الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوتين في المصيدة- كش مات

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2023 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


المستبد يدمر نفسه وبلده يدفع الثمن
لقد فعلها من قبله في العصر الحديث هتلر وعبد الناصر والقذافي وصدام حسين، جمعيهم بنتيجة مماثلة: دمروا أنفسهم ودفعت بلدانهم الثمن. الآن في الوقت الحاضر يوشك أن يفعلها أيضاً كبيرهم في الدكتاتورية والاستبداد، الروسي فلاديمير بوتين. جميع هؤلاء الحكام الشموليون اختزلوا حكومات بلدانهم في شخوصهم وانفردوا بصناعة القرار الوطني داخل غرفة واحدة فارهة لكن مغلقة، هم وحدهم يملكون مفاتيحها. وكالعادة، كانت قراراتهم الاستبدادية سريعة وحاسمة وناجزة، أسرع من مسافة السكة! لكنها، في الوقت نفسه، أحادية النظرة وقليلة الحيلة وعديمة البدائل والحلول المبتكرة، عرجاء تتعجز على قدرات تحليلية هزيلة ومرتعشة خوفاً من إزعاج الأب الأكبر أو تكدير صفوه بإثارة هواجس ثانوية بعيدة الاحتمال. مثل هؤلاء يتحاشون عادةً إثارة غضب قادتهم المستبدين بكل السبل، لا ينطقون إلا بما يبعث البهجة والطمأنينة في نفوس هؤلاء القساة، ويسكتون عن كل ما عدا ذلك. هذا أسلم لهم ويفيدهم في نيل الحظوة والترقي.

لأن قراره من دماغه، حاسم وناجز، ربما اغتر المستبد الروسي بنصره المشهود الدمار في سوريا، رغماً عن أنف الغرب كله بزعامة أمريكا، وأنف تركيا وإيران والدول العربية جمعاء. وربما زاد من غروره أكثر انتصاره الخاطف الناصع البياض في 2014 حين اجتاح بين عشية وضحاها شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ولم تجرؤ لا أوروبا ولا أمريكا ولا أي أحد في العالم على تحريك أي ساكن، عدا ألسنة تتحرك بعبارات الشجب والاعتراض. وربما قد زاد من غروره أكثر لا يزال لكي تزداد قوة اندفاعه حتى يصطدم بمصيره المؤلم الحالي في نهاية المطاف مشاهد الانسحاب الأمريكي المخزي من أفغانستان بخفي حنين، ممتلئتين بدماء آلاف الجنود وخسائر بتريليونات الدولارات على مدار 20 عاماً مريرة بطعم الحنظل. من كل هذه المقدمات الساطعة بذاتها ولا تحتاج لتفسير أو تحليل أو سفسطة ودوشة دماغ، لابد وأن يخلص الدماغ المستبد بنتيجة واضحة ومؤكدة:

الولايات المتحدة لن تفكر على الإطلاق في أي تدخل عسكري خارج حدودها قبل مرور 20 عاماً أخرى على أقل تقدير. وطالما امتنعت أمريكا عن التدخل، لن تستطيع أوروبا سوى أن تقف بعيداً، بل وربما قد تستجدي العفو والرحمة من رجل روسيا القوي.

رغم الصواب النسبي لهذا المنطق الجيوستراتيجي المستقيم الناشف، مثل طريق سريع في اتجاه واحد، إلا أنه لم يأخذ بعين الاعتبار حقيقة أنه يتعامل مع أدمغة ثرية ومتنوعة من طينة مختلفة من البشر لا يشبهون الطغمة المحيطة به المتملقة رضاه بشتى الوسائل. بُنية الحكومة وآلية صناعة القرار في الديمقراطيات ذات طبيعة مختلفة كثيراً لما هو واقع في روسيا وأمثالها، وبنتائج مختلفة أيضاً يصعب على مثل هذه الأنظمة الشمولية توقعها أو التحسب لها.

كما توقع بوتين، لم تتدخل الولايات المتحدة ونأت أوروبا بنفسها، لكنها لم تقف بعيداً على المسافة التي قدَّرها. ووقع ما لم يتوقعه بوتين ورجاله: شيدت الولايات المتحدة بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي جداراً نارياً مرعباً من حول أوكرانيا فور اجتياحها من قبل القوات الروسية والمتعاونين معها. وربما لصدمة بوتين، ضم هذا الجدار حتى دولاً من داخل الاتحاد السوفيتي السابق كانت تقف على الحياد قبل الحرب وما كانت حتى تجرؤ على أن ترفع عيناً أو ترمش جفناً في وجه الرفيق الأكبر والأقوى، روسيا. الآن أصبحت قوات الناتو المدججة بأحدث الأسلحة الذكية والفتاكة تنتشر على طول الحدود الروسية مع أوروبا، لا تتدخل فعلاً في الحرب الجارية على الأراضي الأوكرانية، لكنها تظل متأهبة على الحدود وتزود المقاتلين الأوكران بما يكفي من القوة النارية لإبقاء الحرب مشتعلة بمقادير محسوبة بعناية. هكذا حُشرت القوات الروسية، عين داخل أوكرانيا على ساحة المعركة والعين الأخرى على الحدود الروسية ذاتها، مشغولة بمراقبة تحركات الناتو ومناوراته المنذرة بين الفنية والأخرى. كل حركة ولو صغيرة في ميدان القتال محسوبة بالتداعيات الوخيمة المحتملة من حوله.

اليوم تختبئ القوات الروسية في جيوب أوكرانية ضيقة بمحاذاة حدودها، لا هي قادرة على التوغل غرباً صوب العاصمة الأوكرانية، كييف، وإنهاء الحرب بالضربة القاضية، ولا هي قادرة على أن تعود أدراجها شرقاً صوب أراضيها الروسية. كما كشفت صور الأقمار الاصطناعية مؤخراً، لم يعد بمقدور روسيا الآن سوى أن تحفر الخنادق وتقيم المتاريس الخرسانية وتزرع الألغام بمحاذة شريط ضيق يفصلها عن القوات الأوكرانية، في انتظار هجوم مضاد أوكراني وشيك طال انتظاره وقد لا يأتي أصلاً رغم كثرة الحديث عنه. لماذا تتعب أوكرانيا نفسها في هجوم مضاد لتحرير الأجزاء المحتلة من أراضيها إذا كان المشهد العام بهذا الوضوح، لا يتطلب سوى بعض الوقت والصبر وسيحل نفسه بنفسه؟!

لقد صنعت الولايات المتحدة وأوروبا من أوكرانيا مصيدة لبوتين وقواته، يستنزفون فيها ذخيرته التي في معظمها أسلحة بالية وغبية موروثة من الحقبة السوفيتية، وثرواته التي في معظمها ريعية ومن صادرات المواد الخام، اللتان طالما ابتزهم وتحداهم بها عبر أنحاء متفرقة من العالم، وحتى داخل أوروبا ذاتها. وهو اليوم مسكين وعديم الحيلة، عالق داخل المصيدة الأوكرانية، يحفر خنادق تحميه من النيران الغربية وعاجز عن التحرك في أي اتجاه، ولو حتى العودة إلى الوطن. لقد تمت محاصرته من كل الجهات، ليس من ناحية أوروبا فقط، بل حتى من بلده روسيا أيضاً. هكذا كان من نتيجة حربه الطائشة وسيئة التخطيط أن حتى شرائح روسية من أمثال يفغيني فيكتوروفيتش، قائد قوات فاغنر الروسية شبه العسكرية وصنيعة بوتين الشخصية، مع الكثيرين من القوميين الروس، قد شيدوا بدورهم جداراً أشد ضراوة نارية من الذي بناه حلف شمال الأطلسي حول بوتين، يحرمه من أي عودة آمنة إلى قصره في روسيا. وحين يتخندق القيصر ويُحاصر ولا يستطيع الحركة في أي اتجاه بهذا الشكل، وقتها لا يُقال سوى كلمتين اثنين لا ثالث لهما: "كشف مات".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مرض الديكتاتور واحد
د. لبيب سلطان ( 2023 / 5 / 26 - 15:02 )
تحية للاخ عبد المجيد
نعم ان هتلر صدام وبوتين هي شخصيات وظواهر واحدة وما يصح على احدهم يصح على الاخر ، كلهم نادوا بالقومية التاريخية ليشحذوا الرعاع حولهم ، قاموا بتصفية الاصوات المعارضة، صادروا قرار اممهم، قربوا المتزلفين ، شنوا حروبا عدوانية بقرار من داخل غرف مظلمة لايعلم بها سوى اقرب اثنين او ثلاثة من اقرب متزلفيهم ..انها صفات الديكتاتور القومي المريض السقيم الذي يعتقد انه منقذ الامة ولكنه في الحقيقة مدمرها ويدمرها مرتين الاولى في القضاء على الديمقراطية والحريات مما يقوض امته داخليلا والثانية شن حروب عدوانية تستنزف طاقات امته وتدمر اقتصادها ومستقبلها معه
مصير هتلر كان الانتحار كونه شجاعا وصدام سلم نفسه كونه جبانا فهل سيكون مصير بوتين بينهما ..اعتقد ان الشعب الروسي سينال منه بالطريقة المناسبة ويعاقبه على الدمار المادي والنفسي والاقتصادي الذي حل به واعتقد ان هذا الدرس سيكون هاما له ليتمسك بالديمقراطية كما تمسك بها الشعب الالماني بعد نهاية دكتاتوره .،..فالشعوب مثل الافراد تتعلم من اخطائها واهمها التعلم من مصائب الديكتاتورية
مع افضل التخيات


2 - هل الحرب بهذه البساطة؟!!
حميد فكري ( 2023 / 5 / 26 - 17:33 )
كتب السيد الكاتب
(لماذا تتعب أوكرانيا نفسها في هجوم مضاد لتحرير الأجزاء المحتلة من أراضيها إذا كان المشهد العام بهذا الوضوح، لا يتطلب سوى بعض الوقت والصبر وسيحل نفسه بنفسه؟!)
أنا لست خبيرا عسكريا ومع ذلك ،أتسائل.
هل تعتقد أن الحرب بهذه البساطة ،حتى لا أقول السذاجة ؟!!


3 - دولة السوفيت-بزرها-سقطت بهذه الطريقه بلاطلقة واحده
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 5 / 26 - 19:55 )
مجرم الحرب بوتين هجم ويهجم بيته وقصره بايده-كل يوم روسيا المسكينه تخسر في حربها العدوانية على بطلة الانساانيةاوكرانيا مئات ملايين-الدلارات-ومئات-واحيانا الاف الارواح يوميا وليس اسبوعيا وهكذا -تموع-وفي لحظة يصير بوتين -ومعه روسيا بببببووووششش يعني فارغ يضرب بطناش فيرفع جنود بوتين اعلامهم البيضاء المصنوعه من البستهم الداخليه -وليس علينا الانتظار الا قليلا -تحياتي لكل من يستعمل عقله وضميره


4 - استراتيجيا الأماني السحرية
أحمد ( 2023 / 5 / 26 - 22:24 )
السيد الكاتب يسقِط أمانيه الشخصية على مسرح العمليات الحربية في أوكرانيا ، فيتنبأ بطريقة سحرية بأن روسيا ستمنى بالهزيمة الحتمية ! وتذهب به روحانيته السحرية التنبؤئية إلى الخلط العشوائي بين المنطق وبين الاستراتيجيا فيتحدث عن (المنطق الجيوستراتيجي) ! ولأن الستراتيجيا هي بالأساس علم عسكري ، ففي أية أكاديمية أركان حرب أو جهاز مخابرات عسكرية تأهل تخصصيا كخبير في الستراتيجيا ؟
وأنا كالسيد حميد لست خبيرا عسكريا ولست متخصصا في دراسات الستراتيجيا ، لكني كغيري أعلم أن أميركا ومعها دول حلف الناتو والاتحاد الأوربي تشارك في الحرب بإمدادات السلاح والخبراء والدعم اللوجستي والاستخبارات والاقمار الصناعية (وهم يعلنون ذلك ولا ينكرونه) ، فليت السيد الكاتب والدكاترة المعلقين يفسرون لنا سر صمود روسيا وحدها في مواجهة تحالف 52 دولة تدعم أوكرانيا بالمال والسلاح وآلاف العقوبات غير المسبوقة في التاريخ ؟ . أما التقييم الأخلاقي فأمر آخر مختلف .


5 - الصمود يصنع النصر!
شهاب ( 2023 / 5 / 27 - 08:50 )
يسأل أبو شهاب في التعليق 4 ما سر صمود روسيا وحدها في مواجهة تحالف 52 دولة تدعم أوكرانيا؟
هو نفس سر صمود بطل التحرير القومي صدام ابو الحفرة ضد العدوان الثلاثيني على العراق العفلقي البعث فاشي العظيم! الله أكبر ..... وليخسأ الخاسؤون


6 - لو ان صدام كان يملك السلاح الروسي
شيخ صفوك ( 2023 / 5 / 27 - 13:04 )
لانتصر فعلاً يا سيد شهاب 


7 - الاحداث الكبرى واحتمالاتها
صباح كنجي ( 2023 / 5 / 27 - 13:29 )
لا يوجد اقذر من الحرب.. الا من يشعلها ويوقد نارها.. وهذه الحرب.. هي حرب ازمة الرأسمالية شاملة في عصرنا الراهن.. ولن تكون الاخيرة في عالم الراسماية المنتج للازمات والحروب.. وبوتين مدان كطرف مباشر في هذه الحرب القذرة.. ولا يمكن تبرير تصرفاته وقبولها.. والموقف السليم.. هو المطالبة بايقاف الحرب وادانة مشعليها .. ومع هذا اقول ان الكاتب اخذ طرفاً واحدا واحتمالا واحدا.. ليبني عليه استنتاجاته.. وهذا لا يصح عندما نتعامل مع احداث كبيرة في التاريخ.. تنتج مقدماتها.. اكثر من احتمال.. وتقرر اكثر من نتيجة.. وهذا ما يدور الان في ساحة الصراعات الدولية.. وليست الحرب الاوكرانية ـ الروسية الا واحدة من هذه العقد.. التي نواجهها ونحتاج لتحليلها.. ان لا ننطلق من موقف مسبق.. ونتبنى طرفاً ضد طرف..

اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة