الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطاع غزة قبل تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وأجواء ما قبل هزيمة حزيران 67

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2023 / 5 / 25
القضية الفلسطينية


طوال الفترة الممتدة بين عامي 1957-1964 كان الركود النسبي مخيماً على الأحوال السياسية للقطاع ، بسبب ممارسات الإدارة المصرية العسكرية وأنظمتها التي لم تسمح بالترخيص رسمياً للأحزاب والحركات السياسية في قطاع غزة ، ما عدا حركة القوميين العرب، التي استطاعت العمل بصورة شبه علنية، بحكم توافق شعاراتها وموالاتها للنظام الناصري آنذاك ، أما بالنسبة للشيوعيين والإخوان المسلمين والبعثيين، فقد فرضت عليهم الإدارة المصرية أشكالاً عديدة من الحظر والملاحقة والاعتقالات طوال هذه المرحلة .
وفي هذا الجانب ، أشير أيضاً إلى أن الإدارة المصرية فرضت حظراً على العمل النقابي ، حيث ظل قطاع غزة محروماً من التنظيمات النقابية، العمالية والمهنية والفلاحين والمرأة والشباب..إلخ حتى عام 1965 (ماعدا نقابة المعلمين في وكالة الغوث التي تأسست عام 1954) عند تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ، وبداية تأسيس بعض النقابات في إطار اتحاد عمال فلسطين .
وقد عملت الإدارة المصرية آنذاك ، على كسر حالة الركود السياسي ، استجابة للمشاعر الوطنية لدى أبناء قطاع غزة ، حيث قامت بتشكيل المجلس التشريعي بتاريخ 14/3/1958 ، ثم أعلنت تأسيس الاتحاد القومي في ديسمبر 1960 عبر انتخابات شكلية جرت في يناير 1961 فاز فيها عدد من أبناء العائلات ، وعدد من الشخصيات الوطنية المحسوبة على النظام المصري ، وتم تعيين أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد القومي برئاسة المرحوم منير الريس ، وفي نفس الفترة تم تأسيس "الاتحاد القومي الفلسطيني" في سوريا، لكن حكومة الجمهورية العربية المتحدة "رفضت إقامة وحدة بين الاتحاديين ، ومع ذلك طالب الاتحاد القومي الفلسطيني في سوريا – الذي سيطر عليه القوميون العرب- في مذكره رفعها إلى الجامعة العربية ، بتعبئة جميع الفلسطينيين في جيش موحد ، إلا أن عبد الحميد السراج ، نائب رئيس الجمهورية عارض الفكرة ، وفي تشرين أول 1961 وجه مازن النقيب -رئيس الاتحاد القومي الفلسطيني في سوريا – نداءً إلى الدول العربية كي تقيم كياناً فلسطينياً تنفيذاً لقرارات الجامعة العربية ولم تتم الاستجابة لكل هذه المطالب ، حيث بات كل من الاتحاد القومي الفلسطيني في سوريا وفي غزة شكلياً دون أي نشاط سياسي أو وطني، وسرعان ما تم حل الاتحاد القومي بقرار من الحاكم العام لقطاع غزة رقم (5) بتاريخ 7 / فبراير / 1965 .
وبالتالي ، ظلت حالة الركود السياسي هي المظهر الرئيسي السائد في قطاع غزة في تلك المرحلة ، ما عدا الاحتفالات الرسمية السنوية بمناسبة خروج المحتلين الإسرائيليين في 7 مارس/آذار وعودة الإدارة المصرية للقطاع في 14 مارس/آذار، والثورة المصرية في 23 يوليو، وذكرى وعد بلفور في 2 نوفمبر، بالإضافة إلى وسائل الإعلام خاصة، إذاعة صوت العرب، التي كانت تنقل باستمرار الخطابات السياسية للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، في هذه المناسبات والأجواء السياسية كانت مشاركة الجماهير العفوية الفقيرة قوية ومتميزة ، وقد تعززت هذه الروح العفوية الصادقة بصدور قانون التجنيد في مارس (1965) وإقبال جموع الفقراء للالتحاق بالجيش الفلسطيني من أجل الخلاص الاجتماعي والتحرير والعودة إلى الوطن.
هذه الحالة الجماهيرية تصاعدت إلى أعلى مستوياتها مع ولادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي وجدت في القطاع متنفسها ومكانها الطبيعي في الوقت الذي أغلقت في وجهها كل الأبواب المؤدية إلى الفلسطينيين في أماكن تواجدهم في البلاد العربية.
ولأول مرة جرت الانتخابات الشعبية عام 1966 في القطاع لانتخاب قيادة وأعضاء التنظيم الشعبي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، واختفى الركود السياسي في جميع الأوساط، وقامت الأحزاب السياسية الوطنية بدور بارز في هذا المجال خاصة حركة القوميين العرب التي فازت بحوالي 35% من المقاعد في لجان الأحياء المنتخبة لعضوية التنظيم الشعبي، و كذلك الشيوعيين الذين دبت فيهم الروح من جديد وتناسوا خلافاتهم وشاركوا بزخم واضح في هذه الانتخابات، رغم قلة عددهم من جهة ورغم الحملة المعادية الموجهة ضدهم من أجهزة الأمن من جهة ثانية ، واستطاعوا الفوز بحوالي 10% من المقاعد في لجان الأحياء الشعبية، أما حركة الإخوان المسلمين ، فلم يشارك أو ينجح في هذه الانتخابات أي من عناصر الإخوان المسلمين الذين لم يكن لهم أي دور سياسي ملحوظ في هذه المرحلة.
ومن الجدير بالذكر هنا أن عناصر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بدءوا نشاطهم السري المعروف لأطراف الحركة الوطنية منذ نهاية عام 1964 في القطاع، وشاركوا في انتخابات التنظيم الشعبي الفلسطيني واستطاعوا الحصول على حوالي 20% من المقاعد، في حين حصل المستقلين من الموالين للنظام المصري إلى جانب المرشحين من أبناء العائلات والعشائر والمخاتير على حوالي 35% من المقاعد .
هذا وقد تم عقد المؤتمر العام للتنظيم الشعبي المنتخب ، حيث قام بانتخاب هيئة التنفيذية أو "مكتب القطر" وعدد أعضائه أحد عشر عضواً، وتنافست على عضوية هذا المكتب قائمتان : قائمة حركة القوميين العرب وحلفائهم ، وقائمة د.حيدر عبد الشافي المدعومة من الحزب الشيوعي الفلسطيني وحصلت كل قائمة على (5) مقاعد وكان الحادي عشر (د.ياسين الأسطل) مستقلاً، وتنافس د.حيدر مع محمد شعبان أيوب من حركة القوميين العرب على أمانة سر / رئاسة المكتب، فحصل د.حيدر على ستة أصوات ومحمد أيوب على خمسة .
ظل هذا النشاط السياسي سائداً بقوة حتى إعلان عبد الناصر لحالة الطوارئ في اليوم الأول من مايو/أيار عام 1967 ، وصدور أوامر بتوزيع السلاح على كل قادر من المدنيين في القرى والمخيمات والمدن، وفتح باب التطوع في الجيش، وكانت المفاجأة أن عشرات الآلاف من العمال والفلاحين والفقراء والطلاب وبعض الموظفين والمعلمين تقدموا الصفوف للتطوع والقتال في المعركة المقبلة ، بناءً على قناعة لدى الناس بأنها ستكون معركة فاصلة سيكون "النصر" نتيجتها الحاسمة!!.
تلك هي أجواء الوضع السياسي للجماهير في قطاع غزة التي آمنت بعبد الناصر وبجيشه الوطني بكل عفويتها وصدقها، وقدمت كل ما لديها من إمكانيات في هذه المعركة، من معدات وسيارات نقل ومواد بناء، وحفرت بسواعدها كل الخنادق على طول "الحدود الإسرائيلية الفلسطينية"، علاوة على ما قدمته من أبنائها لهذه المعركة، لكن الواقع الحقيقي للبنية البيروقراطية العفنة المدنية والعسكرية، في مصر كانت نقيضاً لعبد الناصر نفسه، بقدر ما كانت نقيضاً لعفوية جماهيرنا وتوجه وسائل الإعلام وإذاعة صوت العرب، وبدأت المعركة في صباح يوم الاثنين الخامس من حزيران (1967) وكانت الهزيمة التي نعيشها إلى يومنا هذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي