الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تتزايد حصة قطاع الخدمات في الاقتصاد الوطني ؟

محمد رضا عباس

2023 / 5 / 26
الادارة و الاقتصاد


لقد اصبح الامر وكانه قانون , وهو كلما تقدم وازدهر الاقتصاد الوطني تزداد حصة قطاع الخدمات و تنخفض حصة قطاع الزراعة , وبمرور الزمن تنخفض حصة القطاع الصناعي أيضا , ولكن بشكل بطيء . وفي الأخير عندما يسير البلد نحو الرقي والتقدم فان قطاع الخدمات سيكون القطاع المهيمن على الاقتصاد الوطني كما يحدث الان في الاقتصاد الأمريكي والاوروبي. لماذا ؟ هناك عدد من الفرضيات توضح السبب ومنها :
1. ارتفاع الدخل . ارتفاع دخل المواطن يزيد المصاريف على الصحة والتعليم والسياحة و مراودة المطاعم الفاخرة .
2. زيادة نسبة الطبقة الوسطى في المجتمع . لا يمكن التعويل على الطبقة الغنية (قليلة العدد) ولا على الطبقة الفقيرة ( مشغولة بإشباع حاجات يومهم ) في ازدهار الاقتصاد الوطني , وانما التعويل كل التعويل على الطبقة الوسطى في المجتمع والتي تكون من العادة اكبر شريحة في المجتمع , وهي التي تزور المطاعم , الاهتمام في السياحة الداخلية والخارجية , الاهتمام بالصحة والتعليم , والتردد على وسائل الراحة و الثقافة.
3. تخلي قطاع الزراعة والصناعة عن الكثير من وظائفها , وشرائها من مصادر خارجية (outsourcing). على سبيل المثال , الكثير من الشركات الصناعية والزراعية أصبحت تستأجر شاحنات نقل بدلا من امتلاك الشاحنات وادارتها . الكثير من الشركات الزراعية تخلت عن تسويق منتوجاتها ومنحتها الى شركات خدمات تقوم محلها.
4. دخول التكنلوجيا العصرية . التكنلوجية العصرية سمحت بان تستخدم الشركات الصناعية والزراعية مكاتب خدمية مثل المحاسبة البعيدة عنهما . هذه المكاتب من العادة غير مكلفة قياسا الى المكاتب الداخلية لأنها لا تختص بالتعامل مع شركة واحدة وانما مجموعة شركات . في السنوات الأخيرة كثرة المكاتب الاستشارية بكل أنواعها مثل الاستشارات الطبية , الهندسية , الصناعية , الاجتماعية حتى غدت لا توجد عمارة من أربعة طوابق بدون مكاتب استشارية .
5. ارتفاع نسبة الخدمات في الإنتاج الوطني لا يعني انخفاض في الإنتاج الزراعي والصناعي وانما النمو في قطاع الخدمات اعلى من كلا القطاعين , الصناعي والزراعي.
6. ارتفاع إنتاجية الطبقة العاملة . ان زيادة الإنتاجية تعني زيادة في الدخل وبالتالي القدرة على شراء الخدمات بكل أنواعها . هذه الخدمات مثل البنوك , تجارة المفرد والجملة , الاتصالات , الاستشارات بكل أنواعها , خدمات الكمبيوتر , الخزن , والخدمات الحكومية . ارتفاع الطلب على الخدمات اصبح ليس فقط في الدول الصناعية وانما حتى في دول العالم الثالث والسبب هو زيادة الطبقة المتوسطة .
بعد هذا الكلام الجميل حول قطاع الخدمات واهميته في الاقتصاد الوطني , يبقى القول ان هذا القطاع اسير نشاطات القطاع الصناعي والزراعي المنتجان الحقيقيان للثروة . أي كلما زاد النشاط الزراعي والصناعي زاد نشاط قطاع الخدمات.
الكل يحب زيارة مولات المدينة وشراء ما يحتاجه من ملابس واحذية ومجوهرات . والكثير منا يرغب زيارة مطاعم المدينة وتناول ما يحب من الاكلات , والكل يحب استخدام خدمات التكسي تجنبا لمشاكل الازدحام و قلة المراب . ولكن المشكلة يجب ان يكون هناك كاش (نقود) في جيب المشتري للخدمة, وبدون ذلك الكاش من الأفضل له الجلوس في بيته يراقب برامجه التلفزيونية المفضلة.
مصادر الدخل للمواطن العادي تعتمد على نوع عمله . طبيب كسور العظام يتقاضى أجور خدمته , ودخل عامل المساطر (البناء ) هو اجره اليومي , ودخل المحامي هي أجور اتعابه , والمعلم راتبه الشهري , وبائع الأحذية اجوره الأسبوعية.
وحتى يبقى بائع الحذية في عمله ويزدهر , يتطلب ان يكون له زبائن ولديهم المال لشراء احذيته والا فان صاحب الأحذية بمرور الزمن سوف يضطر بأغلاق متجره . بكلام اخر يجب ان تكون هناك سيولة نقدية عند المواطن حتى يدخل المحل . هذه السيولة اختفت في أيام الحصار الاقتصادي على العراق فاضطر رجال الاعمال الى تقليص أعمالهم او اغلاقها الى الابد . والسبب ان البلد لم يستطع تصدير نفطه للخارج (مصدر الثروة) , فاصبح جميع العراقيون فقراء. الازمة المالية الحالية في لبنان اصبح يعاني منها حتى صاحب سيارة التكسي مثل ما يعاني منها الموظف الحكومي . حيث ان فقر الموظف الحكومي وعدم قدرته على دفع أجور التاكسي اضطره استخدام رجلاه حتى وان طال المسير . وعلمتنا جائحة كورونا في أمريكا ان يضطر الكثير من المطاعم الفاخرة اغلاق أبوابها لقلة عدد الرواد لها في ذلك الوقت.
اذن , لا يمكن لقطاع الخدمات البقاء والازدهار بدون ان يكون له ظهيرا , وفي هذه الحالة القطاع الصناعي والزراعي , مصدر الثروات الحقيقية للشعوب . هنا على سبيل المثال , زرع طن من بذور الحنطة ربما يكلف 1000 دولار للمزارع , ولكن مع موسم زراعي جيد , فان هذا الطن قد يعطي عشرة أطنان , أي ان المزارع جنى ربحا قدره عشرة اضعاف كلفة انتاجه , على فرض عدم إضافة كلفة أخرى لزراعة الطن الواحد . ماذا يعمل مزارع الحنطة من إيرادات انتاجه ؟ هذا المزارع سوف يذهب الى سوق المدينة لشراء ما يحتاج بيته من اثاث , مفروشات , أجهزة كهربائية , وربما مواد بناء لإضافة غرفة او سياج لبيته او مخزن . كل ما يصرفه هذا الفلاح في السوق يصبح دخل لصاحب الأثاث , لصاحب المفروشات , لصاحب الأجهزة الكهربائية , ولصاحب المواد الانشائية . وبدوره فان دخل هؤلاء سيكون دخل لعمالهم ومجهزيهم من السلع والخدمات . وهكذا , كلما انتعشت الزراعة بمختلف أنواعها , زاد دخل المجتمع , وزادت رفاهيته وزاد التقدم والازدهار.
وبنفس المعنى , فان انتاج العراق مليون برميل نفط في اليوم الواحد يعني إضافة 75 مليون دولار الى الاقتصاد الوطني ( على فرض ان سعر النفط العالمي هو 75 دولار للبرميل) , ويعني زيادة قدرة المجتمع العراقي على الشراء والاستثمار وتحفيز قطاع الزراعة والصناعة من خلاله . وان انتاج سيارة نقل ركاب بأيدي وطنية هو الاخر يضيف ثورة للبلاد عن طريقين , الأول , الأجور التي يتقاضاها صناع السيارة والثاني هي الأرباح المضافة عند بيع السيارة . من كل هذا تزداد المبيعات وتزداد إيرادات الدولة من الضرائب وتزداد قدرة الدولة على البناء والاعمار.
وبطبع عنما نقول ان البلد الذي يبيع مليون برميل من النفط وبمبلغ 75 مليون دولار يوميا , نفترض ان هذا المبلغ سوف يصرف داخل البلد , اما اذا كان هذا المبلغ يصرف على مواد مستوردة من الخارج فان الاقتصاد الوطني سوف لن ينتفع منه كثيرا . المنفعة ترحل الى البلد المصدر للسلع والخدمات , فيكون البلد ينتج النفط , و يستورد السلع والخدمات من الخارج , ويبقى معظم شبابه بدون عمل , وبذلك من المعقول ان نستنتج من ان قطاع الخدمات لا يمكنه ان يكون قائدا للتنمية الاقتصادية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 08 مايو 2024


.. الرئيس الصيني في ضيافة الإيليزيه.. وسط توترات جيوسياسية واق




.. البنك المركزى: ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لـ41 مليار دولار


.. سعر جرام الذهب الآن فى مصر يسجل 3100 جنيه لعيار 21




.. -ذا تليجراف-: قاعدة سرية في إيران لإنتاج المسيرات وتدريب عنا