الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرقابة وسنينها...

سمير الأمير

2023 / 5 / 24
الادب والفن


هاتفني صديق يقول إنه قرأ لي تصريحا صحفيا،أدعو فيه لعودة الرقابة على المصنفات الأدبية وهو ما استغربه واستهجنه،
فقلت له: يا صديقي وهل تصدق أنني قد انحدرت إنسانيا لهذه الدرجة حتى أطالب بعودة رقابة العقول التي ربتها الجماعات السلفية والوهابية، أو خرجت من مدارس النفاق التي كرستها أعوام الردة والتراجع ، لتراقب العقول المبدعة التي أفلتت من ربقة التخلف أو مهاوي التملق والنفاق..
سأحكي لك يا صاحبي تجربتي مع الرقابة والرقباء، لتعلم كيف عانيت منذ بداياتي معهم، وكيف أحبطوا محاولاتي الأول لكتابة الأغاني؟
كان ذلك تقريبا في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات.. كنت مشاركا في مشروع عن "نهضة المرأة" يتبع الأمم المتحدة وتشرف عليه الدكتورة نوال السعداوي وكنا نجتمع عندها في مقر جمعية "تضامن المرأة" بجوار ضريح سعد، كان معنا الأستاذ جمال شنن الذي كان يصمم الإعلانات لوزارة الصحة والشاعر عصام عبد الله مؤلف ألبوم "في قلب الليل" لعلي الحجار رحمة الله على من رحلوا وبارك الله في أعمار من بقوا على قيد الحياة، و أيضا كان معنا مشاركون آخرون من كافة البلاد العربية
وكانت الدكتورة نوال السعداوي وابنتها الدكتورة منى حلمي والصديق الراحل الموسيقار الدكتور محمد فتوح متحمسين جدا لأن أكون أنا كاتب الأغاني التي تهدف لمنع التمييز ضد الفتيات ومنع الزواج المبكر، وبالفعل كتبت أغاني الألبوم وشرعت الجمعية في استئجار استديو وقام الدكتور محمد بتلحين الأغاني التي كان من ضمن كلماتها:

قبل الطفولة ما تبتدي
والعمر لسه ف أوله
ويدوب نويتي تشدي عودك
ولسه بدك تفرحي

دق العريس على باب ابوكي
ناويين خلاص حايجوزوكي
من قبل ما تفتح ورودك
قبل الآوان راح تطرحي
كان لسه بدك تفرحي
...
وأيضا:
قولي للي يقول عليكي
إن ضعفك في إديكي
إن عقلك وسط راسك
هوه اللي شاف خلاصك..

المهم فوجئت باستدعائى من قبل الرقابة على المصنفات الفنية لمناقشة الرقباء حول بعض الكلمات، التى كانت السبب في رفض الأغنيتين السابقتين، وطلب الرقباء مقابلتي لاستيضاح الأمر والمناقشة،
وقتها كنت في الثلاثين من عمري أي منذ حوالي ٣٣ سنة، فشعرت بالزهو وكل من سألني عن أحوالي، كنت أجيبه وأحشر في كلامي أنني ذاهب للرقابة في شارع القصر العيني لمناقشة الرقيب بخصوص الأغاني التى كتبتها تحت رعاية اليونيسكو،
في الصباح اخترت أحدث قمصاني ولمعت حذائى جيدا وبالتأكيد تعطرت جيدا أيضا، فقد تخيلت أن الرقيب لابد أن يكون شخصا بالغ الأناقة والرقة وسافرت..

في شارع القصر العيني سألت البوابين عن الرقابة فأشاروا إلي عمارة كالحة الوجه تكاد تبكي من فرط الأسى، المهم ما إن دلفت إلى مكاتب الرقابة حتى انقبض قلبي من عدم نظافة المكان ومن وجوه الجالسين على المكاتب التى بدا أنها لم" تصطبح" بمياه منذ قرنين على الأقل،
قدمت نفسي فأشاروا إلى موظفة منكوشة الشعر، رثة الملابس وقال أحدهم: يا فلانه.. ده الأستاذ سمير بتاع الأغاني اللي فيها كلمات "تطرحي" و"خلاصك"

ضحكت طبعا لكي أعطى انطباعا بخفة دمي متجاوزا عن إحباطي من رؤية الرقيبة التي لم يكن يصح أبدا أن تخرج من بيتها دون غسل وجهها على الأقل، أشارت لي فجلست أمامها
وقلت: خير يا أستاذة؟
قالت: أهلا يا أستاذ.. بالله عليك ينفع واحد مثقف مثلك يقول لبنت: "قبل الأوان راح تطرحي"؟
وكمان تقول: "شاف خلاصك"
تجمدت من هول المفاجأة وتأملت وجه الرقيبة وأقسم بربي أنني شاهدت "قملة تعبر مفرق شعرها فازداد إحباطي،وندمت على عناء تفقد مظهري والتشكك فيه قبل السفر
ولكنني تمالكت أعصابي وسألت ولكن بدرجة من الغضب: وإيه الغلط اللي في الكلام ده؟
طبعا كنت أتوقع هذا الجدال وأنا قادم في القطار وقلت: سأقول لهذا الرقيب: كيف تجيز أغاني خليعة مثل كذا وكذا وتعترض على أغاني ترفع الوعي؟
قالت الرقيبة: الخلاص ده يا أستاذ يعني" المشيمة"وعيب تقول: "شاف خلاصك"
وكمان كلمة "تطرحي" معناها "تسقطي" ومولودك ينزل ناقص! ده كلام؟
تجمد لساني، وأنا أنظر إليها مشدوها، ولكنى تجلدت وقلت: يا فندم قصدي خلاصها يعني "حل قضيتها".. وقبل الأوان راح تطرحي.. دي صورة جاية من إن الزرع اللي بيطرح يعني" بيثمر" قبل أوانه بيبقى "طرحه" مبتسر وضعيف
قالت: لا ياأستاذ مدام أغانيك موجهه للريف واليونيسكو حتوزعها ع المرأة الريفية، يبقى حاتتفهم كده.. ما اقدرش أوافقلك..روح غير الكلمات وتعالي مرة تانية...
وخرجت يومها منكس الرأس واتصلت بالملحن الدكتور محمد فتوح وبالدكتورة منى حلمي، وحكيت لهما ما حدث وقلت: لن أذهب لتلك المتخلفة مرة أخرى...
وكانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة للتعامل مع الرقابة على المصنفات الفنية.. اليس من حقي الآن أن "أطرح" ( واخد بالك؟) على صديقي، الذي صدق أنني قد طالبت بعودة الرقابة سؤالا استنكاريا طبعا:
هل ترى أن شخصا مثلي يمكن أن يجد "خلاصه" في عودة الرقابة؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى