيّ؛ لكنّ علاقتهما، ولا ريب، كانت أعمق من هذا الانتماء. راحَ الرسامُ من ثم يعرضُ على ضيفه آخرَ مجموعةٍ من أعماله الزيتية، التي يأمل بمفاجأة جمهور الفن بها كونه معروفاً، أوروبياً، أنه رسام غرافيك. وكان الرسامُ معروفاً أيضاً بالكرم، كأيّ ريفيّ. كانَ في وسعه تقديم قدحٍ مُترعٍ بالشاي، ثم يراقب ضيفه بضيق من فوق شاربيه الأسطوريين حينما يتناولُ السائلَ الساخن برشفاتٍ مُتسارعة. إلا أنه زادَ من شحنة كرمه، احتفاءً بالشاعر المخضرم. عندئذٍ، فاحت في الاستديو الرائحة المُقيتة لبسكويت القرفة. وكانت إحدى تلك اللوحات قد مرّت بين يديّ دارين، فوجدها لا تعدو عن صبغةٍ من لونٍ معيّن على كامل اللوحة، المُعدّة من الزنك أو ما لا يعلمه سوى الشيطان. بقية اللوحات كانت على نفس المنوال، وقد سبّبَ رؤيتها تلبكاً معوياً لدارين، بالرغم من شكّه بتاريخ صلاحية بسكويت القرفة. الشاعر، سيغدو لاحقاً أفضلَ مسوّقٍ لتلك اللوحات، وذلك من مقر إقامته بباريس؛ عاصمة الفن. هذا ما فهمه دارين ذات يوم من صديقه الرسام، الذي شكا من اضطراره لقبول ستة آلاف دولار عن كلّ لوحة.
لا حاجةَ الآنَ للكتب، ولا أيضاً لمزيدٍ من اللوحات الفنية. وكانَ رمّو يقولُ لدارين، أنه لو حظيَ بموهبة الرسم، مثله، لاستطاع كل يوم " تطبيق " إحداهن، بحجة رغبته في رسمها كبورتريه أو موديل. لكنّ مشكلةَ رمّو، في واقع الأمر، محصورةٌ مع المرآة. كانَ ينطبعُ فيها وجهُهُ، لتذكّره كل صباح بمدى قبحه. وكانَ عادةً لا ينظر في المرآة إلا عندما يحلق ذقنه، أو حينما يحلم في ليلة سابقة أنّ عفريتَ القمقم لبى رغبته في أن يحظى بوجهٍ جميل. هكذا، ملولاً دوماً، كانَ يحملُ وجهَهُ مُكرهاً إلى أماكن اللهو.
وقد أخطأ دارين ـ كما سنتبيّنُ حالاً ـ عندما حدّثه ذات يوم عن الليلة الحمراء، ثمة في شقّة أميلي. بقيَ رمّو واجماً، لا يُجيب، حينَ طلبَ منه دارين ألا ينقلَ ذلك إلى صديقهما نورو. وكم كانت دهشة دارين كبيرة، مع ملاحظته للعبرات تنهمر من الوجه الواجم. تمتمَ رمّو، مَقهوراً: " لم أتوقّع منك، قط، خيانتي! "
" كيف، وأنتَ كنتَ تُساعد نورو على التقرّب منها؟ "
" وهل كنتَ تظنّ، حقاً، أنها ستعشقُ رجلاً أربعينياً وتَدَعني أنا؛ الشاب العشرينيّ؟ "
" في حقيقة الحال، يا صديقي، أنّ أميلي لا تبغي عشقَ أحدٍ كائناً من كان. إنها امرأةُ نزوات، لا أكثر ولا أقل "، قالها دارين ثم قصّ عليه واقعةَ أداةِ المتعة الكهربائية. خففَ ذلك عن الشاب، ولعله سلا قليلاً مشكلته مع وجهه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي