الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقيدة إسرائيل العسكرية: قتال لا تتوقف (1 من2)

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2023 / 5 / 26
الارهاب, الحرب والسلام


نهاد أبو غوش
تنتشر في إسرائيل على نطاق واسع، وبخاصة في الأوساط السياسية والعسكرية مقولة أن الجيش الإسرائيلي هو دائما في حالة حرب، فهو إما يقاتل فعليا على الجبهة أو أنه يستعد للحرب المقبلة. تنسب هذه المقولة للجنرال والمفكر العسكري الألماني / البروسي كارل فون كلاوزفيتش (1780-1831) لكن إسرائيل طبقتها عمليا وتبنتها حرفيا، كما في الخطاب الرسمي لرئيس أركان جيشها الأسبق غابي أشكنازي الذي طرحها في العام 2007 بوصفها العبرة الرئيسية من حرب تموز 2006.
تلخّص هذه المقولة مجموعة من الحقائق في آن واحد: فهي تؤكد أن هذه الدولة المزروعة في قلب الوطن العربي محاطة ببيئة معادية من دول وتنظيمات وشعوب على الرغم من تبدل الأدوار وتقلب الأحوال، وهي كذلك تعكس النزعة العدوانية العسكرية لدولة إسرائيل التي إن لم تجد عدوا فعليا تبادر إلى اختراع هذا العدو، ثم أن هذه القاعدة تكشف الدور الوظيفي الموكول لهذه الدولة من قبل المراكز الغربية الرأسمالية وهو دور عسكري وأمني بامتياز ما يعطي الجيش الإسرائيلي دورا محوريا في تسيير شؤون الدولة ورسم ملامحها والتأثير على سماتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وتحضرهذه المقولة بقوة عقب الجولة الأخيرة من القتال والعدوان على قطاع غزة التي استهدفت حركة الجهاد الإسلامي وأسمتها إسرائيل "رمح وسهم"، في حين أسمتها المقاومة "ثأر الأحرار"، ليتبين انها مجرد جولة سريعة ضمن سلسلة لا تنتهي من جولات القتال.
يميل الفلسطينيون إلى تسمية هذه الجولات المثقلة بالخسارات والضحايا في صفوف المدنيين حروبا، بينما تسميها إسرائيل عمليات عسكرية وحملات، ومع صعوبة التفريق القاطع بين حرب ومعركة أو عملية عسكرية واسعة، فإن إحصاء وتصنيفها ليس سهلا فهي تصل إلى نحو عشر جولات منذ العام 2007 فقط، وكلها تحمل من الزاوية الإسرائيلية أسماء ذات صبغة أدبية، هي أقرب لأسماء الروايات وأفلام الحركة: شتاء دافئ، والرصاص المصبوب، وإعادة الصدى، وعامود السحاب، والجرف الصامد، وحديقة مغلقة، والحزام الأسود، وحارس الأسوار، والفجر الصادق، والسهم والرمح، إلى جانب الحملة المستمرة في الضفة والمسماة "كاسر الأمواج". الفلسطينيون من جانبهم، وتحديدا فصائل المقاومة تميل إلى إطلاق أسماء تعبوية متفائلة، مستوحاة من التراث والمقدسات، وتبرز الجانب الجوهري في المعارك وهو القتال، مثل معركة الفرقان وحجارة السجيل والعصف المأكول. من بين كل هذه المعارك فقط عملية الجرف الصامد "العصف المأكول" أسمتها إسرائيل حربا بقرار من لجنة وزارية متخصصة، لتضيفها إلى سلسلة من الحروب التي لا تنتهي: 1948، العدوان الثلاثي 1956، حزيران 1967، حرب الاستنزاف 1970-1971، حرب تشرين/ أوكتوبر 1973، حرب العام 1982 أو عملية سلامة الجليل، بالإضافة إلى الانتفاضتين الفلسطينيتين الكُبريَين عامي 1987 و2000، واللتين شملت كل منهما زج عشرات ألوف الجنود وأفراد الشرطة الإسرائيليين في العمليات القتالية، واستخدام أحدث أنواع الأسلحة بما فيها الطائرات الحربية من نوع إف 15، وإف 16، التي شاركت في قصف المدن الفلسطينية في الضفة وغزة. فالانتفاضة الثانية ( انتفاضة القدس والأقصى) على سبيل المثال اشتملت على عملية "السور الواقي" التي تخللها مجموعة كبيرة من المعارك أبرزها معركة مخيم جنين.
ثمة إذن اعتبارات عملياتية عسكرية وسياسية تدخل في تصنيف الحروب والمعارك من بينها حجم الخسائر والتشكيلات العسكرية المشاركة في الحرب، إلى جانب الاعتبارات المعنوية حيث لا ترغب المؤسسات الإسرائيلية الحاكمة في الإثقال على "سكان الدولة" وإشعارهم بانهم في حالة حرب مفتوحة لا تتوقف ولا تنتهي، فضلا عما يمكن أن يسببه ذلك من أضرار لحجم الاستثمارات والسياحة وصورة إسرائيل "الناعمة" أمام العالم.
ابتكر القادة العسكريون الإسرائيليون حلا لهذه "المعضلة" فهم بحاجة إلى هذه الحروب المستمرة ولكنهم حريصون في الوقت نفسه على تصوير إسرائيل كدولة ترغب في العيش بسلام مع جيرانها، ولذلك جاء تكتيك "المعارك بين الحروب" وفيها ينفذ الجيش عمليات عسكرية محدودة وغالبا ما تكون سريعة وخاطفة، تعتمد هذه المعارك بشكل خاص على القدرات الاستخبارية المتطورة، وتميل إلى ضرب "العدو" خلال محاولات بناء وتطوير قدراته العسكرية، وكردّ على التهديدات التي تنشأ خارج حدود دولة إسرائيل. من الأمثلة البارزة على مثل هذه المعارك عمليتا ضرب المفاعل النووي العراقي (1981) والسوري (2007)، ومواصلة ضرب شحنات السلاح الإيراني على الأرض السورية، وكذلك ضرب قوافل السلاح التابع للمقاومة الفلسطينية على الأراضي السودانية، والسيطرة على شحنات الأسلحة الموجهة للفلسطينيين في سفينتي سانتوريني وكارين A خلال الانتفاضة الثانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟