الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى الواحدة والأربعين لاستشهاد المفكر الإجتماعي الأممي المغربي عبدالعزيز بلال

أحمد زوبدي

2023 / 5 / 26
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في الذكرى الواحدة والأربعين لاستشهاد المفكر الإجتماعي الأممي المغربي عبدالعزيز بلال.


جاء الخبر كالصاعقة يوم 23 ماي 1982، ونحن طلبة في كلية الحقوق للدار البيضاء. عزيز بلال تم حرقه في غرفته بفندق هيلتون بشيكاغو، قلعة الإمبريالية والصهيونية، خلال تواجده بصفته نائب رئيس الجماعة الحضرية لعين الذئاب بالدار البيضاء. شيكاغو الإمبريالية التي تمت توأمتها آنذاك مع المدينة العمالية. عزيز بلال تم تسريب الغاز لغرفته وهو نائم. تم نقل الفقيد إلى المستشفى لكن الشهيد بلال توفي في الطريق لأن سيارة الإسعاف لم تكن في الموعد وبالتالي كانت العملية مخدومة وهي تصفية واحد من أكبر المفكرين العضويين العالمثالثيين الأمميين من قبل الإمبريالية بتواطؤ مع النظام المغربي.
تمت تصفية عزيز بلال وبالتصفية هاته تكون الساحة السياسية والفكرية في المغرب وفي العالم العربي و الأفريقي والعالمثالثي قد فقدت واحد من علمائها و سياسيها الكبار. برحيل عزيز بلال عرفت كلية الحقوق بالدار البيضاء على وجه الخصوص خسوفا غير مسبوق. انهار مستوى اللقاءات العلمية التي كان يشرف عليها عزيز بلال. تراجع عد المسجلين في الدكتوراه وعدد الحاصلين على هذه المرتبة العلمية، انحرفت عدة مؤسسات عن خطها العلمي النقدي و المناضل كجمعية الاقتصاديين المغاربة التي أسسها الفقيد عزيز بلال والتي كانت تعد مختبرا يتم فيه قراءة السياسات الاقتصادية التي تنهجها الدولة خاصة ودول الجنوب و الشمال عامة في ضوء الاقتصاد السياسي النقدي -، من خلال تنظيم لقاءات علمية وطنية ودولية.
كان بلال الدينامو الذي يقوم بتعبئة حركية الجامعة وحين رحل عرفت الساحة الثقافية في كلية الحقوق للدار البيضاء تراجعا كبير والذي اصطدم بعسكرة الجامعة بدخول الاواكس/بوليس الجامعة تحت إشراف وزير الداخلية والإعلام إدريس البصري آنذاك وبأمر من الملك الحسن الثاني، هذا الأخير الذي شطب على الفلسفة وقام بخونجة التعليم بإدراج الدراسات الإسلامية المبتذلة في التعليم العالي.
تمت تصفية عزيز بلال ومع غيابه توقف الفكر الاقتصادي وتحول جل تلاميذته إلى بائعي صكوك يتسولون المخزن ليغدق عليهم بالمكاسب والمناصب. منهم من زكى وانخرط في الإصلاح المشؤوم للجامعة وتحويلها إلى تكنة عسكرية و إلى سوق للنخاسة ( بيع الديبلومات والشواهد، سرقة البحوث، إنجاز الدراسات التجارية المبتذلة في مختبرات لا يوجد منها إلا الإسم، إلخ) ومنهم من ركب سفينة المشاركة في تسيير الشأن العام. الإمبريالية والفاشستية والصهيونية اغتالت عزيز بلال لأنه كان يزعجها بفكره الثاقب وبالقفز من طرف الحزب، الذي وهب له حياته، إلى هذا المستوى البئيس أي تكريس هيمنة الطغم الإقتصادية والمالية، يكون عزيز بلال قد تم اغتياله مرة ثانية.
في شهر نوفمبر من السنة التي استشهد فيها عزيز بلال نظمت بكلية الحقوق للدار البيضاء ندوة دولية تكريما لنضالاته الفكرية والسياسية بمساهمة جامعة غرونوبل، التي درس بها الراحل عزيز بلال والتي حصل بها على جائزة أحسن أطروحة للدكتوراه. حضرت جامعة غرونوبل الندوة تحت إشراف البروفيسور جيرار ديستان دو بيرنيس الذي اقترن دائما اسم البروفيسور عزيز بلال باسم هذا المفكر الاقتصادي المرموق، مؤسس مدرسة الضبط الغرونوبلية ( École grenobloise de la régulation ). شارك في هذا اللقاء العلمي كذلك المفكر العربي الأممي الفقيد سمير أمين الذي أزعج حينها في مداخلته قيادة حزب التقدم والاشتراكية بانتقاده للحزب الشيوعي السوفياتي آنذاك كون الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي لا تختلف عن النظام الرأسمالي والمصنفة ضمن رأسمالية الدولة أو رأسمالية دون رأسماليين (capitalisme sans capitalistes).
يوري بوبوف، المفكر الاقتصادي الروسي المعروف، صديق الراحل بلال، شارك من جانبه في هذه الندوة الدولية. بعد رحيل عزيز بلال، تكلف بوبوف بإصدار المؤلف المشترك بينهما والموسوم " التخلف، الماضي، الحاضر والمستقبل" ، الصادر بمطابع التقدم، موسكو، 1986. هذا المؤلف لدي مؤاخذات كثيرة عن محتواه( والتي سبق أن أشرت لها بشكل خاطف في إحدى تدويناتي) منها غياب تصور عزيز بلال للتخلف بشكل فصيح وموقفه من الأحزاب اليسارية فضلا على هيمنة الإيديولوجية السوفياتية في الطريقة التي تم بها تحرير الكتاب ذلك أن القارئ يشعر وكأنه يقرأ المطبوعات والكتب التي توزع في المراكز الثقافية للاتحاد السوفياتي آنذاك والتي كان الهدف منها تعميم (vulgarisation) الإيديولوجية والثقافة السوفياتيتين.
عزيز بلال وضع أسس فكر اقتصادي مغربي من خلال تشخيص عميق للاقتصاد الوطني في كتابه " الإستثمار في المغرب ودروسه في مجال التنمية" ( 1968). الكتاب يضم قراءة نظرية نقدية ماركسية متنورة في الإقتصاد السياسي النقدي للسياسات والاستراتيجيات الإقتصادية التي عرفها المغرب والتي رأى فيها عزيز بلال على أنها لا ترقى إلى عتبة توفير شروط الإقلاع الاقتصادي التنموي بل أنها تكرس تبعية المغرب للغرب الإمبريالي. قراءة عزيز بلال للاقتصاد المغربي عبر مرآة الاقتصاد النقدي الماركسي المتجدد تسمح بالكشف عن الأخطار المحذقة التي تعترض مسار المغرب في ما يخص سيرورة التنمية والتي لازالت سارية حتى اليوم. ما يسوق له مرتزقة النموذج التنموي الجديد لا يغدو أن يكون هلوسات ذهنية تغرق داخلها عقول مثقفين مزيفين منهم الكثير من تتلمذ على يد الشهيد عزيز بلال. أما من يصنف المغرب في مجموعة الدول الصاعدة، فهو لا يقل حماقة فكرية عن سماسرة النموذج التنموي الجديد !
في كتابات أخرى غنية بالأفكار والمواقف السياسية الجريئة منها مؤلف التنمية والعوامل غير اقتصادية ( 1980)، أكد عزيز بلال أن التنمية أو قل أن النموذج التنموي البديل يقتضي القضاء على الأوليغارشيات المحلية والأجنبية التي تفرض على المغرب الخضوع والتبعية للميتروبولات الجديدة.
عزيز بلال قام بتحليل ذكي وأكد أن الاقتصاد المغربي مرتبط عضويا بالاقتصاد المهيمن وهو ما جعله يفتقد لشروط التنمية الممركزة على الذات(Développement autocentré ). هذا الوضع يقتضي القطع مع نموذج التنمية السائد أي القطع مع الاستعمار الجديد وبناء اقتصاد وطني مستقل يستمد قوته من السيادة الوطنية والدولة الديموقراطية لأجل التحرر من كوابيس هيمنة الاقتصاد وهيمنة سياسة فن الممكن.
عزيز بلال لم يكن ذلك المثقف الحزبي المنزوي داخل بيته العاجي مكتفيا بكتبه بل كان ذلك المثقف الحزبي العضوي المستقل في فكره الذي يساهم في تكوين الطلبة أيديولوجيا والعمل على مد جسور التواصل مع العمال والفلاحين من خلال تبسيط الأفكار لتمكينهم من استيعابها وبالتالي امتلاكهم أداة النقد و النضال. عزيز بلال لم يكن ذلك المثقف الهاوي للفكر لأجل التسلية والمودا بل كان مثقفا غرامشيا يقرأ ويكتب من أجل التغيير.
من يزعم اليوم أن غياب المفكر عزيز بلال جسديا يرافقه غيابه فكريا وسياسيا
فهو واهم ومن يقم بقراءة مشوهة لفكر عزيز بلال ويقول ما لا يقوله هذا المفكر الأممي فهو واهم كذلك.
رحل عزيز بلال مغدورا وتم اغتياله من جديد من خلال تحويل حزب وهب له حياته، إلى دكان لخدمة مصالح المرتزقة واللصوص المكرسين للتطبيع مع العدو الصهيوني الغاشم من خلال تزكية برنامج القصر في هذا المجال ومن خلال ما يسمى لجنة الصداقة المغربية-الإسرائيلية التي أسست من داخل برلمان السماسرة.
مرت أربعة عقود ونيف على رحيل مثقف رسولي ولازال عزيز بلال يناضل رغم أنف السماسرة والمضاربين بأرواح الشهداء وتاريخ المناضلين الأوفياء.
مرت أربعين سنة ونيف على غياب مثقف أممي ولازال فكره فكر ذي راهنية لتفسير وتقديم الأجوبة على مشاكل روح العصر.
رحم الله الشهيد عزيز بلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024